الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لِلْبَاغِي مِنَ الْعَادِل:
34 -
صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا أَمَّنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل الْعَدْل رَجُلاً مِنْ أَهْل الْبَغْيِ جَازَ أَمَانُهُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ أَعْلَى شِقَاقًا مِنَ الْكَافِرِ الَّذِي يَجُوزُ إِعْطَاءُ الأَْمَانِ لَهُ. فَكَذَا هَذَا، بَل هُوَ أَوْلَى وَأَحَقُّ؛ لأَِنَّهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إِلَى مُنَاظَرَتِهِ لِيَتُوبَ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْمَنْ كُلٌّ الآْخَرَ. وَلَوْ دَخَل بَاغٍ بِأَمَانٍ، فَقَتَلَهُ عَادِلٌ عَمْدًا، لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ (1) .
تَصَرُّفَاتُ إِمَامِ الْبُغَاةِ
إِذَا اسْتَوْلَى الْبُغَاةُ عَلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، وَنَصَّبُوا لَهُمْ إِمَامًا، وَأَحْدَثَ الإِْمَامُ تَصَرُّفَاتٍ بِاعْتِبَارِهِ حَاكِمًا، كَالْجِبَايَةِ مِنْ جَمْعِ الزَّكَاةِ وَالْعُشُورِ وَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَإِقَامَةِ الْقُضَاةِ، فَهَل تَنْفُذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُهَا فِي حَقِّ أَهْل الْعَدْل؟ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ -
جِبَايَةُ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَالْعُشُورِ وَالْخَرَاجِ:
35 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَا جَبَاهُ أَهْل الْبَغْيِ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا، مِنَ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَالْعُشُورِ وَالْخَرَاجِ، يُعْتَدُّ بِهِ؛ لأَِنَّ مَا فَعَلُوهُ أَوْ أَخَذُوهُ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، فَوَجَبَ إِمْضَاؤُهُ، كَالْحَاكِمِ إِذَا حَكَمَ بِمَا يَسُوغُ الاِجْتِهَادُ فِيهِ، وَلَا حَرَجَ عَلَى النَّاسِ فِي دَفْعِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، فَقَدْ كَانَ
(1) الفتح 4 / 416، ورد المحتار وحاشية ابن عابدين 3 / 312.
ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَتَاهُ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ دَفَعَ إِلَيْهِ زَكَاتَهُ، وَكَذَلِكَ سَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ.
وَلَيْسَ لإِِمَامِ أَهْل الْعَدْل إِذَا ظَهَرَ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ أَنْ يُطَالِبَ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ؛ وَلأَِنَّ وِلَايَةَ الأَْخْذِ كَانَتْ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْحِمَايَةِ، وَلَمْ يَحْمِهِمْ؛ وَلأَِنَّ فِي تَرْكِ الاِحْتِسَابِ بِهَا ضَرَرًا عَظِيمًا وَمَشَقَّةً كَبِيرَةً، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْبِلَادِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ، فَلَوْ لَمْ يُحْتَسَبْ مَا أَخَذُوهُ، أَدَّى إِلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنْهُمْ عَنْ كُل تِلْكَ الْمُدَّةِ (1) .
وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: عَلَى مَنْ أَخَذُوا مِنْهُ الزَّكَاةَ الإِْعَادَةُ؛ لأَِنَّهُ أَخَذَهَا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ صَحِيحَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهَا آحَادُ الرَّعِيَّةِ (2) .
وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامُ أَهْل الْبَغْيِ صَرَفَ مَا أَخَذَهُ فِي مَصْرِفِهِ أَجْزَأَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِوُصُول الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرَفَهُ فِي حَقِّهِ فَعَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا دَفْعَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَصِل إِلَى مُسْتَحِقِّهِ. وَقَال الْكَمَال ابْنُ الْهُمَامِ: قَال الْمَشَايِخُ: لَا إِعَادَةَ عَلَى
(1) الفتح 4 / 413، والبدائع 7 / 142، والمهذب 2 / 221، ونهاية المحتاج 7 / 385، والمغني 8 / 118، وكشاف القناع 6 / 165، والكافي لابن عبد البر 1 / 486، ومنح الجليل 1 / 336.
(2)
المغني 8 / 118.