المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

عبد الرحمن فقلت أليس كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى عن زيارة القبور؟ قالت نعم كان ينهى عن زيارتها ثم أمر بزيارتها.

ومن أدلة القائلين بالجواز حديث مسلم عن عائشة قالت كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور؟ قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين. فتعليمها هذا القول إذن مه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها في الزيارة. ومنها ما تقدم من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر بامرأة تبكي عند قبر فقال لها اتقي الله واصبري. ولم ينكر عليها الزيارة.

ومنها ما رواه الحاكم من حديث الحسين أن فاطمة بنت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده وقال هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات، ويمكن الجمع بين الأدلة: بأن الإذن في الزيارة لمن خرجت متسترة خاشعة متذكرة أمر الآخرة معتبرة بما صار إليه أهل القبور تاركة النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب وسوء القول.

وبأن المنع لمن فعلت شيئًا مما ذكر كما يقع من كثير من نساء زماننا ولا سيما نساء مصر: قال النووي في شرح المهذب قال صاحب المستظهر وعندي إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن حرم قال وعليه يحمل الحديث "لعن الله زوارات القبور" وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره إلا أن تكون عجوزًا لا تشتهى فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد. وهذا الذي قاله حسن، ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك الزيارة لظاهر الحديث اهـ.

وقال صاحب المدخل المالكي قد اختلف العلماء في خروجهن على ثلاثة أقوال بالمنع والجواز على ما يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم، والثالث يفرق بين الشابة والمتجالة "أي العجوز" وأعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان أما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجوازه اهـ.

وتقدم تمام الكلام على هذا في "باب اتباع النساء الجنائز" من الجزء الثامن

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والحاكم وكذا ابن ماجه مختصرًا. ورواه أحمد وابن ماجه والترمذي وابن حبّان والبيهقي عن أبي هريرة مختصرًا

(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ"

ص: 103

(ش)(القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (أبو العلاء) عبد الرحمن بن يعقوب

(قوله السلام عليكم) وفي رواية أحمد سلام عليكم. وفيه دلالة على أن السلام على الموتى يقدم فيه المبتدأ على الخبركالسلام على الأحياء ويقدم الدعاء على المدعوّ له فإن السلام متضمن للدعاء ونظيره قوله تعالى "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" ولا ينافيه ما سيأتي للمصنف في "باب كراهية أن يقول عليك السلام" من كتاب الأدب عن أبي جريّ الهجيمي "بالتصغير فيهما" قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى. لأنّ معناه أن هذه الصيغة تختص بالموتى، وأما السلام عليكم فمشترك

"وما قاله" بعض العلماء من لزوم تقديم المبتدإ على الخبر في السلام على الأحياء والأموات وإجابته عن حديث أبي جريّ بأنه إخبار عن عادة أهل الجاهلية من تقديم الخبر على المبتدإ في تحية الموتى كما قال شاعرهم

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أن يترحما

"بعيد" لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يقر أحدًا على ما يخالف الشريعة. فتحصل أن السنة في السلام على الأحياء والأموات تقديم المبتدإ على الخبر وأنه يجوز في تحية الأموات تقديم الخبر

(قوله دار قوم مؤمنين) بالنصب على النداء، والكلام على حذف مضاف أي يأهل دار قوم مؤمنين. وسميت القبور دارًا تشبيهًا لها بمساكن الأحياء لأنهم يجتمعون في القبوركما يجتمع الأحياء

(قوله وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ذكر المشيئة للتبرك كما في قوله تعالى "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين" أو ذكرت لتحسين الكلام وتزيينه وليست لتعليق الموت على المشيئة لتحققه وعدم الشك فيه. ويحتمل أنها للتعليق بالنسبة للموت على الإيمان. أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل المقابر ومعه قوم مخلصون في الإيمان وآخرون منافقون. فكان الاستثناء تنويها بشأنهم

(وفي هذا الحديث) دلالة على مشروعية ذكر هذه الكلمات عند زيارة القبور: وقد ورد في ذلك أحاديث أخر.

