الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ".
(ش)(سفيان) بن عيينة
(قوله أي أسرعوا بالجنارة) أي بالسير بها حال حملها إلى القبر والمراد بالإسراع ما فوق المشي المعتاد ولا يبلغ به حدًا ينشأ عنه حدوث مفسدة بالميت أو حصول مشقة على الحامل أو المشيع. ففي رواية النسائي عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا. وقال بعضهم المراد الإسراع بتجهيزها إذا تحقق موتها.
والأولى إرادة ما هو أعم من التجهيز والسير كما يشعر بذلك ما أخرجه الطبراني لإسناد حسن من حديث ابن عمر مرفوعًا "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره" وتحقق الموت يختلف باختلاف الأشخاص: فمنهم من يتحقق موته بعد زمن يسير، ومنهم من لا يتحقق موته إلا بعد مضي نحو يوم وليلة كالمبطون والمفلوج
(قوله فإن تك صالحة الخ) أي إن تكن الجنازة صالحة فأمامها خير تقدمونها إليه وهو ثواب عملها الصالح، وإن تك غير صالحة فهي شر تضعونه عن أعناقكم لأنها بعيدة عن الرحمة فلا خير لكم في مصاحبتها، فالمراد بالجنازة الميت.
وقوله فشر تضعونه الإخبار عن الجنازة غير الصالحة بالشر مبالغة أو الكلام على تقدير مضاف أي فهي ذات شر. وفي الإتيان بضمير المذكور فيه قوله تضعونه عن رقابكم دليل على أن حمل الجنازة يختص بالرجال لأنهم الأحق بذلك
(فقه الحديث) دل الحديث على استح
باب الإسراع بالجنازة
حال السير معها والمبادرة بدفنها: ونقل ابن قدامة أن الأمر للاستحباب بلا خلاف بين العلماء. وشذ ابن حزم فقال بوجوبه ولا ينافي هذا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف فقال ابن عباس هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا. وما جاء عن بعض السلف أنهم كرهوا الإسراع بالجنازة لأنه محمول على الإسراع المفرط الذي يخاف منه انفجارها أو خروج شيء. أو إضرار من يسير معها. وعلى الحث على مصاحبة الصالحين وترك مصاحبة المخالفين
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي وابن ماجه والترمذي
(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَهُ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَرْمُلُ رَمَلًا.
(ش)(رجال الحديث)(عيينة بن عبد الرحمن) بن جوشن الغطاني أبو مالك البصري روى عن نافع وأيوب بن موسى وعلي بن زيد. وعنه شعبة بن الحجاج وابن المبارك وعيسى بن يونس ويزيد بن زريع وأبو عاصم وآخرون. قال أبو حاتم ثقة صدوق ووثقه النسائي وقال أحمد ابن معين صالح ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب صدوق من السابعة. روى له البخاري في الأدب والأربعة.
و(أبوه) عبد الرحمن، بن جوشن الغطفاني البصري. روى عن ربيعة بن جوشن وأبي بكرة وابن عباس وابن عمر وجماعة وعنه ابنه عيينة. وثقه أبو زرعة وابن سعد والعجليّ وقال أحمد ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
و(أبو بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي الصحابي. وإنما رفع سوطه يهددهم على ترك الإسراع في السير
(معنى الحديث)
(قوله اقد رأيتنا) أي لقد رأيت نفسي وغيري من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسرعين بالجنازة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(قوله نرمل رملًا) من باب طلب يعني يسيرون سيرًا فوق المعتاد ودون الهرولة. وأصل الرمل الإسراع في المشي حتى يهز منكبيه. وقد أخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن عمرو أن أباه أوصاه قال إذا أنت حملتني على السرير فامش مشيًا بين المشيين وكن خلف الجنازة فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبني آدم
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي، وكذا النسائي مطولًا ومختصرًا من طريق هشيم، وكذا الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال النووي إسناده صحيح
(ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ح وَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا عِيسَى -يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ- عَنْ عُيَيْنَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَا فِي جَنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَقَالَ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ بَغْلَتَهُ وَأَهْوَى بِالسَّوْطِ.
