الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب:
النكرة والمعرفة
المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة
أ- فى الحديقة رجلٌ - تكلم طالبٌ - قرأت كتابًا - مصر يخترقها نهرٌ.
ب- أنا فى الحديقة - تكلم محمودٌ - هذا كتابٌ - مصر يخترقها نهر النيل.
لكلمة: "رجل" -في التركيب الأول، وأشباهها- معنى يدركه العقل سريعًا، ويفهم المراد منه بمجرد سماعها، أو رؤيتها مكتوبة، لكن هذا المعنى العقلي المحض والمدلول الذهني المجرد عن مُعَين؛ ولا محدَّد في العالمَ الواقعي، عالم المحسوسات والمشاهد، وهو الذي يسمونه: العالمَ الخارجي عن العقل والذهن.
والسبب: أن ذلك المعنى الذهني المجرد؛ أي: "المعنى العقلي المحض" إنما ينطبق في عالم الحس والواقع على فرد واحد،. ولكنه فرد له نظائر كثيرة تشابهه في حقيقته1،
1 يراد بالحقيقة هنا ما أشرنا إليه في صفحتي 24، 288:"مجموعة الصفات الذاتية، "أي: الأساسية الأصلية" التي يتكون منها الشيء، وتميز جنسًا من جنس، ونوعًا من نوع: ولولاها لتشابهت أفراد كل، واختلطت". فحقيقة الإنسان هي، مجموعة الصفات الذاتية الخاصة به، والتي تميز نوعه من نوع آخر، كالطائر مثلًا- وتجعله نوعًا مستقلًا منفصلًا، وتلك الصفات الذاتية في الإنسان هي: الحيوانية والنطق معًا. وحقيقة الحيوان هي: صفاته الذاتية الخاصة به، والتي تفصل جنسه عن جنس آخر، كالنبات، وتفرق بينهما وهكذا
…
وتلك الصفات الذاتية في الحيوان هي: الحياة التي مصدرها الروح والحركة الاختيارية
…
ومن مجموع تلك الصفات الذاتية للشيء تنشأ حقيقته، وتتكون صورته في الذهن أيضًا. لكن كيف تنشأ تلك الصورة الذهنية المحضة؟
يجب عن هذا علماء المنطق بقولهم الذي أشرنا إليه في صفحتي24، 288.
إن الإنسان حين يرى النخلة -مثلًا- أول مرة في حياته، يستخدم حواسه في كشف حقيقتها، ويسأل عنها غيره، حتى يعرف أنها شجرة، وأنها تسمى: النخلة، ويراها مرات بعد ذلك فيقوى إدراكه لها. ثم يرى شجرة "برتقال" على النحو السالف، وشجرة "ليمون" وشجرة "يوسفي" وشجرات أخرى كثيرة، فينتهي عقله إلى معرفة صفات ذاتية مشتركة بين تلك الأشجار المختلفة النوع، ويرسم العقل من مجموع تلك الصفات صورة خيالية للشجرة -أي شجرة كانت- بحيث تنطبق تلك الصورة الخيالية على كل شجرة مهما كان نوعها. فهو قد اهتدى أولًا إلى أن الصفات الذاتية المشتركة بين الشجرات الكثيرة هي: الجذور، والجذوع، والفروع، والثمر، والورق
…
ثم أنشأ من مجموعها صورة خاصة لما يسمى: "شجرة" فحين يسمع المرء كلمة: "شجرة" يسرع عقله فيدرك المراد منها، وهو تلك =
وتماثله في صفاته الأساسية؛ فكأنه فرد واحد متكرر الصور والنماذج المتشابهة التي ينطبق على كل منها معنى: "رجل" ومدلوله؛ فإن معناه يصدق على: محمد، وصالح، وفهيم
…
، وآلاف غيرهم. فهو خال من التحديد الذى يجعل المدلول مقصورًا على فرد مُتميِّز من غيره، مستقل بنفسه؛ لا يختلط وسط أفراد أخرى تماثله. وهذا معنى قولهم:"مُبْهَم الدَّلالة"؛ أي: أنه ينطبق على فرد شائع بين أفراد كثيرة من نوعه، تشابهه فى حقيقته، يصح أن يطلق على كل منها اسم:"رجل" ويستحيل في عالم الحسن تعيين أحدها، وتخصيصه وحده بهذا الاسم.
