المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الرجل يخرج من ماله) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

معكم خيرًا قوليًا أو فعليًا فجازوه وأحسنوا إليه بمثل ما أحسن به إليكم أو خير منه. قال الله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} أي لا ينبغي مقابلة الإحسان إلا بمثله. وعدى صنع بإلى لتضمنه معنى أحسن، وفي رواية الحاكم "ومن أهدى إليكم فكافئوه"

(قوله فإن لم تجدوا ما تكافئونه الخ) بإثبات النون على الأصل. وفي نسخة ما تكافئوه بإسقاط نون الرفع بلا ناصب ولا جازم تخفيفًا ونظيره حديث "كما تكونوا يولي عليكم" رواه الديلمي. وفي بعض النسخ "فإن لم تجدوا ما تكافئوا به" أي إن لم تجدوا شيئًا تكافئون به من أحسن إليكم فبالغوا في الدعاء له حتى تظنوا أو تعلموا أنكم قد أديتم حقه. ومن المبالغة في الدعاء قوله جزاك الله خيرًا، لما في حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء- رواه الترمذي والنسائي وابن حبان. ويؤخذ منه أن أصل الدعاء بنحو جزاك الله خيرًا يؤدي به حق المحسن مع المبالغة ويخرج به عن عهدة شكره حيث أظهر عجزه عن مجازاته وأحال مكافأته على ربه، ولذا كانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا دعا لها السائل تجيبه بمثل دعائه ثم تعطيه الصدقة، فقيل لها تعطين المال وتدعين؟ فقالت لو لم أدع له لكان حقه بالدعاء لي عليّ أكثر من حقي عليه بالصدقة، فأدعو له بمثل دعائه لي حتى أكافئ دعاءه وتخلص لي الصدقة

(فقه الحديث) دل الحديث عل الترغيب في التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين

(باب الرجل يخرج من ماله)

يعني يتصدق بجميعه أيجوز ذلك أم لا؟

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ

ص: 324

مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى".

(ش)(حماد) بن سلمة كما في رواية الحاكم

(قوله إذ جاء رجل) وفي نسخة إذ جاءه رجل

(قوله أصبت هذه من معدن) بفتح فسكون فكسر أي من مكانه الذي خلقه الله فيه وهو من عدن بالمكان عدنا وعدونا من بابي ضرب وقعد بمعنى أقام، ومعدن كل شيء حيث يكون أصله

(قوله من قبل ركنه الأيمن الخ) أي أتاه من قبل جانبه الأيمن. وإنما أعرض عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن كان مثله في الحاجة وعدم كمال الصبر على الفقر أن يتصدق بكل ماله، بل ينبغي له أن يصرفه في مصالحه فإن وجد فضلًا بعد ذلك تصدق به وإلا فلا، فلما تمادى على مراده ولم يفهم بالإشارة أفهمه بالعبارة

(قوله فخذفه بها) بالخاء والذال المعجمتين، أي رماه بها من الخذف وهو الرمي بالحصى. يقال خذفت الحصاة ونحوها خذفًا من باب ضرب رميتها بطرفي الإبهام والسبابة. وفي نسخة لحذفه بالحاء المهملة أي ضربه بها أو رماه. قال في النهاية: والحذف يستعمل في الرمي والضرب معًا اهـ

(قوله لعقرته) أي جرحته أو قتلته. يقال عقره عقرًا من باب ضرب جرحه وعقر البعير نحوه

(قوله يستكف الناس) وفي نسخة يتكفف الناس، أي يطلب الكفاف منهم ويتعرض للصدقة بأن يأخذها ببطن كفه. يقال تكفف الرجل واستكف مدّ كفه بالمسألة، أو أخذ الشيء بكفه، أو أخذ كفا من الطعام، أو ما يكف الجوع. ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" أخرجه مالك وأحمد والشيخان

(قوله خير الصدقة الخ) أي أفضلها ما كان زائدًا قد فضل عن غنى يستعين به المتصدق بعدها علي حوائحه ومصالحه، فلفظ ظهر زائد للتقوية، فكأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال، ويحتمل أن إضافة ظهر إلى الغنى بيانية لبيان أن الصدقة "إذا كانت" بحيث يبقى الغنى النفسي بعدها لصاحبها لقوة قلبه وكمال يقينه كالصديق رضي الله تعالى عنه، أولبقاه شيء بعدها يستغنى به عما تصدق به، "فهى مطلوبة وخير" وإن كانت بحيث يحتاج صاحبها بعدها إلى مثل ما أعطى فهي مذمومة لأنه يندم غالبًا. وفي الحديث "خير الصدقة ما أبقت غنى" رواه الطبراني عن ابن عباس