(ش) ذكر المصنف هذه الرواية لبيان أنه قد اختلف على عيينة بن عبد الرحمن في رواية الحديث فروى عنه شعبة أن أباه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص، وروى عنه خالد بن الحارث وعيسى ابن يونس أنه كان في جنازة عبد الرحمن بن سمرة ووافقهما إسماعيل بن إبراهيم ويحيى بن سعيد ووكيع كما ذكره البيهقي
(قوله قالا في جنازة عبد الرحمن بن سمرة) أي قال خالد بن الحارث وعيسى بن يونس في روايتهما عن عيينة عن أبيه أنه كان في جنازة عبد الرحمن بن سمرة بدل قوله في رواية شعبة عن عيينة أن أباه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص
(قوله وقال فحمل عليهم بغلته) أي قال عيينة فحمل عليهم أبو بكرة بغلته يعني أسرع إليهم بدل قوله في الرواية السابقة فلحقنا
(قوله
(ص) وأهوى بالسوط) أي مدة نحوهم وأماله إليهم تهديدًا لهم على ترك السنة في السير مع الجنازة يقال أهوى يده وبيده إلى الشيء مدها إليه ليأخذها
(وهذه الرواية) أخرجها البيهقي والنسائي واللفظ له قال: أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى حدثنا خالد أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون رويدًا رويدًا بارك الله فيكم فكانوا يدبون دبيبًا حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته أهوى إليهم بالسوط وقال خلوا فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا فانبسط القوم
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَحْيَى الْمُجَبِّرِ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ- عَنْ أَبِي مَاجِدَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْنَا نَبِيَّنَا -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ فَقَالَ "مَا دُونَ الْخَبَبِ إِنْ يَكُنْ خَيْرًا تَعَجَّلْ إِلَيْهِ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَبُعْدًا لأَهْلِ النَّارِ وَالْجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَا تُتْبَعُ لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا".
(ش)(الرجال)(أبو عوانة) وضاح بن عبد الله الواسطي. و (ويحيى) بن عبد الله بن الحارث (المجبر) وقيل الجابر بالجيم والموحدة لقب بذلك لأنه كان يجبر الأعضاء. روى عن سالم بن أبي الجعد وعبيد الله بن مسلم الحضرمي أبي ماجدة وغيرهم. قال أحمد ليس به بأس وقال بن معين ضعيف الحديث ليس بشئ وقال أبو حاتم والنسائي ضعيف وقال الجوزجاني غير محمود وقال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به. روى له الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
و(أبو ماجدة) ويقال أبو ماجد الحنفي العجلي هو عائذ بن فضالة كما قال أبو حاتم. روى عن ابن مسعود. وعنه يحيى بن عبد الله قال ابن المديني لا نعلم أحدًا روى عنه غيره. وفي التقريب مجهول من الثانية وقال النسائي وابن عيينة منكر الحديث وقال الترمذي والدراقطني والساجي مجهول. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه
(معنى الحديث)
(قوله ما دون الخبب) بفتح المعجمة والموحدة ضرب من العدو كما تقدم والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين لهم أن السير مع الجنازة يكون فوق المشي المعتاد ودون الجري
(قوله إن يكن خيرًا آلخ) أي إن يكن عمل الميت صالحًا يعجل
به إلى ثوابه وجزائه فإن قبره يكون حينئذ روضة من رياض الجنة، وإن يكن عمله غير صالح فأسرعوا به لتبعدوا أهل النار عن أعناقكم، والقبر حينئذ حفرة من حفر النار. ويحتمل أن يكون قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبعدًا دعاء منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أهل النار كقوله تعالى (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
(قوله والجنازة متبوعة) أي يتبعها من يشيعها بمشيه خلفها (ولا تتبع) بفتح المثناة الفوقية والموحدة وسكون المهملة وبرفعها على النفي أي لا ينبغي لمن يسير مع الجنازة أن يتقدمها وهو تأكيد لما قبله
(قوله ليس معها من تقدمها) وفي نسخة ليس معها ما يقدمها أي أن من تقدم أمام الجنازة من المشيعين لا يكون مشيعًا لها فلا يستحق ثواب التشييع على الوجه الأكمل. وهذا الحديث من أدلة القائلين إن المشي خلف الجنازة أفضل، لكنه ضعيف لأنه من طريق يحيى بن عبد الله المجبر عن أبي ماجدة وهما ضعيفان كما تقدم.