لكن إذا قلتُ: "أنا في الحديقة"، فإن الشيوع يزول؛ والإبهام يختفي؛ بسبب تحديد المدلول، وحصره في واحد معين؛ هو: المتكلم؛ فلا ينصرف الذهن إلى غيره، ولا يمكن أن ينسب الوجود في الحديقة لسواه.
= الصورة التي سبق له أن رسمها من مجموع الصفات الذاتية المشتركة، ولا يدرك سواها، ولا يخصص شجرة معينة، كشجرة نخيل، أو برتقال، أو ليمون، أو غيرها، ولا يستحضر في داخله- غالبا غير تلك الصورة الخيالية التي ابتكرها، وكونها من قبل، والتي يسميها العلماء حينا:"الصورة العقلية المجردة: وحينا: "الصورة الذهنية المجردة" أو: "الحقيقة الذهنية المحضة" أي: التي لا يحتاج العقل في إدراكها إلى استحضار صورة شجرة معينة، أو استرجاع نموذج من الشجرات الأولى التي كانت أوصافها الذاتية المشتركة سببا في تكوين الصورة الذهنية لما يسمى: "شجرة".
فالصورة التي رسمها العقل هي صورة خيالية محضة، لا وجود لها في عالم الحس والواقع، على الرغم من أنه انتزع عناصر تكوينها من نماذج وأشياء محسوسة مشاهدة، يستقل كل منها بنفسه، وينفرد عن غيره، لكنها تشابه في صفات ذاتية مشتركة بين الجمع- كما سبق- وكل واحد من تلك النماذج والأشياء المتشابهة يسمى:"حقيقة" خارجية": لأنه المدلول الحسي، والمضمون الواقعي للحقيقة الذهنية، مع خروجه عن دائرة الذهن المجردة: بسبب وجوده فعلا في دائرة الحسن والمشاهدة، فكل واحدة من شجرة النخيل، أو البرتقال، أو الليمون، أو
…
تصلح أن تكون المدلول الحسي المقصود من كلمة: "شجرة" التي هي حقيقة ذهنية وإن شئت فقل: إن كل واحد من تلك الأشياء يصلح أن يكون الحقيقة الخارجية التي هي مضمون الحقيقة الذهنية، ومدلولها المقصود، وأن الحقيقة الذهنية تنطبق في خارج الذهن على كل واحد من تلك الأشياء، وتصدق عليه.
ومما سبق نعلم أن مجموع الصفات الذاتية المشتركة بين أفراد الحقيقة الخارجية هو الذي يكون الحقيقة الذهنية المحضة، وأن مدلول الحقيقة الذهنية المحضة ينطبق على كل فرد من أفراد الحقيقة الخارجية، ويصدق عليه، دون تخصيص فرد أو تعيينه، كما سيجيء في هذا الباب عند الكلام على "اسم الجنس" وعلم الجنس"، ص 288.
وإذا قلنا: تكلّم طالب؛ فإن كلمة: "طالب" اسم، له معنى عقلي، ومدلول ذهني. ولكن مدلوله الخارجي "أي: الذى في عالم الحس والواقع؛ خارجًا عن العقل والذهن وبعيدًا منهما"، غير محصور في فرد خاص يمكن تعيينه وتمييزه من أشباهه؛ وإنما ينطبق على: حامد، وحليم، وسَعد، وسعيد
…
وآلاف غيرهم ممن يصدق على كل واحد منهم أنه: "طالب": ويشترك مع غيره في هذا الاسم فهو اسم يدل على فرد، ولكنه فرد شائع بين أشباه كثيرة، متماثلة في تلك الحقيقة التي أشرنا إليها، والتي يقال لكل فرد منها إنه:"طالب" فمعناه مبهم؛ ودَلالته شائعة، كما سبق.
لكن إذا قلنا: "تكلم" محمود؛ فإن الشيوع والإبهام يزولان؛ بسبب كلمة: "محمود" التي تدل على فرد بعينه؛ والتي تمنع الاشتراك1 التام في معناها ومدلولها.