ص: 325

(فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الحكمة والرأفة بالأمة والحرص على مصلحتها وإرشادها إلى ما يبعدها عن أسباب المشقة الدينية والدنيوية. وعلى أنه ينبغي للإنسان أن يعدّ للأمور عدتها بلا إفراط ولا تفريط. وعلى أن الأفضل للمرء أن يستقبي لنفسه ما يحتاج إليه من ماله. وعلى أن للإمام أن يرد على المتصدق بكل ماله صدقته ولا يقبلها منه إذا علم من حاله أنه لا يصبر على شدة الفقر والجوع، وعلى كراهة التصدّق بكل المال لما يخشى على من فعل ذلك من فتنة الفقر وشدّة نزاع النفس إلى ما خرج من اليد فيندم فيذهب ماله ويضيع ثوابه ويصير كلا على الناس، وهذا في حق من لم يقو يقينه، أما من قوي يقينه كأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فلا يكره له التصدق بكل ماله، ولذا لم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه تصدقه بكل ماله لما علمه من صحة نيته وقوة يقينه

(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وقال صح على شرط مسلم. أقول لكن في إسناده محمد ابن اسحاق وهو لا يحتج به إذا عنعن كما هنا

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ "خُذْ عَنَّا مَالَكَ لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ".

(ش) أي روى هذا الحديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق بإسناده ومعناه، وزاد فيه على حديث حماد قوله صلى الله تعالى عليه. على آله وسلم "خذ عنا مالك لا حاجة لنا له"

(ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا فَطَرَحُوا فَأَمَرَ لَهُ مِنْهَا بِثَوْبَيْنِ ثُمَّ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَصَاحَ بِهِ وَقَالَ "خُذْ ثَوْبَكَ".

(ش)(سفيان) بن عيينة كما في الترمذي. و (ابن عجلان) محمد

(قوله دخل رجل المسجد) لعله سليك بن عمرو الغطفان كما تقدم في "باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب" من أبواب الجمعة

(قوله فأمر النبي الناس أن يطرحوا ثيابًا" أي يضعوها صدقة ليعطى منها ذلك الرجل، ففي النسائي عن أبي سعيد أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله تعالى وعليه وعلى آله وسلم يخطب فقال: صل ركعتين، ثم جاء الجمعة الثانية والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله

ص: 326

وسلم يخطب فقال: صل ركعتين، ثم جاء الجمعة الثالثه فقال: صل ركعتين، ثم قال تصدقوا فتصدقوا فأعطاه ثوبين، ثم قال تصدقوا فطرح أحد ثوبيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: " ألم تروا إلى هذا؟ أنه دخل المسجد بهيئة بذّة فرجوت أن تفطنوا له فتصدقوا عليه، فلم تفعلوا فقلت تصدقوا فتصدقتم فأعطيته ثوبين، ثم قلت تصدقوا فطرح أحد ثوبيه خذ ثويك وانتهره

(قوله ثم حث على الصدقهّ) أي حرض عليها في الجمعة التالية للجمعة التي طرحوا فيها الثياب، ففي رواية للنسائى "فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فحث الناس على الصدقة فألقى أحد ثوبيه"

(وفي حديث الباب) دلالة على أنه يكره للشخص أن يتصدق بما هو محتاج إليه. وعلى أنه ينبغي للإمام إذا رأى من يتصدق بما يحتاج إليه أن يرده عليه

(الحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وصححه. وأخرجه النسائي بلفظ تقدم. وفي سنده محمد بن عجلان تكلم فيه بعضهم، وقال الترمذي: قال سفيان بن عيينة كان محمد بن جملان ثقة مأمونًا في الحديث

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".