منها ما رواه مسلم عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية،

ومنها ما رواه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر.

ومنها ما رواه مسلم عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم

ص: 104

مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. وقوله أتاكم ما توعدون الخ. أي جاءكم ما وعدكم الله تعالى من الثواب مجملًا وأنتم مؤجلون باعتبار حصوله يوم القيامة مفصلًا:

ومنها ما رواه مسلم عنها أيضًا قالت: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قلنا بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها عندي انقلب فرضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب رويدًا، فخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع فأقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت "من الإحضار وهو العدو" فسبقته فدخلت. فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال مالك يا عائش حشيا "نفسك متتابع" رابية "مرتفعة البطن" قلت لا بي شيء. قال لتخبرنّي أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت نعم، فلهدني "دفعني" في صدري لهدة أوجعتنى ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله. نعم، قال فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي، فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت قلت كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.

ومنها ما أخرجه ابن ماجه عنها أيضًا قالت: فقدته تعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا هو بالبقيع. فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم.

وعن الحسن البصري قال: من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجسام البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليها روحا "بفتح فسكون رحمة" منك وسلامًا مني، استغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم. رواه ابن أبي شيبة.

وصفة الزيارة المشروعة كما أفاده النووي أن يخرج الشخص متواضعًا مراقبًا لله تعالى معتبرًا بمن تقدمه من الموتى قاصدًا وجه الله تعالى ونفع الميت بالسلام عليه والدعاء له، فإذا وصل القبر استقبل الميت واستدبر القبلة وسلم ودعا بما شاء مما تقدم من الأحاديث قائمًا كما كان يفعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند الخروج إلى البقيع. ولا بأس بالجلوس إذا كان لضرورة. وليحذر مما اعتاده بعض الجهلة من التمسح بالقبر وتقبيله والطواف حوله ودعاء صاحب القبر

ص: 105

وطلب ما يحتاجه منه فإن ذلك من عادة المشركين. وفي الحديث الصحيح إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله رواه الترمذي. وقد يفضي ذلك إلى ما كانت عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان.

وفي المنع من ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المؤدية إلى فساد العقيدة، وهو المناسب لحكمة مشروعية الأحكام من جلب المصالح ودرء المفاسد. وليحذر أيضًا مما يقع من بعض من لا خلاق لهم من اعتقادهم في قبور الصالحين والأولياء وبعض الأشجار والأبواب أنها تنفع أو تضر أو تقرب إلى الله تعالى أو تقضي الحوائج بمجرد التشفع بها إلى الله تعالى، فإن من فعل ذلك فقد أشرك بالله تعالى واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فإنهم يعاملونها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بها طواف الحجاج بيت الله الحرام ويخاطبون الميت بالكلمات المكفرة كقولهم "اقصم ظهره يا سيد وخذ عمره وتصرف فيه يا إمام" ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد، ولكل جهة رجل ينادونه، فأهل مصر يدعون الشافعي والرفاعي والبدوي والبيومي. وأهل العراق والهند والشام يدعون عبد القادر الجيلي، وأهل مكة والطائف يدعون ابن عباس، وينذرون لهم النذور ويذبحون لهم الذبائح، ويوقدون لهم السرج ويضعون الدراهم في صناديقهم، ولا ريب أن هذا من أعمال الجاهلية ومخالف لدين الله تعالى ورسوله وما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم.

