الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية
عرفنا أن الموصولات قسمان؛ اسمية وقد سبق الكلام عليها1، وحرفية وهي خمسة2:"أنْ"، "مفتوحة الهمزة، ساكنة النون أصالة3". و"أَنّ" الناسخة "المشددة النون؛ أو الساكنة للنون للتخفيف" و"ما"، و"كي"، و"لو". وكلا القسمين لا بد له من صلة متأخرة عنه، لا يصح أن تتقدم عليه هي أو شيء منها، كما أوضحنا4. أما الفصل بين الموصول الحرفي، أو الاسميّ، وصلته، وكذا الفصل بين أجزاء الصلة فقد سبق الكلام4 عليه "وهو بحث هام".
ولكن بين الموصول الاسمي والحرفي فروق، أهما ستة:
الأول: أن الموصولات الاسمية -غير أي- لا بد أن تكون مبنية5 في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب موقعها من الجلمة؛ وذلك شأن كل الأسماء المبنية. بخلاف الموصولات الحرفية، فإنها مبنية أيضًا؛ ولكن لا محل لها من الإعراب -شأن كل الحروف- فلا تكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، مهما اختلفت الأساليب.
الثاني: أن صلة الموصول الاسمي لا بد أن تشتمل على العائد؛ أما صلة الحرفي فلا تشتمل عليه مطلقًا.
الثالث: أنّ الموصول الحرفيّ لا بد أن يسبك مع صلته سبكًا ينشأ عنه مصدر يقال له: "المصدر المسبوك" أو"المصدر المؤول"، يعرب على حسب حاجة الجملة -كما سنبينه6 بعد. ولهذا تسمى الموصولات الحرفية:"حروف السبك7" وتنفرد به دون الموصولات الاسمية.
"1 و 1" في ص340.
2 غير "همزة التسوية" التي يجيء بيانها في ص414.
3 أي: أنها ليست مخففة من "أن" المشددة الناسخة.
"4 و4" في ص373 والبيان في ص 378 وهامشها.
5 أما: "أي" فتعرب في بعض أحوالها -كما سبق في ص 363 والموصول المثنى يعرب في الصحيح.
6 في "ب" من ص 414.
7 قد يتم السبك بغير حرف سابك طبقا لما سيجيء في: "أ" ص 414.
الرابع: أن بعض الموصولات الحرفية لا يوصل بفعل جامد1 -كما سيجيء- مثل: "لو"، وكذلك:"ما" المصدرية، إلاّ مع أفعال الاستثناء الجامدة الثلاثة؛ وهى:"خلا - عدا - وكذا: حاشا، في رأي" فهذه الثلاثة مستثناة من الحكم السالف، أو لأنها متصرفة بحسب أصلها فجمودها عارض طارئ لا أصيل. والمصدر المؤول معها مؤول بالمشتق،
…
أي: مجاوزين2.
الخامس: أن الموصول الاسمي -غير "أل" يجوز حذفه على الوجه الذى قدّمناه3، أما الحرفيّ فلا يحذف منه إلا:"أنْ" الناصبة للمضارع، فتحذف جوازًا أو وجوبًا، طبقًا لما هو مبين عند الكلام عليها في النواصب4 -وهي في حالتي حذفها تسبك مع صلتها كما تسبك في حالة وجودها5....
السادس: أن الموصول الحرفي "أنْ" يصح -في الرأي المشهور- وقوع صلته جملة طلبية6، دون سائر الموصولات الاسمية والحرفية. فإن صلتها لا بد أن تكون خبرية
…
وفيما يلي شيء من التفصيل الخاص بالموصولات الحرفية الخمسة: مع ملاحظة ما يجب لكل منها من صلة، وما يجب أن يتحقق في كل صلة من شروط مفصلة سبقت7 وفي مقدمة الشروط ألا يتقدم شيء من الصلة وتوابعها على الموصول الحرفي، وغير الحرفي8.
أ- أنْ "ساكنة النون أصالة" ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية،
1كما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 412 وفي هـ من ص 413.
2 راجع الصبان عند الكلام عليها في باب الاستثناء. وسيجيء هنا في ج2 باب الاستثناء- م 83 وباب الحال م 84.
3 في رقم 3 من ص 392.
4 في باب: "إعراب الفعل من الجزء الرابع.
5 وقد يتعين تقديرها في بعض الأساليب السماعية، حيث لا مفر من التقدير، مثل: يعجبني يحضر الأخ. وهو تركيب له بعض نظائر نادرة مسموعة، لا يقاس عليها، لندرتها. فلو لم تقدر "أن" لوقعت جملة:"يحضر الأخر" فاعلا للفعل "يعجب" أو لكان الفاعل مقدرا بقول، أو غيره، وكلا الأمرين لا يرضاه جمهور النحاة.
6 كما سبق في ص 375. ويجيء في "أ" التالية ورقم 1 من الهامش الآتي.
7 في ص 373 و 378.
