المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازا ووجوبا - النحو الوافي - جـ ١

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌ الكلام وما يتألف منه

- ‌المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:

- ‌المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه

- ‌المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم

- ‌المسألة الخامسة: الحرف

- ‌ الإعراب والبناء

- ‌المسألة الثامنة: الأسماء الستة

- ‌المسألة التاسعة: المثنى

- ‌المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم

- ‌المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم

- ‌المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم

- ‌المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف

- ‌المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة

- ‌المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر

- ‌المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر

- ‌ النكرة والمعرفة

- ‌المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة

- ‌المسألة الثامنة عشرة: الضمير

- ‌المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب

- ‌المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله

- ‌المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية

- ‌المسألة الثانية والعشرون: العلم

- ‌المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم

- ‌المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها

- ‌المسألة السادسة والعشرون: الموصول

- ‌المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد

- ‌المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية

- ‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

- ‌المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة

- ‌المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة

- ‌ المبتدأ والخبر وما يتصل بهما

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر

- ‌المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة

- ‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً

- ‌المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر

- ‌المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ

- ‌المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء

- ‌نواسخ الابتداء "كان وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير

- ‌المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها

- ‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

- ‌المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان

- ‌المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب

- ‌ الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ

- ‌ أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء

- ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها

- ‌لا" النافية للجنس

- ‌مدخل

- ‌المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف

- ‌المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا

- ‌المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازا ووجوبا

‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً

للخبر من ناحية تأخُّرِه عن المبتدأ وتقدمه ثلاث حالات، أن يتأخر وجوباً، وأن يتقدم وجوباً، وأن يجوز تأخره وتقدمه.

فأما تأخره وتقدمه جوازاً فهوالأصل الغالب؛ نحو: السحاب بخار متكاثف - البرق شرارة كهرَبية - الكتاب صديق أمين - قول الشاعر1:

أفى كل عام غُرْبةٌ ونُزُوحُ

أما للنَّوى من وَنْيةٍ فتُريحُ

ففى هذه الأمثلة وأشباهها يصح تقديم الخبر وتأخيره2

أما تأخره وجوباً؛ ففى مواضع أشهرها:

1-

أن يكون المبتدأ والخبر معاً متساويين3 أومتقاربين فى درجة تعريفهما

11 بغير نظر لما تقتضيه الأوزان الشعرية أحيانا من وجوب التقديم أو التأخير لمراعاة الوزن وحده والمخاطبة عليه. فلو لم نراع الوزن الشعري لجاز الأمران كما في النثر أيضا. وكقول الشاعر:

من البلية عذل منن لا يرعوي

عن جهله، وخطاب من لا يفهم

ومن العداوة ما ينالك نفعه

ومن الصداقة ما يضر ويؤلم

فهنا عدة أخبار متقدمة يجوز تأخيرها إذا لم نراع وزن الشعر.

2 ومما يجوز فيه الأمران مخصوص "نعم وبئس" في مثل: نعم الفارس على.... فيجز تأخير "على" عن الجملة الفعلية التي قبله وإعرابه مبتدأ متأخرا، خبره تلك الجملة الفعلية السابقة عليه ويجوز تقديمه عليها مع إعرابه مبتدأ وهي خبره. ويشترط في هذا المخصوص وفي إعرابه السالف شروط تفصيلية مكانها جـ 3 ص 353 م 110 - باب نعم وبئس.

"ملاحظة" إذا تعددت الأخبار للمبتدأ الواحد فلها حكم خاص في جواز التقديم والتأخير يجيء في ص 528، وكذا في رقم 1 من هامش ص 530 حيث الكلام على تعدد الخبر.

3 سبق في باب المعارف أن أنواعها تتفاوت في درجة التعريف وقوته، فنوع أقوى من نوع آخر، فالضمير أقوى من العلم، والعلم أقوى من اسم الإشارة.

وهكذا. بل إن النوع الواحد قد يتفاوت في درجة تعريفه وقوته، فضمير المتكلم أقوى من ضمير المخاطب. وضمير المخاطب، أقوى من ضمير الغائب.... وهكذا على الوجه المفصل هناك "في رقم 1 من هامش ص 212"....