ولو عرف الناذر بطلان ذلك ما أخرج درهمًا فإن الأموال عزيزة عند أهلها قال تعالى "وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ" فالواجب على كل عاقل تحذير من يفعل ذلك لأنه إضاعة للمال ولا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضررًا، بل فيه المخالفة والمحاربة لله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ويجب رد المال إلى من أخرجه، وقبضه حرام لأنه أكل مال الناذر بالباطل، وقد قال تعالى "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" وفيه تقرير للناذر علي قبح اعتقاده وشنيع مخالفته فهو كحلوان الكاهن ومهر البغيّ، ولأنه تدليس من هؤلاء القوم وإيهام له أن الولى ينفعه ويضره فأي تقرير لمنكر أشد من قبض النذر علي الميت وأي تدليس أعظم من هذا؟

قال الإِمام محمَّد ابن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام في رسالته "تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد" بعد كلام جليل طويل في هذا الموضوع "فإن قلت" هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد، وطبق الأرض شرقًا وغربًا، ويمنًا وشامًا وجنوبًا وشمالًا، بحيث لا بلدة من بلاد الإِسلام ولا قرية من قراه إلا وفيها قبور ومشاهد، وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها، ويحلفون بها ويطوفون بفناء القبور ويسرجونها ويلقون عليها الورد والرياحين ويلبسونها الثياب. ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخشوع والتذلل والافتقار إليها، بل هذه مساجد المسلمين غالبًا لا تخلو عن قبر

ص: 106

أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيه ما ذكر أو بعضه، ولا يسع عقل عاقل أن منكرًا يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة والقباحة ويسكت عليه علماء الإِسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا

"قلت" إن أردت الإنصاف، وتركت متابعة الأسلاف، وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل لا ما اتفق عليه العوالم جيلًا بعد جيل وقبيلًا بعد قبيل، فاعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها، ونسعى في هدم منارها، صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل، ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دنيّ ومثيل: ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه ويراهم ينذرون له ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويطوفون به على قبره فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده من يعتقدونه، فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير، ولا يسمعون من أحد إنكارًا عليهم، بل ترى من يتسم بالعلم ويدعي الفضل وبنتصب للقضاء أو الفتيا أو التدريس أو الولاية والمعرفة أو الإمارة والحكومة معظمًا لما يعظمونه، مكرمًا لما يكرمونه، قابضًا للنذور، آكلًا ما ينحر على القبور، فيظن أن هذا دين الإِسلام، وأنه رأس الدين والسنام، ولا يخفى على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر، أن سكوت العالم أو العالم على وقوع منكر ليس دليلًا على جواز ذلك المنكر.

ولنضرب لك مثلًا من ذلك، وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من ضرورة الدين تحريمها قد ملأت الديار والبقاع وصارت أمرًا مأنوسًا لا يلج إنكارها إلى سمع من الأسماع، وقد امتدت أيدى المكاسين في أشرف البقاع في مكة أم القرى، يقبضونها من القاصدين لأداء فريضة الإِسلام ويرتكبون في البلد الحرام كل فعل حرام، وسكانها من فضلاء الأنام، والعلماء والحكام ساكتون عن الإنكار معرضون عن بيان أنها ظلم وعدوان، أفيكون السكوت من العلماء بل من العالم دليلًا على جوازها وأخذها؟ هذا لا يقوله من له أدنى إدراك.

بل أضرب لك مثلًا آخر: هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا باتفاق وإجماع العلماء. أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد، واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله عز وجل من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين. بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها ووفد الآفاق والأقطار إليها، وشاهدها كل ذى عينين، وسمع بها كل ذي أذنين. أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من له إلمام بشيء من المعارف. وكذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين

(فإن قلت) يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة

(قلت) الإجماع حقيقته اتفاق مجتهدي أمة محمَّد صلى الله تعالى عليه

ص: 107

وعلى آله وسلم على أمر بعد عصره، وفقهاء المذاهب الأربعة يحيلون الاجتهاد من بعد الأئمة الأربعة، وإن كان هذا قولًا باطلًا، وكلامًا لا يقوله إلا من كان للحقائق جاهلًا، فعلى زعمهم لا إجماع أبدًا من بعد الأئمة الأربعة، فلا يرد السؤال: فإن هذا الابتداع والفتنة بالقبور لم يكن علي عهد أئمة المذاهب الأربعة. وعلى ما نحققه فالإجماع وقوعه محال، فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق وصارت في كل أرض وتحت كل نجم، فعلماؤها المحققون لا ينحصرون ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم، فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة كما قاله أئمة التحقيق اهـ.

