المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الدعاء للميت) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب الدعاء للميت)

(باب الدعاء للميت)

أي حال الصلاة عليه

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ".

(ش) أي اجعلوا له الدعاء خالصًا مقصودًا به وجه الله تعالى سواءكان الميت محسنًا أم مسيئًا فان العاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم. ولذا قدم بين أيديهم للشفاعة له. ولا يكون الإخلاص إلا بصفاء الخاطر عن الشواغل الدنيوية وبالخضوع بالقلب والجوارح: ويحتمل أن المعنى خصوا الميت بالدعاء. وبه قال جمهور الشافعية.

وأكثر الفقهاء على جواز تعميم الدعاء لورود الأحاديث به كما في المصنف بعد وهو الراجح. وحديث الباب ليس نصًا فيما قاله الشافعية كما علمت فلا يتم الاحتجاج به على ما ذهبوا إليه

(فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الدعاء للميت. وعلى طلب الإخلاص فيه

(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي وكذا ابن حبّان وصححه مصرحًا فيه بسماع ابن إسحاق

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا أَبُو الْجُلَاسِ عُقْبَةُ بْنُ سَيَّارٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ شَمَّاخٍ قَالَ شَهِدْتُ مَرْوَانَ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ أَمَعَ الَّذِي قُلْتَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ كَلَامٌ كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا لِلإِسْلَامِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ".

(ش)(رجال الحديث)(عبد الوارث) بن سعيد (أبو الجلاس) بضم الجيم وتحفيف اللام

(عقبة بن سيار) ويقال ابن سنان الشامي نزيل البصرة. روى عن علي بن شماخ. وعنه إبراهيم بن

ص: 40

أبي عبله وعبد الوارث بن سعيد وشعبة وغيرهم. قال أحمد أرجو أن يكون ثقة وقال ابن معين ثقة وذكره ابن حبّان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي.

و(علي بن شماخ) بالمعجمة وتشديد الميم ويقال ابن شماس السلمي. روى عن أبي هريرة. وعنه عقبة بن سيار، ذكره ابن حبّان في الثقات، وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي

(معنى الحديث)

(قوله يصلي على الجنازة) يعني يدعو في صلاة الجنازة فالمراد بالصلاة الدعاء بقرينة الجواب

(قوله قال أمع الذي قلت الخ) أي أتسألني عن صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على الجنازة بعد أن وقع منك لي ما وقع؟ وقال أبو هريرة ذلك لمنازعة جرت بينه وابن مروان قبل السؤال، فالتاء في قلت للخطاب، ويحتمل أنها للمتكلم أي أتسألني عن هذه المسألة بعد أن بينتها لك؟

(قوله قال أبو هريرة الخ) أي قال يصلي عل الجنازة بهذا الدعاء. اللهم أنت ربها الخ وفيه المبالغة في الخضوع والتذلل والثناء على الله تعالى ليقبل شفاعتهم فيه فيعفر له. وقوله فاغفر له هكذا بضمير المذكر في أكثر النسخ، وفي نسخة فاغفر لها بتأنيث الضمير لاعتبار النفس أو النسمة

(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي. وكذا النسائي في "عمل اليوم والليلة" وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي اسْمِ عَلِيِّ بْنِ شَمَّاخٍ قَالَ فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ شَمَّاسٍ" ورواية شعبة هذه أخرجها البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن جلاس قال سمعت عثمان بن شماس قال بعثنى سعيد بن العاص إلى المدينة وكنت مع مروان فمر أبو هريرة فقال بعض حديثك يا أبا هريرة فمضى ثم أقبل فقلنا الآن يقع به، فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي على الجنازة؟ فقال أنت خلقتها أو خلقته فذكر مثله إلا أنه قال تعلم سرها وعلانية

(قال البيهقي) والصحيح رواية عبد الوارث بن سعيد والله تعالى أعلم اهـ

وزيد أيضًا في بعض النسخ "وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ يُحَدِّثُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنِّي جَلَسْتُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَجْلِسًا إِلَاّ نَهَى فِيهِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ" وأشار المصنف بهذه الزيادة إلى ضعف الحديث، لكن عبد الوارث وثقه غير واحد. ولعل نهي حماد بن زيد عن عبد الوارث لكونه كان قدريًا

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ نَا شُعَيْبٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ- عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا

ص: 41

وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلَامِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ".

