المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى)

بشيء وأنا أجد أحدًا يأخذه مني فلما كان العام الثاني بعث إليه بصدقة فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ ما وجدت أحدًا يأخذ مني شيئًا.

الثاني يجزئ ويجوز مطلقًا. الثالث لا يجزئ ولا يجوز مطلقًا. الرابع يجزئ ويجوز دون مسافة القصر ولا يجزئ ولا يجوز نقلها إليها. ومحل الخلاف عندهم فيما إذا فرق رب المال زكاته أما إذا فرقها الإِمام أو الساعي فقيل كذلك. والأشبه جواز النقل مطلقًا

(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على ما كان عليه عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه من الشجاعة في الحق والعمل به ابتغاء مرضاة الله تعالى ولو كان في ذلك غضب الأمراء.

(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه وسنده صحيح

(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

أي من يجوز إعطاء الصدقة له وبيان حدّ الغنى الذي يمنع من أخذ الصدقة. والغنى بكسر المعجمة والقصر ضد الفقر وبالكسر والمد رفع الصوت. وفي بعض النسخ "باب من يعطى الصدقة" بإسقاط لفظ من

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا سُفْيَانُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ -أَوْ خُدُوشٌ- أَوْ كُدُوحٌ- فِي وَجْهِهِ". فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى قَالَ "خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ".

(ش)(رجال الحديث)(حكيم بن جبير) الأسدي الثقفي مولى الحكم بن أبي العاص. روى عن أبي وائل وأبي الطفيل وإبراهيم النخعي وموسى بن طلحة وطائفة.

وعنه الأعمش والسفيانان وزائدة وشعبة وشريك وجماعة. قال أحمد ضعيف منكر الحديث وكذا قال أبو حاتم وقال له رأي غير محمود غال في التشيع. وقال الدارقطني متروك الحديث. وقال الجوزجاني كذاب. وضعفه غير واحد. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي

و(محمَّد ابن عبد الرحمن بن بن يزيد) بن قيس النخعي أبو جعفر الكوفي. روى عن أبيه وعمه الأسود وعلقمة. وعنه سلمة بن كهيل وأبو إسحاق السبيعي ومنصور والأعمش وغيرهم. وثقه ابن معين وابن سعد وقال كان قليل الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب

ص: 248

(معنى الحديث)

(قوله وله ما يغنيه) أي ما يكفيه عن السؤال

(قوله جاءت يوم القيامة الخ) وفي بعض النسخ جاء بدون تاء. أي جاءت المسألة المفهومة من قوله سأل يوم القيامة وهي خموش الخ ففي رواية الترمذي: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح. بضم أولها.

وفي رواية النسائي "من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشًا أو كدوحًا في وجهه يوم القيامة، بنصب خموش وكدوح على أنهما حالان من الضمير في جاءت العائد على المسألة. والخموش مصدر خمش بمعنى خدش يقال: خمشت المرأة وجهها تخمشه خمشًا وخموشًا إذا خدشته بظفر أو حديدة. ويحتمل أن يكون الخموش جمع خمش مثل فلس وفلوس. والكدوح بمعنى الخموش.

قال في النهاية: كل أثر من خدش أو عضّ فهو كدح ويجوز أن يكون الكدوح مصدرًا سمي به الأثر وأن يكون جمع كدح اهـ

وقال القاري: أو هنا إما للشك من الراوي إذ الكل يعرب عن أثر ما يظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يجرح. ولعل المراد بها آثار مستنكرة بوجهه حقيقة أو أمارات يعرف ويشهر بذلك بين أهل الموقف. أولتقسيم منازل السائل فإنه مقل أو مكثر أو مفرط في المسألة، فذكر الأقسام على حسب ذلك. والخمش أبلغ في معناه من الخدش وهو أبلغ من الكدح، إذ الخمش في الوجه والخدش في الجلد والكدح فوق الجلد. وقيل الخدش قشر الجلد بالعود والخمش قشره بالأظفار والكدح العض، وهي في أصلها مصادر لكنها لما جعلت أسماء للآثار جمعت اهـ

(قوله وما الغنى) أي ما مقدار ما يصير به المرء غنيًا يحرم عليه معه السؤال؟ وفي رواية الترمذي: قيل يا رسول الله وما يغنيه؟

(وفي الحديث) دلالة على أن من ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني يحرم عليه السؤال والأخذ من الزكاة. وإلى ذلك ذهب الثوري وابن المبارك وإسحاق وهو مذهب علي وابن مسعود ورواية عن أحمد. واستدلوا أيضًا بما أخرجه الدارقطني من طريق بكر بن خنيس عن أبي شيبة عبد الرحمن ابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "لا تحل الصدقة لرجل له خمسون درهمًا" قال الدارقطني بكر بن خنيس وأبو شيبة ضعيفان اهـ

وقالوا من ملك من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة ما لا تحصل به كفايته في عام فليس بغنى فله الأخذ من الزكاة. وقال غيرهم من الأئمة: ليس في حديث الباب دلالة على حرمة أخذ الصدقة على من ملك خمسين درهما أو قيمتها. إنما يدل على حرمة السؤال على من ذكر لأن المسألة إنما تكون للضرورة ولا ضرورة لمن يملك ما ذكر. على أن الحديث ضعيف لا يحتج به كما سيأتي

(وأجابوا) عن حديث الدارقطني بأنه ضعيف أيضًا: ولذا قال مالك والشافعي لا حدّ للغنى وإنما يعتبر حال الإنسان بوسعه وطاقته. فإن اكتفى بما عنده حرمت عليه الصدقة. وإذا احتاج حلت له. قال الشافعي قد يكون الرجل غنيًا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في

ص: 249

نفسه وكثرة عياله اهـ خطابي وقال أبو حنيفة وأصحابه: حد الغنى مائتا درهم وهو النصاب الذي يوجب على مالكه الزكاة بأن يكون ناميًا ولو حكمًا سالمًا من الدين. أما ما لا يوجبها وهو ما ليس أحدها، فإن كان مستغرقًا بحاجة مالكه حل له أخذ الزكاة وإلا فلا. أما السؤال فلا يحل لمن يملك ما يستر به جسده وقوت يومه. وقيل لا يحل لقادر على الكسب أو من يملك خمسين درهما وسيأتي لهذا مزيد بيان

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي والطحاوي والدارقطني.