أما قراءة الزائر القرآن عند القبر فقال أبو حنيفة: تكره لأنه لم يصح فيها شيء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

وقال محمَّد تستحب لورود الآثار وهو المذهب المختار كما صرحوا به في كتاب الاستحسان. قال في الدر المختار: ويقرأ عند زيارة القبر يس اهـ

قال محشيه ابن عابدين "قوله ويقرأ يس" لما ورد "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات" وفي شرح اللباب ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى المفلحون وآية الكرسي وآمن الرسول ويس وتبارك الملك وسورة التكاثر والإخلاص اثنتى عشرة مرة أو إحدى عشرة مرة أوسبعًا أو ثلاثًا ثم يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إليهم اهـ.

وقالت الشافعية: يستحب للزائر أن يقرأ ما تيسر من القرآن. قال النووي في المجموع: ويستحب للزائر أن يسلم على المقابر ويدعو لمن يزوره ولجميع أهل المقبرة، ويستحب أن يقرأ من القرآن ما تيسر ويدعو لهم عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب،

وقالت الحنابلة لا بأس بالقراءة عند القبر. قال في المغني قد روي عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي ثلاث مرار وقل هو الله أحد ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر.

وروي عنه أنه قال القراءة عند القبر بدعة، وروي ذلك عن هشيم، قال أبو بكر نقل ذلك عنه جماعة ثم رجع عنه: فروى جماعة أنه نهى ضريرًا أن يقرأ عند القبر وقال له إن القراءة عند القبر بدعة، فقال له محمَّد بن قدامة ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال ثقة قال فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال أحمد فارجع فقل للرجل يقرأ.

وقال الخلال: حدثني أبو على الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور وقد روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات" وروي عنه عليه السلام "من زار قبر والديه فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له" وأي قربة فعلت وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله: أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات فلا أعلم فيها خلافًا إذا كانت الواجبات

ص: 108

مما تدخلها النيابة "كالحج والصيام" وقال أحمد الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه. ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعًا اهـ بتصرف.

وقالت المالكية: تكره القراءة على القبر لأنه ليس من عمل السلف. بل كان عملهم التصدق والدعاء لا القراءة. وقال بعضهم لا بأس بقراءة القرآن وجعل ثوابه للميت ويحصل له الأجر إن شاء الله، قال ابن هلال: الذي أفتى به ابن رشد في نوازله وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقًا وغربًا، ووقفوا على ذلك أوقافًا واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة اهـ

والراجح أن قراءة القرآن عند القبر لم يثبت فيها حديث مرفوع صحيح. وما تقدم للمصنف بالجزء الثامن في "باب القراءة عند الميت" من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرءوا يس على موتاكم "ففيه مقال" وعلى فرض صحته فهو محمول على المحتضر كما علمت هناك

"وما رواه الدارقطني" عن عليّ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من مر على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات "فقد"، قال فيه ابن الجوزي في التذكرة هو مأخوذ من نسخة عبد الله بن أحمد في الموضوعات اهـ "وما ذكر" من قراءة الفاتحة وآية الكرسي وتبارك الملك وسورة التكاثر عند زيارة القبور "فلا نعلم" فيه رواية صحيحة ولا ضعيفة. والله الموفق للصواب

(والحديث) أخرج مسلم والنسائي وابن ماجه نحوه عن بريدة وعائشة

(باب كيف يصنع بالمحرم إذا مات؟ )

وفي بعض النسخ باب المحرم يموت كيف يصنع به؟

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ فَمَاتَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ "كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي".