(ش)(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو. و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف

(قوله وصغيرنا وكبيرنا) المراد بالصغير الشاب وبالكبير الشيخ، فلا يقال إن الصغير لا ذنب عليه حتى يدعى له بالمغفرة. ويحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا للصغير بالمغفرة لرفع درجاته

(قوله وشاهدنا وغائبنا) أي من حضر الجنازة ومن غاب عنها. والغرض من هذ كله المبالغة في الدعاء والتعميم فيه

(قوله اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان الخ) هكذا في رواية المصنف بتقديم الإيمان على الإِسلام، والمراد الإِسلام والإيمان الكاملان فهما متلازمان. وفي رواية الترمذي وغيره اللهم من أحييته منا فأحيه على الإِسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان: وهي الرواية المشهورة المناسبة لأنّ الإِسلام العمل الظاهري، ولا يكون إلا حال الحياة، والإيمان التصديق بالقلب وهو المقصود عند الوفاة. أما رواية المصنف فلعل فيها تصرفًا من بعض الرواة

(قوله اللهم

لا تحرمنا أجره) أي أجر الصبر على مصيبته وأجر القيام بمئونته. يقول هذا من صلى على الجنارة ولو كان غير قريب للميت لأنّ المؤمن أخ المؤمن فمصيبة أحدهما مصيبة للآخر. وتحرم بفتح التاء على الصحيح من باب ضرب وقد تضم من باب أكرم

(قوله ولا تضلنا بعده) أي لا تجعلنا ضالين عن طريق الحق بعد موته وثبتنا على الإيمان

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الدعاء في صلاة الجنازة، وعلي جواز التعميم فيه، وعلى جواز الجهر بالدعاء في صلاة لجنازة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو لم يجهر بالدعاء لما سمعه أبو هريرة.

والجمهور علي استحباب الإسرار به لما أخرجه أحمد عن جابر قال ما باح لنا في دعاء الجنازة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وقوله باح يعني جهر. وأجابوا عن حديث الباب ونحوه بأنّه إن ما جهر أحيانًا لقصد التعليم

(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه وأحمد والحاكم وابن حبّان، وكذا النسائي من طريق أبي إبراهيم الأنصاري مختصرًا

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ نَا الْوَلِيدُ ح وَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ -وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَمُّ- نَا مَرْوَانُ بْنُ جُنَاحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

ص: 42

وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ "فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ جُنَاحٍ.

(ش)(رجال الحديث)(الوليد) بن مسلم. و (مروان بن جناح) الأموي الدمشقي روى عن الأعمش ويونس بن ميسرة وعمر بن عبد العزيز. وهشام بن عروة وكثيرين. وعنه الوليد بن سليمان والوليد بن مسلم وصدقة بن خالد وجماعة، وثقه أبو داود ودحيم والنيسابوري وقال الدارقطني لا بأس به وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبّان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه.

و(يونس بن ميسرة بن حلبس) بفتح فسكون بوزن جعفر الدمشقي. روى عن واثلة بن الأسقع وابن عمر ومعاوية وآخرين. وعنه عمرو ابن واقد وخالد بن يزيد وسعيد بن عبد العزيز وسليمان بن عتبة والأوزاعي وكثيرون، وثقه أبو داود والدارقطني وابن عمار والعجلي والبزار. توفي سنة ثنتين وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله في ذمتك) أي أمانك وحفظك لأنه مؤمن بك