8 كما نص الصبان وغيره هناك....
فعلها كامل التصرف؛ سواء أكان ماضيًا؛ نحو: عجبت من أنْ تأخرَ القادم. أم مضارعًا؛ نحو: من الشجاعة أن يقول المرء الحقَّ في وجه الأقوياء، وقول الشاعر:
إنّ من أقبح المعايِب عارًا
…
أن يَمُنَّ الفتى بما يُسْدِيه
أم أمرًا1، نحو: أنْصَحُ لك أن بادرْ إلى ما يرفع شأنك، وهي في كل الحالات تؤول مع صلتها بمصدر يُسْتغنَى به عنهما2، ويعرب على حسب حاجة الجملة، فيكون مبتدأ، أو فاعلا أو مفعولا به، أو غير ذلك، طبقًا لتلك الحاجة وقد يسد مسَد المفعولين أيضًا. ولكنها لا تنصب إلا المضارع3،
1 وفي هذه الحالة تكون جمملة الصلة قد وقعت طلبية. وهو جائز في: "أن" وحدها من الموصولات الحرفية. أما الموصولات الاسمية فيشترط في صلتها أن تكون خبرية. "كما سبق هنا وفي ص375" وعلى هذا ليس في الموصولات بنوعيها ما يجوز أن تكون صلته طلبية إلا: "أن" مفتوحة الهمزة ساكنة النون أصالة، كما تبين في الفرق السادس.
2 تجيء طريقة سبك المصدر المؤول، وفائدته، وكل ما يتصل به..... في "ب" و"ج" من صفحتي 414 و 417.
3 أما الماضي والأمر فلا تنصبهما لفظًا ولا محلًّا. بخلاف "إن" الشرطية: فإنها لما قلبت الماضي إلى الاستقبال ناسبها أن تعمل في محله. فكلمة: "أن" المتصلة بالماضي أو الأمر هي الناصبة للمضارع وإن كانت بقية النواصب لا تدخل إلا على المضارع.
ووصل "أن" بالماضي، وعدم تغييرها زمنه أمر متفق عليه، أما وصلها بالأمر ففيه خلاف، فسيبويه يجوزه، بدليل دخول الجار عليها في نحو: كتبت إليه بأن رقم، أو: كتبت إليه بألا تقم "أصلها": "أن لا" ثم أدغمت "النون" في "لا" الناهية" وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم، فتؤول "أن" مع صلتها بمصدر طلبي، أي: بمصدر يفيد الأمر أو النهي
…
فيكون التقدير: كتبت إليه بالأمر بالقيام، أو بالنهي عن القيام.....
وغير سيبويه يقول إن كل موضع وقع فيه الطلب "سواء أكان أمرا أم غيره"، هو صالح لأن تكون "أن" فيه تفسيرية، بمعنى: أي" المفسرة. وذلك إذا لم يوجد حرف جر ظاهر قبل "أن"، كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِه ِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} وقوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} ، وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} فهي في كل هذه الأمثلة تفسيرية إن لم يقدر قبلها الجار، لانطباق وصف التفسيريقة عليها "ذلك الوصف الذي يتلخص في أمور ثلاثة مجتمعة، هي: وقوعها مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، وخلوها من حرف جر، ووقوع جملة بعدها" ولا حاجة إلى تقدير حرف الجر عند عدم وجوده ظاهرها في الكلام: إذ ما الداعي لتقديره، واعتبارها مصدرية لا مفسرة؟ أما إن وجد قبلها حرف جر ظاهر فهي زائدة عند أصحاب الرأي السالف، ففي مثل: كتبت إليه بأن قم أو بألا تقم
…
"أصلها: أن لا تقم.... " يكون أصل الكلام كتبت إليه "بقم" أو بلا "تقم"، زيدت "أن" منعًا لصورة ظاهرية شكلية مكروهة وهي: دخول حرف الجر ظاهرًا على الفعل. وإن كان في الواقع اسمًا بسبب قصد لفظه.... اهـ. "نقلًا عن الخضري ج1 أول باب الموصول، بتصرف يسير".
والخلاف بين الرأيين شكلي لا أثر له في تكوين المفرد، أو الجملة، أو ضبط حروفهما، فكلا الرأيين يبيح هذا الاستعمال، ويرضي عن الأسلوب، ويعده فصيحًا، وهذا هو الأهم. فلا مانع يمنع بعد ذلك من الأخذ بأحد الرأيين عند الإعراب، إذ لا ترجيح بينهما.