كذلك النكرة تتفاوت في درجة التنكير وقوته: فالنكرة المحضة "وهي المتوغلة في التنكير، أي: في الإبهام والشيوع" بسبب أنها تخصص بوصف، أو بإضافة، أو بغيرهما"- أقوى في التنكير من المختصة، لأن الاختصاص يضعف التنكير، إذ يقرب النكرة من المعرفة بعض التقريب. والمراد من تساوي المعرفتين هنا أن يكونا في درجة واحدة في التعريف- ولو كان من نوعين مختلفين كالعلم بالغلبة، مع علم الشخص-- كأن يكونا ضميرين معا للمتكلم، أو للمخاطب، أو للغائب، أو يكونا علمين أو اسمى إشارة. والمراد من تساوي النكرتين أن تكونا محضتين معا.....

ص: 492

أوتنكيرهما، بحيث يصلح كل منهما أن يكون مبتدأ؛ نحو: أخى شريكى - استاذى رائدى فى العلم - مكافح أمين جندى مجهول - أجملُ من حرير أجملُ من قطن

ففي هذه الأمثلة وأشباهها يجب تأخير الخبر؛ لأن تقديمه يوقع فى لَبْس؛ إذ لا توجد قرينة1 تُعَينه، وتميزه من المبتدأ؛ فيختلط المحكوم به بالمحكوم عليه؛ ويَفسد المعنى2 تعاً لذلك. فإن وجدت قرينة معنوية أولفظية تدل على أن المتقدم هوالخبر وليس المبتدأ جاز التقديم3؛ فمثال "المعنوية": أبى أخى فى الشفقة والحنان. ز. فكلمة: "أب" خبر مقدم؛ وليست مبتدأ؛ لأن المراد: أخى كأؤ

أى: الحكم على الآخ بأنه كالأب فى الشفقة والحنان، ولا يُعْقَل العكس. فالمحكوم عليه هو:"الأخ"؛ فهوالمبتدأ، والمحكوم به هو: "

= وأما تقارب المعرفتين- وقد يسمى أحيانا: "تفاوتهما في الدرجة"، لما بينهما من اختلاف غير واسع - فمعناه أن يكونا من نوع واحد مع اختلافهما في درجة ذلك النوع، كضمير المتكلم مع ضمير المخاطب. أو ضمير المخاطب مع ضمير الغائب، أو أن يكونا من نوعين مختلفين ولكنهما متقاربان، كالعلم مع ضمير المخاطب، فإن العلم يقاربه، أو كالعلم الشخصي مع المعرف "بأل العهدية"، فإن المعرف بها يقاربه. وتقارب النكرتين معناه أن إحداهما مختصة والأخرى غير مختصة، فهي قريبة من أختها إلى حد ما "قد يسمى أيضا "تفاوتا"، لوجود اختلاف بينهما، وإن كان يسيرا".

1 كرونا أن القرينة هي العلامة التي تدل على المعنى المراد، وتوجه إليه، وتزيل عنه الغموض واللبس، فإن كانت لفظا سميت:"لفظية". وإن كانت غير لفظ سميت: "معنوية، أو: عقلية". وقد تقسم في مواضع أخرى إلى: "حسية"، وهي: التي تدرك بإحدى الحواس، فتشممل اللفظية، وإلى: "غير حسية، وهي التي تدرك بالعقل.... كما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 507.

2 أوضحنا أول هذا الباب - رقم 8 من هامش ص 442 معنى المحكوم عليه، والمحكوم به، ولما كان الأغلب في الأول - وهو المبتدأ - أن يكون شيئا معلوما للسامع، وأن يكون الثاني - وهو الخبر- مجهولا له، وجب عن اللبس تأخير الثاني "أي: الخبر"، إذ لو تقدم وأعربناه ممبتدأ لا نقلب المحكوم به المجهول محكوما عليه معلوما. وصار المعلوم مجهولا، وجاء الحكم في الحالتين مخالفا للمراد، وهذا فساد معنوي، وفي الموضع السالف بيان شاف مفيد.