(قوله وحبل جوارك) المراد بالحبل القرآن الحديث "القرآن حبل الله المتين" رواه الحاكم وصححه. والجوار بالكسر الأمان، يعني أنه متمسك بكتابك الذي يورث من تمسك به الأمن والإيمان والسلامة والإِسلام وغير ذلك من مراتب "الإحسان ومنازل الجنان. وقيل الحبل مستعار للعهد لما فيه من التوثق وعقد القول بالأيمان المؤكدة، وأضيف إلى الجوار مبالغة، والأصل إن فلانًا في عهدك وعليه فهو عطف تصير لقوله في ذمتك. قال في النهاية كان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضًا فكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيد كل قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها حتى ينتهي إلى الأخرى فيأخذ مثل ذلك فهذا حبل الجوار اهـ

(قوله فقه من فتنة القبر) أي أحفظه من محنة السؤال فيه وعذابه كالضغطة والظلمة، فقه أمر من الوقاية. وفي حديث البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال: العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم؟ فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك

ص: 43

من النار أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيراهما جميعًا قال، وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين: وقوله لا دريت ولا تليت. أي لا علمت ولا تبعت من يعلم

(قوله وأنت أهل الوفاء) أي بالوعد فإنك لا تخلف الميعاد. وهو تجريد لاستعارة الحبل للعهد على الأحتمال الثاني

(قوله والحق) أي وأنت أهل لإحقاق الحق وإثباته ونصرته، وفي نسخة والحمد بدل الحق أي وأنت أهل الثناء

(قوله إنك أنت الغفور الرحيم) أي كثير التجاوز عن السيئات للتائبين وكثير الرحمة بقبول الطاعات والتفضل بتضاعف الحسنات

(قوله قال عبد الرحمن الخ) أي قال عبد الرحمن بن إبراهيم في روايته حدثنا الوليد عن مروان بالعنعنة. أما إبراهيم بن موسى فقال في روايته أنبأنا الوليد حدثنا مروان

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة للتعليم. وعلى استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه في الصلاة ذكرًا كان أو أنثى، ومحله إذا كان معروفًا وإلا قال: اللهم إنه عبدك وابن عبدك إن كان ذكرًا، وإن كان أنثى قال: اللهم إنها أمتك وبنت أمتك، وإن ذكرها على إرادة الشخص كأن يقول اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك جاز

(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه. وقد ورد في الدعاء للميت في صلاة الجنازة روايات أخر.

منها ما أخرجه البيهقي ومسلم عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجا خيرًا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت.

ومنها ما أخرجه مالك عن أبي هريرة وقد سئل كيف تصلي علي الجنازة؟ فقال أنا لعمر الله أخبرك بزيادة عن سؤالك. أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه. اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به. اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

ومنها ما رواه أبو قتادة وذكره الشافعي اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به. اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرًا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا ارحم الراحمين

ص: 44

وهذه الأدعية بالنسبة إلى الكبير، وأما الطفل فيقال في الدعاء في الصلاة عليه ما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة اللهم اجعله لنا سلفًا وفرطًا وأجرًا. وأخرج البخاري في باب قراءة الفاتحة على الجنازة عن الحسن أنه قال يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وأجرًا.

وقال النووي في شرح المهذب وإن كان صبيًا أو صبية اقتصر على حديث اللهم

اغفر لحينا وميتنا وضم إليه اللهم اجعله فرطًا لأبويه وسلفًا وذخرًا وعظة واعتبارًا وشفيعًا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره اهـ

وأحاديث الدعاء في الصلاة على الميت "ليس" فيها ما يدل على تعيين مكان الدعاء. قال في النيل لم يرد تعيين موضع هذه الأدعية فإن شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو يفرقه بين كل تكبيرتين أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤديًا لجميع ما روى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فليس فيه أنه لم يدع إلا بعد التكبيرة الرابعة إنما فيه أنه دعا بعدها وذلك لا يدل على أن الدعاء مختص بذلك الموضع اهـ "وحديث عبد الله بن أبي أوفى" الذي أشار له "ما رواه أحمد والبيهقي" في السنن الكبرى عن عبد الله بن أبي أوفى أنه ماتت ابنة له فكبر عليها أربعًا تم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصنع في الجنازة هكذا. وتقدم حكايته خلاف المذاهب في محلّ الدعاء

(باب الصلاة على القبر)

أي أتجوز أم لا؟

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَوْ رَجُلًا كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ مَاتَ. فَقَالَ "أَلَاّ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ ". قَالَ "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ". فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.