(ش)(جرير) في عبد الحميد. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكوان السمان

(قوله خير الصدقة الخ) أي أفضلها ما يبقى بعده للمتصدق ما يدفع حاجته ويكون به غنيًا. وكان هذا أفضل من التصدق، بكل المال لما تقدم من أن من تصدق بالجميع قد يندم إذا احتاج ويودّ أن لم يتصدق بخلاف، من بقي بعد صدقته مستغنيًا فإنه لا يندم عليها. ويحتمل أن يكون معناه أفضل الصدقة ما كان العطاء فيه كثيرًا بحيث يصير المتصدق عليه به غنيًا. والظاهر الأول، لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: وابدأ بمن تعول "وقوله فيما تقدم" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وقول المصنف "أو تصدق به عن ظهر غنى" بضم المثناة الفوقية والصاد المهملة مبنيًا للمفعول وهو شك من أحد الرواة

(قوله وابدأ بمن تعول) أي ابدأ بمن تجب عليك نفقته فلا تضيعهم وتتفضل على غيرهم. يقال عال الرجل أهله إذا قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة

(وفي الحديث) دلالة على كراهة التصدق بجميع المال. وعلى أنه يطلب تقديم الأهمّ على المهمّ في النفقات وغيرها من الأمور الشرعية، فيقدم نفسه ثم عياله على غيرهما لأن نفقتهم واجبة عليه بخلاف نفقة غيرهم.

واختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب (فذهب) طائفة إلى وجوبها

ص: 327

على الوالد مطلقًا

(وذهب) الجمهور إلى أن الواجب على الوالد الانفاق على أولاده حتى يبلغ الذكور وتنزوج الأنثى، ثم لا نفقة إلا لعاجز عن الكسب لزمانة أو مرض أو غيرهما

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي بلفظ "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" زاد النسائي "واليد العليا خير من اليد السفلى" وأخرجه البخاري ومسلم من حديث حزام بن حكيم

(باب في الرخصة في ذلك)

أي في خروج الرجل من جميع ماله والتصدق به كله

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ قَالَا نَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ "جَهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".

(ش) مطابقة الحديث للترجمة في قوله "جهد المقل"

(رجال الحديث)(الليث) بن سعد. و (أبو الزبير) محمد بن مسلم. و (يحيى بن جعدة) ابن هبيرة القرشيّ المخزومي. روى عن جدته أم هانئ وأبي الدرداء وزيد بن أرقم وأبي هريرة وطائفة وعنه عمرو بن دينار ومجاهد وأبو الزبير وحبيب بن أبي ثابت وغيرها. وثقه النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجه والنسائي

(معنى الحديث)

(قوله أي الصدقة أفضل) أي أكثر ثوابًا وأعظم أجرًا

(قوله جهد المقل) بضم الجيم وفتحها الوسع والطاقة، وقيل بالضم الوسع والطاقة، وبالفتح المشقة. والمقل الفقير قليل المال، والمعنى أفضل الصدقات صدقة الفقير بما في وسعه وطاقته. وهذا محمول على فقير رزق القناعة والرضا فصدقته ولو قليلة أكثر ثوابًا من صدقة الغني كثير المال ولو كثيرة كما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعًا "سبق درهم مائة ألف درهم قالوا وكيف؟ قال لرجل درهمان تصدق بأحدهما وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق به" أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه

(فقه الحديث) دل الحديث على عدم كراهة التصدق بكل المال لمن رزق الصبر وحسن التوكل علي الله عز وجل، أما من لم يكن كذلك فيكره في حقه التصدق بما لم يفضل عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته، وبهذا يجمع بين حديث الباب والذي قبله. وعلى أن صدقة الفقير الصابر ولو قليلة أفضل من صدقة الغني بالمال ولو كثيرة لأن الأول بذلهاخ شدة الحاجة إليها، فقد

ص: 328

جاهد نفسه وهو اه وتحمل ما لم يتحمله الثاني

(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وصححه

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ -وَهَذَا حَدِيثُهُ- قَالَا نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ". قُلْتُ مِثْلَهُ.

قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ". قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.

