الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)
(ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مُعَاذٍ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ قَالَ كُنْتُ فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ قَالُوا جَنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَبِعْتُهَا فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ عَلَى بُرَيْذِينَةٍ وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ؟ قَالُوا هَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ قَامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَأَنَا خَلْفَهُ لَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ كَصَلَاتِكَ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ فَحَمَلُوا عَلَيْنَا حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا فَيَدُقُّنَا وَيَحْطِمُنَا فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَ يُجَاءُ بِهِمْ فَيُبَايِعُونَهُ عَلَى الإِسْلَامِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ جَاءَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمِ يَحْطِمُنَا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَجِيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبْتُ إِلَى اللَّهِ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَا يُبَايِعُهُ لِيَفِيَ الآخَرُ بِنَذْرِهِ. قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ
يَتَصَدَّى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهَابُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَذْرِي. فَقَالَ "إِنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمِ إِلَاّ لِتُوفِيَ بِنَذْرِكَ". فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ". قَالَ أَبُو غَالِبٍ فَسَأَلْتُ عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ فِي قِيَامِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَحَدَّثُونِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لأَنَّهُ لَمْ تَكُنِ النُّعُوشُ فَكَانَ الإِمَامُ يَقُومُ حِيَالَ عَجِيزَتِهَا يَسْتُرُهَا مِنَ الْقَوْمِ.
(ش)(رجال الحديث)(داود بن معاذ) العتكي أبو سليمان البصري. روى عن مخلد ابن الحسين وعبد الوارث بن سعيد وحماد بن زيد وغيرهم. وعنه أبو داود وعثمان بن خرزاذ وجعفر الفريابي ويوسف بن سعيد بن مسلم وغيرهم. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال محمَّد بن هارون المصيصي إنه كان من أفضل خلق الله ولم يتوسد الفراش ولم يأكل الأدم ولم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة وصبر أيام المحنة وقام لها قيامًا لم يقمه أحد روى له أبو داود والنسائي.
و(نافع أبو غالب) يقال اسمه رافع الباهلي مولاهم الخياط البصري. روى عن أنس ابن مالك والعلاء بن زياد العدوي. وعنه همام بن يحيى وعبد الوارث بن سعيد وعبد الرحمن أبى الصهباء وثقه ابن معين وأبو حاتم وموسى بن هارون الحمال وذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه
(معنى الحديث)
(قوله في سكة المربد) السكة الطريقة المصطفة من النخل ومنها قيل للأزقة السكة لاصطفاف الدور فيها. والمربد بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم وبه سمي مربد المدينة والبصرة
(قوله عبد الله بن عمير) مصغرًا وفي بعض النسخ عبد الله بن عمر. وليس هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب فان أنس بن مالك كان مقيمًا بالبصرة أما ابن عمر فتوفي بمكة ودفن بذي طوى كما ذكره الحاكم (وابن عمير) هذا لعله أبو محمد مولى أم الفضل أو ابنها عبد الله بن عباس. قال ابن سعد توفي سنة سبع عشرة ومائة وكان ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المنذر لا يعرف إلا في حديث عاشورا.
(قوله
على بريذينة) وفي بعض النسخ بريذينته تصغير برذون، والبرذون يقع على الذكر والأنثى وهو التركي من الخيل وربما قالوا في الأنثى برذونة
(قوله الدهقان) بكسر الدال المهملة وضمها يطلق على رئيس القرية ومقدم الناس وعلى من له مال وعقار ويجمع على دهاقين، المراد هنا الأول
(قوله لا يحول بيني وبينه شيء) غرضه بهذا بيان أنه متثبت مما حدث به
(قول يا أبا حمزة) كنية أنس بن مالك
(قوله المرأة الأنصارية) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي هذه جنازتها فصل عليها. ويحتمل أن تكون بالنصب مفعولًا لمحذوف أي احضر المرأة الأنصارية فصل عليها وفي رواية الترمذي ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا يا أبا حمزة صل عليها. ولا منافاة بينهما لاحتمال أن المرأة كانت قرشية باعتبار أصلها ونسبت إلى الأنصار لتزوجها فيهم
(قوله وعليها نعش أخضر) النعش في الأصل الذي يحمل عليه الميت، وإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير والمراد هنا ثوب يوضع على أعواد من جريد أو قصب أو خشب تجعل كالقبة فرق سرير المرأة ليسترها. قال ابن عبد البر أول من صنع له ذلك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهـ
فقد روى البيهقي من طريق قتيبة بن سعيد قال ثنا محمَّد بن موسى عن عون بن محمَّد بن علي ابن أبي طالب عن أمه أم جعفر بنت محمَّد بن جعفر وعن عمارة بن مهاجر عن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء: إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا أريك شيئًا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا فقالت فاطمة رضي الله عنها ما أحسن هذا وأجمله يعرف به الرجل من المرأة، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي رضي الله عنه ولا تدخلي على أحدًا فلما توفيت رضي الله عنها جاءت عائشة رضي الله عنها تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت لأبي بكر فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيني وبين ابنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فوقف على الباب وقال يا أسماء ما حملك أن منعت أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت أمرتني ألا تدخلي عليّ أحدًا وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها. فقال أبو بكر رضي الله عنه فاصنعي ما أمرتك. ثم انصرف وغسلها علي وأسماء رضي الله عنهما
(قوله فقام عند عجيزتها الخ) أي مؤخرها وعجز الشيء مؤخره
(قوله فقال العلاء بن زياد الخ) قال ذلك حينما رأى اختلاف قيام أنس علي الرجل والمرأة، وقوله هكذا بتقدير همزة الاستفهام أي أهكذا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي على الجنازة مثل صلاتك؟ وكذا قوله غزوت على تقدير همزة الاستفهام. و"العلاء بن زياد" بن مطر البصري العابد المشهور
التابعي الثقة
(قوله فحملوا علينا الخ)، يعني صالوا علينا ففررنا أمامهم فقوله حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا أي تنهزم وراءنا
(قوله فيدقنا ويحطمنا) أي يكسرنا، ويدق بضم الدال المهملة من باب قتل يقال دققت الشيء أدقه دقًا طحنته. ويحطم بكسر الطاء المهملة من باب ضرب يقال حطمت الشيء إذ كسرته وحطمته بالتشديد مبالغة فيه أما حطم يحطم من باب تعب إذا تكسر فليس مرادًا هنا
(قوله فهزمهم الله وجعل يجاء بهم الخ) أي هزم الله أولئك الأعداء وصارت الصحابة تأتي بهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليعاهدوه على الإِسلام فنذر صحابي لم نقف على اسمه أن يقتل الرجل الذي كان يحمل على المسلمين
(قوله فجعل الرجل الخ) أي شرع الصحابي الذي نذر أن يضرب عنق الرجل الذي كان يحمل على المسلمين يترقب إشارة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليأمره بقتله فيفي بنذره
(قوله أنه لا يصنع) أي لما رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الرجل الناذر لم يف بنذره فيقتل ذلك الرجل قبل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توبة ذلك الرجل وعاهده
(قوله قال يا رسول الله نذري الخ) يعني قال نذري ما أوفيت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أمسك عن مبايعته إلا لتفى بنذرك: لا يقال كيف يرضى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتل المشرك الذي جاء تائبًا وفاء بنذر ذلك الصحابي مع أنه متى أسلم الكافر لا يجوز قتله بحال. لأنا نقول ذلك المشرك لم يتحقق إسلامه بعد حيث لم يثبت نطقه بالشهادتين ولم يقبل منه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أو أن الوفاء بالنذر بقتل الكافر كان مقدمًا على إسلامه في ذلك الحين ثم نسخ بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله (الحديث) كما هو ثابت في آخر هذا الحديث في بعض نسخ "المصنف"
(قوله ألا أومضت إليّ؟ ) أي هلا أشرت إليّ إشارة خفية لأقتله: يقال أومض البرق إذا لمع لمعانًا خفيًا
(قوله ليس لنبيّ أن يومض) يعني أنه لا يجوز لنبي أن يضمر شيئًا ويظهر خلافه لأن الله عز وجل إنما بعثه لإظهار الدين وإعلان الحق، فلو أمن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك الرجل ظاهرًا وأشار خفية إلى قتله لكان خداعًا وهو لا يجوز في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
(قوله فسألت عن صنيع أنس الخ) أي سألت أهل العلم عن الحكمة في قيام أنس عند عجيزة المرأة هل هي مجرد اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوله فائدة أخرى؟ فأجابوه بأنه لم يكن في الزمن السالف قباب توضع على سرير المرأة لتسترها عن أعين الناس فكان يقوم الإِمام حيال عجيزتها ليسترها عن أعين القوم، وأما الآن فقد اتخذت القباب على جنازة المرأة فوقوف الإِمام الآن حذاء عجيزتها إنما يقصد به مجروإلاتباع "وفي الحديث" دلالة على أن الإِمام في صلاة الجنازة يقف عند رأس الرجل وإزاء عجيزة المرأة. وإلى ذلك ذهبت الشافعية وداود وابن حزم وأصحاب
الحديث. وقالت الحنابلة يقف عند صدر الرجل ووسط المرأة وهو قول للشافعي قريب من الأول فإن المسألة تقريبية. وقالت الحنفية يقف عند صدر الرجل والمرأة جميعًا، وفي رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف يقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها واختاره الطحاوي حيث قال وهذا أحب إلينا فقد قوته الآثار التي قد رويناها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ بتصرف
والآثار التي أشار هي حديثًا الباب. وقالت المالكية يقف عند وسط الذكر وحذو منكبي غيره من أنثى أو خنثى لئلا يتذكر ما ينافي الصلاة إذا وقف عند وسط غير الذكر قالوا وقوفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسط المرأة لعصمته من تذكر ما ينافي الصلاة. ويجعل الإِمام رأس الميت عن يمينه إلا في الروضة الشريفة فيجعل رأسه عن يساره تجاه رأس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.