(ش)(حماد) بن زيد. و (ثابت) البناني. و (أبو رافع) إبراهيم أو أسلم مولى النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم

(قوله أن امرأة سوداء أو رجلًا) أي أسود كما في رواية البخاري. والشك فيه من ثابت أو من أبي رافع. وفي رواية للبخاري عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن امرأة أو رجلًا كان يقم المسجد قال حماد ولا أراه إلا امرأة. ورواه

ص: 45

البيهقي بإسناد حسن من حديث بريدة عن أبيه فسماها أم محجن. وذكر ابن منده في الصحابة أن خرقاء اسم امرأة سوداء كانت تقم المسجد. فيمكن أن يكون اسمها خرقاء وأن تكون كنيتها أم محجن

(قوله كان يقم المسجد) بضم القاف من باب قتل أي مجمع القمامة وهي الكناسة ويخرجها منه

(قوله ففقده النبي) يعني غاب ذلك الشخص عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله فقيل مات) القائل أبو بكر في رواية البيهقي

(قوله ألا آذيتموني به) بالمد أي هلا أعلمتموني بموته. زاد مسلم في روايته فكأنهم صغروا أمرها أو أمره. وفي رواية للبخاري فحقروا شأنه. وزاد ابن خزيمة من طريق العلاء قالوا مات من الليل فكرهنا أن نوقظك

(قوله فصلى عليه) زاد مسلم وابن حبّان ثم قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها عليهم بصلاتي عليهم.

وأخرج هذه الزيادة أيضًا أبو داود الطيالسي وزاد بعدها "فقال رجل من الأنصار إن أبي أو أخي مات أو دفن فصل عليه فانطلق معه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم"

وروى ابن حبان من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه زيد بن ثابت قال خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم وردنا البقيع إذا هو بقبر فسأل عنه فقالوا فلانة فرفعها فقال ألا آذنتموني بها؟ قالوا كنت قائلًا صائمًا قال فلا تفعلوا: ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا ناديتموني به فإن صلاتي عليه رحمة ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعًا

(وفي هذا كله) دلالة على مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يكن صلى على تلك الجنازة. وبهذا قال ابن سيرين والشافعية

واختلفوا إلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر. فقيل إلى شهر لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد ما دفنت بشهر كامل رواه الترمذي. وبهذا قالت الحنابلة أيضًا.

وقيل ما لم يبل لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلى عليه.

وقيل يصلى عليه أبدًا لأن القصد من الصلاة الدعاء للميت وهو يجوز في كل وقت.

وقال إسحاق يصلي الغائب على القبر إلى شهر ويصلي عليه الحاضر إلى ثلاث.

وقالت الحنفية إن دفن بغير صلاة صلى عليه إن غلب على الظن أنه لم يتفسخ وإلا لم يصل عليه. وعن أبي يوسف يصلي عليه إلى ثلاثة أيام وهو قول للشافعية ومن صلى عليه لا يصلي على قبره إلا لولي تقدم عليه من ليس له حق المتقدم ولم يتابعه.

وقالت المالكية من دفن بلا صلاة عليه أخرج وصلي عليه إن لم يخف تغيره وإلا صلي على قبره وجوبًا ما لم يظن فناؤه أما من صلي عليه فتكره الصلاة علي قبره.

وقال النخعي لا يصلى على قبر. وهي رواية عن مالك. وأجابوا عن حديث الباب ونحوه بأن ذاك من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدلين بما تقدم في رواية مسلم وابن حبّان من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم"

ص: 46

ورد بأنّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينكر على من صلى معه على القبر كما تقدم ولو كان خاصًا به لأنكر عليهم. ولا يقال إن الذي يقع بالتبعية لا يصلح دليلًا على الفعل أصالة لأن كون الله ينور القبور بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها لا ينفي مشروعية الصلاة من غيره تأسيًا به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا سيما وقد قال "صلوا كما رأيتموني أصلي" فهو بعمومه يشتمل صلاة الجنازة. وأيضًا فهذه الزيادة مدرجة في هذا الحديث كما بين ذلك جماعة من أصحاب حماد بن زيد

(قال الحافظ) وقد أوضحت ذلك بدلائه في كتاب بيان المدرج. أفاده في النيل.