(ش)(سفيان) بن سعيد الثوري

(قوله وقصته راحلته) يعني صرعته فكسرت عنقه وأصل الوقص الدق والكسر يقال: وقصت الناقة راكبها وقصًا من باب وعد رمته فدقت

ص: 109

عنقه. وفي رواية للبخاري: بينا رجل واقف مع رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته فأوقصته. أي قتلته وهشمته

(قوله كفنوه في ثوبيه) يعني بهما الإزار والرداء لأن المحرم لا يلبس الثياب المخيطة، وفي رواية للبخاري والرواية الآتية وكفنوه في ثوبين. قال القاضي عياض. وأكثر الروايات في ثوبين

(قوله ولا تخمروا رأسه الخ) أي ولا تستروه لأن الله يبعثه يوم القيامة علي الهيئة التي مات عليها من الإحرام والتلبية، كالشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يشخب دمًا

(وفي الحديث) دلالة على أن المحرم إذا مات لا يكفن في الخيط ولا تغطى رأسه لبقاء حكم إحرامه كما هو ظاهر التعليل. وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق أخذًا بظاهر الحديث، وهو قول عثمان وعليّ وابن عباس وعطاء والثوري وإسحاق.

وقال أبو حنيفة ومالك وطاوس والأوزاعي إذا مات المحرم انقطع إحرامه فيلبس المخيط وتغطى رأسه ويطيب، وهو مروي عن عائشة وابن عمر، فقد مات ابنه واقد وهو محرم فكفنه وخمر وجهه ورأسه وقال: لولا أنا محرمون لخطناك يا واقد رواه مالك في الموطأ،

وروى عبد الرزاق في مصنفه بأسانيد جياد عن عطاه وقد سئل عن المحرم يغطى رأسه إذا مات فقال: غطى ابن عمر وكشف غيره. وقال طاوس يغيب رأس المحرم إذا مات. وقال الحسن إذا مات المحرم فهو حلال.

وفي حديث مجاهد عن عامر الشعبي إذا مات المحرم ذهب إحرامه. وفي حديث إبراهيم عن عائشة إذا مات المحرم ذهب إحرام صاحبكم وحكى ابن حزم أنه صح عن عائشة تحنيط الميت المحرم إذا مات وتطييبه وتخمير رأسه، قالوا لأن الإحرام عبادة تبطل بالموت كالصلاة والصوم.

وأجابوا عن حديث الباب بأنه خصوصية لهذا الرجل لأن إخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه يبعث ملبيًا شهادة منه بأن حجه قد قبل وذلك غير محقق لغيره، وبأن عمله قد انقطع بموته لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم والبخاري في الأدب، وليس هذا منها وفي الحديث اغسلوه بسدر. والمحرم لا يجوز غسله بالسدر.

لكن يقال عليه إن الأصل عدم الخصوصية وأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يبعث ملبيًا. لا ينحصر فيما قالوا، بل هو ظاهر في بقاء حكم الإحرام فإن التلبية شعار المحرم فالحكم عام لكل محرم. يؤيده ما رواه النسائي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا" فظاهره يعم كل محرم، وكونه جاء في رسول مخصوص لا يقدح لأن العبرة بعموم اللفظ "وتمسكهم" بقوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث "ليس على ما ينبغي" لأن ما يصنع به بعد

ص: 110

موته من الغسل والتكفين وغيرهما من عمل الحي لا من عمله "وما قيل" لو كان إحرامه باقيًا لوجب أن يكمل به أعمال الحج ولا قائل به "مدفوع" بأن هذا ورد على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص، ولا سيما وأن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام ولو تممت به أعمال الحج ما بقيت له هذه الحكمة، وما أحسن ما اعتذر به الداودي عن مالك حيث قال: إنه لم يبلغه الحديث

