الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّلْحَ عَلَى تَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ بِغَيْرِ مَالٍ - أُجِيبُوا إِلَيْهَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا. فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّ قَصْدَهُمُ الرُّجُوعُ إِلَى الطَّاعَةِ وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ أَمْهَلَهُمْ. وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ. فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمُ الاِجْتِمَاعَ عَلَى قِتَالِهِ وَانْتِظَارِ مَدَدٍ، أَوْ لِيَأْخُذُوا الإِْمَامَ عَلَى غِرَّةٍ عَاجَلَهُمْ وَلَمْ يُنْظِرْهُمْ (1) .
وَإِذَا وَقَعَتِ الْمُوَادَعَةُ فَأَعْطَى كُل فَرِيقٍ رَهْنًا عَلَى أَيِّهِمَا غَدَرَ يَقْتُل الآْخَرُونَ الرَّهْنَ، فَغَدَرَ أَهْل الْبَغْيِ وَقَتَلُوا الرَّهْنَ، لَا يَحِل لأَِهْل الْعَدْل قَتْل الرَّهْنِ، بَل يَحْبِسُونَهُمْ حَتَّى يَهْلِكَ أَهْل الْبَغْيِ أَوْ يَتُوبُوا؛ لأَِنَّهُمْ صَارُوا آمِنِينَ بِالْمُوَادَعَةِ، أَوْ بِإِعْطَائِهِ الأَْمَانَ لَهُمْ حِينَ أَخَذْنَاهُمْ رَهْنًا. وَالْغَدْرُ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ، لَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ مَخَافَةَ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى فِئَتِهِمْ (2) فَيَكُونُونَ لَهُمْ قُوَّةً تُغْرِيهِمْ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ.
23 -
وَإِنْ بَذَل الْبُغَاةُ لأَِهْل الْعَدْل رَهَائِنَ عَلَى إِنْظَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهَا لِذَلِكَ؛ لأَِنَّ الرَّهَائِنَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِغَدْرِ أَهْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسْرَى مِنْ أَهْل الْعَدْل، وَأَعْطَوْا بِذَلِكَ رَهَائِنَ مِنْهُمْ قَبِلَهُمُ الإِْمَامُ، وَاسْتَظْهَرَ لأَِهْل الْعَدْل. فَإِنْ أَطْلَقُوا أَسْرَى أَهْل الْعَدْل الَّذِينَ عِنْدَهُمْ أَطْلَقَ
(1) الفتح 4 / 415، حاشية ابن عابدين 3 / 311، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 299، التاج والإكليل 6 / 278، والمهذب 2 / 219، والمغني 8 / 108.
(2)
الفتح 4 / 415 - 416.
رَهَائِنَهُمْ. وَإِنْ قَتَلُوا مَنْ عِنْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ قَتْل رَهَائِنِهِمْ؛ لأَِنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ بِقَتْل غَيْرِهِمْ؛ لأَِنَّهُمْ صَارُوا آمِنِينَ. فَإِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ خُلِّيَ الرَّهَائِنُ كَمَا تُخَلَّى الأَْسْرَى مِنْهُمْ (1) .
مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنَ الْبُغَاةِ:
24 -
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَصْل قَاعِدَةٍ: أَنَّ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ - كَالنِّسَاءِ وَالشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعُمْيَانِ - لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنَ الْبُغَاةِ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا؛ لأَِنَّ قَتْلَهُمْ لِدَفْعِ شَرِّ قِتَالِهِمْ، فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَهْل الْقِتَال. وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْل الْقِتَال عَادَةً، فَلَا يُقْتَلُونَ إِلَاّ إِذَا قَاتَلُوا (2) وَلَوْ بِالتَّحْرِيضِ؛ لِوُجُودِ الْقِتَال مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَيُبَاحُ قَتْلُهُمْ إِلَاّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ. فَالأَْصْل أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ الْقَتْل. فَيَحِل قَتْلُهُمَا حَال الْقِتَال إِنْ قَاتَلَا حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى (3) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ، فَعَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي تَخْيِيرِ الإِْمَامِ بَيْنَ قَتْل أَسْرَى الْبُغَاةِ أَوْ حَبْسِهِمْ، يَرَوْنَ جَوَازَ قَتْل مَنْ قَاتَل أَوْ حَرَّضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَنَحْوِهِمْ، فَيُقْتَلُونَ حَال الْقِتَال أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ. لَكِنْ لَا يُقْتَل الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِتَال؛ لأَِنَّ
(1) البدائع 7 / 141، الفتح 4 / 415، والمهذب 2 / 219، والمغني 8 / 108، 109.
(2)
حاشية ابن عابدين 3 / 311، والبدائع 7 / 141، وحاشية الدسوقي 4 / 299، والمهذب 2 / 200، والمغني 8 / 110.
(3)
البدائع 7 / 101.