وكذا الترمذي من طريق شريك عن حكيم وحسنه وقال: قد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث اهـ.

(ص) قَالَ يَحْيَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ حِفْظِي أَنَّ شُعْبَةَ لَا يَرْوِى عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ سُفْيَانُ فَقَدْ حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ.

(ش) أي قال يحيى بن آدم تلميذ الثوري في السَندَ السابق: قال عبد الله بن عثمان صاحب شعبة: إن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير يعني لضعفه، فقال سفيان قد حدثني بهذا الحديث أيضًا زييد "بالتصغير" ابن الحارث الكوفي عن محمَّد بن عبد الرحمن يعني وبه يقوى الحديث.

وفي الترمذي حدثنا محمود بن غيلان نا يحيى بن آدم نا سيفان عن حكيم بن جبير بهذا الحديث فقال له عبد الله بن عثمان صاحب شعبة لو غير حكيم حدث بهذا. فقال سفيان وما لحكيم. لا يحدث عنه شعبة؟ قال نعم.

قال سفيان سمعت زبيدًا يحدث بهذا عن محمَّد بن عبد الرحمن بن يزيد. وقال النسائي: لا أنعلم أحدًا قال في هذا الحديث زبيد غير يحيى بن آدم ولا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وحكيم ضعيف، سئل شعبة عن حديثه فقال: أخاف النار يعني إن حدثت عنه. وقد كان روى عنه قديمًا.

وسئل يحيى بن معين يرويه أحد غير حكيم؟ فقال نعم يرويه يحيى ابن آدم عن سفيان عن زبيد ولا أعلم أحدًا يرويه كذلك إلا يحيى بن آدم. وهذا وهم إذ لو كان كذلك لحدثت الناس به جميعًا عن سفيان ولكنه حديث منكر اهـ بتصرف.

قال الخطابي: وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم. قالوا وأما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه أسنده وإنما قال فقد حدثنا زبيد عن بن عبد الرحمن بن يزيد حسب اهـ.

وقال الحافظ في الفتح ونص أحمد في علل الخلال وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة اهـ وهو يؤيد ما قاله الخطابي. لكن قد علمت رواية الترمذي أن سفيان صرح بإسناده حيث قال: سمعت زبيدًا يحدث بهذا عن محمَّد بن عبد الرحمن وقال المنذري: وحكى الإِمام أحمد عن يحيى بن آدم أن الثوري قال: قال أبو بسطام شعبة يحدث هذا الحديث عن حكيم بن جبير، فقيل لأحمد إنما قال سفيان حدثني زبيد عن محمَّد بن عبد الرحمن

ص: 250

ولم يزد عليه قال أحمد كأنه أرسله. ويمكن الجواب "بأن اقتصار" المصنف على ذكر زبيد بن الحارث بدل حكيم لتقوية الحديث "دليل" على أن محمَّد بن عبد الرحمن بن يزيد رواه من هذا الطريق عن أبيه عن عبد الله بن مسعود فاقتصر المصنف على ذكر محل النزاع خلافُ الما أشار إليه الخطابي من أن الحديث معضل. وحكى ابن عديّ أن الثوري قال: فأخبرنا به زبيد وهذا يدل على أن الثوري حدث به مرتين مرة صرح فيه بالإسناد ومرة لم يصرح

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِي أَهْلِي اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ". فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ لَعَمْرِى إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا". قَالَ الأَسَدِيُّ فَقُلْتُ لَلَقِحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ وَالأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ شَعِيرٌ أَوْ زَبِيبٌ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ -أَوْ كَمَا قَالَ- حَتَّى أَغْنَانَا الله.

(ش)(قوله عن رجل) لم نقف على اسمه وذلك لا يضر لأنه صحابي. والصحابة كلهم عدول

(قوله ببقيع الغرقد) هو مدفن أهل المدينة. والبقيع في الأصل المكان المتسع من الأرض وقيل هو خاص بما فيه شجر أو أصول شجر من ضروب شتى، والغرقد بفتح الغين المعجمة وسكوت الراء وفتح القاف شجر له شوك كالسدر. وكان في مدفن أهل المدينة ثم زال وبقي اسمه

(قوله فتولى الرجل عنه وهو مغضب) أي أدبر والحال أنه غضبان. ومغضب اسم مفعول من أغضب إغضابًا

(قوله لعمرى إنك لتعطي من شئت) أي لحياتى إنك لا تعطي من

ص: 251

يستحق بل تعطي حسب إرادتك. وعمري بفتح العين المهملة وسكون الميم كلمة تستعمل في القسم ولعل هذا الرجل كان حديث عهد بالإِسلام أو منافقًا

(قوله من سأل وله أوقية الخ) أي من سأل الناس وهو يملك أوقية من الفضة أو ما يساويها من غيرها فقد تعدّى في السؤال وألح فيه إلحاحًا يقال: ألحف السائل إلحافا أي ألحّ في المسألة ولازم المسئول حتى يعطيه ففيه دلالة عل ذم من يسأل وعنده المقدار المذكور فيدخل فيه ذم من كان عنده أزيد بالطريق الأولى

(قوله للقحة لنا) بفتح لام الابتداء وكسر اللام الثانية أو فتحها. الناقة القريبة العهد بالنتاج أو التي تحلب. وفي بعض النسخ لقحة لنا بدون لام الابتداء، وهي مبتدأ خبرها خير وجمعها لقح مثل سدرة وسدر وتجمع أيضًا على لقاح

(قوله والأوقية أربعون درهما) تفسير من مالك كما صرح بذلك ابن الجارود في المنتقى. والأوقية بضم الهمزة وكسر القاف وتشديد المثناة التحتية وتخفيفها. وفي بعض النسخ والوقية بفتح الواو وهي لغة فيها

(وبالحديث) استدل أبو عبيد القاسم بن سلام على أن من ملك أربعين درهما أو قيمتها يعدّ غنيًا لا يحل له الأخذ من الصدقة. وردّه الجمهور بأن المقصود من هذا الحديث ونحوه نهى من يملك هذا القدر ونحوه عن السؤال. وهو يدل عل أن ذكر الخمسين درهما في الحديث السابق ليس إلا لمجرد التمثيل لا للتحديد

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والطحاوي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ.