(ش)(الرجال)(أَبوزيد) أسلم العدوىّ مولى عمر، ويقال أبو خالد. أدرك زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمر ومعاذ بن جبل وعنه ابنه زيد والقاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر وغيرهم من كبار التابعين. وثقه العجليّ وأبو زرعة ويعقوب في أبي شيبة. روى له الجماعة. مات سنة ثمانين، وسنه أربع عشرة سنة ومائة

(المعنى)

(قوله فوافق ذاك الخ) أي صادف أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم بالصدقة وجود مال عندي فحدثت نفسي بسبقي أبا بكر بالمبادرة وكثرة الصدقة، فإني ما سبقته إلى خير من قبل. فإن في قوله إن سبقته نافية، ويحتمل أن تكون شرطية جوابها محذوف، أي إن أمكن سبقي إياه يومًا فهذا يوم السبق

(قوله فقلت مثله) وفي نسخة قلت مثله أي أبقيت نصف مالي

(قوله فقال أبقيت لهم الله ورسوله) وفي نسخة قال أبقيت لهم الخ كناية عن كونه تصدق بكل ماله ولم يدخر لأهله منه شيئًا ابتغاء مرضاة الله تعالى ورسوله، ولم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصديق التصدق بكل ماله لعلمه بقوة يقينه وجميل صبره وحسن توكله، فلم يخف عليه الفتنة ولا تكفف الناس كما خافها على غيره ممن ردّ عليهم الذهب والثياب كما تقدم في الباب السابق

(والحديث) دليل على عدم كراهة التصدق بكل المال لمن كان صحح البدن كامل العقل غير مدين وكان صبورًا على الضيق ولا عيال له أوله عيال يصبرون، فإن فقد شيء من ذلك كره، وهذا هو المختار من حيث الجواز، أما من حيث الاستحاب فينبغي أن يكون ذلك من الثلث فقط جمعًا بين

ص: 329

قصة أبي بكر وحديث كعب بن مالك الآتي للمصنف في "باب من نذر أن يتصدق بماله" من (كتاب الأيمان والنذور) وفيه أنه قال: إن من توبتي أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقة، قال لا، قلت فنصفه قال لا، قلت فثلثه قال نعم "الحديث" وإلى هذا ذهب جمهو ر العلماء. وقال مالك والأو زاعي لا يجوز التصدق إلا بالثلث ويردّ عليه الثلثان، وهو رواية عن مكحول، وعنه أيضًا يردّ ما زاد على النصف

(ففه الحديث) دل الحديث على فضل الصدقة والحث عليها، وفي الترمذي عن أنس بن مالك مرفوعًا "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء" وفي حديث آخر "بادروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها" رواه أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري. ودل أيضًا على مزيد فضل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وحرصهما عل الخير ومبادرتهما إلى فعله

(والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي والحاكم وصححاه

(باب في فضل سقي الماء)

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ سَعْدًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ قَالَ "الْمَاءُ".

(ش)(همام) بن يحيى العوذي. و (قتادة) في دعامة. و (سعد) بن عبادة. و (سعيد) ابن السيب

(قوله أي الصدقة أعجب إليك الخ) أي أي أنواعها أحب إليك؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: التصدق بالماء. وذلك لعموم نفعه وكثيرة الحاجة إليه خصوصًا في البلاد الحارة التي يقل فيها الماء. قال الله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ) والتصدق به أعم من أن يكون لشرب الآدمي أولسقي الدواب والزرع أوللطهارة أو غير ذلك من المنافع

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي في "فضل الصدقة على الميت" من "كتاب الوصايا" من طريق هشام عن قتادة بلفظ "أي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء" وأخرجه ابن ماجه في "باب فضل صدقة الماء" من "أبواب الأدب" وأخرجه الحاكم بسند المصنف وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين اهـ

والحديث منقطع لأن سعيد بن المسيب لم يدرك سعد بن عبادة، لأنه ولد سنة خمس عشرة، وسعد توفي سنة خس عشرة أو أربع عشرة إحدى عشرة. وهو لا ينافي صحة الحديث لأن ابن المسيب لا يروي إلا عن عدل

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ

ص: 330

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.

(ش)(رجال الحديث)(محمد بن عبد الرحيم) البزاز البغدادي المعروف بصاعقة، تقدم بالسادس ص 102.

