الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْتِ الْمَال فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَمِدَّ سُلْطَتَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ سُلْطَةِ الإِْمَامِ. وَيَجِبُ - وَهُوَ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ - أَنْ يُوَلِّيَ الْخَلِيفَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَال رَجُلاً مِنْ أَهْل الأَْمَانَةِ وَالْقُدْرَةِ. وَكَانَ الْمُتَصَرِّفُ فِي بَيْتِ الْمَال بِإِنَابَةِ الْخَلِيفَةِ يُسَمَّى " صَاحِبُ بَيْتِ الْمَال " وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ طِبْقًا لِمَا يُحَدِّدُهُ الْخَلِيفَةُ مِنْ طُرُقِ الصَّرْفِ.
وَكَوْنُ الْحَقِّ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَال بَيْتِ الْمَال لِلْخَلِيفَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا طِبْقًا لِمَا يَشْتَهِي، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ الْخَاصِّ، فَإِنْ كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ قِيل: إِنَّ بَيْتَ الْمَال قَدْ فَسَدَ، أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ، وَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ أَحْكَامًا خَاصَّةً يَأْتِي بَيَانُهَا، بَل يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِي تِلْكَ الأَْمْوَال كَتَصَرُّفِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ فِي مَال الْيَتِيمِ، كَمَا قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْمَال بِمَنْزِلَةِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ (1) .
وَيَعْنِي ذَلِكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَال بِالَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لأَِمْرِهِمْ، دُونَ التَّصَرُّفِ بِالتَّشَهِّي وَالْهَوَى وَالأَْثَرَةِ (2) .
وَبَيَّنَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَنَّ مَا يَلْزَمُ الإِْمَامَ مِنْ أُمُورِ الأُْمَّةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ، مِنْهَا: جِبَايَةُ الْفَيْءِ
(1) الخراج لأبي يوسف ص 117 ـ ط السلفية.
(2)
الخراج لأبي يوسف ص60.
وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ. وَمِنْهَا تَقْدِيرُ الْعَطَاءِ وَمَا يُسْتَحَقُّ فِي بَيْتِ الْمَال مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَدَفْعُهُ فِي وَقْتٍ لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ (1) . وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَوَائِزَ مِنْ بَيْتِ الْمَال لِمَنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقُوَّةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ.
وَقَدْ كَانَتِ الْعَادَةُ فِي صَدْرِ الدَّوْلَةِ الإِْسْلَامِيَّةِ أَنَّ الْعَامِل (أَيِ الْوَالِي) عَلَى بَلَدٍ أَوْ إِقْلِيمٍ، يَنُوبُ عَنِ الإِْمَامِ بِتَفْوِيضٍ مِنْهُ فِي الْجِبَايَةِ لِبَيْتِ الْمَال وَالإِْنْفَاقِ مِنْهُ، وَكَانَ الْمُفْتَرَضُ فِيهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمُعْتَبَرِ. وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ (2) . وَرُبَّمَا كَانَ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَال فِي بَعْضِ الأَْمْصَارِ يَتَّبِعُ الْخَلِيفَةَ مُبَاشَرَةً، مُسْتَقِلًّا عَنْ عَامِل الْمِصْرِ.
مَوَارِدُ بَيْتِ الْمَال:
6 -
مَوَارِدُ بَيْتِ الْمَال الأَْصْنَافُ التَّالِيَةُ، وَأَمَّا صِفَةُ الْيَدِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِيمَا بَعْدُ.
أ - الزَّكَاةُ بِأَنْوَاعِهَا، الَّتِي يَأْخُذُهَا الإِْمَامُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَكَاةَ أَمْوَالٍ ظَاهِرَةٍ أَمْ بَاطِنَةٍ، مِنَ السَّوَائِمِ وَالزُّرُوعِ وَالنُّقُودِ وَالْعُرُوضِ، وَمِنْهَا عُشُورُ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا مَرُّوا بِتِجَارَتِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ.
(1) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 11، 12.
(2)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 52.