(ش) أي روى الحديث المذكور سفيان الثوري كما رواه مالك كلاهما عن زيد بن أسلم بسنده. والغرض من هذا تقوية الحديث بأنه روى من طريق الثوررى ومالك

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَا نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ". فَقُلْتُ نَاقَتِي الْيَاقُوتَةُ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَسْأَلْهُ شَيْئًا زَادَ هِشَامٌ فِي حَدِيثِهِ وَكَانَتِ الأُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.

ص: 252

(ش)(قوله من سأل وله قيمة أوقية الخ) هو بعض حديث رواه النسائي مطولًا بسند المصنف إلى أبي سعيد قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيتة وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله عز وجل ومن استعف أعفه الله عز وجل ومن استكفى كفاه الله عز وجل ومن سأل وله قيمة أوقية الخ

(قوله فقلت ناقتي الياقوتة) أي قال أبو سعيد في نفسه ناقتي المسماة بهذا الاسم الخ وفيه جواز تسمية البهائم. وقد سمى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دوابه بأسماء

(قوله فلم أسأله) وفي نسخة ولم أسأله شيئًا

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والدارقطني وكذا الطحاوي مختصرًا

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا مِسْكِينٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ نَا سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَسَأَلَاهُ فَأَمَرَ لَهُمَا بِمَا سَأَلَا وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُمَا بِمَا سَأَلَا فَأَمَّا الأَقْرَعُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ فَلَفَّهُ فِي عِمَامَتِهِ وَانْطَلَقَ وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَكَانَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَرَانِي حَامِلًا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لَا أَدْرِي مَا فِيهِ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ. فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ". وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ "مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ". فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ "قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ". وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ "أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ". وَكَانَ حَدَّثَنَا بِهِ مُخْتَصِرًا عَلَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ الَّتِي ذُكِرَتْ.

(ش)(رجال الحديث)(مسكين) بن بكير الحراني تقدم بالرابع ص 64.

و(محمَّد ابن المهاجر) بن دينار الأنصاري الشامي مولى أسماء. بنت يزيد. روى عن أبيه مهاجر وأخيه

ص: 253

عمرو والوليد بن عبد الرحمن ويونس بن ميسرة وكثيرين. وعنه ابن عيينة وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم والربيع بن نافع وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان والعجلي. مات سنة سبعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب.

و(أبو كبشة السلولي) بفتح السين وتخفيف اللام الشامي اسمه البراء بن قيس. روى عن أبي الدرداء وثوبان وعبد الله بن عمر. وعنه أبو سلام الأسود وحسان بن عطية ويونس بن سيف. قال العجليّ تابعي ثقة ووثقه يعقوب بن سفيان. وقال في التقريب ثقة من الثانية. روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

و(سهل بن الحنظلية)

هي أمه واسم أبيه الربيع أو عمرو. تقدم. بالسادس ص 11

(المعنى)

(قوله عيينة بن حصن الخ) بن حذيفة الفزاري أبو مالك. كان من المؤلفة قلوبهم أسلم بعد الفتح وشهد حنينًا والطائف وارتد في عهد أبي بكر وبايع طليحة الأسدي ثم عاد إلى الإِسلام وصفه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأحمق المطاع.

و(الأقرع) لقب واسمه فراس قدم في أشراف بني تميم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد فتح مكة وكان من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه، قتل باليرموك في عشرة من بيته

(قوله فأمر لهما بما سألاه) يعني أمر كاتبه معاوية أن يكتب لعامل جهتهما أن يعطيهما ما سألاه كما يدل عليه السياق

(قوله كصحيفة المتلبس) هو جرير بن عبد المك بن عبد المسيح الشاعر الجاهلي كان هجاه هو وطرفة بن العبد عمرو بن هند الملك فكتب لهما كتابين إلى عامله أوهمهما أنه أمر لهما بعطاء وقد كتب يأمر بقتلهما، فذهب طرفة بصحيفته إلى العامل فقتله. أما المتلبس فارتاب في الكتاب ففكه وقرئ له فلما علم ما فيه رماه ونجا فضربت بن العرب المثل بصحيفته بعد.

وإنما أعطاهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سهم المؤلفة قلوبهم فإنهما لم يكونا فقيرين بل كانا سيدي قومهما. وقيل إنه أعطى كل واحد مائة ناقة من غنائم حنين لا من الزكاة

(قوله فأخبر معاوية الخ) أي بين معاوية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قول عيينة. ولعله ظن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسمع قول عيينة فلذا أخبره

(قوله فإنما يستكثر من النار) أي يطلب لنفسه ما يستحق به دخول النار من جمع أموال الناس وأخذها بلا ضرورة

(قوله وقال النفيلي في موضع آخر من جمر جهنم الخ) أي أن عبد الله بن محمد النفيلي شيخ المصنف قد حدثه بالحديث مرتين، فمرة قال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما تستكثر من النار فقالوا وما يغنيه؟ فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدر ما يغديه ويعشيه. ومرة قال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم، فقالوا وما الغنى الذي لاينبغى معه المسألة؟ فقال أن يكون له شبع يوم وليلة أوليلة ويوم بالشك من الراوي

ص: 254

(قوله

(ص) قدر ما يغديه ويعشيه)، أي قدر ما يكفيه للغداء والعشاء من مال أو كسب لائق بحاله. فمن كان قادرًا على قوت هذين الوقتين لا يحل له السؤال من صدقة التطوع. أما الزكاة المفروضة فيجوز له أن يسأل منها قدر ما يصير به غنيًا على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى

(قوله أن يكون له شبع الخ) بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتحها أي يكون عنده ما يشبعه من الطعام في اليوم كله. والشبع بكسر ففتح في الأصل ضد الجوع وكذا الشبع بفتح فسكون كما في القاموس

(وظاهر الحديث) يدل على أن من وجد قوت يومه حرم عليه سؤال صدقة التطوع وكذا من قدر على اكتساب ذلك. وإلى هذا ذهب الجمهور. وأستدلوا أيضًا بحديث "ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئًا" رواه ابن عبد البر عن عطية السعدي. وقيل إن الحديث محمول على من وجد غداءه وعشاءه دائمًا، فمن كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة حرمت عليه المسألة. وقيل إن هذا الحديث منسوخ بما تقدم من الأحاديث. ورد بأنه لا تعارض بين الأحاديث حتى يدعى النسخ وذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعلم ما يغني كل واحد فخاطبه بما يناسبه فإن الناس مختلفون في قدر كفايتهم. فمنهم من لا يكفيه أقل من خمسين درهما. ومنهم من لا يكفيه أقل من أربعين. ومنهم من يكون له كسب في كل يوم يقوم بكفايته أولًا فأولًا فيكون به غنيًا فلا يسأل

(قوله وكان حدثنا به مختصرًا الخ) أي حدث النفيلي بهذا الحديث أبا داود مرتين مختصرًا في كل مرة على الألفاظ التي تقدم ذكرها في كل رواية علي حدتها

(والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي مرفوعًا بلفظ "من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم قلت يا رسول الله ما ظهر غنى؟ قال أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم". وأخرجه أحمد مطولًا وفيه فأما عيينة فقال ما فيه؟ "أي ما في الكتاب" قال فيه الذي أمرنا به فقبله وعقده في عمامته وكان أحكم الرجلين. وأما الأقرع فقال أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلبس فأخبر معاوية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقولهما وخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لحاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار ثم مر به أخر النهار وهو على حاله فقال أين صاحب هذا البعير؟ فابتغى فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: اتقوا الله في هذه البهائم ثم اركبوها صحاحًا واركبوها سمانًا إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من نار جهنم. قالوا يا رسول الله وما يغنيه؟ قال ما يغديه أو يعشيه اهـ

وأو في الروايتين بمعنى الواو

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ قَالَ أَتَيْتُ

ص: 255

رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْتُهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ في الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ".

(ش)(قوله فبايعته) أي عاهدته على الدخول في الإِسلام والعمل بأحكامه والسمع والطاعة

(قوله حديثًا طويلًا) أي ذكر زياد الصدائي رضي الله تعالى عنه حديثًا طويلًا وهو ما رواه المزّي بسنده عن زياد بن نعيم الحضرمي قال سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحدّث قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فبايعته على الإِسلام وأخبرت أنه بعث جيشًا إلى قومي، فقلت يا رسول الله اردد الجيش وأنا لك بإسلام قومي، فقال لي اذهب فردهم فقلت يا رسول الله إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلًا فردّهم، قال الصدائي: وكتبت إليهم كتابًا فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك فقلت بل الله هو هداهم للإسلام. فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفلا أؤمرك عليهم؟ فقلت بلى يا رسول الله قال فكتب لي كتابًا، فقلت يا رسول الله مر لي بشئ من صدقاتهم، قال نعم فكتب لي كتابًا آخر، قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم منزلًا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون. أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو فعل؟ فقالوا نعم، فالتفت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، قال الصدائي فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر فقال يا نبي الله أعطني، فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن، فقال السائل فأعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك أو أعطيناك حقك، قال الصدائي فدخل ذلك في نفسي أني سألته من الصدقات وأنا غني، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتشى "سار وقت العشاء" من أول الليل فلزمته وكنت قويًا وكان أصحابه ينقطعون

ص: 256

عنه ويستأخرون حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان أذان الصبح أمرني فأذنت: فجعلت أقول أقيم يا رسول الله؟ فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ينظر ناحية المشرق إلى الفجر فيقول لا حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتبرز.

ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فقال هل من ماء يا أخا صداء؟ فقلت لا إلا شيء قليل لا يكفيك. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم اجعله في إناء ثم ائتني به ففعلت فوضع كفه في الماء. قال الصدائي فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينًا تفور. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لولا أني أستحي من ربي لسقينا واستقينا.

ناد في أصحابي من له حاجة في الماء؟ فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم ثم قام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم.

قال الصدائي فأقمت الصلاة فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة أتيته بالكتابين فقلت يا رسول الله أعفني من هذين. فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما بدًا لك؟ فقلت سمعتك يا نبي الله تقول لا خير في الإمارة لرجل مؤمن. وأنا أومن بالله ورسوله وسمعتك تقول للسائل من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن. وسألتك وأنا غنى، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو ذاك فإن شئت فأقبل وإن شئت فدع فقلت أدع.

فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته علي رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم ثم قلنا يا نبي الله: إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا، وإذا كان الصيف قلّ ماؤها وتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو لنا فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم الله. قال الصدائي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها "يعني البئر" اهـ

(قوله إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي الخ) أي لم يجعل أمر تقسيم الصدقات إلى غيره بل بين ذلك في كتابه وأن مستحقيها ثمانية أصناف بقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) الآية. والحصر يدل علي أن الزكاة لا تصرف لغيرهم وهو مجمع عليه فيجوز صرفها للأصناف الثمانية إجماعًا إلا المؤلفة قلوبهم، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى سقوطهم لإجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه. قال في روح المعاني إن هذا الصنف "يعني المؤلفة قلوبهم" من الأصناف الثمانية قد سقط وانعقد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه. روى أن عيينة بن حصن والأقرع جاءا يطلبان أرضًا من أبي بكر فكتب بذلك خطأ فمزقه عمر رضي الله تعالى عنه. وقال هذا شيء كان يعطيكموه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله

ص: 257

وسلم تأليفًا لكم، فأما اليوم فقد أعزّ الله تعالى الإِسلام وأغنى عنكم. فإن ثبتم على الإِسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف. فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أنت الخليفة أم عمر؟ بذلت لنا الخط ومزقه عمر فقال رضي الله تعالى عنه هو إن شاء. ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم اهـ

وسند الإجماع قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وروى ذلك عن الشعبي. وكانت المؤلفة صنفين صنف كفار كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعطيهم ترغيبًا لهم ولقومهم في الإِسلام. وصنف أسلموا علي ضعف كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتألفهم ليثبتوا على الإِسلام.