وفي بعض النسخ زيادة قوله "قال أبو داود هو ضعيف. يحيى بن عبد الله وهو يحيى الجابر. قال أبو داود وهذا كوفي وأبو ماجدة بصري. قال أبو داود أبو ماجدة هذا لا يعرف" قال ابن حجر في التلخيص ضعفه البخاري وابن عدي والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرهم
(فقه الحديث) دل الحديث على أن من جهل شيئًا ينبغي له أن يسأل عنه أهل العلم. وعلى أنه ينبغي لمن سار مع الجنازة أن يسير معها سيرًا وسطًا. وعلى أن الأفضل للمشيع ألا يكون أمامها، وعلى الترغيب في مصاحبة الأخيار والتنفير ما مصاجة الأشرار
(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه البيهقي وقال أبو ماجد مجهول ويحيى الجابر ضعفه جماعة من أهل النقل
(باب الإِمام يصلي على من قتل نفسه)
هو على تقدير الاستفهام أي أيصلي؟ وفي بعض النسخ "باب الإِمام لا يصلي على من قتل نفسه"
(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ نَا زُهَيْرٌ نَا سِمَاكٌ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ جَارُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ. قَالَ "وَمَا يُدْرِيكَ". قَالَ أَنَا رَأَيْتُهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ". قَالَ فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ". فَرَجَعَ فَصِيحَ
عَلَيْهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبِرْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ. قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ مَعَهُ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَقَالَ "مَا يُدْرِيكَ". قَالَ رَأَيْتُهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ مَعَهُ. قَالَ "أَنْتَ رَأَيْتَهُ". قَالَ نَعَمْ. قَالَ "إِذًا لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ".
(ش)(ابن نفيل) عبد الله بن محمَّد. و (زهير) بن معاوية. و (سماك) بن حرب
(قوله مرض رجل آلخ) لم نقف على اسمه ولا على اسم جاره
(قوله إنه قد مات) لعله صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بذلك المريض حتى إنه أضمر له بقوله إنه قد مات وأخبر الرجل بموته اعتمادًا على ما سمعه من الصراخ
(قوله وأنا رأيته) أي علمته
(قوله قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه لم يمت) فيه معجزة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإخباره بذلك وانكشاف الأمر كما قال
(قوله فقال الرجل اللهم العنه) لعل المرأة أحبرت الرجل بأنه قد شرع في نحو نفسه فلعنه
(قوله قد نحر نفسمه بمشقص معه) يعني شرع في ذلك. والمشقص بكسر الميم نصل السهم إذا كان طويلًا غير عريض
(قوله رأيته ينحر نفسه) سبب ذلك ما جاء في رواية ابن ماجه عن جابر بن سمرة "أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جرح فآذته الجراحة فدب إلى مشاقص فذبح نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم"
(قوله قال إذا لا أصلي عليه) فيه دلالة على أن من قتل نفسه لا يصلى عليه، وبه أخذ عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والعترة. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء إنه يصلى عليه. وقال أحمد لا يصلي الإِمام على قاتل النفس ويصلي عليه غير الإمام. وإنما ترك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة على الرجل عقوبة له وزجرًا للناس من الوقوع في مثل ذنبه، ونظيره تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة على المدين كما في رواية للنسائي فإن ذلك كان زجرًا لغيره عن التساهل وإهمال الوفاء بالدين، ولم يمنع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة عليه كما يشعر بذلك ما في رواية النسائي من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما أنا فلا أصلي عليه. وكذا يصلى على كل فاسق لحديث، صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله رواه الدارقطني من عدة طرق وفيها مقال. واستثى أبو حنيفة البغاة وقطاع الطريق فقال لا يصلى عليهم
(فقه الحديث) دل الحديث على أن من قتل نفسه لا يصلى عليه وقد علمت بيانه. وعلى جواز لعن من قتل نفسه لأن الظاهر أن لعن المخبر بلغ النبي محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يثبت أنه أنكر عليه
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي
(باب الصلاة على من قتلته نفسه)
يعني أيصلى على من قتله الإِمام بسبب ارتكابه حدًا من الحدود؟
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ حَدَّثَنِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
(ش)(أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري. و (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله. و (أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية تقدم بالثالث صفحة 74. وكذا (أبو برزة) نضلة بن عبيد صفحة 306
(قوله لم يصل على ماعز بن مالك آلخ) أي لما أقرّ بالزنا أمام النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم فأعرض عنه. ففي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: أتى رجل من المسلمبن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أبك جنون؟ قال لا قال فهل أحصنت؟ قال نعم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهبوا به فارجموه.
وفي رواية للبخاري فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ قال لا يا رسول الله فقال أنكتها؟ (وحديث الباب) صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز. وفي رواية للبخاري أنه صلى عليه، فقد أخرج عن محمود بن غيلان قال: ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رجلًا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه (الحديث) وفيه فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيرًا وصلى عليه.