و(محمد بن عرعرة) بن البرند بكسرتين فسكون أبو عبد الله البصري الناجي روى عن جرير بن حازم وشعبة وابن عون ومبارك بن فضالة وغيرهم. وعنه البخاري ونصر بن علي ويعقوب بن سفيان وآخرون. وثقه أبو حاتم وابن قانع والحاكم والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات روى له البخاري ومسلم وأبو داود. توفى سنة ثلاث عشرة ومائتين (المعنى)

(قوله نحوه) أي نحو حديث همام عن قتادة، ولفظه كما في الحاكم "أن سعد بن عبادة أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ قال سقي الماء"

(وهذه الرواية) أخرجها النسائي من طريق قتادة قال: سمعت الحسن بجدث عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم، قال فأي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء، فتلك سقاية سعد بالمدينة اهـ

وهو منقطع أيضًا، فإن الحسن البصري ولد سنة إحدى وعشرين، وتوفي سعد بن عبادة قبل ذلك كما تقدم. وهذا لا يقدح في صحة الحديث، فإن ابن المسيب والحسن البصري لا يرويان إلا عن عدل

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ "الْمَاءُ". قَالَ فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ.

(ش)(إسراءيل) بن يونس. و (أبو إسحاق) الهمداني السبيعي. و (الرجل) لعله سعيد ابن المسيب كما في التقريب

(قرله فحفر بئرًا الخ) أي حفر سعد بئرًا معينًا وجعل ماءها صدقة لأمه

(وقد دلت) أحاديث الباب على فضل التصدق بالماء. وعلى أن الصدقة تنفع الميت ويصل ثوابها إليه. وعلى ما كان عليه سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه من الإحسان إلى أمه حتى بعد موتها

(والحديث) أخرجه النسائي من طريق هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال: قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم، قلت فأى الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء. اهـ وفي سنده انقطاع كما تقدم

(ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ نَا أَبُو بَدْرٍ نَا أَبُو خَالِدٍ -الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي دَالَانَ- عَنْ نُبَيْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا

ص: 331

ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ".

(ش)(على بن حسين) بن إبراهيم بن أشكاب كما في بعض النسخ تقدم بالخامس ص 136

و(أبو بدر) شجاع بن الوليد الكوفي. تقدم بالرابع ص 67.

و(أبو خالد) يزيد بن عبد الرحمن، وبنودالان بطن من همدان.

و(نبيح) التصغير ابن عبد الله العنزي. تقدم بالثامن صفحة 192

(قوله أيما مسلم) برفع أي على الابتداء، وما زائدة، ومسلم مضاف إليه

(قوله على عري) بضم فسكون مصدر عرى من باب تعب. يقال عرى الرجل من ثيابة يعرى عريًا وعرية، فهو عار وعريان. والمراد بالعري الحاجة إلى الثوب لدفع حر أو برد أولتجمل وإن لم يكن مكشوف العورة

(قوله كساه الله من خضر الجنة) الجملة في محل رفع خبر أيُّ. وخضر بضم فسكون جمع أخضر مضاف لما بعده على حذف مضاف، من باب إقامة الصفة مقام الموصوف، أي من ثيابها الخضر، وهي أنفس ثيابها وأعلاها. وفي رواية الترمذي "وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري كساه الله من خضر الجنة" والمراد أن من فعل ذلك ألبسه الله نوعًا مما ذكر أعلى من غيره أو كساه بذلك قبل غيره، وإلا فكل من دخل الجنة يكسى ثيابًا خضرًا. قال الله تعالى (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان

(قوله على ظمإ) بفتحتين مهموزًا مصدر ظمئ كعطش وزنًا ومعنى فهو ظمآن والأنثى ظمآى

(قوله الرحيق الخنوم) أي من خمر الجنة المختوم بالمسك، والرحيق صفوة الخمر الذي لا غش فيه، والمختوم المصون الذي لم يبتذل ولم يصل إليه غير أصحابه لنفاسته وكرامته. وقيل المراد منه أنهم يجدون في آخر تناوله رائحة المسك، من قولهم ختمت الكتاب إذا انتهيت إلى آخره. وفيه إشارة إلى قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ)

(فقه الحديث) دل الحديث على الحض على التحلي بهذه المكارم. وعلى أن من فعل شيئًا يجازى بمثله يوم القيامة (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا): (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)

(الحديث) أخرجه أيضًا أحمد وفي سنده أبو خالد وفيه مقال. وأخرجه الترمذي في أبواب صفة الجنة من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد وقال حديث غريب. وقد روى هذا عن عطية عن أبي سعيد موقوفًا. وهو أصح عندنا وأشبه اهـ

(باب في المنيحة)

بفتح الميم. وفي نسخة المنحة بكسر الميم وسكون النون، وهي العطية ينتفع بها ثم ترد كأن يمنح الرجل دابة لشرب لبنها أو شجرة لأكل ثمرها أو أرضًا لزرعها أو نقودًا قرضًا. فهى