(فقه الحديث) دل الحديث بمفهومه على أنه يباح للمحرم الحيّ أن يغتسل بالماء والسدر، وبه قال الشافعي وعطاء وابن المنذر ومجاهد وطاوس، وكرهه أبو حنيفة ومالك وآخرون. وعلى أن الكفن من رأس مال الميت لأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتكفينه في ثوبه ولم يستفصل أعليه دين يستغرق ماله أم لا. وعلى أن المحرم يكفن في ثياب إحرامه: وعلى أن الوتر في الكفن ليس شرطًا في صحته بل هو الأفضل كما تقدم. وعلى أن من مات محرمًا يبقى حكم إحرامه، فلا يكفن في المخيط ولا يغطى رأسه إن كان رجلًا

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَمْسُ سُنَنٍ "كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ". أَىْ يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي ثَوْبَيْنِ "وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ". أَيْ إِنَّ فِي الْغَسَلَاتِ كُلِّهَا سِدْرًا "وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ". وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَكَانَ الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.

(ش) غرض المصنف بهذا بيان الأحكام التي تؤخذ من الحديث صراحة وضمنا

(قوله في هذا الحديث خمس سنن الخ) أما الثلاثة الأول فمأخوذة من الحديث صراحة والآخران ضمنا لأن: قوله لا تقربوه طيبًا مأخوذ من معاملته معاملة المحرم، وقوله كان الكفن من جميع المال، أي من رأسه لأنه ضروري، أخذ من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث كفنوه في ثوبيه. ولم يستفسر أعليه دين أم لا؟ كما تقدم

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ -الْمَعْنَى- قَالَا نَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ قَالَ "وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ سُلَيْمَانُ قَالَ أَيُّوبُ "ثَوْبَيْهِ". وَقَالَ عَمْرٌو "ثَوْبَيْنِ". وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ قَالَ أَيُّوبُ "فِي ثَوْبَيْنِ". وَقَالَ عَمْرٌو "فِي ثَوْبَيْهِ". زَادَ سُلَيْمَانُ وَحْدَهُ "وَلَا تُحَنِّطُوهُ".

ص: 111

(ش)(قوله نحوه) أي روى حماد في زيد عن عمرو في دينار وأيوب السختياني نحو رواية سفيان الثوري عن عمرو المذكور

(قوله قال وكفنوه في ثوبين الخ) أي قال حماد في روايته وكفنوه في ثوبين بالتنكير، وهذا مجمل فصله بقوله: قال سليمان الخ وحاصله أن سليمان ابن حرب روى عن أيوب وثوبيه بالإضافة وعن عمرو ثوبين بالتنكير، وروى محمَّد بن عبيد عنهما عكس ما رواه سليمان، فنكر في الأول وعرف في الثاني. وزاد سليمان في روايته عن محمَّد بن عبيد قوله: ولا تحنطوه أي لا تجعلوا في كفنه حنوطًا. وهو أنواع من الطيب تجمع وتجعل في أكفان الموتى وأجسامهم خاصة

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَى سُلَيْمَانَ "فِي ثَوْبَيْنِ".

(ش) يعني أن مسددًا روى الحديث عن حماد بن زيد نحو ما رواه عنه سليمان في حرب إلا أن مسددًا قال في روايته عن حماد وكفنوه في ثوبين بالتنكير، فوافق محمَّد بن عبيد في روايته عن أيوب السختيانيّ، والفرق بين رواية التعريف والتنكير أن رواية التعريف تفيد الاقتصار على ثوبيه اللذين كانا عليه بخلاف رواية التنكير فإنها تصدق بهما وبغيرهما

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ".

(ش)(جرير) بن عبد الحميد و (منصور) بن المعتمر. و (الحكم) بن عتيبة

(قوله ولا تقربوه طيبًا) هو حجة لمن قال إن الميت المحرم لا يطيب لبقاء حكم إحرامه كما أشار له بقوله فإنه يبعث يهل "يعني يلبي" وقال أبو حنيفة ومالك يطيب لانقطاع إحرامه

(والحديث) حجة عليهم وأخرح مسلم هذه الرواية عن إسراءيل عن منصور عن سعيد. قال القاضي عياض هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: إنما سمعه منصور من التيمم، وكذا أخرجه البخاري عن منصور عن التيمم عن سعيد وهو الصواب اهـ

ص: 112