المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صدقة الزرع) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب صدقة الزرع)

الزكاة في الخيل والرقيق. وأجاب عنه من قال بوجوبها فيهما بأد المراد بالخيل في حديث الباب ونحوه خيل الغزو. قال أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار. إن زيد بن ثابت لما بلغه حديث أبي هريرة قال: صدق رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أراد فرس الغازي. قال: ومثل هذا لا يعرف بالرأى فثبت أنه مرفوع. وروى أحمد بن زنجويه في كتاب الأموال: حدثنا علي بن الحسن حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال سألت ابن عباس عن الخيل فيها صدقة فقال: ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة اهـ من العيني شرح أبي داود. وتقدم بيان المذاهب في ذلك مستوفى في "باب زكاة السائمة" ص 167

(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وقال مكحول لم يسمعه من عراك اهـ وأخرجه الدارقطني من طريق جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا صدقة على الرجل في فرسه ولا في عبده إلا زكاة الفطر. وأخرجه أيضًا من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس في الخيل والرقيق صدقة إلا أن في الرقيق صدقة الفطر. وأخرجه أحمد ومسلم والدارقطني من طريق مخرمة بن بكر عن أبيه عن عراك بن مالك قال سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر"

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ".

(ش) الحديث بين (وقد) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه

(باب صدقة الزرع)

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَيْلِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ".

ص: 198

(ش)(الرجال)(هارون بن سعيد بن الهيثم) بن محمد بن الهيثم بن فيروز التميمي (الأيلي) أبو جعفر. روى عن ابن عيينة وابن وهب وبشر بن بكر وغيرهم. وعنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو حاتم وجماعة. قال مسلمة بن قاسم كان مقدمًا في الحديث فاضلًا ووثقه النسائي وابن حبان وقال أبو عمر الكندي كان فقيهًا من أصحاب ابن وهب. توفي سنه ثلاثة وخمسين ومائتين

(المعنى)

(قوله فيما سقت السماء) يعني به المطر تسمية للحال باسم المحل لأنه ينزل منها قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)

(قوله والأنهار) جمع نهر وهو الماء الجاري المتسع كالنيل والفرات

(قوله والعيون)، جمع عين وهي الشق في الأرض أو في الجبل ينبع منه الماء

(قوله أو كان بعلًا) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وهو ما يشرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها كذا في النهاية. وفي القاموس البعل كل نخل وشجر وزرع لا يسقى أو ما سقته السماء اهـ

(قوله العشر) بالرفع مبتدأ مؤخر خبره فيما سقت السماء

(قوله بالسواني) جمع سانية وهي في الأصل الناقة التى يستقى عليها وقيل الدلو العظيمة وأداتها التي يستقى بها

(وقوله أو النضح) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة في الأصل حمل البعير الماء من البئر ونحوه لسقي الزرع. والناضح البعير الذي يحمل الماء للسقي ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء. والمراد بهما هنا سقي الزرع بآله مطلقًا

(والحديث) يدل على أنه يجب العشر في الزرع الذي سقي بغير آلة ونصف العشر فيما سقي بالنواضح ونحوها مما فيه مشقة. قال النووي وهو متفق عليه. وإن سقي الزرع بآلة تارة وبغير آلة تارة أخرى فإن كان ذلك متساويًا وجب ثلاثة أرباع العشر عند الجمهور. وهو قول للحنفية. والمشهور عنهم وجوب نصف العشر: وإن كان أحدهما أكثر من الآخر فقال أبو حنيفة والثوري وأحمد العبرة بالأكثر وهو أحد قولين مشهورين عند المالكية وأحد قولي الشافعي والآخر يؤخذ من كل بحسابه.

وعن ابن القاسم العبرة بما تم به الزرع ولو كان أقل. وجعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة ما خفت مؤنته العشر توسعة على الفقراء وجعل صدقة ما ثقلت مؤنته نصف العشر رفقًا بأرباب الأموال

(وظاهر الحديث) وجوب الزكاة في كل ما خرج من الأرض بلا شرط نصاب لا فرق بين الخضروات وغيرها وبه قال أبو حنيفة وزفر والقاسم والهادي وقيدوه بما يقصد بزراعته استغلال الأرض عادة. فلا زكاة عندهم في نحو حطب وحشيش وتبن وسعف وبذر بطيخ وقصب فارسي "المعروف بالبوص" لأنه لا يقصد بهذه الأشياء استغلال الأرض ونماؤها عادة بخلاف قصب السكر وبخلاف ما لو اتخذ أرضًا مشجرة أو مقصبة أو منبتًا للحشيش فتجب الزكاة في الخارج منها لأنه غلة وافرة. واستدلوا أيضًا بعموم قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة" وقوله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا

ص: 199

أخرجنا لكم من الأرض" وقوله (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وذهب أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى أن الزكاة إنما تجب فيما له ثمرة تبقى سنة بلا معالجة كثيرة سواء أكان مكيلًا كالتمر أم غير مكيل كالقطن والسكر.

