الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُصَرِّحُ الأَْلُوسِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ قَبْل الْقِتَال إِزَالَةُ الشُّبْهَةِ بِالْحُجَجِ النَّيِّرَةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ، وَدَعْوَةِ الْبُغَاةِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالدُّخُول فِي طَاعَةِ الإِْمَامِ. (1)
ب -
قِتَال الْبُغَاةِ:
11 -
إِذَا مَا دَعَا الإِْمَامُ الْبُغَاةَ إِلَى الدُّخُول فِي طَاعَتِهِ، وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا وَتَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ، وَكَانُوا مُتَهَيِّئِينَ لِلْقِتَال فَإِنَّهُ يَحِل قِتَالُهُمْ. وَلَكِنْ هَل نَبْدَؤُهُمْ بِالْقِتَال، أَمْ لَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَاّ إِذَا أَظْهَرُوا الْمُغَالَبَةَ؟ هُنَاكَ اتِّجَاهَانِ:
الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: جَوَازُ الْبَدْءِ بِالْقِتَال؛ لأَِنَّهُ لَوِ انْتَظَرْنَا قِتَالَهُمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ، قَال الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ النَّصَّ جَاءَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْبُدَاءَةِ مِنْهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي. . .} (2) وَقَوْل عَلِيٍّ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حِدَاثُ الأَْسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَْحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْل خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (3) ؛
(1) روح المعاني 16 / 151
(2)
الحجرات / 9.
(3)
حديث: " سيخرج قوم في آخر الزمان. . . " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 283ـ ط السلفية) ومسلم (2 / 746ـ 747 ـ ط الحلبي) .
وَلأَِنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى عَلَامَتِهِ، وَهِيَ هُنَا التَّحَيُّزُ وَالتَّهَيُّؤُ، فَلَوِ انْتَظَرْنَا حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ. فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الإِْمَارَةِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ؛ وَلأَِنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الإِْمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ، إِلَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ. وَمَا نُقِل عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ: حَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى قِتَالِنَا. وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَمَا تَأَهَّبُوا فَعَل ذَلِكَ، وَلَا نُقَاتِلُهُمْ؛ لأَِنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ (1) .
وَإِلَى الْقَوْل بِحِل بَدْئِهِمْ بِالْقِتَال اتَّجَهَ فُقَهَاءُ الْحَنَابِلَةِ، جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: إِنْ أَبَوُا الرُّجُوعَ وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ بِالْقِتَال، فَإِنْ رَجَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ تَرَكَهُمْ، وَإِلَاّ لَزِمَهُ قِتَالُهُمْ إِنْ كَانَ قَادِرًا؛ لإِِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ (2) .
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: نَقَل الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ بِالْقِتَال حَتَّى يَبْدَءُوهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْكَاسَانِيُّ وَالْكَمَال. قَال الْكَاسَانِيُّ: لأَِنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ، لَا لِشَرِّ شِرْكِهِمْ؛ لأَِنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، فَمَا لَمْ يَتَوَجَّهِ الشَّرُّ مِنْهُمْ لَا يُقَاتِلُهُمُ الإِْمَامُ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ قِتَال الْمُسْلِمِ إِلَاّ دَفْعًا، بِخِلَافِ الْكَافِرِ؛ لأَِنَّ
(1) تبيين الحقائق 3 / 294، والفتح 4 / 411.
(2)
كشاف القناع 6 / 162، وانظر المغني 8 / 108.