وقال الهادي يقف حذاء رأس الرجل وثدي المرأة واستدل بفعل علي عليه السلام. قال أبو طالب وهو رأى أهل البيت لا يختلفون فيه. وقال القاسم يستقبل صدر المرأة ويقف بين الصدر والسرّة من الرجل. وقال الحسن يقف حيث شاء منهما.
والظاهر الذي تشهد له الأدلة ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة قال في النيل بعد حكايته المذاهب المذكورة قد عرفت أن الأدلة دلت على ما ذهب إليه الشافعي وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع بل مجرد التعويل على محض الرأي أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل اهـ بتصرف
(وقال) قى الروضة الندية بعد أن ساق حديثى الباب والخلاف في المسألة: والثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقف مقابلًا لرأس الرجل ولم يثبت عنه غير ذلك، وأما المرأة فروي أنه كان يقوم مقابلًا لوسطها، وروي أنه كان يقوم مقابلًا لعجيزتها ولا منافاة بين الروايتين فالعجيزة يصدق عليها أنها وسط "وإيثار" ما ثبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند أئمة الفن الذين هم المرجع لغيرهم "واجب" ولم يقل أحد من أهل العلم بترجيح قول أحد من الصحابة أو من غيرهم على قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفعله وهذا مما لا ينبغي أن يخفى اهـ
والخلاف المذكور إنما هو في الأولى والأكمل فلو استقبل الإِمام أي جزء من الرجل أو المرأة صحت صلاته. وفي بعض النسخ في آخر هذا الحديث زيادة قوله "قال أبو داود قول النبي صلى الله تعالى عليه وصلى آله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قتله بقوله إني قد تبت"
(فقه الحديث) دل الحديث زيادة علي ما تقدم على استحباب التوسط في صلاة الجنازة. وعلى أن تكبيراتها أربع. وعلى أن من أسر من الكفار البالغين فالإمام مخير بين قتلهم وحقن دمائهم ما لم يسلموا، فمن أسلم حقن دمه. وعلى مشروعية النذر والوفاء به. وعلى أنه لا يجوز على
الرسول أن يظهر خلاف ما يبطن
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه وكذا الطحاوي والترمذي مختصرًا وحسنه والبيهقي مطولًا
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصَّلَاةِ وَسَطَهَا.
(ش)(مسدد) بن مسرهد
(قوله صليت وراء النبي على امرأة) هي أم كعب كما في رواية النسائي
(قوله وسطها) بفتح السين المهملة وتسكين يعني إزاء عجيزتها. وقال بعضهم من الوسط الصدر ولا يخفى بعده
(وفي الحديث) دلالة على مشروعية الصلاة على النفساء وإن كانت من الشهداء فإن الشهيد الذي وقع الخلاف في الصلاة عليه إنما هو شهيد المعركة. وعلى أن الإِمام يقف تجاه وسط المرأة
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح
(باب التكبير إلى الجنازة)
أي في بيان عدد التكبير في صلاة الجنازة
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِقَبْرٍ رَطْبٍ فَصَفُّوا عَلَيْهِ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. فَقُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ مَنْ حَدَّثَكَ قَالَ الثِّقَةُ مَنْ شَهِدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ.