فإن كان مما يكال فلا بد أن يبلغ خمسة أوسق وإن كان مما لا يكال فعند أبي يوسف لا تجب فيه زكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال فلا تجب في نحو القطن إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من نحو الشعير.

وعند محمد لا زكاة فيه إلا إن بلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه. ففي نحو القطن لا تجب فيه إلا إن بلغ خمسة قناطير. وعلى هذا فلا زكاة في نحو الفواكه والخضروات كالفجل "بوزن قفل" والجرجير والخس بفتح أوله والنعناع "كصلصال" والمقدونس والثوم والبصل والكراث والقثاء والخيار والقرع "الدباء كرمان" والباذنجان والرجلة واللوبيا الخضراء والكرنب "كقنفذ" والقنبيط بضم وفتح مشدد وكسر والسلجم "كجعفر" وهو اللفت. واستدلا على عدم وجوب الزكاة فيها ذكر بحديث "ليس في الخضروات زكاة" رواه الدارقطني من عدة طرق عن موسى بن طلحة عن أبيه وعن أنس وفي كل مقال. ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بالحارث بن نبهان في أحد طرقه وقال لا أعلم أحدًا يرويه عن عطاه غيره. وفي أحد طرقه محمد بن جابر قال فيه ابن معين ليس بشئ وقال الإِمام أحمد لا يحدث عنه إلا من هو شر منه. وبحديث عطاء بن السائب قال: أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضروات صدقة فقال له موسى بن طلحة ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول ليس في ذلك صدقة. رواه الأثرم في سننه مرسلًا. وكذا أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ. قال الحافظ وفيه ضعف وانقطاع. وبحديث معاذ أنه كتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأله عن الخضروات فقال: ليس فيها شيء رواه الترمذي وقال إسناده ليس بصحيح وليس يصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا شيء والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صدقة اهـ

يعني أكثر أهل العلم وإلا فقد تقدم أن أبا حنيفة وغيره يوجب فيها الزكاة. هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فقد رويت من عدة طرق يقوى بعضها بعضًا فتنهض لتخصيص العمومات. وذهب مالك والشافعي إلى أن الزكاة إنما تجب فيما تخرجه الأرض إذا بلغ نصابًا وكان مما يقتات ويدّخر من جنس ما يستنبته الآدميون كالقمح والشعير والسلت. وهو نوع من الشعير لا قشر له والدخن والذرة والأرز والعدس والحمص واللوبيا اليابسة والجلبان ونحوها. فلا زكاة فيما لا يقتات كالخضروات وحب الرشاد والكمون والكراوية والكسبرة والحلبة والفلفل وبزر

ص: 200

القطن وبزر الكتان وكذا الترمس والسمسم والزيتون وبزر الفجل مطلقًا والقرطم عند الشافعية وفيها الزكاة عند المالكية إلا حب الفجل الأبيض فليس فيه زكاة عندهم. وذهب أحمد إلى أن الزكاة إنما تجب فيما يكال ويبقى وييبس من جنس ما يستنبته الآدميون من الحبوب والثمار سواء أكان مقتاتًا كالقمح والشعير والسلت والذرة والأرز والدخن أم غير مقتات كالباقلا والفول والعدس والحمص. وكالكسبرة والكمون والسكراوية. وكبذر الكتان والقثاء والخيار وحب البقول كحب الرشاد وحب الفجل والقرطم والترمس والسمسم والحلبة وسائر الحبوب.

وتجب أيضًا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار اليابسة كالتمر والزبيب والمشمش والتين واللوز والبندق والفستق. ولا زكاة في سائر الفواكه كلها كالخوخ والكثمرى والتفاح والمشمش والتين اللذين لا يجففان ولا في الخضروات كالقثاء والخيار والبطيخ والباذنجان واللفت والجزر.

وذهب الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي إلى أن الزكاة لا تجب إلا في القمح والشعير والزبيب والتمر لحديث أبي موسى الأشعري ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر أخرجه الحاكم والدارقطني والطبراني والبيهقي وقال رواته ثقات وهو متصل.