وتخلص زمنه للاستقبال المحض ولا تنفصل منه بفاصل1
…
ولا تغير زمن الماضي ولا تكون للحال فدلالتها الزمنية إما للماضي وإما للمستقبل الخالص2
…
وليس من هذا النوع ما يقع بعده جملة اسمية3 مسبوقة بما يدل على يقين، نحو: علمت "أنْ"؛ محمدٌ لقائم، أو جملة فعلية فعلها جامد: نحو: أعتقد أنْ ليس الظالم بمستريح النفس، فإنَّ هذين النوع الثاني "الذي تكون فيه "أن" مخففة من "أنّ" المشددة النون"4
…
ب- "أنّ" المشددة النون. وتتكون صلتها من اسمها وخبرها؛ نحو: سَرَّني أنّ الجو معتدل، ويُستغنَى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المنسبك بطريقته الصحيحة. ومثلها:"أنْ" المخففة النون الناسخة؛ حيث تتكون صلتها من اسمها وخبرها. ولكن اسمها لا يكون -في الأفصح- إلا ضميرًا محذوفًا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أنْ عليٌّ لمسافر5؛ "ومنه المثالان السالفان في الكلام على "أنْ"". ويستغنى عن الثلاثة بعد صوغ المصدر المؤول بطريقته الصحيحة، ويعرب المصدر في النوعين على حسب الجملة؛ فيكون فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولاً به، أو غير ذلك4
…
وقد سدّ مسَد المفعولين إنْ وجد في الجملة ما يحتاج لهما.
ج- "كَيْ"6. وصلتها لا تكون إلا جملة مضارعية "وتنصب المضارع
1 انظر رقم 1 من هامش ص 572.
2 كما سيجيء البيان في جـ 3 باب "إعمال المصدر" ص 206 م 99.
3 تكون هي الصلة وتسبك معه بمصدر.
"4و 4" ملاحظة يقول النحاة: لم يرد في الكلام الفصيح وقوع "أن" المصدرية بنوعيها "المخففة والناصبة للمضارعب" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده. ولا بعد "كان" و "إن" الناسختين بغير فاصل من خبرهما. ولا بعد "لا" النافية للجنس غير المكررة. وهذا الحكم ينطبق على "ما" المصدريسة وصلتها أيضا. وسيجيء البيان في جـ 3 باب إعمال المصدر م 99 ص 207.
5 الأصل أيقنت أنه على المسافر. وهذا الضمير "الشأن" أو ضمير "القصة" الذي سبق الكلام عليه تفصيلا في الضمائر، ص 3350.
و"أن" المخففة لها مواضع وأحكام مكان الكلام عليها في هذا الجزء باب: "إن وأخواتها" ومن أشهر مواضعها أن تقع بعد ما يدل على اليقين.... أو يقع بعدها فعل جامد
…
أو فعل للدعاء
…
أو.... "انظر ص 676".
6 وهي مثل: "أن" المصدرية عملا ومعنى، ولكن لا بد أن يسبقها لام الجر لفظا وتقديرا "إذ لا يجوز حذف حرف لام الجر قبلها، فتكون مقدرة" لكي تعتبرها في الحالتين مصدرية خالصة. وسيجيء تفصيل الكلام على "كي" وأنواعها وأحكامها في جـ 4 ص 227 م 148.
نحو: أحسنت العمل لكي أفوز بخير النتائج. ومنها ومن صلتها معها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما، ويعرب على حسب حاجة الجملة، وحاجتها لا تكون هنا إلا لمجرور باللام دائمًا
…
د- "ما"، وتكون مصدرية1 ظرفية؛ نحو: سأصاحبك ما دمت مخلصًا، أي: مدة دوامك مخلصًا، وسألازمك ما أنصفت، أي: مدة إنصافك. وقول الشاعر:
المرء ما عاش ممدود له أملٌ
…
لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر2
أي: مدة عيشه3....
ومصدرية غير ظرفية4، مثل::فزعت مما أهمل الرجل؛ أى: من أهمال الرجل
…
ودهشت مما ترك
1 وهي المصدرية الزمانية، لأن الزمان يقدر قبلها، فيذكر قبلها كلمة:"زمان" أو مدة
…
أو وقت
…
أو نحو ذلك من كل ما يفيد معنى الزمن. ويرى فريق من النحاة أن الأفضل تسميتها بالمصدرية الزمانية، بدلا من تسميتها المشهورة "المصدرية الظرفية". وحجته: أن التسمية الأولى وحدها هي التي تشمل نحو قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه} إذ التقدير: ي كل وقت أضاءته لهم
…
فالزمان المقدر "مضاف" إليه مجرور، والمجرور بالإضافة لا يسمى ظرفا. ومن المضاف إليه - لهم.... فالزمان المقدر "مضاف" إليه مجرور، والمجرور بالإضافة لا يسمى ظرفا. ومن المضاف إليه - وهو المصدر المؤول اكتسب المضاف، "وهو كلمة:"كل" الظرفية الزمانية. وكلمة: "كل" منصوبة بجوابها: "مشوا" وسيجيء في باب "كان" ص 563 إيضاح أكمل، يتناول "ما" المصدرية الظرفية، بمناسبة الكلام هناك على:"ما دام".
2 أي: لا تنتهى العين من التطلع إلى الأشياء التي تدعو للأمل إلا بانتهاء كل أثر للإنسان، وهذا يكون بانتهاء أجعله.