ومثل هذا يقال في: "قرأت كتابًا"؛ فإن لفظ: "كتاب" اسم شائع الدَّلالة، غامض التعيين؛ إذ لا يدل على كتاب خاص يتجه الفكر إليه مباشرة دون غيره من الكتب؛ فهو يصدق على كتاب حساب، وكتاب هندسة، وكتاب أدب، وكتاب لغة
…
، كما يصدق على كتاب محمود، وكتاب فاطمة، وغيرهما
…
لكن إذا قلنا: "هذا كتاب" تعَّين الكتاب المراد، وتحدد المطلوب، بسبب الإشارة إليه. وأنه هو المقصود دون غيره من آلاف الكتب.
وكذلك يقال في المثال الأخير: "مصر يخترقها نهر". فأي نهر هو؟ قد يكون نهر النيل، أو دِجْلة، أو الفُرات، أو غيرها من مئات الأنهار التى يصدق على كل منها أنه:"نهر"؛ لأن الاسم غامض الدلالة؛ لانطباقه على كل فرد من أمثاله فإذا قلنا: "مصر يخترقها نهر النيل"؛ زال الشيوع، واختفى الغموض؛ بسبب الكلمة التي جاءت بعد ذلك؛ وهي:"النيل".
فكلمة: رجل: وطالب وكتاب، ونهر، وأشباهها، تسمى: نكرة، وهي:"اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين"؛ بسبب شيوعه بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه في حقيقته، ويصدق على كل منها اسمه. وهذا معنى
1 قد تكون كلمة: "محمود" مشتركة بين عدة أفراد، ولكن هذا الاشتراك محدود ضئيل بالنسبة للشيوع والاشتراك في النكرة، فلا يسلب العلم التعيين والتحديد جملة، ولا يجعله غامضًا مبهمًا كالغموض والإبهام اللذين في النكرة المحضة، مثل كلمة: رجل.
قولهم "النكرة شيء شائع بين أفراد جنسه"1. ومن أمثلتها غير ما سبق الكلمات التى تحتها خط: سمعت عصفورًا -ركبت سفينة كتبت رسالة قطفت زهرة2
…
أما لفظ "أنا" و"محمود"، و"هذا"، و"نهر"، "والنيل" وأمثال ما في:"ب" فيسمى: معرفة؛ وهي: "اسم يدل على شيء واحد معين"؛ لأنه متميز بأوصاف وعلامات لا يشاركه فيها غيره من نوعه. ومن أمثلتها غير ما سبق: سمعت تغريد "عصفوري"، "هذه" سفينة ركبتها، كتبت "الرسالة"
…
وللنكرة علامة تُعرف بها؛ هي: أنها تقبل دخول: "أل"3 التى تؤثر فيها فتفيدها التعريف، أي: التعيين وإزالة ما كان فيها من الإبهام والشيوع. وبهذه العلامة ندرك أن كل كلمة من الكلمات السابقة وهي: رجل، طالب، كتاب
…
"، نكرة، لأنها تقبل دخول "أل" التى تَكسبها التعريف. تقول: الرجل شجاع، الطالب نافع، الكتاب نفيس
…
وقد صارت هذه الكلمات معارف بعد دخول: "أل".
وربما كانت الكلمة في ذاتها لا تصلح لدخول "أل" عليها مباشرة، وإنما تدخل على كلمة أخرى بمعناها، بحيث تصلح كل واحدة منهما أن تحل محل الأخرى؛ فلا يتغير شيء من معنى الجملة: مثل: كلمة "ذو"، فإنها بمعنى:"صاحب"، تقول: أنت رجل ذو خُلق كريم، والمحسن إنسان ذو قلب رحيم، فكلمة:"ذو" نكرة لا شك في تنكيرها؛ مع أنها لا تقبل "أل" التي تفيدها التعريف. ولكنها بمعنى كلمة أخرى تقبل "أل"، وهي كلمة:"صاحب"4
1 ويسميها أيضًا بعض العلماء: "اسم الجنس". وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه عند الكلام على العلم- ص 288 كما سيأتي أنها قسمان محضة وغير محضة، وتعريف كل "ص213".
2 مما يدخل في حكم النكرة الجمل والأفعال -كما في رقم1 من هامش ص47 والبيان في رقم1 من هامش ص 213.
3 كلمة: "أل" هنا علم على اللفظ المعين المكون من الهمزة واللام، فهمزته همزة قطع، يجب كتابتها، والنطق بها تطبيقًا للبيان الجلي الذي في رقم1 من هامش ص421 وفي "أ" من ص306.