ولزيادة الإيضاح نسوق المثال الآتي، أن يعرف المخاطب شخصا مثل:"إبراهيم" بعينه واسمه، ولكنه لا يعرف أنه زميله في الدراسة، فتقول: إبراهيمم زميلك، جاعلا المبتدأ هو المعروف له، والخبر هو المجهول له، المحكوم به. وذلك شأن الخبر في الأغلب- كما قدمنا- أن يكون هو الشيء المجهول للمخاطب وأنه المحكوم به، فلا يصح أن تقول، زميلك إبراهيم، بغير قرينة تدل على تقديم الخبر. أما إذا عرف زميلا له، ولكنه لا يعرف اسمه، وأردت أن تعين له الاسم، فإنك تقول: زميلك إبراهيم. جاعلا المعلوم له هو المبتدأ. والمجهول له المحكوم به هو الخبر. فلو عكس الأمر في إحدى الصورتين لا نعكس المعنى، تبعا لذلك، واختلف المراد، بسبب الخروج على ذلك الأصل، ومخالفته.

3 وإذا صح التقديم فهل يكون أحدهما أولى به من الآخر؟ الجواب في: "ب" من ص 499.

ص: 493

الأب الذى يشابهه الأخ. فالأب هوالخبر ولوتقدم؛ لأن القرينة المعنوية تميزه وتجعله هوالخبر؛ فصح التقديم لوجودها.

ومثل: الجامعة فى التعليم البيت. "فالجامعة" خبر مقدم، "والبيت" مبتدأ مؤخر؛ فهوالمحكوم عليه بأنه مشابه للجامعة؛ إذ لا يعقل العكس. ومثل: نور الشمس نور الكهربَا. ضوء القمر ضوء الشموع

الأسد فى الغضب القِطّ فى الثورة. الجبلُ الهرمُ فى الضخامة. هذا العالم فى براعته هذا الطالب فى تعلمه

وهكذا

ومثال القرينة "اللفظية": حاضرٌ رجلٌ أديبٌ. فكلمة "حاضر" هى الخبر؛ لأنها نكرة محضة1 والنكرة التي بعدها "وهى: رجل" نكرة غير محضة؛ لأنها مخصصة بالصفة بعدها؛ فهى أحق بأن تكون المبتدأ بسبب تخصصها2.

2-

أن يكونَ الخبر جملة فعلية، فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ: نحو: الكواكب "تتحرك"، فالجملة الفعلية المكونة من الفعل المضارع وفاعله، خبر المبتدأ. فلوتقدم الخبر وقلنا: تتحرك الكواكب - لكانت "الكواكب" فاعلا، مع أننا نريدها مبتدأ، وليس فى الكلام ما يكشف اللبس. بخلاف ما لوكان الفاعل اسماً ظاهراً أوضميراً بارزاً، نحو: تتحرك كواكبُها السماء - قد أضاءَ النجمان

، فتعرب الجملة الفعلية هنا؛ "تتحرك كواكبُها" خبراً متقدماً؛ لاشتمالها على ضمير يعود على المبتدأ "السماء" فرجوع الضمير إلى كلمة:"السماء" دليل علىأنها متأخرة فى الترتيب اللفظى فقط، دون الترتيب الإعرابى "المسمى: الرتبة3"؛ لأن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبة إلا فى مواضع4 ليس منها هذا الموضع. فكلمة: "السماء" متأخرة فى اللفظ، لكنها متقدمة فى الرتبة. وأصل الكلام: السماء تتحرك كواكبها؛ فكلمة: "

1 أي: غير متخصصة بنعت، أو إضافة، أو نحوهما "طبقا للبيان السابق- رقم 3 هامش ص 492"

2 لما عرفناه من أن المبتدأ يكون هو المعرفة، أو النكرة المتخصصة عند اجتماع أحدهما مع النكرة المحضة. وهذا بشرط ألا تقوم قرينة تعارضه.

3 الترتيب الإعرابي أو "الرتبة"، يجعل لبعض الألفاظ الأسبقية في الجملة دون بعض، فالمبتدأ أسبق من الخبر، والفعل أسبق من الفاعل، والفاعل أسبق من المفعول، والمضاف أسبق من المضاف إليه....، وهكذا. وقد تكون هناك أسباب لمخالفة هذا الأصل أحيانا. على حسب ما هو موضح في مواضعها.

4 سردناها عند الكلام على الضمير في ص 2258.