والجمهور على بقاء سهم المؤلفة قلوبهم وإعطائهم عند الحاجة لا فرق بين مسلم وكافر، غير أن الشافعية قالوا لا يعطى من الزكاة كافر. واختلفت المالكية في المؤلف الكافر فقيل تدفع إليه ترغيبًا له في الإِسلام لإنقاذه من النار لا لإعانته للمسلمين فلا يسقط حقه بفشو الإِسلام. وقيل لا يعطى بناء علي أن العلة في إعطائه إعانته للمسلمين وقد استغنى عنه بعزة الإِسلام.

أما المؤلف المسلم فلا خلاف في إعطائة عندهم. وأجاب الجمهور عن عدم إعطاء الخلفاء الراشدين المؤلفة قلوبهم من الزكاة بأن هذا لقوة الإِسلام حينئذ وعدم الحاجة إليهم لا لسقوط سهمهم

(قوله فإن كنت من تلك الأجزاء الخ) أي الأصناف المذكورة في الآية السابقه أعطيتك نصيبك منها. قيل في هذا دليل على أنه لا بد من صرف الزكاة للأصناف الثمانية لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطيتك حقك. وإلى هذا ذهب عكرمة عمر بن عبد العزيز والزهري وداود وهو قول للشافعى. وقال إبراهيم النخعي إذا كان مال الزكاة كثيرًا عممت الأصناف لزومًا. وإن كان قليلًا جاز أن يوضع في صنف واحد.

وقال مالك يقدم الأحوج فالأحوج ولا يلزم التعميم. وقال أبو ثور إن قسمه الإمام لزم تعميم الأصناف وإن قسمه رب المال جاز صرفه في صنف واحد: والمعتمد عند الشافعية لزوم التعميم إن قسم الإِمام وكذا إن قسم المالك وكانوا محصورين. وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والنخعي وعطاء والثوري وأبو عبيد إلى استحباب تعميم الأصناف إن أمكن، وجواز صرفها إلى بعض ولو شخصًا واحدًا وهو قول عمر وعلي وابن عباس ومعاذ وحذيفة وكثيرين من الصحابة. ومن التابعين سعيد بن جيير والحسن والضحاك.

واستدلوا بما روى الطبري في التفسير عن ابن عباس في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) الآية أنه قال: في أي صنف وضعته أجزأك: وروى نحوه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وسعيد في جبير وعطاء بن أبي رباح وأبي العالية وميمون بن مهران.

والظاهر ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما لما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتاه مال فجعله في صنف المؤلفة قلوبهم: الأقرع بن حابس، وعيينة ابن حصن، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخيل. قسم فيهم الذهيبة التي بعث بها معاذ من اليمن. وإنما تؤخذ

ص: 258

من أهل اليمن الصدقة. ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر وهم الغارمون فقال لقبيصة بن المخارق حين أتاه وقد تحمل حمالة يا قبيصة أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. وقد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر البياضي، ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لما صرفها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى واحد اهـ من العيني ملخصًا.

وفي القول بلزوم التعميم حرج ومشقة وقد قال الله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ولم يثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمم في صدقة من الصدقات ولا أحدًا من خلفائه ولا أحدًا من الصحابة والتابعين، ولو كان هذا هو الواجب لما أغفلوه في الشريعة ولو فعلوه مع مشقته لنقل إلينا وما أهمل لتوفر الدواعي على نقله تواترًا. وليس في الآية ما يدل على لزوم الصرف إلى جميع الأصناف ومراعاة التسوية بيهم لأن المراد بها بيان أن الصدقة لا تخرج عنهم. والمراد من حديث الباب بيان أن الآية تكفلت ببيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم ولذا اختار بعض محققي الشافعية قول الجمهور. قال البيضاوي في تفسير الآية بعد أن ذكر قول الجمهور واختاره بعض أصحابنا وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى على أن الآية لبيان أن الصدقة لا تخرج عنهم لا لإيجاب قسمها عليهم اهـ

(فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حسن ملاطفته لأصحابه رضي الله تعالى عنهم، وعلى أن الأحكام الشرعية منها ما تكفل الكتاب ببيانه بحيث لا يحتاج إلى زيادة بيان من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا إلى رجوع إلى القواعد العامة. ومنها ما ذكر في الكتاب مجملًا فبينه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولًا وفعلًا ومنها ما تركه على إجماله ليتنبه له الفقهاء ويستنبطوه من القواعد والأصول الواردة عن الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقى وقد تكلم غير واحد. أخرجه الإِمام أحمد من حديث حبان بن بح الصدائي من طريق ابن لهيعة قال حدثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن حبان بن بح الصدائي صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن قومي كفروا فأخبرت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جهز إليهم جيشًا (الحديث)

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ

ص: 259

الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَالأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَا يَفْطِنُونَ بِهِ فَيُعْطُونَهُ".

