الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذَلِكَ قَبْل تَمَامِ الْعَاشِرَةِ، وَعِنْدَ كِلَيْهِمَا: لَا يُقْبَل إِقْرَارُ الصَّبِيَّةِ بِهِ قَبْل تَمَامِ التَّاسِعَةِ؛ وَوَجْهُ صِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِالْبُلُوغِ: أَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إِلَاّ مِنْ قِبَل الشَّخْصِ نَفْسِهِ، وَفِي تَكْلِيفِ الاِطِّلَاعِ عَلَيْهِ عُسْرٌ شَدِيدٌ،
وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَا يَحْلِفُ أَيْضًا حَتَّى عِنْدَ الْخُصُومَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ بَالِغًا فَلَا قِيمَةَ لِيَمِينِهِ؛ لِعَدَمِ الاِعْتِدَادِ بِيَمِينِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَيَمِينُهُ تَحْصِيل حَاصِلٍ،
وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ بَعْضَ الصُّوَرِ يَحْلِفُ فِيهَا احْتِيَاطًا، لَكِنَّهُ يُزَاحِمُ غَيْرَهُ فِي الْحُقُوقِ، كَمَا لَوْ طَلَبَ فِي الْغَنِيمَةِ سَهْمَ مُقَاتِلٍ
23 -
وَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِذَلِكَ: أَنْ لَا يَكُونَ بِحَالٍ مُرِيبَةٍ، أَوْ كَمَا عَبَّرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُقْبَل إِنْ أَشْبَهَ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ لَمْ يُقْبَل، وَلَوْ صَدَّقَهُ أَبُوهُ. وَعَبَّرَ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِمْ إِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ، بَل يَكُونُ بِحَالٍ يَحْتَلِمُ مِثْلُهُ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ حَال جِسْمِهِ عِنْدَ الإِْقْرَارِ حَال الْبَالِغِينَ، وَلَايُشَكُّ فِي صِدْقِهِ.
هَكَذَا أَطْلَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ - مَا عَدَا الْمَالِكِيَّةَ - قَبُول قَوْلِهِ، وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنِ ارْتِيبَ فِيهِ يُصَدَّقُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِنَايَةِ وَالطَّلَاقِ، فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ اسْتِصْحَابًا لأَِصْل الصِّغَرِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِالْمَال، فَلَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ الْوَدِيعَةِ، وَأَنَّهُ بَالِغٌ، فَقَال أَبُوهُ: إِنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ، فَلَا ضَمَانَ. (1)
وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِقَبُول قَوْل الْمُرَاهِقَيْنِ فِي الْبُلُوغِ إِنِ ادَّعَيَاهُ بِالإِْنْبَاتِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الإِْنْبَاتِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْعَلَامَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ سَابِقًا: أَنَّهُ يَسْهُل الاِطِّلَاعُ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْكَشْفِ عَمَّنْ شُكَّ فِي بُلُوغِهِ مِنْ غِلْمَانِ بَنِي قُرَيْظَةَ. إِلَاّ أَنَّ كَوْنَ الْعَوْرَةِ فِي الأَْصْل يَحْرُمُ كَشْفُهَا، دَعَا إِلَى قَوْل الْفُقَهَاءِ إِنَّهُ يُقْبَل قَوْل الشَّخْصِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فِي نَبَاتِهَا وَعَدَمِهِ، إِلَاّ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيَّ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَقَال: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهَا، وَلَكِنْ لَا يُنْظَرُ مُبَاشَرَةً بَل مِنْ خِلَال الْمِرْآةِ. وَرَدَّ كَلَامَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَال: لَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا مُبَاشَرَةً، وَلَا مِنْ خِلَال الْمِرْآةِ، وَيُقْبَل كَلَامُهُ إِنِ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالإِْنْبَاتِ.
الْبُلُوغُ شَرْطٌ لِلُزُومِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
24 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الشَّارِعَ رَبَطَ التَّكْلِيفَ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَلُزُومِ آثَارِ
(1) ابن عابدين 5 / 97، والجوهرة 1 / 315، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 293، وشرح منح الجليل 3 / 168، ونهاية المحتاج 5 / 66، 67، وكشاف القناع 6 / 456.
الأَْحْكَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِشَرْطِ الْبُلُوغِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:
أ - قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَْطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (1) جَعَل الْبُلُوغَ مُوجِبًا لِلاِسْتِئْذَانِ.
ب - وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (2) جَعَل بُلُوغَ النِّكَاحِ مُوجِبًا لاِرْتِفَاعِ الْوِلَايَةِ الْمَالِيَّةِ عَنِ الْيَتِيمِ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ رَاشِدًا.
ج - وَمِنْهَا قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ: خُذْ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرِيًّا (3) جَعَل الاِحْتِلَامَ مُوجِبًا لِلْجِزْيَةِ.
د - وَمِنْهَا مَا حَصَل يَوْمَ قُرَيْظَةَ، مِنْ أَنَّ مَنِ اشْتَبَهُوا فِي بُلُوغِهِ مِنَ الأَْسْرَى كَانَ إِذَا أَنْبَتَ قُتِل، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْبَتَ لَمْ يُقْتَل. فَجُعِل الإِْنْبَاتُ عَلَامَةً لِجَوَازِ قَتْل الأَْسِيرِ.
هـ - وَمِنْهَا قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْبَل اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَاّ بِخِمَارٍ (4) فَجَعَل الْحَيْضَ مِنَ الْمَرْأَةِ مُوجِبًا لِفَسَادِ صَلَاتِهَا، إِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ خِمَارٍ.
(1) سورة النور / 59.
(2)
سورة النساء / 6.
(3)
حديث معاذ: " خذ من كل حالم دينارا أو. . . " سبق تخريجه (ف / 9) .
(4)
حديث: " لا يقبل الله. . . " سبق تخريجه (ف / 15) .
و - وَمِنْهَا حَدِيثُ: غُسْل يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُل مُحْتَلِمٍ (1) بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ " بَابَ بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَتِهِمْ " قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَيُسْتَفَادُ مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ - يَعْنِي شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ - بِالْقِيَاسِ عَلَى بَقِيَّةِ الأَْحْكَامِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِالاِحْتِلَامِ. (2)
ز - وَمِنْهَا حَدِيثُ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ. . . (3) جَعَل الْخُرُوجَ عَنْ حَدِّ الصَّغِيرِ مُوجِبًا لِكِتَابَةِ الإِْثْمِ، عَلَى مَنْ فَعَل مَا يُوجِبُهُ.
فَهَذِهِ الأَْدِلَّةُ وَأَمْثَالُهَا - مِمَّا يَأْتِي فِي شَأْنِ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ - تَدُل عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ رَبَطَ التَّكْلِيفَ وَلُزُومَ الأَْحْكَامِ عَامَّةً بِشَرْطِ الْبُلُوغِ، فَمَنِ اعْتُبِرَ بَالِغًا بِأَيِّ عَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ فَهُوَ رَجُلٌ تَامٌّ أَوِ امْرَأَةٌ تَامَّةٌ، مُكَلَّفٌ - إِنْ كَانَ عَاقِلاً - كَغَيْرِهِ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُمْ، وَحُقَّ لَهُ مَا يَحِقُّ لَهُمْ. وَقَدْ نَقَل
(1) حديث: " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 357 ـ ط السلفية) ومسلم (2 / 581 ـ ط الحلبي) .
(2)
الفتح 5 / 276 ـ ط السلفية.
(3)
حديث: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يكبر. . . " رواه أبو داود (4 / 558 ـ ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 59 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) وعنده: " الصبي حتى يحتلم " وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.