وقال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبده اهـ

ويؤيد عدم الخصوصية ما تقدم للمصنف في "باب التكبير على الجنازة" عن الشعبي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر على قبر رطب فصفوا عليه وكبر عليه أربعًا. وما رواه ابن حزم عن ابن أبي مليكة قال مات عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة فحملناه فجئا به مكة فدفناه فقدمت علينا عائشة فقالت أين قبر أخي؟ فدللناها عليه فوضعت في هودجها عند قبره فصلت عليه. وما رواه أيضًا عن نافع عن ابن عمر أنه قدم وقد مات أخوه عاصم فقال أين قبر أخي؟ فدلّ عليه فصلى عليه ودعا له. وما روى عن علي بن أبي طالب أنه أمر قرظة بن كعب الأنصاري أن يصلي على قبر سهل بن حنيف بقوم جاءوا بعد ما دفن وصلي عليه، وما رواه البيهقي من طريق الأوزاعي قال أخبرني ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم ويتبع جنائزهم ولا يصلي عليهم أحد غيره وإن امرأة مسكينة من أهل العوالي طال سقمها فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل عنها من حضرها من جيرانها وأمرهم ألا يدفنوها إن حدث بها حدث حتى يصلي عليها فتوفيت تلك المرأة ليلًا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز أو قال موضع الجنائز عند مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصلي عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أمرهم فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء فكرهوا أن يهجدوا "يوقظوا" رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نومه فصلوا عليها ثم انطلقوا بها، فلما أصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سأل عنها من حضره من جيرانها فأخبروه خبرها وأنهم كرهوا أن يهجدوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم فعلتم؟ انطلقوا فانطلقوا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى قاموا على قبرها فصفوا وراء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما يصف للصلاة على الجنائز فصلى عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكبر أربعًا كما يكبر على الجنائز اهـ

ص: 47

(وعلى الجملة) فالأدلة ثابتة في صلاة الجنازة على القبر ثبوتًا لا يقابله أهل العلم إلا بالقبول سواء في ذلك من صلى عليه ومن لم يصل عليه. وليس للمانعين من الصلاة على القبر دليل ناهض. ولا ينافي ما ذكر حديث لا تجسلوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه مسلم والترمذي والبيهقي عن أبي مرثد الغنوي وسيأتي في (باب في كراهية القعود على القبر) فإن المراد منه الصلاة ذات الركوع والسجود بخلاف هذه فليست منهيًا عنها لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إياها وإقراره الصحابة على فعلها معه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال في إعلام الموقعين: ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله ولا يناقض أحدهما الآخر فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين ولا فرق بين كونه على النعش وعلى الأرض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات فإنها لم تشرع في القبور ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فعل ذلك "فأين" ما لعن فاعله وحذر منه وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد "إلى ما فعله" مرارًا متكررة وبالله تعالى التوفيق اهـ

وقال ابن حزم الصلاة جائزة على القبر وإن كان قد صلى علي المدفون فيه وساق الأدلة الدالة على الجواز ورد على من ادعى الخصوصية بنحو ما تقدم وعلى من حدد مدة جواز الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام بقوله أما تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لأنه تحديد بلا دليل اهـ.

أقول ولا فرق بين من حدد بهذا أو غيره أيضًا (وقال في الهدى) كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى مرة على قبر بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتًا اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على كمال تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى الرفق بأمته وتفقد أحوالهم والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في دنياهم وأخراهم. وعلى الاعتناء بشأن المساجد وتنظيفها. وعلى الحث على شهود جنائز أهل الخير. وعلى مشروعية الإعلام بالموت. وعلى مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يصل على الميت قبل الدفن وتقدم بيانه

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي

ص: 48

(باب الصلاة على المسلم في بلاد الشرك)

وفي بعض النسخ باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد أخرى

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.