(ش)(جرير) بن عبد الحميد. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكران الزيات

(قوله ليس المسكين) مأخوذ من السكون لسكونه إلى الناس. ويستوي فيه المذكر والمؤنث يقال رجل مسكين وامرأة مسكين ويقال مسكينة. والمراد به من لا مال له:

وقد اختلف في المسكين والفقير شرعًا. فقال أبو حنيفة: الفقير من له أقلّ من النصاب، أو قدر نصاب غير نام أو مشغول بحاجته الأصليه كالملبس والمسكن. والمسكين من لا شيء له أصلًا فهو أسوأ حالًا من الفقير ولذا يحل له السؤال لقوته أو ما يواري جسده بخلاف الفقير. وكذا قال مالك في المسكين. وقال الفقير هو الذي يملك شيئًا لا يكفيه عامه وإن كان نصابًا.

وقالت الشافعية الفقير من لا مال له أصلًا ولا كسب أوله مال فقط لا يكفيه هو ومن تلزمه نفقته العمر الغالب وهو ستون سنة ولا يقع موقعًا من كفايته بحيث لو وزع المال الذي نحده علي العمر الغالب لم يبلغ نصف كفايته كأن يحتاج إلى عشرة ولو وزع المال الذي عنده على العمر الغالب لخصّ كل يوم أربعة أو أقل، ولو كان يملك نصابًا أو أكثر فيعطى زكاته مع كونه يأخذ زكاة غيره أوله كسب فقط لا يقع موقعًا من كفايته كل يوم كمن يحتاج كل يوم إلى عشرة ويكتسب كل يوم أربعة فأقل أوله مال وكسب لا يقع مجموعها موقعًا من كفايته كذلك. والمسكين من له مال أو كسب يقع كل منهما أو مجموعهما موقعًا من كفايته ولا يكفيه بأن كان يحتاج كل يوم في كفايته إلى عشرة دراهم وعنده من الكسب أو المال أو مجموعهما ما يبلغ خمسة فأكثر. فالفقير عندهم أسوأ حالًا من المسكين. قالوا لأن الله ابتدأ في آية الزكاة بالفقراء والعرب تبدأ بالأهم فالأهمّ ولأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: اللهم أحيني وأمتني مسكينًا. رواه الترمذي والبيهقي وابن ماجه بأسانيد ضعيفة: وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتعوذ من الفقر كما هو ثابت عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعًا في الصحيحين وقال تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فأخبر أن للمساكين سفينة يعملون فيها.

وقالت الحنابلة في الفقير والمسكين بما قالت به الشافعية من أن الفقير أسوأ حالًا من المسكين وقالوا: متى كان الشخص لا يملك خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب وليس عنده ما تحصل به كفايته على الدوام من كسب أو تجارة أو أجر أو عقار أو نحو ذلك فله الأخذ من الزكاة. واستدلوا بما تقدم أول الباب للمصنف عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا: من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشًا أو خدوشًا أو كدوحًا في وجهه فقيل يا رسول الله ما الغنى؟ قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب.

ص: 260

وعن أحمد "أن من يستحق" الزكاة من الفقير والمسكين "هو" الذي لا يجد ما يكفيه وإن ملك نصابًا أو أكثر: وقال قتادة الفقير الذي به زمانة وله حاجة. والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به وعليه فالفقير أحوج.

وقال الحسن الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل وعليه فالمسكين أحوج وبه قال الزهري

(قوله والأكلة والأكلتان) بضم الهمزة فيهما أي اللقمة واللقمتان: أَما الأكلة بفتح الهمزة فهي المرة من الأكل

(قوله ولا يفطنون به) أي لا يعلمون بحاله لتعففه ويفطن بضم الطاء المهملة من باب كرم ونصر وبفتحها من باب فرح. وفي رواية للبخاري ولكن المسكين الذي ليس له غنى يغنيه. قال في الفتح وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار وهذا كقوله تعالى (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) اهـ

وحاصل معنى الحديث ليس المسكين كامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة من يتردد على الناس فيعطى ولو القليل لقدرته على تحصيل قوته بالسؤال، ولكن المسكين كامل المسكنة الذي هو أولى بالصدقة من يتحرز عن سؤال الناس ولا يجد ما يزيل خصاصته فيظنه الجاهل بحاله غنيًا فلا يعطيه.

(بالحديث) استدل أبو حنيفة وأصحابه ومالك على أن المسكين من لا شيء له. واستدلوا أيضًا بقوله تعالى (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) أي لاصقًا بالتراب من الجوع والعري. أما قوله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فلا ينافي ما ذكر لأنه إنما سماهم مساكين مجازًا ترحمًا وشفقة عليهم لأنهم كانوا مظلومين ضعفاء. فقد كان خمسة منهم لا يطيقون العمل. أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون، وخمسة يعملون مع جهد ومشقة فقد كان أحدهم مجذومًا والثاني أعور والثالث أعرج والرابع آدر والخامس محمومًا لا تنقطع عنه الحمى

(فقه الحديث) دل الحديث على استحاب الحياء ومدح المحتاج الذي يترك السؤال حياء. وعلى الترغيب في إعطائه الصدقة وتقديمه علي الملحّ

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كَامِلٍ -الْمَعْنَى- قَالُوا نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ قَالَ "وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ". زَادَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ "لَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلَا يُعْلَمُ بِحَاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَذَاكَ الْمَحْرُومُ". وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ "الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ".

ص: 261

(ش)(عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري. و (أبو كامل) فضيل الجحدري. و (معمر) بن راشد

(قوله ولكن المسكين المتعفف) وفي بعض النسخ: وقال ولكن المسكين الخ أي قال أبو سلمة في روايته مثل الحديث السابق غير أنه قال ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم. ولم يذكر مسدد في روايته المتعفف الذي لا يسأل بل قال: لكن المسكين ليس له ما يستغني به. وقوله فذاك المحروم أي هذا المسكين الذي لا يسأل هو المحروم من الصدقة لأن الناس يظنونه غنيًا لتعففه فلا يتصدقون عليه

(والحاصل) أن الرواة الثلاثة اتفقوا في الحديث إلى قوله ولكن المسكين ثم اختلفوا فقال عبيد الله وأبو كامل: ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس ولا يحلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم. وقال مسدد: ولكن المسكين ليس له ما يستغنى به ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم

(والحديث) أخرج النسائي نحوه عن عبد الأعلى عن معمر بلفظ "ليس المسكين الذي تردّه الأكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان، قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال الذي لا يجد غنى ولا يعلم الناس حاجته فيتصدق عليه"

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ جَعَلَا الْمَحْرُومَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا أَصَحُّ.

