المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمة   النصوص الواردة في "كتاب النحوالوافي/ عباس حسن" ضمن الموضوع - النحو الوافي - جـ ١

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌ الكلام وما يتألف منه

- ‌المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:

- ‌المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه

- ‌المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم

- ‌المسألة الخامسة: الحرف

- ‌ الإعراب والبناء

- ‌المسألة الثامنة: الأسماء الستة

- ‌المسألة التاسعة: المثنى

- ‌المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم

- ‌المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم

- ‌المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم

- ‌المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف

- ‌المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة

- ‌المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر

- ‌المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر

- ‌ النكرة والمعرفة

- ‌المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة

- ‌المسألة الثامنة عشرة: الضمير

- ‌المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب

- ‌المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله

- ‌المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية

- ‌المسألة الثانية والعشرون: العلم

- ‌المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم

- ‌المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها

- ‌المسألة السادسة والعشرون: الموصول

- ‌المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد

- ‌المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية

- ‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

- ‌المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة

- ‌المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة

- ‌ المبتدأ والخبر وما يتصل بهما

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر

- ‌المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة

- ‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً

- ‌المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر

- ‌المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ

- ‌المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء

- ‌نواسخ الابتداء "كان وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير

- ‌المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها

- ‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

- ‌المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان

- ‌المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب

- ‌ الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ

- ‌ أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء

- ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها

- ‌لا" النافية للجنس

- ‌مدخل

- ‌المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف

- ‌المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا

- ‌المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمة   النصوص الواردة في "كتاب النحوالوافي/ عباس حسن" ضمن الموضوع

‌المجلد الأول

‌مقدمة

النصوص الواردة في "كتاب النحوالوافي/ عباس حسن" ضمن الموضوع "مقدمة الكتاب"

مقدمة الكتاب، ودُستور تأليفه.

بيان هامّ.

1-

الحمد لله على ما أنعم، والشكر على ما أوْلَى، والصلاة على أنبيائه ورسله؛ دعاة الهدى، ومصابيح الرشاد. وبعد.

فهذا كتاب جديد فى النحو. والنحو- كما وصفته من قبل1 - دعامة العلوم العربية، وقانونها الأعلى؛ منه تستمد العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه فى جليل مسائلها، وفروع تشريعها؛ ولن تجد علماً منها يستقل بنفسه عن النحو، أويستغنى عن معونته، أويسير بغير نوره وهداه.

وهذه العلوم النقلية - على عظيم شأنها - لا سبيل إلى استخلاص حقائقها، والنفاذ إلى أسرارها، بغير هذا العلم الخطير؛ فهل ندرك كلام الله تعالى، ونفهم دقائق التفسير، وأحاديث الرسول عليه السلام، وأصول العقائد، وأدلة الأحكام، وما يتبع ذلك من مسائل فقهية، وبحوث شرعية مختلفة قد ترْقى بصاحبها إلى مراتب الإمامة، وتسموبه إلى منازل المجتهدين - إلا بإلهام النحووإرشاده؟ ولأمرٍ ما قالوا: "إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرْط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لوجمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو، فيعرف به المعانى التى لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به2

".

وهذه اللغة التى نتخذها - معاشر المستعربين - أداة طَيِّعة للتفاهم، ونسخرها مركبًا ذلولا للإبانة عن أغراضنا، والكشف عما فى نفوسنا، ما الذى هيأها لنا، وأقدرنا على استخدامها قدرة الأولين من العرب عليها، ومَكَّن لنا من نظمها

1 في كتاب المسمى: "رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية".

2 الفصل الحادي عشر - باختصار - من كتاب: "لمع الأدلة، في أصول النحو" لأبي البركات كمال الدين بن محمد الأنباري، المتوفي سنة 577 هـ.

ص: 1

ونثرها تمكنهم منها، وأطلق لساننا فى العصور المختلفة صحيحًا فصيحًا كما أطلق لسانهم، وأجرى كلامنا فى حدود مضبوطة سليمة كالتى يجرى فيها كلامهم، وإن كان ذلك منهم طبيعة، ومنا تطبعًا؟

إنه: "النحو"؛ وسيلة المستعرب، وسلاح اللغوى، وعماد البلاغىّ، وأداة المشرّع والمجتهد، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية جميعًا.

فليس عجيباً أن يصفه الأعلام السابقون بأنه: "ميزان العربية، والقانون الذى تُحكَم به فى كل صورة من صورها"1 وأن يفرغ له العباقرة من أسلافنا؛ يجمعون أصوله، ويثبتون قواعده، ويرفعون بنيانه شامخًا، ركينًا، فى إخلاص نادر، وصبر لا ينفد. ولقد كان الزمان يجري عليهم بما يجري على غيرهم؛ من مرض، وضعف، وفقر؛ فلا يقدر على انتزاعهم مما هم فيه، كما كان يقدر على سواهم، ولا ينجح فى إغرائهم بمباهج الحياة كما كان ينجح فى إغراء ضعاف العزائم، ومرضى النفوس، من طلاب المغانم، ورواد المطامع. ولقد يترقبهم أولياؤهم وأهلوهم الساعات الطوال، بل قد يترصدهم الموت؛ فلا يقع عليهم إلا فى حلقة درس، أوقاعة بحث، أوجِلسة تأليف، أوميدان مناظرة، أورحلة مُخْطرة فى طلب النحو. وهوحين يظفر بهم لا ينتزع علمهم معهم؛ ولا يذهب بآثارهم بذهاب أرواحهم؛ إذ كانوا يُعِدون لهذا اليوم عُدته من قبل؛ فيدونون بحوثهم، ويسجلون قواعدهم، ويختارون خلفاء من تلاميذهم؛ يهيئونهم لهذا الأمر العظيم. ويشرفون على تنشئتهم، وتعهد مواهبهم؛ إشراف الأستاذ البارع القدير على التلميذ الوفىّ الأمين. حتى إذا جاء أجلهم ودّعوا الدنيا بنفس مطمئنة، واثقة أن ميدان الإنشاء والتعمير النحوى لم يخل من فرسانه، وأنهم خلَّفوا وراءهم خلفًا صالحًا يسير على الدرب، ويحتذى المثال. وربما كان أسعد حظًّا وأوفر نجحًا من سابقيه، وأسرع إدراكًا لما لم يدركه الأوائل.

على هذا المنهج الرفيع تعاقبت طوائف النحاة، وتوالت زمرهم فى ميدانه، وتلقى الراية نابغ عن نابغ، وألمعىّ فى إثر ألمعىّ، وتسابقوا مخلصين دائبين. فرادى وزَرافات، فى إقامة صرحه، وتشييد أركانه، فأقاموه سامق البناء، وطيد

1 صبح الأعشى.

ص: 2

الدعامة، مكين الأساس. حتى وصل إلى أهل العصور الحديثة التى يسمونها:"عصور النهضة"، راسخًا، قويًّا؛ من فرط ما اعتنى به الأسلاف، ووجهوا إليه من بالغ الرعاية؛ فاستحقوا منا عظيم التقدير، وخالد الثناء. وحملوا كثيرًا من علماء اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم، والإشادة ببراعتهم1

هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها؛ لننسب الفضل لروّاده، وإلا كنَّا من عصبة الجاحدين، الجاهلين، أوالمغرورين.

2-

وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين، الذين يوارون عجزهم وقصورهم - عَلِمَ الله - بغمز "النحو والصرف" بغير حق، وطعن أئمته الأفذاذ.

بيد أن "النحو"- كسائر العلوم - تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها إلى النمو، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أوسريعة؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه؛ فيدفعها إلى التقدم، والنمو، والتشكل بما يلائم البيئة، فتظل الحاجة إليها شديدة، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور، فيضعف الميل إليها، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها؛ فيرمى بها إلى الوراء، فتصبح فى عداد المهملات، أوتكاد.

وقد خضع النحوالعربى لهذا الناموس الطبيعى2؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا، وحَبَا وئيدًا أول القرن الثانى، وشب -بالرغم من شوائب

1 من ذلك ما قاله العلامة الكبير: "دي بور" في كتابه: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ونصه - كما جاء في ترجمة الدكتور محمد أبو ريدة، ص 4-:

"علم النحو أثر رائع من آثار العقل العربي، بما له من دقة في الملاحظة، ومن نشاط في جمع ما تفرق. وهو أثر عظيم يرغم الناظر فيه على تقديره، ويحق للعرب أن يفخروا به."

2 هذا النسب صحيح.

ص: 3

خالطته- وبلغ الفتَاء آخر ذلك القرن، وسنوات من الثالث، فلمع من أئمته نجوم زاهرة؛ كعبد الله بن أبى إسحاق، والخليل، وأبى زيد، وسيبويه، والكسائى، والفراء، ونظرائهم من الأعلام، ثم توالت أخلافهم، على تفاوت فى المنهج، وتخالف فى المادة، إلى عصر النهضة الحديثة التى يجرى اسمها على الألسنة اليوم، ويتخذون مطلع القرن التاسع عشر مبدأ لها. فمن هذا المبدأ ألَحَّ الوهن والضعف، على "النحو"، وتمالأت عليه الأحداث؛ فأظهرت من عيبه ما كان مستورًا، وأثقلت من حمله ما كان خِفًّا، وزاحمته العلوم العصرية فقهرته، وخلفتْه وراءها مبهورًا. ونظر الناس إليه فإذا هو فى الساقة من علوم الحياة، وإذا أوقاتهم لا تتسع للكثير بل للقليل مما حواه، وإذا شوائبه التى برزت بعد كمون، ووضحت بعد خفاء - تزهدهم فيه، وتزيدهم نفارًا منه، وإذا النفار والزهد يكران على العيوب؛ فيحيلان الضئيل منها ضخمًا، والقليل كثيرًا، والموهوم واقعًا. وإذا معاهد العلم الحديث تزوَرّ عنه، وتجهر بعجزها عن استيعابه، واستغنائها عن أكثره، وتقنع منه باليسير أوما دون اليسير؛ فيستكين ويخنع.

والحق أن "النحو" منذ نشأته داخلته - كما قلنا - شوائب؛ نمت على مر الليالى، وتغلغلت برعاية الصروف، وغفلة الحراس؛ فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى.

فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية، متمالئة فى تخليصه مما شابه، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها؛ المعتزة بحاضرها وماضيها؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه، وحياطته، وإعلاء شأنه، ما لا غاية بعده لمستزيد.

ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا -طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة؛ كُلٌّ بما استطاع، وبما هوميسر له؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته، أواختصر قاعدته، أوأوضح طريقة تدريسه، أوأراحهم من مصنوع العِلل، وضارّ الخلاف، أوجمع بين مزيتين أوأكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا -على الرغم من ذلك- لم نرَ من تصدى للشوائب كلها أوأكثرها؛ ينتزعها من مكانها، ويجهز عليها ما وسعته القدرة، ومكنته الوسيلة؛

ص: 4

فيربح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدًا مخلصًا قدر استطاعتى، فقد مددت يدى لهذه المهمة الجليلة، وتقدمت لها رابط الجأش، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة، ومظانها الوافية الوثيقة، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك؛ أديم النظر، وأجيل الفكر، وأعتصر أطيب ما فيهما حتى انتهيت إلى خطة جديدة؛ تجمع مزاياهما، وتسلم من شوائبهما، وقمت على تحقيقها فى هذا الكتاب متأنيًا صبورًا. ولا أدري مبلغ توفيقي. ولكن الذى أدريه أني لم أدخر جهدًا، ولا إخلاصًا.

إن تلك الشوائب كثيرة، ومن حق "النحو" علينا -ونحن بصدد إخراج كتاب جديد فيه- أن نعرضها هنا، ونسجل سماتها، ونفصل ما اتخذناه لتدارك أمرها. وهذا كله -وأكثر منه- قد عرضنا له فى رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان:"رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية"، ثم أتممناها بمقالات عشر؛ نشرت تباعًا فى مجلة "رسالة الإسلام"، خلال سنتى 1957، 1958م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلك، ولمحات غيرهما، مقدمة لهذا الكتاب ستنشر مستقلة؛ بسبب طولها، وكثرة ما اشتملت عليه -فى رسالة عنوانها:"مقدمة كتاب النحو الوافى" وهى اليوم فى طريقها للنشر على أن هذا لا يعفينى من الإشارة العابرة إلى الدستور الذى قام عليه الكتاب، والغرض الذى رميت من تأليفه، مستعينًا بخبرة طويلة ناجعة، وتجربة صادقة فى تعليم النحو؛ طالبًا مستوعبًا، ثم تعليمه فى مختلف المعاهد الحكومية مدرسًا، فأستاذًا ورئيسًا لقسم النحووالصرف والعروض بكلية "دار العلوم"، بجامعة "القاهرة"، سنوات طوالًا.

3-

وأظهر مواد ذلك الدستور ما يأتي:

1-

تجميع مادة "النحو" كله فى كتاب واحد ذي أجزاء أربعة كبار، تحوي صفحاتها وما تضمنته من مسائل كل ما تفرق فى أمهات الكتب، وتغني عنها. على أن يقسم كل جزء قسمين، تقسيمًا فنيًّا بارعًا. أحدهما موجز دقيق يناسب طلاب الدراسات "النحوية والصرفية"، بالجامعات -دون غيرهم- غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون إليه غاية التوفية

ص: 5

الحكيمة التى تساير مناهجهم الرسمية، ومكانهُ "أول المسائل"، وصدرها. ويليه الآخر1 -بعد نهاية كل مسألة- بعنوان مستقل هو:"زيادة وتفصيل"؛ ويلائم الأساتذة والمتخصصين أكمل الملائمة وأتمها، فتبتدئ "المسألة" -وبجانبها رقم خاص بها- بتقديم المادة النحوية الصالحة للطالب الجامعيّ، الموائمة لقدرته ومقَرّره الرسمّي، ودرجته فى التحصيل والفهم، مع تَوَخّي الدقة والإحكام فيما يقدم له، نوعًا ومقدارًا. فإذا استوفى نصيبه المحمود انتقلتُ إلى بَسْط يتطلع إليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المستكمل. كل ذلك فى إحكام وحسن وتقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين، أو اضطراب. وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميسرة، موائمة، قريبة التناول؛ لا يَكُدُّون فى استخلاصها ولا يجهدون فى السعى وراءها فى متاهات الكتب القديمة؛ وقد يبلغون أولًا يبلغون.

2-

العناية أكمل العناية بلغة الكتاب وضوحًا، وإشراقًا، وإحكامًا، واسترسالًا؛ فلا تعقيد، ولا غموض، ولا حشو، ولا فضول، ولا توقف لمناقشة لفظ، أو إرسال اعتراض، أوالإجابة عنه؛ ولا حرص على أساليب القدامى وتعبيراتهم. إلا حين تسايرنا فى البيان الأوفى، والجلاء الأكمل.

أما الاصطلاحات العلمية المأثورة فلم أفكر فى تغييرها، إيمانًا واقتناعًا بما سجله العلماء قديمًا وحديثًا من ضرر هذا التغيير الفرديّ، ووفاء بما اشترطوه فى تغيير "المصطلحات"، أن يكون بإجماع المختصين، المشتغلين بالعلم الذى يحويها.

3-

اختيار الأمثلة ناصعة، بارعة فى أداء مهمتها؛ من توضيح القاعدة، وكشف غامضها فى سهولة ويسر، واقتراب، لهذا تركت كثيرًا من الشواهد القديمة، المترددة بين أغلب المراجع النحوية؛ لأنها مليئة بالألفاظ اللغوية الصعبة، وبالمعانى البعيدة التى تتطلب اليوم من المتعلم عناء وجهدًا لا يطيقهما، ولا يتسع وقته لشيء منهما. فإن خلَت من هذا العيب، وتجملت بالوضوح والطرافة فقد نستبقيها.

1 في صفحة جديدة، تبدأ بسطر أو سطرين من النقط الأفقية المتقاربة، لتكون رمزًا يميز صحف "الزيادة والتفصيل" من غيرها.

ص: 6

والحق أن كثيرًا من تلك الشواهد يحتل المكانة العليا من سمو التعبير، وجمال الأداء، وروعة الأسلوب، وفتنة المعنى. لكنها اختيرت فى عصور تباين عصرنا، ولدواعٍ تخالف ما نحن فيه؛ فقد كانت وسائل العيش حينذاك ميسرة، والمطالب قليلة، والقصد استنباط قاعدة، أو تأييد مذهب. وكان طالب العلم حافظًا القرآن، مستظهرًا الكثير من الأحاديث والنصوص الأدبية، متفرغًا للعلوم العربية والشرعية أوكالمتفرغ. أما اليوم فالحال غير الحال، ووسائل العيش صعبة، والمطالب كثيرة؛ فطالب العلم يمر بهذه العلوم مرًّا سريعًا عابرًا قبل الدراسة الجامعية، فإن قدّر له الدخول فى الجامعة1، انقطعت صلته بتلك العلوم، ولم يجد بينها وبين مناهجه الدراسية سببًا، إلا إن كان متفرغًا للدراسات اللغوية؛ فيزاولها وحصيلته منها ضئيلة، لا تمكنه من فهم دقائقها، ولا ترغبه فى مزيد، وغايته المستقبلة لا ترتبط -فى الغالب- ارتباطًا وثيقًا بالضلاعة فى هذه العلوم، والتمكن منها؛ فمن الإساءة إليه وإلى اللغة أن نستمسك بالشواهد الموروثة، ونقيمها حِجَازًا يصعب التغلب عليه، وإدراك ما وراءه من كريم الغايات.

نعم إنها نماذج من الأدب الرائع؛ ولكن يجب ألا ننسى الغاية إزاء الروعة، أو نُغْفِل القصد أمام المظهر، وإلا فقدنا الاثنين معًا، وفى دروس النصوص الأدبية، وفى القراءة الحرة، والاطلاع على مناهل الأدب الصفو، متسع للأدباء والمتأدبين؛ يشبع رغبتهم، من غير أن يضيع عليهم ما يبغون من دراسة "النحو والصرف" دراسة نافعة، لا تطغى على وقت رصدته النظم التعليمية الحديثة لغيرها، ولا تنتهب جهدًا وقفته الحياة المعاصرة على سواها.

وإن بعض معلمي اليوم ممنَّ يقومون بالتدريس لكبار المتعلمين -لَيُسْرف فى اتخاذ تلك الشواهد مجالًا لما يسميه: "التطبيق النحوي"، ومادة مهيأة لدروسه. وليس هذا من وكْدي2، ولا وكْد من احتشد للمهمة الكبرى، مهمة:"النحو الأصيل" التى تتلخص فى إعداد مادته إعدادًا وافيًا شاملًا، وعرضها عرضًا حديثًا شائقًا، وكتابتها كتابة مشرقة بهية، مع استصفاء أصولها النافعة. واستخلاص قواعدها وفروعها مما ران عليها، وارتفعت بسببه صيحات الشكوى،

1 وهو اليوم من حملة الشهادة الثانوية العامة -غالبًا- أو ما في مستواها.

2 قصدي وغرضي.

ص: 7

كل هذا بل بعض هذا - لا يساير ذلك "التطبيق التعليمي"؛ فإنه مدرسيّ موضعي متغير لا يتسم بسمة العموم، أوما يشبه العموم، ولا يثبت على حال. على أن هذا الفريق الذى اختار تلك الشواهد ميدانًا لتطبيقه قد فاته ما أشرنا إليه من حاجتها إلى طويل الوقت، وكبير الجهد فى تيسير صعوباتها اللغوية التى أوضحناها. وطلاب اليوم -خاصة- أشد احتياجًا لذلك الوقت والجهد، كي يبذلوهما فى تحصيل ما يتطلبه مستقبلهم الغامض. كما فاته أن خير التطبيق لكبار الطلاب ما ليس محدد المجال، مصنوع الغرض، متكلف الأداء، كالشواهد التى نحن بصددها. وإن مناقشة لنص أدبي كامل، أو صفحة من كتاب مستقيم الأسلوب، أومقال أدبى -لهي أجدى فى التطبيق، وأوسع إفادة فى النواحي اللغوية المتعددة، وأعمق أثرًا فى علومها وآدابها -من أكثر تلك الشواهد المبتورة المعقدة. فليتنا نلتفت لهذا، وندرك قيمته العملية، فنحرص على مراعاته، ونستمسك باتباعه مع كبار المتعلمين، ولعل هؤلاء الكبار أنفسهم يدركونه ويعملون به، فيحقق لهم ما يبتغون.

على أن لتلك الشواهد خطرًا آخر؛ هى أنها -فى كثير من اتجاهاتها- قد تمثل لهجات عربية متعارضة، وتقوم دليلًا على لغات قديمة متباينة، وتساق لتأييد آراء متناقضة؛ فهى معوان على البلبلة اللغوية، ووسيلة للحيرة والشك فى ضبط قواعدها، وباب للفوضى فى التعبير. وتلك أمور يشكو منها أنصار اللغة، والمخلصون لها.

وعلى الرغم من هذا قد نسجل -أحيانًا مع الحيطة والحذر- بعض الشواهد الغريبة، أو الشاذة، وبعض الآراء الضعيفة، لا لمحاكاتها، ولا للأخذ بها -ولكن ليتنبه لها المتخصصون، فيستطيعوا فهم النصوص القديمة الواردة بها حين تصادفهم، ولا تصيبهم أمامها حيرة، أو توقف فى فهمها.

4-

الفرار من العلل الزائفة1، وتعدد الآراء الضارة فى المسألة الواحدة، فلهما من سوء الأثر وقبيح المغبة ما لا يخفى. وحسبنا من التعليل2: أن يقال:

1 وفي مقدمتها ما كان تعليلًا لأمر واقع، ولا سبب له إلا نطق العربي، كالتعليل لرفع الفاعل، والمبتدأ والخبر، ولنصب المفعولات- فإن التعليل لهذه الأمور الوضعية عيب وفساد، إذ الوضعيات لا تعلل، كما قال أبو حيان وغيره، ونقله الهمع حـ1 ص 56، ونقلناه في رقم 3 من هامش ص 91.

2 لموضوع "التعليل" بحث مستقبل في كتابنا المسمى: "اللغة والنحو، بين القديم والحديث" يوضح معناه، وأنواعه، وآثاره.

ص: 8

"المطابقة للكلام العربى الناصع"، ومن الآراء أن يقال:"مُسَايرة فصيح اللغة وأفصحها". والقرآنُ الكريم -بقراءاته الثابتة الواردة عن الثقات- فى مكان الصدارة من هذا؛ لا نقبل فى أسلوبه تأولًا ولا تمحلًا، ثم الكلام العربى الذائع. والأفصح والفصيح هما الباعثان لنا على أن نردف بعض الأحكام النحوية بأن الخير فى اتباع رَأي دون آخر، وأن الأفضل إيثاره على سواه

أوغير هذا من العبارات الدالة على الترجيح. وإنما كان الخير وتمام الفضل فى إيثاره؛ لأن يجمع الناطقين بلغة العرب على أنصع الأساليب وأسماها، ويوجد بيانهم، ويريحهم من خُلف المذاهب، وبلبلة اللهجات، فى وقت نتلقى فيه اللغة تعلمًا وكسبًا، لا فطرة ومحاكاة أصيلة، ونقتطع لها من حياتنا التعليمية المزدحمة المرهقة - الأيَّام القليلة، والساعات المحدودة؛ فمن الحكمة والسداد أن نقصر تلك الأيام والساعات على ما هو أحسن وأسمى. ولن نلجأ إلى تعليل آخر، أو ترديد خلاف فى الآراء إلا حيث يكون من وراء ذلك نفع محقق، وفائدة وثيقة، وتوسعة محمودة، دون تعصب لبصريّ أولكوفيّ، أو بغدادي، أوأندلسي

أو غير هؤلاء

ودون فتح باب الفوضى فى التعبير، أو الاضطراب فى الفهم، أوالبلبلة فى الأداء والاستنباط.

ومن مظاهر النفع الاستعانة "بالتعليل"، وبتعدد المذاهب فى تيسير مفيد، أو في تشريع لغويّ مأمون، أو تبصير المتخصصين -وحدهم- ببعض اللغات واللهجات التى تعينهم على فهم النصوص القديمة الواردة بها، لا لمحاكاتها -فأكثرها لا يوائمنا اليوم كما سبق- ولكن ليدركوها، ويفسروا بعض الضواهر اللغوية الغامضة، ولا يقفوا أمام تفسيرها حائرين مضطربين. وقد بسطنا القول فى هذا كله، وفى أسبابه، ونتائجه -فى المقدمة التى أشرنا إليها1.

5-

تدوين أسماء المراجع أحيانًا فى بعض مسائل قد تتطلب الرجوع إليها؛ استجلاءً لحقيقة، أو إزالة لوهم. وفي ذلك التدوين نفع آخر؛ هو: تعريف الطلاب بتلك المراجع، وترديد أسمائها عليهم، وتوجيههم إلى الانتفاع بها، والإيحاء بأن الرجوع إلى مثلها قد يقتضيه تحصيل العلم، وتحقيق مسائله.

1 في رقم 2 من هامش الصفحة السالفة، وهو المسمى:"اللغة والنحو، بين القديم والحديث".

ص: 9

6-

عدم التزام طريقة تربوية معينة فى التأليف، فقد تكون الطريقة استنباطية، وقد تكون إلقائية، وقد تكون حوارًا، أو غير ذلك مما يقتضيه صادق الخبرة، وملاءمة الموضوع. وإذا عرفنا أن الكتاب لكبار الطلاب، وللأساتذة المتخصصين، وأن موضوعاته كثيرة متباينة -أدركنا الحكمة فى اختلاف الطرائق باختلاف تلك الموضوعات وقرّائها. على أن تكون الطريقة محكومة بحسن الاختيار، وصدق التقدير، وضمان النجح من أيسر السبل وأقربها. ومهما اختلفت فلن تكون من طرائق القدماء التى أساسها: المتن، فالشرح، فالحاشية، فالتقرير

فما يصاحب هذا من جدل، ونقاش، وكثرة خلاف، وتباين تعليل

وما إلى ذلك مما دعت إليه حاجات عصور خلت، ودواعي حقب انقضت، ولم يبقَ من تلك الحاجات والدواعي ما يغرينا بالتمسك به، أو بتجديد عهده.

على أن بحوثهم وطرائقهم تنطوى -والحق يقال- على ذخائر غالية، وتضم فى ثناياها كنوزًا نفيسة. إلا أن استخلاص تلك الذخائر والكنوز مما يغَشيها اليوم عسير أي عسير على جمهرة الراغبين -كما أسلفنا.

7-

تسجيل أبيات: "ابن مالك" كما تضمنتها "ألفيته"، المشهورة، وتدوين كل بيت فى أنسب مكان من الهامش، بعد القاعدة وشرحها، مع الدقة التامة فى نقله، وإيضاح المراد منه؛ فى إيجاز مناسب، وحرص على ترتيب الأبيات، إلا إن خالفت فى ترتيبها تسلسل المسائل وتماسكها المنطقي النحوي الذي ارتضيناه. فعندئذ نوفق بين الأمرين؛ ترتيب الناظم: وما يقتضيه التسلسل المنطقي التعليمي؛ فننقل البيت من مكانه فى "الألفية"، ونضعه فى المكان الذى نراه مناسبًا، ونضع على يساره الرقم الدال على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها الناظم، ولا نكتفى بهذا؛ فحين نصل إلى شرح المسألة المتصلة بالبيت الذى قبله، ونفرغ منها ومن ذكر البيت الخاص بها؛ تأييدًا لها - نعود فنذكر البيت الذى نقلناه من مكانه، ونضعه فى مكانه الأصلي الذى ارتضاه الناظم، ونشير إلى أن هذا البيت قد سبق ذكره وشرحه فى مكانه الأنسب من صفحة كذا

وقد دعانا إلى الحرص على ترتيب "ألفية ابن مالك"، تسجيل أبوابها وأبياتها مرتبة كاملة -في الهامش- ما نعلمه في مصر وغير مصر من تمسك بعض

ص: 10

المعاهد والكليات الجامعية بها، وإقبال طوائف من الطلاب على تفهمها، والتشدد فى دراستها واستظهارهم كثيرًا منها للانتفاع بها حين يريدون. وقد تخيرنا لها مكانًا فى ذيل الصفحات، يقربها من راغبيها، ويبعدها من الزاهدين فيها.

وإنما آثرنا في ترتيب الأبواب النحوية الترتيب الذي ارتضاه، "ابن مالك" لأنه الذي ارتضاه كثيرون ممن جاءوا بعده؛ ولأنه الترتيب الشائع اليوم، وهو فوق شيوعه -أكثر ملاءمة في طريقته، وأوفر إفادة في التحصيل والتعليم ويشيع بعده الترتيب القائم على جمع الأبواب الخاصة بالأسماء متعاقبة، يليها الخاصة بالأفعال، ثم الحروف.... كما فعل الزمخشري في مفصله. وتبعه عليه شراحه.

وهذه طريقة حميدة أيضًا. ولكنها تفيد المتخصصين دون سواهم من الراغبين في المعرفة العامة أولًا فأولًا، فالمبتدأ يلازم الخبر أو ما يقوم مقامه. والمفعول لا بد له من الاثنين

فكيف يتعلم الراغب أحكام المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو الفعل، أو الفاعل كذلك؟

وهناك أنواع أخرى من الترتيب لكل منها مزاياه التي نراها لا تعدل مزية الترتيب الذي اخترناه، ولا تناسب عصرنا القائم.

8-

الإشارة إلى صفحة سابقة أو لاحقة، وتدوين رقمها إذا اشتملت على ما له صلة وثيقة بالمسألة المعروضة؛ كي يتيسر لمن شاء أن يجمع شتاتها فى سهولة ويسر، ويضم -بغير عناء- فروعها وما تفرق منها فى مناسبات وموضوعات مختلفة.

ولا نكتفي بذكر الرقم الخاص بالصفحة، وإنما نذكره ونذكر بعده رقم المسألة. ونرمز للمسألة بالحرف الهجائي الأول من حروفها، وهو:"م" اختصارًا.، ويليه رقمها، كما نرمز للصفحة بالحرف:"ص" وبعده رقمها. وللجزء بالحرف "جـ".

والسبب فى الجمع بينهما أن رقم الصفحة عرضة للتغيير بتغير طبعات الكتاب أما رقم المسألة فثابت لا يتغير وإن تعددت الطبعات، فالإحالة عليه إحالة على شيء موجود دائمًا؛ فيتحقق الغرض من الرجوع إليه.

والله أرجومخلصًا أن يجعل الكتاب نافعًا لغة القرآن، عونًا لطلابها، محققًا الغاية النبيلة التى دعت لتأليفه، والقصد الكريم من إعداده.

المؤلف

ص: 11