3 ومثل هذا ما قيل في الرثاء:
أبكي لفقدك ما ناحت مطوقة
…
وما سما فمنن يوما على ساق
4 علامتها أن يصلح في مكانها "أن" المصدرية. لكنها لا تنصب المضارع كما تنصبه "أن" و"أن" المصدرية الداخلة على الماضي لا تغير زمنه، بل تتركه على حاله، وتخلص زمن المضارع المستقبل. ولا تدل على الحال مطلقا. بخلاف "ما" المصدرية بنوعيها فتصلح للأزمنة الثلاثة على حسب المعنى والقرينة، ولكن الأكثر أن تكون للحال....
"راجع" ص 410 والملاحظة التي في رقم 4 من هامشها، والبيان الذي في رقم 5 من هامش ص 419".
وقد يختلط الأمر -على غير الفطن- بين "ما" التي هي اسم موصول والتي هي حرف موصول، مع أن المعنى يختلف باختلاف نوعهما، ففي مثل: أعجبني ما صنعت! وسرني ما لبست: يجوز أن تكون "ما" اسم موصول فيهما، والعائد محذوف تقديره: ما صنعته، وما لبسته، كما يجوز أن تكون "ما" حرف موصول، ولا شيء محذوف، والتقدير، أعجبني صنعك، وسرني لبسك، وهذا صحيح في المثالين السابقين وأشباههما، عند فقد القرينة التي تعين فإن وجدت قرينة توجه إلى أحدهما دون الآخر وجب الأخذ بتوجيهها، كأن يكون المصنوع والملبوس أمرا معينًا معروفًا، والحديث متجه إلى ذاته ومادته، فتكون "ما" اسم موصول. أما إن كان المراد التحدث عن المعنى المجرد، أي: الحدث، وهو الصنع نفسه، أو اللبس، فإن "ما" حرف موصول.
وهناك حالة يتعين فيها أن تكون "ما" حرف موصول، هي: أن يكون الفعل بعدها لازمًا، أو يكون متعديًا قد استوفى مفعوله، مثل:"وضاقت عليهم الأرض بما رحبت" و"يسر المرء ما ذهب الليالي....." لأن الفعل بعدها لازم، فلو كانت اسم موصول لم نجد عائدًا، ولا يصح تقدير ضمير ومثله، أعجبني ما قمت، للسبب السابق أيضًا. ومثل سرني ما قرأت الصحف- وما كتبت الرسل، فالفعل فيهما متعد قد استوفي مفعولة، ولا يصح فيه تقدير ضمير مفعول آخر. "وسيجيء في باب:"كان" ص 563، كلام عن "ما" المصدرية الظرفية بمناسبة البحث في: ما دام كما أشرنا في رقم1 من هامش الصفحة السابقة".
العمل"، أي: من تركه العمل. وقول العرب: "أنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ، وقول شاعرهم:
وإني إذا ما زرتها قلت: "يا اسلمي"
…
وهل كان قولي: "يا اسلمي" ما يضيرها؟
وكلاهما تكون صلته فعلية ما ضوية؛ كالأمثلة السابقة، أو مضارعية؛ نحو: لا أجلس في الحديقة ما لم تجلس فيها، أي: مدة عدم جلوسك فيها. وإني أبتهج بما تكرم الإخوان، أي: بإكرامك الإخوان ومثل قول الشاعر:
والمرء ما لم تُفِدْ نفعًا إقامتهُ
…
غَيْمٌ حمَى الشمس؛ لم يمدروولم يَسرِ
أو جملة اسمية؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب، ويرضينى ما العمل نافع؛ أي: أزورك مدة مناسبة الوقت، ويرضيني نفع العمل. ولكن الأكثر في المصدرية الظرفية أن توصل بالجملة الماضوية، أو بالمضارعية المنفية بلم؛ كالأمثلة السابقة. ويقلّ وصلها بالمضارعية التي ليست منفية بلمْ؛ مثل: لا أصيح ما تنام، أي: لا أصيح مدة نومك.
1 أي: وعده. وهذا مثل قديم يقال بهذه الصيغة الخبرية لمدح من وعد فأنجز. كما يقال لمن وعد لم ينجز، بقصد تحريضه وحثه على الإنجاز.
2 أي: ما يضرها. وتقدير المصدر المؤول في البيات: "ضميرها -وما" الأولى زائدة.
3 إذا وقعت صلة: "ما" المصدرية الظرفية جملة ماضوية فعلها: "دام" الناسخ وجب أن تكون هي وصلتها معمولة لفعل مضارع قبلها -كما سيجيء البيان عند الكلام عليها في ص 565.