ولحديث محمد بن عبد الله العرزمي عن موسى بن طلحة أن عمر بن الخطاب قال: إنما سنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر، رواه الدارقطني. وأخرجه ابن ماجه من حديث محمد بن عبد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد فيه الذرة. ومحمد بن عبد الله العرزمي قال أحمد ترك الناس حديثه وتكلم فيه غير واحد. وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال: لم تكن الصدقة في عهد النبي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا في خمسة. الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة. وأخرج أيضًا من طريق الحسن قال: لم يفرض الصدقة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة.

وأخرج من طريق الشعبيّ قال: كتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أهل اليمن إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال البيهقي هذه مراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضًا، ومعها حديث أبي موسى وقول عمر وعلى وعائشة ليس في الخضروات زكاة اهـ

وهذا هو الراجح لكثرة أدلته وهي وإن كان في بعضها ضعف يقوى بعضها بعضًا فتنتهض لتخصيص العمومات ولا يصح جعلها من باب التنصيص على بعض أفراد العام لما في ذلك من الحصر تارة والنفي لما عدا هذه الأشياء تارة أخرى. وقد جاءت هذه الروايات على هذا الطريق وكان ذلك هو البيان منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أنزله الله تعالى فلا

ص: 201

تجب الزكاة في غير هذه الأشياء النباتات. والاحتجاج بثمل هذه العمومات مع عدم النظر إلى هذه الأدله الخاصة والإعراض عن وجوب بناء العام على الخاص محل نظر. قال في الروضة الندية إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين للناس ما نزل إليهم ففرض على الأمة فرائض في بعض أملاكهم ولم يفرض عليهم في البعض الآخر ومات على ذلك. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول.

فمن زعم أن الزكاة تجب في غير ما بينه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متمسكًا بالعمومات القرآنية كان محجوجًا بالأحاديث اهـ

وقال في سبل السلام: الأصل المقطوع به حرمة مال المسلم ولا يخرج عنه إلا بدليل قاطع والعموميات لا ترفع ذلك الأصل وأيضًا فالأصل براءة الذمة وهذان الأصلان لم يرفعهما دليل يقاومهما فليس محل الاحتياط إلا ترك الأخذ من الذرة وغيرها مما لم يأت به إلا مجرد العموم الذي قد ثبت تخصيصه اهـ

ولكن قد عملت من هذه الروايات المتقدمة أن الذرة مما وجبت فيها الزكاة وعلى ذلك الأئمة الأربعة وقال الرافعي قد ثبت أخذ الصدقة من الذرة بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ

فأحاديث الذرة وإن كان في بعضها مقال يقوى بعضها بعضًا. وأيضا فالاحتياط لجانب الفقراء وجوب الزكاة في الذرة

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد: البخاري والنسائي وابن ماجه والدارقطني والترمذي وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ "فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ".

(ش)(عمرو) بن الحارث. و (أبو الزببر) محمد بن مسلم بن تدرس. واستدل أبو حنيفة بعموم هذا الحديث والذي قبله على وجوب الزكاة في كل ما أخرجته الأرض قل أو كثر. والجمهور على أنهما لبيان ما يؤخذ فيه العشر ونصفه وهما مخصصان بحديث "ليس فما دون خمس أوسق صدقة، وباالأحاديث الدالة عل تخصيص وجوب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي والدارقطني. قال المنذري قال النسائي ورواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر من قوله ولا نعلم أحدًا رفعه غير عمرو بن الحارث وحديث ابن جريج أولى بالصواب وإن كان عمرو أحفظ منه اهـ

أقول رفعه زيادة من عمرو

ص: 202

ابن الحارث وزيادة الثقة مقبولة ولا سيما وأنه أحفظ

(ص) حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ وَحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ قَالَا قَالَ وَكِيعٌ الْبَعْلُ الْكَبُوسُ الَّذِي يَنْبُتُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ الأَسْوَدِ وَقَالَ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ آدَمَ سَأَلْتُ أَبَا إِيَاسٍ الأَسَدِيَّ عَنِ الْبَعْلِ فَقَالَ الَّذِي يُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ.

