الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د -
النَّحْبُ، أَوِ النَّحِيبُ:
5 -
النَّحْبُ لُغَةً: أَشَدُّ الْبُكَاءِ، كَالنَّحِيبِ (1) .
الْعَوِيل:
6 -
الْعَوِيل: هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، يُقَال: أَعْوَلَتِ الْمَرْأَةُ إِعْوَالاً وَعَوِيلاً (2) . هَذَا وَيَتَّضِحُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّحِيبَ وَالْعَوِيل مَعْنَاهُمَا الْبُكَاءُ الشَّدِيدُ، وَأَنَّ الصُّرَاخَ وَالصِّيَاحَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، وَأَنَّ النُّوَاحَ يَأْتِي بِمَعْنَى الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَأَنَّ النَّدْبَ هُوَ تَعْدَادُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْبُكَاءَ مَا كَانَ مَصْحُوبًا بِصَوْتٍ، وَالْبُكَى مَا كَانَ بِلَا صَوْتٍ، بِأَنْ كَانَ قَاصِرًا عَلَى خُرُوجِ الدَّمْعِ.
أَسْبَابُ الْبُكَاءِ:
7 -
لِلْبُكَاءِ أَسْبَابٌ، مِنْهَا: خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحُزْنُ، وَشِدَّةُ الْفَرَحِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْبُكَاءِ فِي الْمُصِيبَةِ:
8 -
الْبُكَاءُ قَدْ يَكُونُ قَاصِرًا عَلَى خُرُوجِ الدَّمْعِ فَقَطْ بِلَا صَوْتٍ، أَوْ بِصَوْتٍ لَا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَصْحُوبًا بِصَوْتٍ كَصُرَاخٍ أَوْ نُوَاحٍ أَوْ نَدْبٍ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
(1) القاموس المحيط والمصباح المنير.
(2)
المصباح المنير.
مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ الْبُكَاءُ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى كِتْمَانِ الْحُزْنِ، وَيَمْلِكُ السَّيْطَرَةَ عَلَى مَشَاعِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْبُكَاءُ مُجَرَّدًا عَنْ فِعْل الْيَدِ، كَشَقِّ جَيْبٍ أَوْ لَطْمٍ، وَعَنْ فِعْل اللِّسَانِ، كَالصُّرَاخِ وَدَعْوَى الْوَيْل وَالثُّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ (1) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ عز وجل وَمِنَ الرَّحْمَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ (2) وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ. (3)
أَمَّا حُكْمُ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَسَيَأْتِي فِيمَا بَعْدُ.
الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى:
9 -
الْمُؤْمِنُ يَعِيشُ فِي جِهَادٍ مَعَ نَفْسِهِ، وَيُرَاقِبُ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، فَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ، وَيَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى، فَهَذَا مِنَ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ بَشَّرَهُمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى
(1) نيل الأوطار للشوكاني 4 / 149، 150 ط دار الجيل.
(2)
حديث: " إنه مهما كان من العين. . . " أخرجه أحمد (1 / 247 ـ ط الميمنية) وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. تهذيب التهذيب لابن حجر (8 / 323 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) .
(3)
حديث: " إن الله لا يعذب بدمع. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 175 ـ ط السلفية) .
بِقَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (1) وَهُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . (2)
وَمِمَّا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ، مَعَ الإِْشَارَةِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الآْيَاتِ الْقَرِيبَةِ مِنْهَا فِي الْمَعْنَى: وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الآْيَةِ بِالْخَوْفِ وَالْوَجَل عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ وَمُرَاعَاتِهِمْ لِرَبِّهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الآْيَةِ {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} وَقَال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} (3) ، فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى كَمَال الْمَعْرِفَةِ وَثِقَةِ الْقَلْبِ، وَالْوَجَل: الْفَزَعُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَلَا تَنَاقُضَ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى:{اللَّهُ نَزَّل أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (4) أَيْ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ مَعَ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينُ، وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَ اللَّهَ.
(1) سورة الحج 34 - 35.
(2)
سورة الأنفال / 2.
(3)
سورة الرعد / 28.
(4)
سورة الزمر / 23.
10 -
فَهَذِهِ حَالَةُ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ، الْخَائِفِينَ مِنْ سَطْوَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ. لَا كَمَا يَفْعَلُهُ جُهَّال الْعَوَامِّ وَالْمُبْتَدِعَةُ الطَّغَامُ، مِنَ الزَّعِيقِ وَالزَّئِيرِ وَمِنَ النُّهَاقِ الَّذِي يُشْبِهُ نُهَاقَ الْحَمِيرِ، فَيُقَال لِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَجْدٌ وَخُشُوعٌ: لَمْ تَبْلُغْ أَنْ تُسَاوِيَ حَال الرَّسُول وَلَا حَال أَصْحَابِهِ فِي الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، وَالْخَوْفِ مِنْهُ، وَالتَّعْظِيمِ لِجَلَالِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَتْ حَالُهُمْ عِنْدَ الْمَوَاعِظِ الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ وَالْبُكَاءُ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ أَحْوَال أَهْل الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فَقَال:{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِل إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} . (1) فَهَذَا وَصْفُ حَالِهِمْ وَحِكَايَةُ مَقَالِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى هَدْيِهِمْ وَلَا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، فَمَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِهِمْ، وَمَنْ تَعَاطَى أَحْوَال الْمَجَانِينِ وَالْجُنُونَ فَهُوَ مِنْ أَخَسِّهِمْ حَالاً، وَالْجُنُونُ فُنُونٌ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَال: سَلُونِي، لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَاّ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ أَرَمُّوا (2) وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ، قَال أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا كُل
(1) سورة المائدة / 83.
(2)
أرم الرجل إرماما: إذا سكت، فهو مرم.