(ش)(القعنبي) عبد الله بن مسلمة

(قوله نعى للناس النجاشي) أي أخبرهم بموته. ونعى من باب نفع، والنجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وياء ثقيلة كياء النسب. وقيل بتخفيف الياء لقب ملك الحبشة، واسمه أصحمة بن أبحر، ومعناه بالعربية عطية كان صالحًا ذكيا عادلًا عارفًا

(قوله في اليوم الذي مات فيه) قال ابن جرير وجماعة كان ذلك في رجب سنة تسع، وقيل كان قبل الفتح

(قوله وخرج بهم إلى المصلى) أي مصلى العيدين ببطحان "ولا ينافيه" ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن النجاشي قد مات فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه إلى البقيع الحديث "لأنّ المراد" بالبقيع بقيع بطحان. ويحتمل أن المراد بالمصلى مصلى الجنائز ببقيع الغرقد.

(قوله فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) يعني صلى بهم صلاة الجنازة على النجاشي

(وفي الحديث) دلالة على جواز الصلاة على الميت الغائب وبه قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف قالوا سواء أصلي عليه في البلد التي مات فيها أم لا وسواء أكانت البلد التي مات فيها جهة القبلة أم لا. وقال ابن حزم قد صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النجاشي وقد مات بأرض الحبشة وصلى معه أصحابه عليه صفوفًا، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه. وقال ابن حبّان يصلي على الميت الغائب إذا كانت البلد التي هو فيها جهة القبله وإلا فلا يصلى عليه.

وقال الخطابي: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصدقه على نبوته إلا أنه كان يكتم إيمانه، والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به، فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب. فِعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضى حقه من الصلاة عليه فإنه لا يصلي عليه من كان ببلد آخر غائبًا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع أو عذر كانت السنة أن يصلي عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير

ص: 49

جهة القبلة اهـ.

وقال تقي الدين الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلى عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه، وإن صلى عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه. والنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على الغائب وتركه، وفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتركه سنة، وهذا له موضع وهذا له موضع اهـ.

وفيما قالاه نظر فإن النجاشي ذكر عنه أهل السير أنه أرسل من قبله إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفدا نحو الستين شخصًا وفيهم ابنه أزهى وغرقوا في البحر قبل وصولهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيبعد كل البعد أن يرسل هذا العدد من قبله ولا يبقى عنده من المسلمين أحد. فما قالاه من أنه يصلي على الغائب إذا علم أنه لم يصل عليه تخصيص بلا مخصص.

وذهبت المالكية والحنفية إلى أنه لم تشرع الصلاة على الغائب مطلقًا وحكاه في البحر عن العنزة. ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء

(وأجابوا) عن حديث الباب بأنه خصوصية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأن الجنازة أحضرت بين يديه فصلى عليها. أو أن الأرض رفعته ورآه ونعاه لأصحابه فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى كما كشف له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته. فصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النجاشي صلاة على حاضر فهي كصلاة على حاضر يراه الإِمام ولا يراه المأموم.

ويؤيد هذا ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن أخاكم النجاشي توفي فقدموا فصلوا عليه فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصفوا خلفه فكبر أربعًا وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه، وأخرج البيهقي نحوه. أو أن هذا خاص بالنجاشي لإشاعة أنه قد مات مسلمًا. أو فعل هذا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استئلافًا لقلوب الملوك الذين أسلموا في حياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ومما يدل على الخصوصية أنه لم يثبث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى على غائب سوى النجاشي

"وما روي" أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب "لا يصح" فإن في إسناده العلاء بن زيد قال فيه علي بن المديني: كان يضع الحديث وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم منكر الحديث متروك الحديث حديثه ليس بالقائم، وأيضًا لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه صلى على غائب ولا صلى أحد منهم ممن كان غائبًا عن المدينة وقت وفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الغائب مع أن في الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعظم رغبة. وردّ بأن هذا كله لا يفيد القطع بالخصوصية وأنه لا تجوز الصلاة على غائب سوى النجاشي، وقد ذكر بعض أهل السير أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم صلى

ص: 50

على غائب سوى النجاشي، فقد أخرح الواقدي في المغازي قال حدثني محمَّد بن صالح عن عاصم ابن عمر بن قتادة وحدثنى عبد الجبار بن عمار عن عبد الله بن أبي بكر قالا لما التقي الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معتركهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى استشهد وصلى عليه ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة فهو يطير فيها حيث شاء.