4 كلمة: "صاحب" هنا ليست اسم فاعل معناه مصاحب؛ لأن معناها الأصلي الدال على التجدد والحدوث قد أهمل. وغلبت عليها "الاسمية" المحضة، فألحقت بالأسماء الجامدة، ولذلك لا تعمل، فـ "أل" الداخلة عليها للتعريف، وليست بالموصولة التي تدخل على اسم الفاعل ونحوه من المشتقات التي تعمل.
ملاحظة: جميع المشتقات إذا صارت أعلاما، تكون في حكم الأسماء الجامدة- كما سبق في رقم 3 من هامش ص 139 وآخره من هامش ص 143.
التي يصح أن تحل محل كلمة: "ذو"1.
ومن هنا كانت "ذو" نكرة؛ لأنها -وإن كانت لا تقبل "أل"- يصح أن تحل محل كلمة؛ "صاحب" التى تقبل "أل"، وتقع في الجملة مكانها، من غير أن يترتب على ذلك إخلال بالمعنى1.
فعلامة النكرة -كما سبق- أن تقبل بنفسها "أل " التي تفيدها التعريف، أو تقع موقع كلمة أخرى تقبل:"أل" المذكورة2.
"1و 1" ومثل: "ذو" كلمات أخرى لا تقبل بنفسها "أل" ولكنها تقع موقع كلمات تقبلها. ومن ذلك: "أحد" التي همزتها أصلية، وليست منقلبة عن واو، ومعناها: إنسان -وغيره- وهذه لا تستعمل إلا بعد نفي. أما التي همزتها منقلبة عن واو، وأصلها:"وحد" التي منها كلمة: "واحد" أول الأعداد كالتي في قوله تعالى: {قل هو الله أحد} أي: واحد: فإن هذه التي بمعنى: "واحد" تقع بعد النفي والإثبات، بخلاف كلمة:"أحد" التي همزتها أصلية، فإنها لا تقع إلا بعد نفي -كما تقدم- وكما في التصريج ج1- أول باب النكرة والمعرفة.
ومن ذلك: "عريب" و "ديار" تقول: ما في البيت أحد، وعريب، أو ديار. ومعنى الجمع: ما في البيت أحد، كما سيجيء في ص588 فهي كلمات لا تستعمل إلا بعد نفي في الأغلب، وهي متوغلة في الإبهام، فلا تكون معرفة ولا تقبل "أل" التي للتعريف، ولها واقعة موقع ما يقبلها، وهو: إنسان، مثلًا
…
وكذا "من" و "ما، إذا كانا بمعنى: "شيء، أي شيء" سواء أكان ذلك الشيء إنسانًا أم غير إنسان، تقول: سافرت إلى من مسرور بك، أي: إلى إنسان مسرور بك ولعبت بما مفيد لي. أي: بشيء مفيد لي، فكلمة، "من" و "ما" وأشباههما- نكرات، لأنها لا تقبل أل، ولكنها واقعة موقع ما يقبلها، وهو هنا: إنسان، وشيء. والدليل على أن الكلمات الثلاث نكرات، وقوع كل منها موصوفة للنكرة في الأمثلة السابقة.
وقد تكون "من" و "ما" أداتين للشرط، مثل: من يتقن عمله يدرك غايته. وما تفعل من خير يرجع إليك أثره. ومعناهما كل إنسان يتقن
…
وكل شيء تفعله
…
وقد يكونان للاستفهام، مثل: من حضر؟ وما رأيك؟ ومعناهما: أي إنسان حضر؟ وأي شيء رأيك؟ فالأصل في أسماء الشرط والاستفهام أن تقع موقع ذات، أو زمان، أو مكان، أما تضمنهما الشرط أو الاستفهام فأمر زائد على أصل وضعهما.
كما سبق في ص 89 عند الكلام على الحروف.
ومن تلك الكلمات أيضا أسماء الأفعال النكرات، مثل:"صه بالتنوين، فإنه واقع موقع "سكونا" أي: موقع: المصدر الدال على الأمر، أو موقع: اسكت، الدال على ذلك المصدر
…
2 على الرغم من أن النحاة ارتضوا هذه العلامة فإن المحققين منهم انتهوا بعد مناقشات طويلة إلى أنها ليست صالحة أحيانًا لتحقيق الغرض منها، وبأن العلامة الوافية بالغرض هي استقصاء المعارف، وما يكون خارجًا من دائرتها فهو النكرة حقًّا؛ لأن الوصول إلى النكرة من غير هذا الطريق غير مضمون فوق ما فيه من عسر وتكلف.