(ش) هذا الحديث من رواية أبي بكر بن داسة لا من رواية اللؤلؤي، ولذا لم يذكره المنذري في سننه (ابن إدريس) عبد الله و (أبو إسحاق) سليمان بن فيروز الشيباني و (الشعبي) عامر بن شرحبيل
(قوله مر بقبر رطب) أي لم يجف ترابه لقرب الدفن فيه
(قوله فصفوا عليه الخ) يعني فصلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو وأصحابه على ذلك القبر صلاة الجنازة "ففيه دلالة" علي مشروعية صلاة الجنازة على القبر إذا كان الميت حديث عهد بالدفن. وسيأتي الكلام عليه "في باب الصلاة على القبر" وعلى أن التكبير في صلاة الجنازة أربع. وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري وابن المبارك وإسحاق
وابن أبي أوفى وعطاء ومحمد بن الحنفية والأوزاعي، وقال به من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت والحسن بن علي والبراء بن عازب وأبو هريرة. قال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم
واستدلوا بحديث الباب، والذي قبله، وبما رواه البخاري ومسلم عن جابر وأبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على النجاشي وكبر عليه أربعًا. وسيأتي للمصنف في (باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك) وبما رواه الشافعي في الأم والحاكم والبيهقي عن إبراهيم بن محمَّد شيخ الشافعي عن عبد بن محمَّد بن عقيل عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر على الميت أربعًا وإبراهيم وإن كان فيه مقال فحديثه يقوي الأحاديث الآخر. قال البيهقي: وممن روى الأربع عقبة بن عامر والبراء بن عازب وزيد بن ثابت وابن مسعود اهـ
وذهب زيد بن أرقم وحذيفه بن اليمان والشيعة إلى أن التكبير على الجنازة خمس. واستدلوا بما رواه أحمد عن حذيفة أنه صلى على جنازة فكبر خمسًا ثم التفت فقال: ما نسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، صلى على جنازة فكبر خمسًا.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: التكبير تسع وسبع وخمس وأربع وكبر ما كبر الإِمام.
وقال ابن عباس وأنس وجابر بن زيد يكبر ثلاثًا وبه قال ابن سيرين. وقال بكر بن عبد الله المزني لا ينقص عن ثلاث تكبيرات ولا يزاد على سبع. وروي عن أحمد أنه قال: لا ينقص عن أربع ولا يزاد على سبع. وقال علي يكبر ستًا. وروي عنه أنه كبر على أهل بدر ستًا، وعلى غيرهم من الصحابة خمسًا، وعلى سائر الناس أربعًا.
والراجح ما ذهب إليه الأولون لما تقدم عند البخاري ومسلم.
ولما رواه البيهقي عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعًا وخمسًا وستًا أو قال أربعًا، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبر كل رجل بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات كأطول الصلاة.
ولما رواه أيضًا من طريق إبراهيم النخعي أنه قال اجتمع أصحاب رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت أبي مسعود فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع.
وروى أيضًا أن علي بن الجعد قال ثنا شعبة عن عمرو في مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول إن عمر قال: كل ذلك قد كان أربعًا وخمسًا فاجتمعنا على أربع الحديث.
ولما رواه الحاكم والدارقطني من طريق مبارك في فضالة عن الحسن عن أنس قال: كبرت الملائكة على آدم أربعًا، وكبر أبو بكر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعًا، وكبر عمر على أبي بكر أربعًا، وكبر صهيب على عمر أربعًا، وكبر الحسن على عليّ أربعًا، وكبر الحسين على الحسن أربعًا: قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
والمبارك بن فضالة من أهل الزهد والعلم مجيث لا يجرح مثله إلا أن الشيخين لم يخرجا له لسوء
حفظه اهـ.
وأخرج الحاكم أيضًا من طريق الفرات بن السائب الجزري عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس قال: آخر ما كبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجنائز أربعًا، وكبر عمر أبي بكر أربعًا، وكبر عبد الله بن عمر على عمر أربعًا، وكبر الحسن بن عليّ على عليّ أربعًا، وكبر الحسين بن عليّ على الحسن أربعًا، وكبرت الملائكة على آدم أربعًا.
قال الحاكم لست ممن يخفى عليه أن الفرات بن السائب ليس من شرط هذا الكتاب وإنما أخرجته شاهدًا اهـ.
ولما أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار من طريق أبي بكر بن سليمان ابن أبي حثمة عن أبيه: كان النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر على الجنائز أربعًا وخمسا وستًا وسبعًا وثمانية حتى جاء موت النجاشي فخرج فكبر أربعًا تم ثبت صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أربع حتى توفاه الله عز وجل.
ولما رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يكبر على أهل بدر سبع تكبيرات، وعلي بني هاشم خمس تكبيرات، ثم كان آخر صلاته أربع تكبيرات إلى أن خرج من الدنيا.