4 بشرط أن يكون لفعل الماضي والمضارع متصرفين ولو تصرفًا ناقصًا، كما في الفعل:"دام" عند من يقول بأن له مضارعًا ومصدرًا ناسخين مثله، وهو قول مرجوح يحسن إهماله، لضعفه كما سيجيء عند الكلام على شروط عمله في موضعه الأصيل، وهو باب "كان" وإذا ارتضينا الرأي القائل بعدم تصرفه مطلقًا وجب عده من الأفعال القليلة الجامدة التي تلزم المضي وتدخل عليها "ما المصدرية غير الظرفية" و"ما المصدرية الظرفية" فإنهما قد يوصلان بالفعل الجامد ومنه:"خلا، عدا، ومثلهما: "حاشا" في رأي. والثلاثة من أفعال الاستثناء -كما سبق في ص408"، أما وصلهما بالأمر فممتنع.
5 بشرط ألا تكون مبدوءة بحرف مصدري آخر لأن الحرف المصدري لا يدخل على نظيره لغير توكيد لفظي -كما سيجيء في رقم4 من هامش الصفحة التالية، وفي رقم5 من هامش ص643، أما مثل: لا أخون الأمانة ما أنا في السماء نجمًا، فإن المصدر المؤول من أن ومعموليها في محل رفع فاعل لفعل محذوف، تقديره، ثبت. أي: ما ثبت وجود نجم في السماء، والفعل والفعل صلة:"ما". والتقدير: مدة ثبوت نجم في السماء. وقد يجوز -في رأي- أن يكون "أن" وصلتها في محل مصدر مؤول مبتدأ، خبره محذوف، تقديره، ثابت. والمبتدأ والخبر صلة ما.
ومن الحرف المصدري "ما" وصلته ينشأ المصدر المؤول الذي يُستغنَى به عنهما.
ويصح الفصل -مع قلته- بين "ما" المصدرية بنوعيها، وما دخلت عليه1 دون غيرها من الموصولات الحرفية.
"مع ملاحظة أنها كغيرها من سائر الموصولات الحرفية وغير الحرفية لا يجوز تقديم صلتها ولا شيء من الصلة عليها2.
هـ- "لو"3، وتوصل بالجملة الماضوية، نحوودِدْتُ لورأيتك معي في النزهة. وبالمضارعية: نحو: أوَد لو أشاركُك في عمل نافع، ولا توصل بجلمة فعلية أمرية. ولا بد أن يكون الفعل الماضي أو المضارع تام التصرف. ومنها ومن صلتها يسبك المصدر المؤول الذى يُستغنَى به عنهما.
1 وفي الفصل بالمفعول به خلاف، تقدم في رقم2 من هامش ص379.
2 طبقا لما تقدم في ص373 والبيان الذي في ص378.
3 الأكثر في "لو" المصدرية أن تقع بعد "ود" و"يود" وما بمعناهما، كأحب، ورغب واختار، ولا تحتاج لجواب، وتخلص زمن المضارع بعدها للمستقبل المحض ولكنها لا تنصبه -كما سيجيء في ص419 وفي بابها الخاص بالجزء الرابع.
4 وقد توصل بالجملة الاسمية، نحو قوله تعالى:{وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} ولكن وصلها بالجملة الاسمية -على جوازه- قليل بالنسبة لوصلها بالماضي والمضارع المنصرفين.....
وقد توالي في الآية السابقة، وأشباهها حرفان مصدريان وهما لا يتواليان إلا لتوكيد لفظي، "كما سبق في رقم5 من الهامش السالف" وهو غير متحقق هنا، ولذا يعرب المصدر المؤول من "أن ومعمولها" فاعلا لفعل محذوف تقديره:"ثبت" مثلا، كما يعرب المصدر المؤول من:"لو" والفعل: "ثبت" وفاعله، مفعولا للفعل:"يود" قبله. ويجوزغير هذا مما مجال الكلام عليه باب: "لو" ج4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- من حروف السَّبك -عند فريق كبير من النحاة- "همزة التسوية" وهي التي تقع بعد كلام مشتمل على لفظة: "سواء"، ويلي الهمزة جملتان، ثانيهما مصدرة بكلمة:"أم" الخاصة بتلك الهمزة. ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ، فالهمزة مسبوكة مع الجملة التي بعدها مباشرة بمصدر مؤول يعرب هنا فاعلًا، والتقدير: إن الذين كفروا سَوَاءٌ -بمعنى: متساو، إنذارُك وعدمه عليهم؛ فهم يعربون كلمة:"سواء" خبر: "إن""والمصدر المؤول" فاعل لكلمة: سواء، التي هي بمعنى اسم الفاعل:"متساوٍ"1. وقيل إن الجملة تسبك هنا بمصدر من غير سابك؛ كما سبكوه في المثل العربي: "تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه"؛ برفع المضارع "تسمع" في أحدى الروايات؛ فقالوا في سبكه: سماعك بالمعيدى
…
من غير تقدير "أنْ" قبل السبك، وكما يقدرون في كل ظرف زمان أضيف إلى جملة بعده، كالذي في قوله تعالى:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} ، فقد قالوا: التقدير: "ويوم تسيير الجبال"، من غير وجود حرفَ سابك2
…
ومما يشبه هذا في تأويل المصدر بغير حرف سابك، نوع من "الاستثناء المفرغ" كثير الورود في أفصح الأساليب، نحو: ناشدتك الله إلا نصرت المظلوم3....