وبديهٌ أن هذه العلامة لا تَدْخل المعرفة، ولا توجد فيها؛ لأن "ألْ" تفيد التعريف، كما أشرنا، والمعرفة ليست في حاجة إليه؛ فقد اكتسبته بوسيلة أخرى سنعرفها. فإن ظهرت "أل" في بعض المعارف فليست "أل" التي تفيد التعريف، وإنما هي نوع آخر؛ جاء لغرض غير التعريف، سيُذكَر في مكانه1.
والمعارف سبعة:
1-
الضمير، مثل: أنا، وأنت، وهو
…
2-
العلم، مثل: محمد، زينب....
3-
اسم الإشارة: مثل: هذا، وهذه، وهؤلاء
…
4-
اسم الموصول، مثل: الذى، والتي
…
5-
المبدوء بأل المُعّرفة "أي: التى تفيد التعريف"، مثل: الكتاب، والقلم، والمدرسة إذا كانت هذه أشياء معينة
…
6-
المضاف إلى معرفة؛ مثل: بيتي قريب من بيتك وكذلك نهر النيل في أمثلة "ب"
…
وهذا بشرط أن يكون المضاف قابلًا للتعريف؛ فلا يكون من الألفاظ المتوغلة في الإبهام2 التي لا تتعرف بإضافة، أو غيرها، كلفظ غير، ومثل -فى أغلب أحوالهما.
7-
النكرة المقصودة من بين أنواع المنادى3. مثل: يا شُرْطيّ، أو: يا حارس؛ إذا كانت تنادي واحدًا معينًا4، تتجه إليه بالنداء، وتقصده دون
1 ستجيء أنواع "أل" في ص 421م 30.
2 اللفظ المتوغل في الإبهام هو الي لا يتضح معناه إلا بآخر ينضم له، ويزاد عليه، ليزيل إبهامه، أو يخلف من شيوعه، كإضافته إلى معرفة تعرفه أو تخصصه. ولكن الأغلب أنه لا يستفيد التعريف من المضاف إليه المعرفة إلا بأمر خارج عن الإضافة، كوقوع كلمة:"غير" بين متضادين معرفتين، كالتي في قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}
وستجيء لهذا إشارة في: "أ" من ص423 أما تفصيل الكلام عليه ففي باب الإضافة ج3 م93 ولا سيما رقم4 من هامش ص24.
3 أنواع المنادى خمسة يتعرف منها بالنداء نوع واحد -في الرأي الأرجح- هو: النكرة المقصودة دون غيرها.
وسيجيء تفصيل الكلام عليها في باب النداء أول الجزء الرابع.
4 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله في باب: "النكرة والمعرفة":
نكرة قابل "أل" مؤثرا
…
أو واقع موقع ما قد ذكرا
وغيره معرفة، كهم، وذي
…
وهند، وابني، والغلام، والذي
يريد: أن النكرة اسم قابل "أل" أي: قابل لفظ "أل" الذي يؤثر فيها التعريف
…
"اسم "أل" يراد به هنا: "اللفظ" فهو مذكر، وقد يراد به في صيغة أخرى: "الكلمة، فيكون مؤنثا".
غيره؛ ذلك أن كلمة: "شُرْطيّ" وحدها. أو كلمة: "حارس" وحدها، نكرة؛ لا تدل على معين. ولكنها تصير معرفة عند النداء؛ بسبب القصد -أي: التوجه- الذى يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره1.
هذا، ولكن معرفة من المعارف السبعة السابقة باب مستقل سيجيء مشتملًا على كل ما يخصها من تفصيلات وأحكام.
