الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَال: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَال: نَعَمْ. قَال فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. (1)
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَال: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا. (2)
وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ. فَقَال: هَل لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَال: أَبَوَايَ. قَال: أَذِنَا لَكَ؟ قَال: لَا. قَال: فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَاّ فَبِرَّهُمَا. (3)
هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّفِيرُ عَامًّا. وَإِلَاّ أَصْبَحَ خُرُوجُهُ فَرْضَ عَيْنٍ؛ إِذْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْجَمِيعِ الدَّفْعُ وَالْخُرُوجُ لِلْعَدُوِّ. (4) وَإِذَا كَانَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضَ عَيْنٍ، فَإِنَّ خِلَافَهُ
(1) حديث: " ففيهما فجاهد. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 403 ـ ط السلفية) .
(2)
حديث: " أرجع إليهما فأضحكهما. . . " أخرجه أبو داود (3 / 38 ـ ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (4 / 152 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) ، وصححه، ووافقه الذهبي.
(3)
حديث: " هل لك أحد باليمن. . . " أخرجه أبو داود (3 / 39 ـ ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 103ـ 104 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) وقال الذهبي: ودراج واه. يعني الذي في إسناده، وتقدم شاهد.
(4)
فتح القدير على الهداية 5 / 149، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 240.
يَكُونُ حَرَامًا، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرٍ بِشِرْكٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ، حَيْثُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. (1)
الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ:
3 -
الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ، بَل حَتَّى لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَجِبُ بِرُّهُمَا وَالإِْحْسَانُ إِلَيْهِمَا مَا لَمْ يَأْمُرَا ابْنَهُمَا بِشِرْكٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ. قَال تَعَالَى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . (2)
فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُول لَهُمَا قَوْلاً لَيِّنًا لَطِيفًا دَالًّا عَلَى الرِّفْقِ بِهِمَا وَالْمَحَبَّةِ لَهُمَا، وَيَجْتَنِبَ غَلِيظَ الْقَوْل الْمُوجِبَ لِنُفْرَتِهِمَا، وَيُنَادِيَهُمَا بِأَحَبِّ الأَْلْفَاظِ إِلَيْهِمَا، وَلْيَقُل لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِهِمَا بِالضَّجَرِ وَالْمَلَل وَالتَّأَفُّفِ، وَلَا يَنْهَرُهُمَا، وَلْيَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ
(1) ابن عابدين 3 / 220، والشرح الصغير 4 / 739 ـ 741، والفروق للقرافي 1 / 145.
(2)
سورة الممتحنة / 8.
أَفَأَصِلُهَا؟ قَال: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ (1)، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهَا قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَأَصِلُهَا؟ قَال: نَعَمْ قَال ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَل اللَّهُ عز وجل فِيهَا {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} . (2)
وَفِي هَذَا الْمَقَامِ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (3) . قِيل: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَال: كُنْتَ بَارًّا بِأُمِّي فَأَسْلَمْتُ فَقَالَتْ: لَتَدَعَنَّ دِينَكَ أَوْ لَا آكُل وَلَا أُشْرِبُ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ فَتُعَيَّرَ بِي، وَيُقَال: يَا قَاتِل أُمِّهِ. . وَبَقِيتُ يَوْمًا وَيَوْمًا. فَقُلْتُ: يَا أُمَّاهُ: لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ، فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا تَرَكْتُ دِينِي هَذَا، فَإِنْ شِئْتِ فَكُلِي، وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي. فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ (4) .
(1) حديث أسماء قال: " قدمت أمي وهي مشركة. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 413 ـ ط السلفية) .
(2)
سورة الممتحنة / 8، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 239، 14 / 63 - 65، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 9 / 40، والفروق للقرافي 1 / 145، الفواكه الدواني 2 / 382، والشرح الصغير 4 / 740، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيثمي 2 / 75 ط دار المعرفة.
(3)
سورة العنكبوت / 8.
(4)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 13 / 328، وحديث سعد بن أبي وقاص قال:" كنت بارا بأمي فأسلمت. . . " أخرجه مسلم (4 / 1877 ـ ط الحلبي) .
هَذَا وَفِي الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ حَال حَيَاتِهِمَا خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
أَمَّا الاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا فَمَمْنُوعٌ، اسْتِنَادًا إِلَى قَوْله تَعَالَى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (1) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي اسْتِغْفَارِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَاسْتِغْفَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لأَِبَوَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ. وَانْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الاِسْتِغْفَارِ لَهُمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا وَحُرْمَتِهِ، وَعَلَى عَدَمِ التَّصَدُّقِ عَلَى رُوحِهِمَا. (2)
أَمَّا الاِسْتِغْفَارُ لِلأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ حَال الْحَيَاةِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ إِذْ قَدْ يُسْلِمَانِ.
وَلَوْ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ الْكَافِرَانِ عَنِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ الْكِفَائِيِّ، مَخَافَةً عَلَيْهِ، وَمَشَقَّةً لَهُمَا بِخُرُوجِهِ وَتَرْكِهِمَا، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَهُمَا ذَلِكَ، وَلَا يَخْرُجُ إِلَاّ بِإِذْنِهِمَا بِرًّا بِهِمَا وَطَاعَةً لَهُمَا، إِلَاّ إِذَا كَانَ مَنْعُهُمَا لَهُ لِكَرَاهَةِ قِتَال أَهْل دِينِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يُطِيعُهُمَا وَيَخْرُجُ لَهُ. (3)
(1) سورة التوبة / 113.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 245، والفواكه الدواني 2 / 384، والشرح الصغير وحاشية الصاوي عليه 4 / 741، وشرح إحياء علوم الدين 6 / 316.
(3)
ابن عابدين 3 / 220.