(ش) أي روى الحديث المذكور محمَّد بن ثور وعبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد وجعلا قوله فذاك المحروم مدرجًا من كلام الزهري لا من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهو الأصح بخلاف رواية عبد الواحد بن زياد عن معمر. هذا.

و(محمَّد بن ثور) الصنعاني. أبو عبد الله العابد. روى عن ابن جريج وعوف الأعرابي ويحيى بن العلاء ومعمر. وعنه فضيل ابن عياض وعبد الرزاق ومحمد بن عبيد وغيرهم. وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ

ص: 262

فَقَالَ "إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ".

(ش)(رجال الحديث)(عبيد الله بن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المثناة التحتية ابن عدي بن نوفل النوفلي القرشي المدني. روى عن عمر وعمثان وعلي والمقداد بن الأسود وابن عباس وكثيرين. وعنه عطاء بن يزيد وعروة بن الزبير وحميد بن عبد الرحمن ويحيى بن يزيد الباهلي وغيرهم. قيل ولد في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وقال العجلي ثقة من كبار التابعين وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة. وقيل كان عام الفتح صغيرًا مميزا فعده بعضهم من الصحابة لذلك وكان ثقة قليل الحديث. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

و(الرجلان) لم يعرف اسمهما. وجهالة الصحابي لا تضر لأن الصحابهّ كلهم عدول

(المعنى)

(قوله فرآنا جلدين) تثنية جلد بفتح فسكون وهو القوي مأخوذ من الجلد بفتح الجيم واللام وهو القوة تقول منه جلد الرجل من. باب كرم جلدًا بفتح اللام فهو جلد بسكون اللام وجليد بين القوة

(قوله إن شئتما أعطيتكما) أي من الزكاة ووكلت الأمر إلى ما تعلمانه من حالكما ويكون عليكما إثم الأخذ إن كنتما غنيين أو قادرين علي الكسب

(قوله ولا حظ فيها الخ) أي في الصدقة أو في سؤالها لذى مال يعدبه غنيًا ولا لقادر عل كسب كفايته

(فقه الحديث) دل الحديث علي أن الأصل فيمن لم يعلم له مال الفقر والاستحقاق من الصدقة. وعلى أن مجرد القوة لايقتضي عدم استحقاقها بل لا بد أن ينضم إليها الكسب. وعلي أن القادر علي كسب يكفيه لا يجوز له الأخذ من الصدقة المفروضة كالغني بالمال وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للقوي المكتسب الأخذ من الزكاة ما لم يملك نصابًا فاضلًا عن حوائجه الأصلية. وقال مالك وأصحابه يجوز دفع الزكاة لقادر علي الكسب إذا كان فقيرًا لا يملك قوت عامه ولو ترك التكسب اختيارًا قالوا ومن كانت له صنعة تكفيه وعياله لم يعط وإن لم تكفه أعطى تمام كفايته

(وأجابوا) عن الحديث بأن المراد بقوله ولا لقوي مكتسب أنه لا يحل له أن يسألها مع قدرته علي اكتساب قوته لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: وإن شئتما أعطيتكما. فلوكان الأخذ محرمًا غير مسقط الزكاة لم يعلق الإعطاء على اختيارهما. أما إذا أعطى من غير سؤال فلا يحرم عليه أخذها لدخوله في الفقراء، وقد قال النبي صلى الله تعالى علي وعلى آله وسلم لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم. كما تقدم بـ ص 184 فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة ومن يأخذها فقيرًا وإن كان قادرًا على الكسب. لكن هذا صرف للحديث عن ظاهره بدون مقتض فإنه صريح في

ص: 263

تحريم الزكاة على القادر المكتسب سواء أسألها أم لم يسألها وقوله إن شئتما أعطيتكما، تفويض لهما في أنهما هل يستحقانها لفقرهما أم لا لاستغنائهما بمال أو كسب. وقال الطيبي معناه لا أعطيكما لأنها حرام على القوي المكتسب فإن رضيتما بأكل الحرام أعطيتكما قاله توبيخًا اهـ

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والطحاوي والدارقطني. قال صاحب التنقيح حديث صحيح، وقال أحمد ما أجوده من حديث

(ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الأَنْبَارِيُّ الْخُتَّلِيُّ نَا إِبْرَاهِيمُ -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ- قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ".

(ش)(رجال الحديث)(الختلي) بضم الخاء وفتح المثناة الفوقية المشددة نسبة إلى ختل كورة خلف جيحون.

و(ريحان بن يزيد) العامري البدوي. روى عن عبد الله بن عمرو. وعنه سعد بن إبراهيم. وقال كان صدوقًا ووثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم شيخ مجهول. روى له أبو داود والترمذي

(المعنى)

(قوله لا تحل الصدقة لغني) أي لمن يملك ما يعد به غنيًا. وقد اختاف العلماء في الغنى المحرم للأخذ من الزكاة. فذهبت الحنفية إلى أنه ملك نصاب من أي مال من أموال الزكاة أو قيمته إذا كان فاضلًا عن الدين والحوائج الأصلية، فلا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة إذا كانت مستغرقة بالدين أو الحوائج الأصلية، ولذا يصح دفعها لعالم له كتب تساوى نصبًا كثيرة لكنه محتاج إليها ولو للمراجعة وهذا جميع آلات المحترفين. واستدلوا بما في حديث معاذ من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " تؤخذ من أغنيائهم وتردّ إلى فقرائهم" فقد دل على أن الغنيّ من تجب عليه الزكاة ولا تجب إلا بملك النصاب المذكور فلا يحل له الأخذ من الصدقة. قال المرقاة قال في المحيط الغنى على ثلاثة أنواع: غنى يوجب الزكاة وهو ملك نصاب حولًا تامًا. وغنى يحرم الأخذ من الصدقة ويوجب صدقة الفطر والأضحية وهو ملك ما يبلغ قيمة نصاب من الأموال الفاضلة عن حاجته الأصلية.