ب- كيف يضاف المصدر المنسبك من حرف مصدري مع صلته؟
للوصول إلى المصدر المؤول نتبع الخطوات الأربع التالية إن كان الحرف المصدري هو: "أنْ"، أو:"أنّ"، كما في الأمثلة المعروضة، أما إن كان غيرهما فيجري عليه ما جرى على هذين تمامًا، وفيما يلي البيان:
1 في الآية إعرابات أخرى وتفصيلات عرضنا لها في باب العطف- ج3 ص 569 م 118 - الكلام على "أم" العاطفة.
2 راجع الصبان ج2 أول باب: "الاستثناء" وسيجيء البيان في ج3 باب العطف عند الكلام على: "أم" ص568 م118 - ولها إشارة في ج3 - ص28م، 93، 83م، 94.
3 والتأويل: ناشدتك الله إلا نصرك المظلوم، ولهذا النوع من "الاستثناء المفرغ" ومن تأويل المصدر معه بغير سابك، بيان تام جلي، موضعه "باب: الاستثناء" - ج2 م81 ص3302 من الطبعة الثالثة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جدول يسحب اسكانر
وعند السبك لا ندخل تغييرًا فى الباقى من الجملة إلا على اسم "إنّ" أوفاعل الفعل بالطريقة التى أوضحناها. أما ما عداهما مما لم يحذف فيبقى على حالته الأولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثل هذا يتبغ حين يكون الحرف المصدري هو: "أنْ" المخففة من الثقيلة أو: "لو"، أو:"كي"، أو "ما".
وقد يقتضي الأمر في بعض الأمثلة عملًا زائدًا على ما سبق؛ ففي مثل: سرني أن تَسْبقَ
…
تنتهي الجملة بعد إجراء الخطوات الأربع السابقة إلى: سرني "سبقُ أَنت" فيقع فاعل الفعل المضارع "مضافًا إليه" بعد استخراج المصدر الصريح -كما قدمنا- ولما كان هذا الفاعل "الذي صار مضافًا إليه" ضميرًا مرفوعًا دائمًا، ولا يمكن أن يكون مجرورًا، وجب أن نضع بدله ضميرًا بمعناه؛ يصلح أن يكون مجرورًا، هو: كاف المخاطب، فنقول، سرني سبقُك
…
وهكذا
…
يجري التغيير والتبديل على كل ضمير آخر لا يصلح للجرّ كالذي في قول الشاعر:
ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يَرَى
…
عَدوًّا له ما من صداقته بُدُّ
حيث يكون المصدر المؤول المضاف: "رؤية هو"، ثم يقع التبديل المشار فيصير: رؤيته
…
مسألة أخرى؛ قلنا1 في تحقيق الخطوة الأولى: إننا نأتي بمصدر صريح لخبر الناسخ "أنَّ" أو بمصدر الفعل الذي دخلت عليه "أنْ"
…
فإن كان خبر الحرف المصدري: "أنْ" اسمًا جامدًا؛ نحو: عرفت أنك أسد، أو ظرفًا، أو جارًا مع مجروره؛ نحو: عرفت أنك فوق الطيارة، أو عرفت أنك في البيت، فإننا نأتي في الجامد بلفظ مصدر عام هو:"الكَوْن"، مثبتًا، أو: قبله كلمة: "عدَم" التي تفيد النفي، إن كان الكلام منفيًّا، ويحل لفظ "الكون" محل المصدر الصريح المطلوب ويقوم مقامه، ويتم باقي الخطوات؛ فنقول: عرفت كونك أسدًام. ونأتي بالاستقرار أو الوجود في الظرف والجار مع المجرور؛ أي: عرفت استقرارك فوق الطيارة، أو في الدار.
ويصح في الجامد شيء آخر هو: أن نزيد على آخره ياء مشددة مع التاء فتكون هذه الزيادة مفيدة للمصدرية، وتجعله بمنزلة المصدر الصريح، فنقول؛ عرفت أسَدِيَّتَكَ، كما نقول: فروسِيَّتَك ووطنِيَّتَك، وهو ما يسمى المصدر الصناعى2
…
".
1 في ص415.
2 المصدر الصناعي بحث مستقل في الجزء الثالث -ص 182 م 98.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كان الفعل الذي في الجملة جامدًا ليس له مصدر صريح: مثل "عسى" في قولنا: "شاع أنْ يتحقق الأمل، وأن عسى الكرب أنْ يزول" ففي هذه الحالة يؤخذ المصدر الصريح من معنى الفعل الجامد: "عسى""ومعناها الرجاء" أو مما بعده ويضاف إلى ما يناسبه؛ فنقول: شاع تحققُ الأمل، ورجاء زوال الكرب.