ص: 332

تكون في الحيوان والثمار وغيرهما، والمراد هنا منحة الحيوان. وهي أن يعطي الرجل غيره شاة مثلًا ينتفع بلبنها أو صوفها زمنًا ثم بردها إلى صاحبها كما تقدم، ومنه حديث "المنحة مردودة والناس على شروطهم ما وافق الحق" رواه االبزار عن أنس، فهو يدل على أنها تمليك منفعة لا رقبة

(ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَنَا إِسْرَائِيلُ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا عِيسَى -وَهَذَا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ وَهُوَ أَتَمُّ- عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرو يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا يَعْمَلُ رَجُلٌ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَاّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ مُسَدَّدٍ قَالَ حَسَّانُ فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً.

(ش)(إسراءيل وعيسى) ابنا يونس

(قوله وهو أتم) يعني من حديث إبراهيم بن موسى لاشتماله على زيادة حسان الآتية

(قوله عن الأو زاعي) هكذا في كثير من النسخ بجعل الأو زاعي مجمع الطريقين، وفي بعضها "حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا وحدثنا مسددنا عيسى" ولعل فيها سقطًا من النساخ والأصل أخبرنا إسراءيل ح حدثنا مسدد.

و(الأوزاعي) عبد الرحمن. و (أبو كبشة) البراء بن قيس. و (السلولي) نسبة إلى سلول قبيلة من هوازن. تقدم بـ ص 254

(قوله أربعون خصلة الخ) مبتدأ أول، وأعلاهن مبتدأ ثان، خبره منيحة العنز، والجملة خبر الأول، وخصلة بفتح الخاء المعجمة والعنز بفتح المهملة وسكون النون أنثى المعز، والمراد بها في الحديث ذات اللبن من المعز تعار ليؤخذ لبنها ثم تردّ على صاحبها ولم يذكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأربعين ترغيبًا في كل أعمال الخير، إذ لو عينها لوقف بعض الناس عندها وتركوا غيرها، ونظيره إخفاء ليلة القدر. ويقاس على منيحة العنز منيحة الإبل والبقر بالأولى إذ هي أكثر نفعًا وثوابًا

(قوله ما يعمل رجل بخصلة الخ) وفي نسخة مايعمل عبد، وفي رواية البخاري ما من عامل يعمل بخصلة

(قوله وتصديق موعودها الخ) منصوب على التعليل عطفًا على رجاء، أي لا يعمل واحد من أهل الإِسلام بخصلة منها راجيًا ثوابها ومصدقًا بما وعد به فاعلها من الثواب إلا كان ذلك

ص: 333

سببًا لدخوله الجنة مع السابقين، أولحصوله على الدرجات العلى فيها، أولرضاء الله تعالى عنه المقتضي دخول الجنة، وإلا فأصل دخول الجنة بمحض فضل الله عز وجل

(قوله قال أبو داود في حديث مسدد الخ) أي قال المصنف: في حديث مسدد زيادة على حديث إبراهيم بن موسى وهي "قال حسان فعددنا ما دون الخ" أي ما هو أدنى وأقل في الثواب من منيحة العنز كرد السلام الخ. ويحتمل أن المراد بما دون المنيحة، ما سواها. سواء أكان أقل في الثواب منها أم لا

(قوله وتشميت العاطس) بالشين المعجمة الدعاء له بالخير والبركة. يقال شمت فلانًا وشمت عليه تشميتًا فهو مشمت متشق من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى. وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك اهـ من النهاية وورد التسميت بالسين المهملة من السمت وهو الهيئة الحسنة أي جعلك الله على سمت حسن

(قوله وإماطة الأذى عن الطريق) أي إزالة ما يؤذي المارة من الشوك والحجر ونحوهما

(قوله فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة الخ) وفي نسخة خمسة عشر، والصواب الأولى. وعدم استطاعة حسان ذلك لا يمنع استطاعة غيره، فقد أبلغها بعضهم أربعين فأكثر. منها إطعام الجائع، وسقي الظمآن، وبدأ السلام، وتعليم الصنعة، وإعطاء صلة الحبل، وإعطاء شسع النعل، وطلاقة الوجه، وإيناس الوحشان، وتفريج الهم، وإعانة المحتاج، وستر المسلم، والتفسح في المجالس، وإدخال السرور على المسلم، ونصر المظلوم، ومنع الظالم عن ظلمه والدلالة على على الخير، والإصلاح بين الناس، ورد السائل بالقول الجميل، والذب عن عرض المسلم، وغرس الشجر، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والتحابب في الله، والتزاور في الله والتباذل في الله، والمجالسة في الله، والبغض في الله، والنصح، والرحمة، والأمر بالمعروف. كذا قال ابن بطال