وغنى يحرم السؤال دون الصدقة وهو أن يكون له قوت يومه وما يستر عورته اهـ وقالت المالكية إن الغنى الذي يمنع الأخذ من الزكاة ملك الشخص ما يكفيه هو ومن تلزمه نفقته عامًا أو اكتساب ما يكفيه هو ومن تلزمه نفقته فيجوز دفعها لمالك نصاب فأكثر لا يكفيه عامًا ولمن يكتسب أقل من الكفاية. وقالت الشافعية هو ملك ما يكفيه ومن تلزمه نفقته العمر الغالب على ما تقدم في بيان الفقير والمسكين. والمنقول عن أحمد في هذا روايتان إحداهما أن الغنى

ص: 264

ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسب أو عقار أو تجارة أو أجر أو نحوها. ولو ملك نصابًا من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيًا. وإليه ذهب الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق. ثانيتهما أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الزكاة وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلت له وإن ملك نصابًا. والأثمان وغيرها في هذا سواء: وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العبكري. واستدل لهذه الرواية ولمذهب مالك والشافعي بما سيأتي في "باب ما تجوز فيه المسألة من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أصابت فلانًا الفاقة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قوامًا من عيش أوسدادًا من عيش ثم يمسك" الحديث.

فقد أباح له المسألة إلى إصابته ما يقوم بحاجته. والفاقة الفقر، فن كان فقيرًا حل له الأخذ من الصدقة، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة كحديث الباب. وهناك مذاهب أخر تقدم بيانها أول الباب

(قوله ولا لذى مرة سويّ) أي لا تحل الصدقة لصاحب القوة صحيح الأعضاء لقدرته على الكسب. فالمرة بكسر الميم القوة. والسوي صحيح الأعضاء.

(وبالحديث) استدل الشافعي وأحمد على أن القوي القادر على الكسب لا تحل له الزكاة. وقالت الحنفية المراد نفي كمال الحل لا نفي أصل الحل لأنها تجوز لقوي لا يملك نصابًا زائدًا عن حاجاته الأصلية، أو المراد لا يحل له السؤال وإن جاز له الأخذ. وتقدم بيان الخلاف في ذلك في الحديث السابق

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والدارمي والدارقطني والطحاوي والترمذي وقال حديث حسن اهـ

لكن في سنده ريحان بن يزيد وفيه مقال كما تقدم، ولذا قال بعضهم لم يصح هذا الحديث وإنما هو موقوف على عبد الله بن عمرو. وأخرجه أيضًا النسائي وابن حبان وابن ماجه والدارقطني من طريق سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة. قال في التنقيح رواته ثقات لكن قال أحمد سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة. وأخرجه الحاكم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة وقال صحيح على شرط الشيخين

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ

(ش) أي روى الحديث سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن ريحان كرواية إبراهيم ابن سعد عن أبيه سعد بن إبراهم

(وروايته) أخرجها الدارقطني والطحاوي والترمذي وقال حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد الخ

(ص) وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ "لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ".

ص: 265

(ش) أي روى الحديث شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بسنده. غير أنه قال فيه: لذي مرة قوي. بدل سويّ. وقد وقفه على ابن عمرو. فقد قال الترمذي: قد روى شعبة عن سعد ابن إبراهيم هذا الحديث بهذا الإسناد ولم يرفعه

(ورواية شعبة) أخرجها الطحاوي موقوفة أيضًا قال: حدثنا أبو بكرة ثنا الحجاج بن المنهال ثنا شعبة أخبرني سعد بن إبراهيم قال سمعت ريحان ابن يزيد وكان أعرابيًا صدوقًا قال: قال عبد الله بن عمرو: لا تحل الصدقه، لغني ولا لذي مرة قوي

(ص) وَالأَحَادِيثُ الأُخَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْضُهَا "لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ". وَبَعْضُهَا "لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ".

(ش) أي قال أبو داود كما صرح به في بعض النسخ: والأحاديث المروية في هذا الباب غير ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وعدي بن الخيار وجابر وغيرهم، قد روى بعضها بلفظ لذي مرة قوي، وبعضها لذي مرة سوي، وبعضها بالجمع بينهما أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن جابر قال: جاءت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة فركبه الناس فقال: إنها لا تصلح لغني ولا لصحيح سويّ ولا لعامل قويّ. والوازع بن نافع قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات غير متعمد بل لكثرة وهمه فبطل الاحتياج به اهـ

ومن الجمع بينهما ما ذكره المصنف عن عطاء بقوله

(ص) وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ إِنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِقَوِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ.

(ش) الجملة الثانية مرادفة للأولى. و (عطاء بن زهير) بن الأصبغ العامري. روى عن ابن عمرو. وعنه الأخضر بن عجلان ذكره ابن حبان في الثقات

(هذا) واعلم أن مدار أحاديث الباب على كراهة المسألة عند عدم الحاجة، ومن لا حق له في الأخذ من الزكاة. ثم السؤال تعتريه أحكام خمسة: فيكون حرامًا لمن سأل وهو غني من الزكاة أو غيرها أو أظهر من الفقر فوق ما هو به. ويكون مكروهًا إن ألح المحتاج فيه. ومباحًا للمحتاج قال العاجز عن الكسب بغير إلحاح. وواجبًا للمضطر لإحياء النفس. ومندوبًا إن سأل الغير للمحتاج المتعفف. أما الأخذ من الصدقة فحرام ومباح وواجب. فالحرام للغني الطالب سواء أكان المأخوذ فرضًا أم تطوعًا. والمباح أخذ المحتاج غير المضطر من الواجب والتطوع ولو بطلب، وكذا أخذ غير المحتاج من التطوع بلا طلب ولا إشراف نفس، والواجب أخذ المحتاج المضطر لإحياء النفس

ص: 266