قال النووي لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله اهـ.

وقال ابن العربي قالت المالكية ليست الصلاة على الغائب إلا لمحمد: قلنا وما عمل به محمَّد تعمل به أمته "يعني لأن الأصل عدم الخصوصية" قالوا طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه. قلنا إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل ذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثًا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل إتلاف إلى ما ليس له تلاف اهـ.

إذا علمت هذا تعلم أن الراجح مشروعية الصلاة على الميت الغائب لثبوته بالأحاديث الصحيحة

(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الإخبار بموت الميت لكن محله إذا كان للصلاة عليه وتجهيزه ودفنه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام.

"أما النعى" المنهي عنه فيما رواه الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إياكم والنعي فإن النعي عمل الجاهلية. وما رواه أحمد وابن ماجه عن حذيفة أنه قال إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدًا إني أخاف أن يكون نعيًا إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى عن النعي "فهو محمول" على ما كان مشتملًا على المفاخر والرياء مما يشبه نعي الجاهلية: كانوا يرسلون رجلًا على أبواب الدور وفي الأسواق يعلن موت فلان، وكانوا أيضًا إذا توفي رجل ركب أحدهم الدابة ثم صاح في الناس أنعى فلانًا ويخرج إلى القبائل ينعاه إليهم ويقول هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان. ومن هذا ما يقع في كثير من البلدان في زماننا إذا مات عظيم وقفوا على المنارات والأمكنة المرتفعة يخبرون بموته أو يرفعون أصواتهم. بالبكاء والنياحة أو يضربون بطبل أو يرسلون شخصًا إلى البلاد الأخرى يخبر أهلها بموته.

قال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث (يعني حديث الباب وأشباهه) ثلاث حالات الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذه سنة. الثانية دعوى الجمع الكثير للمفاخرة فهذه تكره. الثالثة إعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم اهـ.

وكأنه أخذ سنية الأولى

ص: 51

من أنه لا بد من جماعة يقومون بالغسل والصلاة والدفن: يدل له قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث السابق ألا آذنتموني

(قال في النيل) إن الإعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي لأن إعلام من لا تتم هذه الأمور إلا به مما وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده وما جاوز هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي اهـ.

ودل الحديث أيضًا على معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث أعلم القوم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه مع البعد الكثير بين المدينة وأرض الحبشة. وعلى أن التكبير في صلاة الجنازة أربع. وعلى مشروعية الصلاة على الغائب. وعلى مزيد شرف النجاشي

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي، وأخرج البيهقي نحوه

(ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى نَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ- عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَنْطَلِقَ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ قَالَ النَّجَاشِيُّ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ.

(ش) ساق هذا الحديث لبيان أن النجاشي أسلم ولذا صلى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(إسرائيل) بن يونس. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي و (أبو بردة) قيل اسمه عامر بن أبي موسى الأشعري

(قوله أمرنا رسول الله أن ننطلق إلى أرض النجاشي) وذلك أنه لما اشتد أذى المشركين على المسلمين بمكة أمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالخروج منها إلى النجاشي بأرض الحبشة وقال: إن بها رجلًا صالحًا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فأخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجًا

(قوله فذكر حديثه) أي ذكر أبو موسى حديث النجاشي وإسلامه وإكرامه للصحابة لما نزلوا عنده (وقد روى الإِمام أحمد) نحوه من حديث ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلًا فيهم عبد الله بن مسعود وجعفر وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى فأتوا النجاشي وبعثت قريش عمرو ابن العاصي وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وشماله

ص: 52