الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَْوْسَطِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ (1) وَغَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الْتِزَامِ الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ وَالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ. فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا، مُبْتَدَعَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهَا. (2)
الْبِدَعُ الْمُكَفِّرَةُ وَغَيْرُ الْمُكَفِّرَةِ:
24 -
الْبِدَعُ مُتَفَاوِتَةٌ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَال: إِنَّهَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ هُوَ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ، أَوِ التَّحْرِيمُ فَقَطْ. فَقَدْ وُجِدَ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ فِي أَحْكَامِهَا، فَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ، كَبِدْعَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي نَبَّهَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَْنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} (3) الآْيَةَ، وقَوْله تَعَالَى:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَْنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (4) وقَوْله تَعَالَى: {مَا جَعَل اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (5) .
(1) حديث: " الصلاة خير موضوع " أخرجه ابن حبان (ص 52 - موارد الظمآن ط السلفية) .
(2)
ابن عابدين 1 / 461، والاعتصام للشاطبي 1 / 232، والمجموع للنووي 4 / 56، إنكار البدع والحوادث ص 63 - 67.
(3)
سورة الأنعام / 136.
(4)
سورة الأنعام / 139.
(5)
المائدة / 103، وانظر القرطبي 7 / 335 ط دار الكتب، والفخر الرازي 12 / 109، 13 / 204 ط عبد الرحمن محمد.
وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ ذَرِيعَةً لِحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَال وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (1) فَهَذَا وَأَضْرَابُهُ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ صُرَاحٌ، لاِبْتِدَاعِهِ أَشْيَاءَ أَنْكَرَتْهَا النُّصُوصُ وَتَوَعَّدَتْ عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا مَا هُوَ كَبِيرَةٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ، أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ هَل هُوَ كُفْرٌ أَمْ لَا؟ كَبِدَعِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ اتِّفَاقًا، كَبِدْعَةِ التَّبَتُّل وَالصِّيَامِ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، وَالْخِصَاءِ بِقَطْعِ شَهْوَةِ الْجِمَاعِ، لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَ بَعْضٌ مِنْهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (2) .
تَقْسِيمُ الْبِدَعِ غَيْرِ الْمُكَفِّرَةِ إِلَى كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ:
25 -
إِنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْهَا صَغَائِرُ وَمِنْهَا كَبَائِرُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا وَاقِعَةً فِي الضَّرُورِيَّاتِ أَوِ الْحَاجِيَّاتِ أَوِ التَّحْسِينَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الضَّرُورِيَّاتِ فَهِيَ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي التَّحْسِينَاتِ فَهِيَ أَدْنَى رُتْبَةً بِلَا إِشْكَالٍ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْحَاجِيَّاتِ فَمُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ} (3) وَقَوْلِهِ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا
(1) سورة آل عمران / 167.
(2)
سورة النساء / 29، وانظر أحكام أهل الذمة 2 / 673.
(3)
سورة النجم / 32.
كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا} (1) ، وَإِذَا كَانَتْ لَيْسَتْ رُتْبَةً وَاحِدَةً فَالْبِدَعُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي، وَقَدْ ثَبَتَ التَّفَاوُتُ فِي الْمَعَاصِي، فَكَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ مِثْلُهُ فِي الْبِدَعِ، فَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي رُتْبَةِ الْحَاجِيَّاتِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي رُتْبَةِ التَّحْسِينَاتِ. وَمَا يَقَعُ فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيَّاتِ، مِنْهُ مَا يَقَعُ فِي الدِّينِ، أَوِ النَّفْسِ، أَوِ النَّسْل، أَوِ الْعَقْل، أَوِ الْمَال. (2)
فَمِثَال وُقُوعِهِ فِي الدِّينِ: اخْتِرَاعُ الْكُفَّارِ وَتَغْيِيرُهُمْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {مَا جَعَل اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (3) وَحَاصِل مَا فِي الآْيَةِ تَحْرِيمُ مَا أَحَل اللَّهُ عَلَى نِيَّةِ التَّقَرُّبِ بِهِ إِلَيْهِ، مَعَ كَوْنِهِ حَلَالاً بِحُكْمِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَمِثَال مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ: مَا عَلَيْهِ بَعْضُ نِحَل الْهِنْدِ، مِنْ تَعْذِيبِهَا أَنْفُسَهَا بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَاسْتِعْجَال الْمَوْتِ، لِنَيْل الدَّرَجَاتِ الْعُلَى عَلَى زَعْمِهِمْ.
وَمِثَال مَا يَقَعُ فِي النَّسْل: مَا كَانَ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مَعْهُودَةً وَمَعْمُولاً بِهَا وَمُتَّخَذَةً
(1) سورة النساء / 31.
(2)
الاعتصام للشاطبي 2 / 31، وقواعد الأحكام 1 / 19، وابن عابدين 3 / 309، 310.
(3)
سورة المائدة / 103.
كَالدِّينِ، وَهِيَ لَا عَهْدَ بِهَا فِي شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَلَا غَيْرِهِ، بَل كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا اخْتَرَعُوهُ. مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي حَدِيثِ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ. (1)
وَمِثَال مَا يَقَعُ فِي الْعَقْل: مَا يُتَنَاوَل مِنَ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ بِدَعْوَى تَحْصِيل النَّفْعِ وَالتَّقَوِّي عَلَى الْقِيَامِ بِبَعْضِ الْوَاجِبَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِي ذَاتِهَا.
وَمِثَال مَا يَقَعُ فِي الْمَال: قَوْلُهُمْ {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْل الرِّبَا} (2) فَإِنَّهُمُ احْتَجُّوا بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ. (3) وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُحْدِثُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْبُيُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ.
26 -
هَذَا التَّقْسِيمُ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ الْبِدْعَةِ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ:
الأَْوَّل: أَلَاّ يُدَاوَمَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ مِنَ الْمَعَاصِي لِمَنْ دَاوَمَ عَلَيْهَا تَكْبُرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ نَاشِئٌ عَنِ الإِْصْرَارِ عَلَيْهَا، وَالإِْصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً، وَلِذَلِكَ قَالُوا: لَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، فَكَذَلِكَ الْبِدْعَةُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ.
الثَّانِي: أَلَاّ يَدْعُوَ إِلَيْهَا. فَإِذَا ابْتُلِيَ إِنْسَانٌ بِبِدْعَةٍ فَدَعَا إِلَيْهَا تَحَمَّل وِزْرَهَا وَأَوْزَارَ الآْخَرِينَ مَعَهُ، مِصْدَاقًا لِقَوْل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَنَّ
(1) حديث عائشة في أنكحة الجاهلية أخرجه البخاري (الفتح 9 / 182ـ 183 ط السلفية) .
(2)
سورة البقرة / 276
(3)
الاعتصام للشاطبي 2 / 31 - 59.