قال الحافظ هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وخالفه محمَّد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره ولم يصل عليه. قال المنذري في حاشية السنن رواه ثمان أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله وصلى عليه. وقد أخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق ومسلم عن
إسحاق بن راهويه "إلى أن قال" فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس خالفوا محمودًا: منهم من سكت عن الزيادة، ومنهم من صرح بنفيها اهـ وقال البيهقي ورواه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق إلا أنه قال فصلى عليه وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ثم إجماع أصحاب الزهري علي خلافه اهـ.
وعلى هذا فتكون زيادة فصلى عليه شاذة. لكن قد تقرر في الأصول أن زيادة الثقة مقبولة إذا وقعت غير منافية وهي هنا كذلك بالنسبة لمن روى أصل الحديث وسكت عن الزيادة، أما بالنسبة لمن صرح بنفي الصلاة فيمكن الجمع بينها وبين الرواية المثبتة للصلاة بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل عليه يوم الرجم وصلى عليه في الغد. فقد روى عبد الرزاق عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه؟ قال لا، فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والناس.
وعلى فرض عدم إمكان الجمع فترجح رواية الإثبات لأنها رواية الصحيح ورواية المصنف التي فيها النفي في إسنادها مجاهيل. ويؤيده صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي الزانية كما رواه مسلم، وسيأتي للمصنف من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجمت "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى عليها فقال له عمر أتصلى عليها وقد زنت؟ فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وقال الإِمام أحمد ما نعلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه اهـ.
واختلف العلماء في الصلاة على من قتل حدًا. فقال مالك وأحمد يكره للإمام وأهل الفضل الصلاة عليه زجرًا للناس لئلا يجترئوا على مثل فعله لحديث الباب ويصلي عليه غيرهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي يغسل المرجوم ويصلى عليه وهو قول الجمهور بل قال القاضي مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه اهـ وحجتهم ما تقدم لمسلم من حديث الجهنية. وقال الزهري لا يصلى على المرجوم لكن الأحاديث ترده
(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي
(باب الصلاة على الطفل)
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمْ يُصَلِّ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.
(ش)(ابن إسحاق) محمَّد
(قوله فلم يصل عليه رسول الله) لعل المراد لم يصل عليه في جماعة، فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى عليه وحده، أو أنه لم يصل عليه بنفسه لما قيل من أنه كان مشغولًا بصلاة الكسوف وصلى عليه غيره. فقد تقدم أن الشمس قد كسفت يوم وفاة إبراهيم.
وقال الخطابي كان بعض أهل العلم يتأوله على أنه إنما ترك الصلاة عليه لأنه قد استغنى ببنوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن قربة الصلاة عليه كما استغنى الشهداء بقربة الشهادة عن الصلاة عليهم اهـ. وسيأتي للمصنف عن عطاء مرسلًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على ابنه إبراهيم. وهذا أولى الأمرين وإن كان حديث الباب أحسن اتصالًا. ولكن يقوي رواية عطاء عموم مشروعية الصلاة على الأطفال والأحاديث الآتية في الباب
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبزار وأبو يعلي
(ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَهِيَّ قَالَ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَقَاعِدِ.
(ش)(رجال الحديث)(وائل بن داود) أبو بكر التيمي الكوفي. روى عن عكرمة ومسلم بن يسار وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن حبيب وغيرها. وعنه السفيانان وشعبة ويحيى القطان وشريك وجماعة. وثقه أحمد والخليلي وقال البزار وابن أبي حاتم صالح الحديث وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي و (البهي) عبد الله بن بشار
(معنى الحديث)
(قوله صلى عليه رسول الله في المقاعد) جمع مقعد وهو موضع قعود الناس في الأسواق وغيرها. والمراد هنا مقاعد عند دار عثمان أو موضع بقرب المسجد اتخذ للقعود فيه والوضوء. والمراد صلى عليه وحده أو أمر أن يصلى عليه غيره كما تقدم فلا تنافي بين الروايتين.
وعلى فرض عدم إمكان الجمع بينهما فترجح رواية الإثبات على رواية النفي لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ والمثبت مقدم على النافي. ورواية الإثبات وإن كانت مرسلة فقد ورد ما يقويها. من ذلك ما رواه ابن ماجه في سننه من طريق مقسم عن ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى