الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَوْبَةُ الْمُبْتَدِعِ:
33 -
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُول تَوْبَةِ الْمُبْتَدِعِ الْمُكَفَّرِ بِبِدْعَتِهِ، فَقَال جُمْهُورُ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِقَبُول تَوْبَتِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1) وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (2)
وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَنْ يَرَى أَنَّ تَوْبَةَ الْمُبْتَدِعِ لَا تُقْبَل إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُظْهِرُ الإِْسْلَامَ وَيُبْطِنُ الْكُفْرَ، كَالْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ وَالْبَاطِنِيِّ؛ لأَِنَّ تَوْبَتَهُ صَدَرَتْ عَنْ خَوْفٍ؛ وَلأَِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مِنْهُ عَلَامَةٌ تُبَيِّنُ صِدْقَ تَوْبَتِهِ، حَيْثُ كَانَ مُظْهِرًا لِلإِْسْلَامِ مُسِرًّا لِلْكُفْرِ، فَإِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَهَا، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِبَعْضِ الأَْحَادِيثِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَْهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مِفْصَلٌ إِلَاّ دَخَلَهُ. (3)
(1) سورة الأنفال / 38.
(2)
حديث: " أمرت أن أقاتل الناس. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 112 ـ ط السلفية) ومسلم (1 / 53 ـ ط الحلبي) .
(3)
حديث: " سيخرج في أمتي أقوام. . " أخرجه أحمد (4 / 102 ـ ط الميمنية) وأبو داود (5 / 5 ـ ط عزت عبيد دعاس) وحسنه ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (2 / 83 ـ ط دار الكتاب العربي) .
وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي قَبُول تَوْبَةِ الْمُبْتَدِعِ يَنْحَصِرُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا فِي حَقِّهِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِقَبُول اللَّهِ تَعَالَى لِتَوْبَتِهِ وَغُفْرَانِهِ لِذَنْبِهِ إِذَا أَخْلَصَ وَصَدَقَ فِي تَوْبَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. (1)
مَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُجَاهَ الْبِدْعَةِ:
34 -
يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُجَاهَ الْبِدْعَةِ أَشْيَاءُ لِمَنْعِ الْوُقُوعِ فِيهَا - مِنْهَا:
أ - تَعَهُّدُ الْقُرْآنِ وَحِفْظُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَبَيَانُ أَحْكَامِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّل إِلَيْهِمْ} (2) وَلِقَوْل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (3) وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (4) وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِْبِل فِي عُقُلِهَا (5) لأَِنَّ فِي
(1) الاعتصام 2 / 230، والأم للإمام الشافعي 6 / 165، والمغني لابن قدامة 8 / 126، ومغني المحتاج 4 / 140 والجمل شرح المنهج 5 / 126، وحاشية ابن عابدين 3 / 297.
(2)
سورة النحل / 44.
(3)
حديث: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 74 ط السلفية) .
(4)
حديث: " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 74 ط السلفية) .
(5)
حديث: " تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده. . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 79 ط السلفية) .
تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُبْتَدِعِينَ بِإِظْهَارِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
ب - إِظْهَارُ السُّنَّةِ وَالتَّعْرِيفُ بِهَا: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلَالاً مُبِينًا} . (2)
وَعَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ. (3)
وَعَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلَاّ رُفِعَ مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ. (4)
ج - عَدَمُ قَبُول الاِجْتِهَادِ مِمَّنْ لَا يَتَأَهَّل لَهُ، وَرَدُّ الاِجْتِهَادِ فِي الدِّينِ مِنَ الْمَصَادِرِ غَيْرِ الْمَقْبُولَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (5) وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} (6) وَقَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ
(1) سورة الحشر / 7.
(2)
سورة الأحزاب / 36.
(3)
حديث: " نضر الله امرأ سمع منا حديثا. . . " أخرجه أبو داود (4 / 69 ـ ط عزت عبيد دعاس) وصححه ابن حجر كما في فيض القدير (6 / 285 - ط المكتبة التجارية)
(4)
حديث: " ما أحدث قوم بدعة إلا. . . . ". أخرجه أحمد (4 / 105 ـ ط الميمنية) وقال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو منكر الحديث (مجمع الزوائد 1 / 188 ـ ط القدسي) .
(5)
سورة النحل / 43.
(6)
سورة النساء / 59.
تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . (1)
د - نَبْذُ التَّعَصُّبِ لِرَأْيٍ مِنَ الآْرَاءِ أَوِ اجْتِهَادٍ مِنَ الاِجْتِهَادَاتِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُؤَيَّدًا بِالْحَقِّ مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ أَضَل مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} . (2)
هـ - مَنْعُ الْعَامَّةِ مِنَ الْقَوْل فِي الدِّينِ، وَعَدَمُ الاِعْتِدَادِ بِآرَائِهِمْ مَهْمَا كَانَتْ مَنَاصِبُهُمْ وَتَقْوَاهُمْ إِلَاّ بِالدَّلِيل. يَقُول أَبُو يَزِيدَ الْبَسْطَامِيُّ: لَوْ نَظَرْتُمْ إِلَى رَجُلٍ أُعْطِيَ مِنَ الْكَرَامَاتِ حَتَّى يَرْتَقِيَ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا كَيْفَ تَجِدُونَهُ عَنِ الأَْمْرِ وَالنَّهْيِ وَحِفْظِ الْحُدُودِ وَأَدَاءِ الشَّرِيعَةِ (3) .
وَقَال أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلاً وَفِعْلاً نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ (4) .
قَال تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} . (5)
و صَدُّ التَّيَّارَاتِ الْفِكْرِيَّةِ الْمُضَلِّلَةِ الَّتِي تُشَكِّكُ النَّاسَ فِي الدِّينِ، وَتَحْمِل بَعْضَهُمْ عَلَى التَّأْوِيل بِغَيْرِ دَلِيلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
(1) سورة آل عمران / 7.
(2)
سورة القصص / 50.
(3)
الرسالة القشيرية 1 / 82.
(4)
المصدر السابق 1 / 11.
(5)
سورة النور / 54.