(ش)(الرجال)(حسين بن الأسود) وفي بعض النسخ إسقاط لفظ حسين وهو أبو عبد الله الكوفي. روى عن عبد الله بن نمير ووكيع ويونس بن بكير وأبي أسامة وطائفة وعنه أبو داود والترمذي وأبو حاتم وأبو يعلى وجماعة. قال ابن عدي يسرق الحديث وأحاديثه لا يتابع عليها. وقال الأزدي ضعيف. وقال أحمد لا أعرفه وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ. توفي سنة أربع خمسين ومائتين

(المعنى)

(قوله البعل الكبوس الخ) أشار به إلى أحد تفسيري البعل فإنه تقدم أنه ما لا يسقى أصلًا أو ما يسقى بماء السماء والسكبوس ما يحفر لبزره في الأرض حتى يصل إلى الثرى ويغطى عليه بالتراب يقال كبس الرجل رأسه في ثوبه إذا أخفاه وقال الجوهري كبست النهر والبئر كبسًا طمستهما بالتراب اهـ. و (أبو إياس) معاوية بن قرة

(ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ- عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ "خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ".

(ش)(قوله خذ الحب من الحب الخ) يعنى إذا بلغ الحب خمسة أوسق، وخذ الشاة من الغنم إذا بلغت النصاب، وخذ البعير من الإبل إذا كان عددها خمسة وعشرين فأكثر لأن ما قبل ذلك يؤخذ فيه الشياه. خذ البقرة من البقر إذا بلغت النصاب

(واستدل) بهذا الحديث من قال إن الزكاة تجب من عين الأموال ولا تجزئ القيمة إلا عند عدم الجنس المطلوب. ومنهم الشافعي وأصحابه والحنابلة إلا أن لهم في إخراج أحد النقدين عن الآخر قولين قول بالجواز وقول بالمنع واستدلوا أيضًا بما تقدم في حديث أبي بكر أول الباب من نصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي بنت المخاض وبنت اللبون والحقة والجذعة والتبيع والمسنة والشاة والشياه وغير

ص: 203

ذلك في أعداد مخصوصة فلا يجوز العدول عما نص عليه الشارع إلى غيره من غير ضرورة كما لا يجوز ذلك في الأضحية والكفارة. وبأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في الحديث المذكور فيمن وجبت عليه جذعة وليست عنده وعنده حقة تقبل منه ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له أو عشرين درهما. وهكذا بقية الجبرانات فلو كانت القيمة مجزئة لما قدره بما ذكر. وللمالكية في هذه المسألة أقوال جواز القيمة مطلقًا. وعدم الجواز مطلقًا. وجواز إخراج الذهب والفضة عن الحرث والماشية فقط مع الكراهة. وعدم الجواز فيما عدا ذلك.

وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله والناصر والمنصور باللهِ وزيد بن علي يجوز إخراج القيمة. واستدلوا بحديث طاوس قال معاذ لأهل اليمن ائتونى بعرض ثياب خميص أولبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم الدالة على صحته عنده. والخبيص ثوب من خز له علمان. وبما في كتاب الصديق من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بفت مخاض أنثى. فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر. وقوله ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا لي أو عشرين درهما الخ وهذا نص في جواز دفع القيمة لما تقدم عنهم أن تقدير الفضل بالعشرين أو الشاتين لأنه كان قيمة التفاوت في زمانهم وابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك. وقالوا إن الواجب أخذ الصدقة من المال لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وتقييد الصدقة بأنها شاة ونحوها زيادة على كتاب الله تعالى وهو يجري مجرى النسخ وهو لا يجوز بخبر الواحد:

وأما قوله في حديث الباب خذ الحب من الحب والشاة من الغنم الخ فلبيان ما هو أيسر على صاحب المال فلا ينافي جواز دفع القيمة "وقول" النووي إن المراد من أثر معاذ أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يأخذ في الزكاة عن الحب حبًا كما في حديث الباب وأن يأخذ في الجزية من كل حالم دينارًا أو عدله معافر. "يرده" تصريح معاذ بقوله في الصدقة كما في لفظ البخاري "وقولهم" إن أثر معاذ هذا فعل صحابي لا حجة فيه وفيه إرسال "فالجواب" أن معاذًا كان أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع، فلا يفعل مثل هذا من تلقاء نفسه. وأن المرسل حجة عند الحنفية ومن قال بقولهم "والجواب" عما في كتاب أبي بكر من أخذ ابن اللبون بدل بنت المخاض أن ابن اللبون منصوص عليه لا للقيمة لأنه لو كان قيمة ما أخذ بدلًا عن بنت المخاض إذا نقصت قيمته عنها مع أنه يؤخذ عنها مطلقًا ولأنه إنما يؤخذ عند عدم بنت المخاض ولو كان قيمة كما يقولو ن لجاز دفعه مع وجودها. وأجيب أيضًا عن أخذ الحقة والشاتين

ص: 204