وإذا كان الفعل بنوعيه الجامد وغير الجامد، للنفي مثل قوله تعالى:{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} أتينا بما يفيد النفي؛ ككلمة: "عَدَم" فنقول: وعدم كون شيء للإنسان إلا سعيه.
وهكذا نحتال للوصول إلى المصدر الصريح مُثبتًا أو منفيًّا، على حسب ما يقتضيه الكلام: بحيث لا يفسد المعنى، ولا يختل ولا يتغير ما كان عليه قبل السَّبك من نفي أو إثبات.
ج- لما نلجأ في الاستعمال إلى الحرف المصدري وصلته، ثم نؤولهما بمصدر، ولا نلجأ ابتداء إلى المصدر الصريح؟ لم نقول، مثلا: يحسن أن تأكل، ولا نقول: يحسن أكلك؟
إن الداعي للعدول عن المصدر الصريح إلى المؤول أمور هامة تتعلق بالمعنى أو بالضوابط النحوية. فمن الأولى:
1-
الدلالة على زمان الفعل؛ سواء أكان ماضيًا نحو: الشائع أن حضرتَ، أم مستقبلا؛ نحو: الشائع أن تحضر. فلوقلنا -أول الأمر- الشائع حضورك، لم ندر زمن الحضور؛ أمضَى، أم لم يَمْضِ؟ لأن المصدر الصريح لا يدل بنفسه على زمن1.
2-
الدلالة على أن الحكم مقصور على المعنى المجرد للفعل؛ من غير نظر لوصف يلابسه، أو لشيء آخر يتصل به؛ نحو: أعجبني أن أكلتَ، أي مجرد أكلك لذاته؛ لا لاعتبار أمر خارج عنه؛ ككثرته، أو قلته، أو: بطئه، أو سرعته، أو حسن طريقته، أو قبحها
…
ولو قلنا: أعجبني أكلك
…
لكان محتملًا لبعض تلك الأشياء والحالات.
3-
الدلالة على أن حصول الفعل جائز لا واجب، نحو: ظهر أن يسافر
1 كما سيجيء في "د" ص 419.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إبراهيم. فالسفر هنا جائز. ولو قلنا: ظهر سفر إبراهيم لساغ أن يسبق إلى بعض الأذهان أن هذا الأمر واجب.
4-
الحرف على إظهار الفعل مبنيًّا للمجهول؛ تحقيقًا للغرض من حذف فاعله. وذلك عند إرادة التعجب من الثلاثي المبني للمجهول؛ ففي مثل: عُرِفَ الحق، يقال: ما أحسن ما عُرِف الحق. وكذلك في حالات أخرى من التعجب يجيء بيانها فى بابه1، ج3.
ومن الثانية الفروق الآتية بين المصدر المؤول والمصدر الصريح:
1-
أنه لا يصح وقوع المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مفعولاً مطلقًا مؤكدًا للفعل؛ فلا يقال: فرحت أن أفرح. في حين يصح أن يؤكَّد الفعل بالمصدر الصريح؛ مثل: فرحت فرحًا.
2-
لا يصح أن يوصف المصدر المؤول؛ فلا يقال: يعجبني أن تمشيَ الهادئ، تريد: يعجبني مشيك الهادئ. مع أن الصريح يوصف.
3-
قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد الاسم والخبر في مثل: عسى أن يقوم الرجل؛ على اعتبار "عسى" ناقصة2، والمصدر المؤول من "أنْ" والمضارع وفاعله يسد مسد اسمها وخبرها معًا. وليس كذلك الصريح.
4-
قد يسد المصدر المؤول من "أنْ" والفعل مسد المفعولين فيما يحتاج إلى مفعولين؛ مثل: "حَسِبَ" في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ} وليس كذلك الصريح. ومثلَ هذا يقال في: "أنَّ" و"أنْ" الناسختين -أرى: المشدّدة والمخففة- مثل قول الشاعر:
فإنك كالليل الذى هو مُدْرِكي
…
وإنْ خِلتُ أن الْمُنْتَأى3 عند واسع
5-
يصح أن يقع المصدر المؤول خبرًا عن الجثة من غير تأويل في نحو: عليّ إما أن يقول الحق وإما أن يسكت؛ لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بينهما بخلاف المصدر الصريح.
1 في الجزء الثالث.
2 في رأي فريق كبير من النحاة، دون فريق - كما سيجيء في رقم 2 من هامش ص 621- ورأيه أنسب.
3 المنتأى: النأي والبعد، أو مكانهما. والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها النعمان ويعتذر له عن وشاية وصلته، ويصفه هنا بأنه واسع السلطان والنفوذ، لا يستطيع أحد أن يخرج من دائرة نفوذه، أو يفر من سطوته، كالليل لا يفر منه أحد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
6-
هناك مواقع إعرابية يصلح لها المصدر الصريح دون المؤول، وهي المدونة في رقم4 من هامش ص 410 بعنوان:"ملاحظة".