ص: 494

السماء" مبتدأ. وحاز تقديم الخبر عليها مع أنه جملة فعلية لأن اللبس مأمون؛ إذ فاعلها اسم ظاهر، وليس ضميراً مستتراً يعود على ذلك المبتدأ1.....

وتعرب الجملة الفعلية الثانية خبراً مقدماً، والنجْمان مبتدأ. ولا لبْس فيه، لأن وجود الضمير البارز "وهوألف الاثنين" وإعرابه فاعلا - فى اللغات الشائعة عند العرب - أوجب أن يكون "النجمان" مبتدأ، لا غير؛ إذ لا يوجد ما يحتاج إلى فاعل، ومن ثمَّ كان اللبس مأمونا2.

وكما يقع اللبس بين المبتدأ والفاعل الضمير المستتر على الوجه السابق، يقع بين المبتدأ ونائب الفاعل إذا كان ضميراً مستتراً أيضاً؛ نحو: البيتُ أقيمَ. وكذلك بين المبتدأ وفاعل اسم الفعل. إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً؛ نحو: القمرُ هيهاتَ. وقد يلتبس المبتدأ لوتأخر بالتوكيد؛ نحو: أنا سافرت؛ فلوتأخر المبتدأ الضمير لكان توكيداً للتاء. فبسبب اللبس يمتنع التقديم فى كل ما سبق3

3-

أن يكون الخبر محصوراً فيه المبتدأ4 بإنما، أوإلا؛ مثل: إنما

1 وتنطبق هذه الصورة على قول حسان:

قد نكلت أمه من كنت واحده

أو كان منتشبا في برثن الأسد

2 وهذا على اعتبار أن الفعل - في اللغات الشائعة - لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع، وأن حمل الكلام على الكثير الشائع أحسن وأصح. أما على اللغة القليلة - وهي هنا صحيحة- التي تجيز إلحاق هذه العلامة به فاللبس مخوف غير مأمون، فلا يجوز التقديم، والخير في ترك التقديم في هذه الصورة، مبالغة في الابتعاد عن شبهة اللبس.

3 ومن نوع الخبر الذي الذي يجب تأخيره الجملة الفعلية الواقعة خبرا "عن ما" التعجبية كما سيجيء في ص 499.

4 أي: أن المبتدأ بمعناه يكون منقطعا للخبر، محصورا في هذا الخبر، وبيان الحصر-- ويسمى القصر"- يتضح من التمثيل الآتي: إذا أردنا قصر شيء على شيء، بحيث يكون أحدهما مختصا بالآخر، منقطعا له - أي متفرغا له كل التفرغ - سميت هذه العملية، "حصرا"، أو: قصرا". كأن تريد قصر: "البحتري" على الشعر، وانقطاعه له فتقول: إنما البحتري شاعر. فقد قصرنا " البحتري" على الشعر، أي: جعلناه مختصا بالشعر، منقطعا له دون غيره من العلوم والفنون الأخرى. ولا بد في الحصر "القصر" من شيء محصور، ومن محصور فيه ذلك الشيء، ومن علامة حصر. فالبحتري في المثال السابق هو "المحصور"، ويسمى "المقصور" أيضا. والشعر هو المحصور فيه، ويسمى: "المقصور عليه" - كل ذلك ما لم تمنع قرينة وعلامة الحصر هي: "إنما" وقد تكون "إلا" كما في المثالين الآخرين أو غيرهما. وللقصر طرق معينة متعددة، وعلامات خاصة، لها موضعها في "علم المعاني". وإذا كانت أداة الحصر "القصر" "إنما" فالمقصور عليه هو المتأخر في جملتها، وإذا كانت الأداة "لا" فالمقصور عليه هو الواقع بعدها مباشرة.

ص: 495

البحْترىّ شاعر - إنما المتنبى حكيم - ما النيل إلا حياة مصر - ما الصناعة إلا ثروة. فلا يجوز تقديم الخبر؛ كى لا يزول الحصر، فلا يتحقق المعنى على الوجه المراد.

4-

أن يكون الخبر المبتدأ دخلت عليه لام الابتداء1؛ نحو: لَعلْمٌ مع تعب خيرٌ من جهل مع راحة؛ لأن لام الابتداء لها الصدارة فى جملتها؛ فيجب تقديمها مع ما دخلت عليه؛ وهوالمبتدأ.

5-

أن يكون المبتدأ اسماً مستحقًّا للصدارة فى جملته؛ إما بنفسه مباشرة، كاسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وما التعجبية، وكم الخبرية2

؛ مثل: مَن القادمُ؟ وأىُّ شريف تصاحبْه أصحابه - ما أطيبَ خُلُقك!! كم صديق عرفتُ فيه الذكاء!! وإما بغيره؛ كالمضاف إلى واحد مما سبق3؛ فالمضاف إلى اسم استفهام نحو: صاحبُ مَن القادم؟ والمضاف إلى اسم شرط نحو: غلامُ أيِّ رجل شريف تعاونْه أعاونْه. والمضاف إلى كم الخبرية نحو: خادمُ كم صديق عرفت فيه الذكاء3.

1 لها باب خاص في ص 657.

2 أما الاستفهامية فداخله في أسماء الاستفهام التي لها الصدارة أيضا.

"3و 3" غير "ما التعجبية"، فإنها لا تقع مضافا إليه. وإلى المواضع السابقة يشير ابن مالك بقوله:

والأصل في الأخبار أن تؤخرا

وجوزوا التقديم إذ لا ضررا

فامنعه حين يستوى الجزءان

عرفا ونكرا عادمي بيان

أي: أن الأصل الغالب في الأخبار هو تأخيرها، ولا مانع من التقديم إذا لم يترتب عليه فساد لفظي أو: معنوي.

فامنع التقديم إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير. وعدما البيان الذي يوضح أن أحدهما هو المبتدأ، وأن الآخر هو الخبر. "وعرفا ونكرا" منصوبين على "التمييز" أو: على: نزع الخافض - ويسمى "الحذف والإيصال"- وتفصيل الكلام عليه في جـ2 م 71 ص 153 باب: "تعدية الفعل ولزومه"...."، ثم قال ابن مالك:

كذا إذا ما الفعل كان الخبرا

أو قصد استعماله منحصرا

أو كان مسندا لذي لام ابتدا

أو لازم الصدر، كمن لي منجدا؟

وامنع التقديم أيضا إذا كان الفعل - مع فاعله- هو الخبر، أو كان الخبر محصورا فيه.

ومعنى البيت الأخير: أن الخبر يمتنع تقديمه إذا كان مسندا لصاحب لام ابتدا، أي: إذا كان هذا الخبر مسندا، والمسند إليه مبتدأ مصدرا باللام التي تدخل على المبتدأ للدلالة على الابتداء، وكذلك يمتنع تقديمه إذا كان المبتدأ لازم الصدارة، أي: لا يكون إلا في صدر جملته.

ص: 496

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

"أ" هنا مواضع أخرى يجب فيها تأخير الخبر؛ أشهرها ما يأتى:

1-

ما ورد مسموعاً مِن مثل: راكبُ الناقة طَليحان1. "أى: مُتْعبَان؛ أصابهما الإعياء والإرهاق، وأصله: راكبُ الناقةَ والناقَةُ طليحان؛ من كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق فى التثنية أوالجمع للمضاف مع المضاف إليه من غير عطف شىء ظاهر على المبتدا؛ كالمثال السابق. ونحو: مهندس البيت جميلان - ونحو: خدم الطفلين لاعبون؛ أى: مهندسُ البتي والبيتُ جميلان. وخادم الطفلين والطفلان لاعبون. فالمعطوف على المبتدأ محذوف لوضوح المعنى. والخبر هنا واجب التأخير. لكن أيجوز القياس على تلك الأساليب التى حذف فيها حرف العطف والمعطوف على المبتدأ؛ لوضوح المعنى؟ الأحسن الأخذ بالرأى القائل بجوازه بشرط وجود قرينة واضحة تدل على المحذوف: لأن هذا الرأى يطابق الأصول اللغوية العامة التى تقضى بجواز الحذف عند قيام قرينة جلية تدل على المحذوف، وتمنع خفاء المعنى؛ كما رددنا هذا كثيراً2

2-

أن يكون الخبر مقروناً بالفاء3؛ نحو: الذى ينصحنى فمخلص. فإن تقدم الخبر وجب حذف الفاء.

3-

أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة؛ نحو: ما شريف بكاذب.

4-

أن يكون طلباً؛ نحو: المحتاجُ عاونْه، والبائسُ لا تؤلمه.

5-

أن يكون الخبر عن "مذ" أو"منذ"، بجعلهما مبتدأين معرفتين فى المعنى؛ نحو: ما سافرت مذْ أومنذ شهران؛ "إذ المعنى: زمن انقطاع الرؤية شهران4.

1 سيجيء لهذا المثل بيان في جـ3 باب: "العطف" م ص 542 م 118، عند الكلام على حذف واو العطف.

2 انظر رقم 1 من هامش ص 507.

3 سيجيء في ص 434 بيان المواضع التي يقترن فيها الخبر بالفاء....

4 كما سبق في ص 489 وكما يجيء في ص 502 - وفي جـ 2 باب: "الظرف"، م 79 ص 278 و 5022 وباب:"حروف الجر" م 89 ص 478.

ص: 497

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

6-

ضمير الشأن1 الواقع مبتدأ؛ نحو: قل "هو: الله أحد".

7-

المبتدا المخبر عنه بجملة هى عينه فى المعن نحو: "كلامى: "السفر مفيد"""قولى: "العمل النافع"".

8-

اسم الإشارة المبدوء بكلمة: "ها" التنبيه، فى جملة اسميه؛ نحو: هذا أخى. وهذا رأى كثير من النحاة، ومن الميسور رفضه بالأدلة التى سبقت2 والتي تجعل تقديم المبتدأ هنا مستحسناً، لا واجباً. وإنما يتعين - عند أصحاب ذلك الرأى - أن يكون اسم الإشارة فى الجملة الاسمية هو: المبتدأ ولا يكون خبراً، بحجة أن:"ها" التنبيه تتطلب الصدارة، بشرط أن تتصل باسم الإشارة مباشرة، لا يفصل بينهما ضمير، فإن فصل بينهما الضمير فى مثل؛ "هأنذا" فالضمير هوالمبتدأ واسم الإشارة هوالخبر. ويجوز: هذا أنا. ولكن الأول أحسن وأولى؛ لكثرة الأساليب الأدبية الواردة به3.

9-

المبتدأ الذى للدعاء؛ نحو: سلام عليكم، وويل للأعداء4.....

10-

المبتدأ الذى له خبر متعدد يؤدى مع تعدده معنى واحداً؛ مثل: الفتى نحيف سمين - الرمان حلوحامض؛ لأنه لا يجوز تقديم الخبر المتعدد الذى يؤدى معنى واحداً، ولا تقديم واحد مما تعدد5.

11-

المبتدأ التَّالى: أمَّا: نحو: أما صالح فعالم؛ لأن الفاء لا تقع بعد "أما" مباشرة. ولأن الخبر الذى تدخل عليه لا يتقدم على المبتدأ - كما سلف -.

12-

المبتدأ المفصول من خبره بضمير الفصل6، نحو: الشجاع هوالناطق بالحق غير هياب.

1 سبق تفصيل الكلام عليه وعلى أحكامه وكل ما يختص به في ص 22500 "د".

2 في رقم 1 من هامش ص - 328 ورقم 1 من هامش ص 337.

3 كما سبق في "أ" من ص 337 وكما سيجيء في رقم 1 من هامش ص 500.

4 هذا رأي كثير من النحاة. ولكني رأيت عدة نصوص قديمة يحتج بها تقدم فيها الخبر الجار مع مجرورة على المبتدأ الذي للدعاء. فالأحسن أن يقال: إن التأخير هو الأكثر، وليس بالواجب.

5 كما سيجيء البيان في موضوع "تعدد الخبر" ص 529.

6 له بحث خاص مستقل في ص 2242 "حـ".

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

13-

المبتدأ إذا كان ضمير تكلم أوخطاب، وقد أخبر عنه بالذى وفروعه مع وجود بعده الضمير مطابقاً للتكلم، أوالخطاب؛ نحو: أنا الذى أساعد الضعيف. أنتما اللذان تساعدان الضعيف. ....

14-

ويجب تقديم المبتدأ وتأخير الحبر فى باب الإخبار عن: "الذى"، نحو: الذى صافحته محمد.

15-

خبر المبتدأ إذا كان ضمير متكلم أومخاطب، وقد أخبر عنه بنكرة مُعرَفة بأل، بعدها ضمير مطابق للمبتدأ في التكلم والخطاب، نحو: أنا السيف أمزق الضلال، أنت الجندى تدافع عن الوطن.

