الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زاد مسلم والنصارى أي قتلهم وأهلكهم، فقاتل بمعنى قتل كسارع بمعنى أسرع، أو المعنى لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته كما في رواية البخاري عن عائشة لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وهذا دعاء منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو خبر بمعنى الإنشاء
(قوله اتخذوا الخ) جملة مستأنفة لبيان سبب دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم. ومعني اتخاذها مساجد أنهم جعلوها قبلة يصلون إليها فلعنهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام أو أنهم بنوا عليها مساجد يصلون فيها كما تقدم. وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم قال ذلك قبل أن يموت بخمس ليال وزاد فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك
(وفي الحديث) دلالة على منع الصلاة إلى قبور الأنبياء واتخاذها مساجد لأنه قد يفضي إلى عبادة نفس القبر، وكذا قبور الأولياء والصالحين. ولذا لما احتاجت الصحابة والتابعون إلى زيادة مسجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم وامتدت الزيادة إلى حجر أمهات المؤمنين ومنها حجرة السيدة عائشة مدفن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه رضي الله تعالى عنهما بنوا حول القبر الشريف حيطانًا مرتفعة مستديرة لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ثم بنوا جدارين كهيئة مثلث قاعدته الحائط الشمالي للقبر حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر وهاك رسم ذلك
وقد زعم بعضهم أن النهي عن الصلاة إلى القبر إنما كان في الزمن السالف لقرب العهد بعبادة الأوثان، أما الآن فلا كراهة فيها وهو مردود لتطابق المسلمين علي خلافه ولعموم النهي في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية مسلم فلا تتخذوا القبور مساجد
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي
(باب في كراهية القعود على القبر)
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا خَالِدٌ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ حَتَّى تَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ".
(ش)(خالد) بن عبد الله الواسطي. و (سهيل) بن أبي صالح ذكوان السمان
(قوله لأن يجلس) بفتح اللام الموطئة للقسم، وأن مصدرية أولت ما بعدها بمصدر مبتدأ خبره خير. والمراد بالجلوس القعود عليه ولو لغير قضاء الحاجة. والحكمة في التنفير منه ما يترتب عليه من
الاستخفاف بحق المسلم وإيذائه. فقد أخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه سئل عن وطء القبر قال كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته. وقيل المراد به القعود للإحداد والحزن بأن يلازمه ولا يرجع عنه
(قوله خير له من أن يجلس على قبر) نكر القبر ليعم قبر المسلم وغيره من أهل الذمة. ولا ينافيه ما في رواية ابن ماجه من قوله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلى من أن أطأ علي قبر مسلم لأن التقييد فيه بقبر المسلم لشرفه ولأنه الأصل في الاحترام
(وظاهر الحديث) يدل على حرمة الجلوس علي القبر. وبه قال ابن حزم.
وحمل جمهور الفقهاء الوعيد في الحديث على الكراهة وكذلك النهي في حديث جابر في الباب السابق، وفي حديث أبى مرثد الغنوي الآتي ومحل القول بالكراهة إن لم يكن القعود لقضاء الحاجة من بول أو غائط وإلا حرم اتفاقًا.
قالوا ومثل الجلوس علي القبر المشي والاستناد والاتكاء عليه لحديث ابن ماجه المتقدم آنفًا ولما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عمرو بن حزم قال رآني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متكئًا على قبر فقال "لا تؤذ صاحب هذا القبر" ومحل الكراهة إذا لم تدع الضرورة إليه وإلا جاز لما ذكره ابن حزم عن ابن مسعود لأن أطأ علي جمرة حتى تبرد أحب إليّ من أن أتعمد وطء قبر لي عنه مندوحة.
وقالت المالكية يجوز القعود بلا كراهة لما رواه مالك في الموطأ أن عليّ بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها: وأخرجه الطحاوي بإسناد رجاله ثقات، ولما في البخاري من قول نافع "كان ابن عمر يجلس على القبور"
ولما رواه الطحاوي بسنده أن محمَّد بن كعب القرظي أخبرهم قال: إنما قال أبو هريرة قال رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة.
ولما رواه أيضًا عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الجلوس علي القبور لحدث غائط أو بول.
قال الطحاوي فبين زيد في هذا الحديث الجلوس المنهي عنه. هذا مفاد كلام الموطإ ومن كتب عليه كالباجي والزرقاني ولكن مشهور المذهب أنه يكره القعود والمشي علي القبر إذا كان مسنمًا أو مسطحًا والطريق دونه وظن بقاء شيء من عظام الميت والإجاز بلا كراهة "وحمل" حديث الباب على الجلوس لقضاء الحاجة "مردود" بأن هذا على فرض ثبوته لا يخصص عموم النهي عن القعود الوارد عن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ومن ذلك ما رواه أحمد عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متكئًا على قبر فقال: لا تؤذ صاحب هذا القبر. قال الحافظ إسناده صحيح. وما رواه ابن حزم عن ابن عمر قال: لأن أطأ على رضف أحب إليّ من أن أطأ على قبر. والرضف بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة الحجارة التي حميت