(وقد ورد) فيما ذكر أحاديث صحيحة. وفي قوله نظر فإن منها ما ليس دون منيحة العنز بل أعلى منها أو مساو لها، ولذا قال ابن المنير: الأولى أن لا يعتني بعدها يعني للحكمة التي ذكرت لعدم عد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها.

قال الحافظ في الفتح ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أعلاها منيحة العنز، وموافق لابن المنير في ردّ كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة اهـ

وقال الكرماني ردًا علي ابن بطال: هذا الكلام رجم بالغيب لاحتمال أن يكون المراد غير المذكورات من سائر أعمال الخير، ثم إنه من أين علم أن هذه أدنى من المنحة، لجواز أن تكون مثلها أو أعلى منها، ثم فيه تحكم حيث جعل بدء السلام منها دون رد السلام مع أنه صرح به في الحديث الذي نحن فيه، وكذا جعل الأمر بالمعروف منها دون النهي عن المنكر اهـ بتصرف

(فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في عمل الخير قليله وكثيره ابتغاء مرضاة الله تعالى وتصديقًا بالثواب الذي وعد به فاعل الخير. وعلى أن ذلك سبب لدخول الجنة

ص: 334

مع السابقين والتنعم في أعلى درجاتها بما لم يخطر على قلب بشر من أنواع النعيم (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري من حديث مسدد بسنده في "باب فضل المنيحة" من "كتاب الهبة" وفيه زيادة قول حسان، ولعل الحاكم لم يقف على تخريج البخاري له فأخرجه في المستدرك

(باب أجر الخازن)

أي ثواب الحافظ للمال الذي يستحقه على تسليم الصدقة لمستحقها، فالخازن من وكل إليه حفظ المال من طعام وغيره

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ -الْمَعْنَى- قَالَا نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الْخَازِنَ الأَمِينَ -الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ- أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ".

(ش)(رجَال الحديث)(أبو أسامة) حماد بن أسامة. و (بريد بن عبد الله) بن عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي. روى عن جده أبي بردة والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وأبي أيوب. وعنه السفيانان وحفص بن غياث، ابن إدريس وعيرهم. وثقه ابن معين والعجليّ والترمذي وأبو داود، وقال أبو حاتم ليس بالمتين يكتب حديثه، وقال النسائي ليس به. بأس، وقال ابن عدي أحاديثه مستقيمة وهو صدوق، وقال أحمد يروي أحاديث منكرة وقال ابن حبان يخطئ .. روى له الجماعة و (أبو بردة) عامر أو الحارث بن أبي موسى

(المعنى)

(قوله إن الخازن الأمين الخ) وفي رواية البخاري الخازن المسلم الأمين الخ وهي شروط لاستحقاق الخازن ثوابًا كاملًا كثواب المتصدق صاحب المال. فخرج بالمسلم الكافر لأنه لا يصح منه نية التقرب. وبالأمين الخائن لأنه مأزور لا مأجور لخيانته، ومن الخيانة الإنقاص في الإعطاء عما أمر به

(قوله كاملًا موفرًا) حالان من مفعول يعطي أي يعطي المحتاج ما أمر به المتصدق كاملًا وافرًا، أو صفة لمصدر محذوف، أي يعطى. عطاء كاملًا تامًا، فموفرًا اسم مفعول تأكيد لما قبله من وفر، ويصح جعله اسم فاعل بكسر الفاء أي مكملًا الخازن ما يعطيه

(قوله طيبة به نفسه) قيد به ليخرج من أعطى كارها فإنه لا أجر له

(قوله حتى يدفعه إلى الذي أمر له) أي الذي أمر المتصدق أن يدفع الصدقة إليه، فإن دفع الخازن إلى غيره كان غير أمين لمخالفته فلا ثواب له

(قوله أحد المتصدقين) بالتثنية خبر إن في

ص: 335