16-

إذا كان المبتدا اسم موصول وجب تأخير الخبر عنه وعن الصلة معا1. ملاحظة: يجب تقديم كل اسم أوفعل سبقته أداة عرض، أوتمن، أورجاء، أونفى، أوطلب.

17-

ويجب تأخير الخبر، إذا كان جملة فعلية ماضوية والمبتدأ "ما" التعجبية؛ نحو: ما أقدر الله أن يُدْنِىَ المتباعدين2.

"ملاحظة عامة" يجب تقديم كل اسم أو فعل سبقته أداة عرض، أو تمن، أو رجاء، أو نفي، أو طلب.

"ب" أثار النحاة والبلاغيون جدلا مرهقاً حول بعض الحالات التى يكون فيها المبتدأ والخبر متساويين فى التعريف والتنكير، أومتقاربين فيهما؛ من غير لَبْس فى المعنى. ويدور الجدل حول معرفة الأحق منهما بأن يكون المبتدا. وإذا ظهر الأحق فهل يجوز الإغضاء عن أحقيته بجعله خبراً وجعل الخبر مبتدأ؟ وقد سبق3 بيان المراد من التساوى والتقارب فى التعريف والتنكير.

بالرغم من جدلهم المرهق4؛ فإن الجواب السديد يتلخص فى أن المعوّل

11 كما في ص 378.

2 سبقت الإشارة لهذا، في رقم 5 من ص 496.

3 في رقم 3 من هامش ص 492.

4 وقد عرض لبعضه صاحب: "المفصل" وكذا: "الصبان" بإيجاز في الجزء الأول، باب:"المبتدأ والخبر"، عند الكلام على مواضع تأخير الخبر وجوبا. وكذلك:"التصريح" وهامشه في الموضع السابق أيضا: وكذلك "المغني" أول الباب الرابع:

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه فى جواز تقديم المبتدأ على الخبر ليس التساوى أوالتقارب فى درجة التعريف والتنكير؛ وإنما المعول عليه وحده وهووجود قرينة تدل على أن هذا هوالمحكوم عليه، "أى: أنه المبتدأ"، وذلك هوالمحكوم به، أى: الخبر، على حسب المعنى؛ بحيث يتميز كل من الآخر، دون خلط أواشتباه. فمتى وجدت القرينة التى تمنع الخلط واللبس جاز تقديم أحدهما وتأخير الآخر على حسب الدواعى1. وإن لم توجد القرينة وجب تأخير الخبر حتماً من غير أن يكون للتساوى أوالتقارب دخل فى الحالتين. فلا بد من مراعاة حال السامعين من ناحية قدرتهم على إدراك أن هذا محكوم عليه فيكون مبتدأ، وأن ذاك محكوم به فيكون خبراً. فإذا وقع فى وهم المتكلم أن التمييز غير ممكن، وأن اللبس محتمل - وجب إزالته؛ إما بالقرينة التى تبعده وتبدده، وإما بالتزام الترتيب؛ فيتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر؛ ليكون هذا التقدم دليلا على أنه المبتدأ، ووسيلة إلى تعينه؛ لموافقته للأصل الغالب فى المبتدأ.

1 إلا في الحالة التي أشرنا إليها في رقم 8 من ص 498 وهي حالة اسم الإشارة المقرون بكلمة "ها" التنبيه، مع معرفة أخرى، إذ يتعين أن يكون اسم الإشارة هو المبتدأ، لأن حرف التنبيه لا بد أن يتصدر- عند فريق من النحاة دون فريق، طبقا للبيان المفصل الذي في رقم 1 من هامش ص 328 - إلا إن كانت المعرفة الأخرى ضميرا، ففي هذه الحالة يحسن أن يكون المبتدأ هو الذي تسبقه "ها" التنبيه، واسم الإشارة يجيء بعده خبرا، نحو،:"هأنذا". وقد يجوز مراعاة القاعدة العامة بتقديم الإشارة أيضا في هذه الصورة مع تأخير الضمير، نحو: هذا أنا، ولكن الأول أكثر في الأساليب الأدبية المعروفة. "انظر ص 337".

ص: 500