ولما رواه الدارقطني في سننه عن يحيى بن أبي أنيسة عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال: صلى عمر على بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسمعته يقول لأصلينّ عليها مثل آخر صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مثلها، فكبر عليها أربعًا. ويحيى ابن أبي أنيسة وجابر الجعفي ضعيفان.
ولما رواه محمَّد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن الناس كانوا يصلون على الجنائز خمسًا وستًا وأربعًا حتى قبض النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ثم كبروا كذلك في ولاية أبي بكر الصديق، ثم ولي عمر بن الخطاب ففعلوا ذلك. فقال لهم عمر: إنكم معشر أصحاب محمَّد متى تختلفون تختلف الناس بعدكم والناس حديثو عهد بالجاهلية فأجمعوا على شيء يجمع عليه من بعدكم وترفضون ما سواه فوجدوا آخر جنازة كبر عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعًا. قال العيني وفيه انقطاع بين إبراهيم وعمر رضي الله تعالى عنه. وقال ابن عبد البر انعقد الإجماع على أربع اهـ
وقال القاضي عياض أجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع لما جاء في الأحاديث الصحاح وما سوى ذاك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه ولا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى اهـ
فلو زاد الإمام على أربع لا يتابعه المأموم عند الثوري وأبي حنيفة والشافعي، قالوا ولكن لا يسلم حتى يسلم الإِمام. وهو رواية عن أحمد، وروي عنه أيضًا أنه يتابعه إلى سبع، وقال زفر يتابعه لأنه مجتهد فيه فيتابع فيه المقتدي إمامه كما في تكبيرات العيدين.
ورد بأن ما زاد على أربع منسوخ فلا يتابع فيه الإِمام لخطئه ق الذي المغني للحنابلة لا يختلف المذهب أنه لا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات ولا النقص عن أربع والأولى ألا يزاد على أربع فإن كبر الإِمام خمسًا تابعه المأموم في ظاهر المذهب ولا يتابعه فما زاد عليها
وقالت المالكية إن زاد الإِمام على أربع عمدًا لم ينتظر سواء رآه مذهبًا أم لا، ويكره انتظاره بل يسلمون وصلاتهم صحيحة، كما أن صلاته كذلك، لأن التكبير في صلاة الجنازة ليس بمنزلة الركعات من كل وجه، فإن انتظروه فينبغى عدم البطلان، فإن زاد سهوًا أو جهلًا فيجب انتظاره علي المعتمد، فإن لم ينتظروه فينبغي الصحة، فإن شكوا هل زاد عمدًا أو سهوًا انتظروه على الظاهر فإن لم ينتظروه فالصلاة صحيحة.
واختلف في مشروعية رفع اليدين عند كل تكبيرة. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة اهـ.
أما باقي التكبيرات فذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر إلى أنه يرفع يديه في كل تكبيرة.
واحتجوا بما رواه البيهقي عن ابن عمر بسند صحيح كما قال الحافظ وعلقه البخاري ووصله في جزء رفع اليدين في جميع تكبيرات الجنازة. ورواه الطبراني في الأوسط مرفوعًا وقال لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرر. وتفرد به عباد بن صهيب وهما ضعيفان. ورواه الدارقطني من طريق بن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه مرفوعًا، لكن قال في العلل تفرد برفعه عمر بن شبة عن يزيد بن هارون اهـ قال الشوكاني رواه الجماعة عن يزيد موقوفًا وهو الصواب.
وقال أبو حنيفة والثوري وسالم والزهري وقيس بن أبي حازم لا يرفع إلا في الأولى. واستدلوا بما رواه الدارقطني من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه على الجنازة أول تكبيرة ثم لا يعود. لكنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج به لأنه من طريق عبد الله بن نصير وقد ضعفه غير واحد. وقال ابن حبان يخطئ ويهم. وقال أبو داود تركوا حديثه. وعن مالك روايتان الرفع عند كل تكبيرة. وعدمه فما عدا الأولى وهو مشهور المذهب
(قوله حدثني الثقة الخ) أي قال الشعبي حدثني بهذا الحديث الإِمام الثقة الذي شهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي على ذلك القبر وهو عبد الله بن عباس، فعبد الله خبر لمبتدأ محذوف أو بدل من الثقة
(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا شُعْبَةُ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ زَيْدٌ -يَعْنِي ابْنَ أَرْقَمَ- يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُكَبِّرُهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَنَا لِحَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى أَتْقَنُ.