د- من المعلوم1 أن المصدر الصريح "مثل، أكْل، شُرْب، قيام، قعود" لا يدل على زمن مطلقًا، وكذلك المصدر المؤول الذى يكون نتيجة سبك الحرف المصدري وصلته؛ فإنه -وقد صار مصدرًا- لا يدل بنفسه على زمن مطلقًا. ولكن تبقى الدلالة على الزمن ملحوظة، ومستفادة من العبارة الأصلية التي سبك منها؛ فكأنه يحمل في طيه الزمن الذي كان في تلك العبارة قبل السبك. أما هو فلا يدل بذاته المجردة على زمن. وبالرغم من هذا لا يمكن معه إغفال الزمن السابق على السبك، وخاصة بعد أن عرفنا أن ذلك الزمن قد يكون سببًا من أسباب اختيار المصدر المؤول دون الصريح؛ ففي نحو: شاع أنْ نهض العرب في كل مكان، نقول:"شاع نهوض العرب في كل مكان"، فيكون زمن النهوض ماضيًا على حسب الزمن الذي في الأصل قبل التأويل، لا على حسب المصدر المؤول ذاته؛ فإنه مجرد من الزمن. أما في مثل:"الشائع أن ينهض العرب في كل مكان" فيكون المصدر المؤول هو: "الشائع نهوض العرب"، أيضًا فيكون زمن النهوض هنا مستقبلًا؛ مراعاة للزمن الذي في العبارة الأولى. لهذا كان المصدر المؤول من "أنْ" وصلتها ملاحظًا فيه الزمن الماضى أو المستقبل على حسب نوع الفعل الذي دخل في السبك؛ أماضٍ هو فيلاحظ المضي بعد التأويل؟ أم مضارع فيلاحظ الزمن بعد التأويل مستقبلًا؟ ولا يكون للحال؛ لأن المضارع المنصوب "بأن" يتخلص للاستقبال، ولا يكون للحال2. ومثلها:"لو" المصدرية فإنها بمعناها تخلص زمنه للاستقبال وإن كانت لا تنصبه -كما تقدم عند الكلام عليها3- وكذا: "ما" المصدرية فإنها لا تنصبه، وإذا دخلت على جملة مضارعية كان المصدر المنسبك منها ومن صلتها للحال، غالباً، وقد تكون لغيره5.
1 كما سبق في رقم1 ص417.
2 وقد سبق أن النواصب والجوازم والسين وسوف.... تخلص المضارع للاستقبال "راجع ص 59، 60 وما بعدهما".
3 في رقم3 من هامش ص413.
4 في ص58 وفي رقم4 من هامش ص411.
5 جاء في شرح المفصل ج8 ص144 ما يقطع بأن زمن المصدر المنسبك من "أن" وصلتها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما "كي" فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها مستقبل الزمن، وذلك على أساس أنها لا تدخل إلا على المضارع فتنصبه، وتخلصه للزمن المستقبل فقط، وذلك شأن النواصب كلها، فيلاحظ الاستقبال في المصدر المؤول منها ومن صلتها.
وأمام "أنّ""المشددة النون" فالمصدر المنسبك منها من صلتها يكون على حسب دلالة الصلة؛ فقد يكون مستقبلا إذا كان خبرها دالا على ذلك؛ كالمضارع الخاص بالاستقبال لوجود قرينة، في مثل؛ أعرف أن محمدًا يسافر غدًا؛ وهي كلمة؛ "غد" وقد يكون دالا على الحال لوجود قرينة؛ في مثل: أعرف أن عالما يقرأ الآن؛ وهي كلمة: "الآن" وقد يكون دالا على الماضى نحو شاع أن العدو انهزم. وقد يكون خاليًا من الدلالة الزمنية في مثل: المحمود أن الجو معتدل والمعروف أن الصدق فضيلة.
= الجملة الفعلية يكون إما ماضيًا، وإما مستقبلًا على حسب نوع الذي في صلتها. أما زمن المصدر المنسبك من "ما" وصلتها فمعناه الحال. فهل يكون للحال دائمًا ولو كان الفعل ماضيًا؟ الأمر غامض. والرأي أنه للحال ما لم تقم قرينة على غيره، فيراعي ما تدل عليه القرينة وهذا يوافق ما جاء في الجزء الثاني من حاشية الصبان والخضري، أول باب: إعمال المصدر" ففي الخضري ما نصه:
"مقتضى كلام الشارح أن "ما" لا تقدر معغ الماضي ولا المستقبل، وليس كذلك. بل هي صالحة للأزمنة الثلاثة، إلا أن يقال إنما خصوها. بذكر الحال، لتعذره مع "أن" ولأن دلالة: "أن" مع الماضي على المضي ومع المضارع على المستقبل أشد من دلالة: "ما" عليهما".
وفي حاشية الصبان ما لا يخرج في مضمونه عما سبق.