1 المعرفة تدل على التعيين. وفي هامش ص295 بيان وزيادة إيضاح المقصود من التعيين والتخصيص، ولكن المعارف تختلف في درجة التعيين والتعريف، فبعضها أقوى من بعض. وآراء النحاة متضاربة في ترتيبها من حيث القوة. وأشهر الآراء: أن أقواها بعد لفظ الجلالة وضميره- هو: ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم، وهو درجات متفاوتة القوة في درجة التعريف. ويلحق بعلم الشخص في درجة التعريف العلم بالغلبة، ثم ضمير الغائب الخالي من الإبهام:"بأن يتقدمه اسم واحد معرفة أو نكرة، نحو: حين رأيته، ورجل كريم لاقيته. فلو تقدمه اسمًا أو أكثر ولم يتعين مرجعه بسبب هذا التعدد وعدم القرينة التي تحدده- نحو: قام محمود وحامد فصاحته- تسرب إليه الإبهام، ونقص تمكنه من التعريف"، ثم اسم الإشارة، والمنادي "النكرة المقصودة" وهما في درجة واحدة؛ لأن التعريف بكل منهما يتم إما بالقصد الذي يعينه المشار إليه، وإما بالتخاطب كما سيجيء في "ب" من ص440 ثم الموصول، والمعرف بأل، وهما في درجة واحدة، أم مضاف إلى معرفة فإنه في درجة المضاف إليه. إلا إذا كان مضافًا للضمير. فإنه يكون في درجة العلم -على الصحيح.
وأقوى الأعلام أسماء الأماكن، لقلة الاشتراك فيها، ثم أسماء الناس، ثم أسماء الأجناس.
وأقوى الأسماء الإشارة ما كان للقرب، ثم ما كان للوسط، ثم ما كان للبعد.
وأقوى أنواع "أل" التي للعهد ما كانت فيه للعهد الحضوري، ثم ما كانت فيه النوعين الآخرين من العهد، ثم للجنس. "راجع شرح التصريح وحاشيته، ثم المفصل ج5 ص 87".
حكم الجمل وأشباهها بعد المعارف والنكرات:
الجملة نوعان1، وشبهها نوعان2 كذلك. فإذا وقع أحد الأربعة بعد النكرة المحضة3 فإنه يعرب صفة، وبعد المعرفة المحضة4 يعرب حالًا5؛ فمثال الجملة الفعلية بعد النكرة المحضة: حضر عني "يحسن إلى المحتاج". ومثال الجملة الاسمية حضر عني "إحسانه غامر". ومثال الظرف: رأيت طائرًا "فوق" الغصن. ومثال الجار مع المجرور: رأيت بلبلًا "في قفصه".
1 الجملة نوعان، اسمية وفعلية وهي بنوعيها في حكم النكرات "كما أشرنا في 1 من هامش ص47 وفي رقم1 هامش ص213" وكذلك الأفعال. وقد ورد هذا في مراجع مخففة، منها: حاشية "ياسين" على التصريح، أول باب:"النكرة والمعرفة"، حيث قال ما نصه:"أما الجمل والأفعال فليست نكرات، وإن حكم لها بحكم النكرات. وما يوجد في عبارة بعضهم أنها نكرات فهو تجوز" اهـ. ويقول شارح المفصل "ج3 ص 141" ما نصه: "إن وقوع الجملة نعتا للنكرة دليل على أن الجملة نفسها نكر’، إذ لا يصح أن توصف النكرة بالمعرفة
…
" اهـ.
وسواء أكانت نكرة أم في حكم النكرة فالخلاف شكل لا أهمية له، وقد أشرنا للمسألة السالفة في مواضع مختلفة من أجزاء الكتاب - ومنها ج2 رقم3 من هامش ص311 م84 ومنها: ج3 ص24 م93 وص349، 354 م 114.
2 هما: الظرف والجار مع مجروره.
3 النكرة المحضة: هي التي يكون معناها شائعا بين أفراد مدلولها، مع انطباقه على كل فرد، مثل كلمة "رجل" فإنها تصدق على كل فرد من أفراد الرجال، لعدم وجود قيد يجعلها مقصورة على بعضهم، دون غيره. بخلاف:"رجل صالح" فإنها نكرة غير محضة، لأنها مقيدة تنطبق على بعض أفراد من الرجال، وهم الصالحون، دون غيرهم. فاكتسبت فهذا التقييد شيئا من التخصيص، والتحديد، وقلة العدد بسبب الصفة التي يعدها، والتي جعلتها أقل إبهاما وشيوعا من الأولى ومثل الصفة غيرها من كل ما يخرج النكرة من عمومها وشيوعها الأكمل إلى نوع من التحديد وتقليل أفرادها، كإضافة النكرة الجامدة إلى نكرة أخرى- كما سيجيء في باب:"الإضافة" وكوقوعها نعتا لنكرة محضة، أو وقوعها حالا، أو غير هذا من سائر القيود.
وإذا كانت النكرة محضة سميت: "نكرة تامة"، أي: كاملة التنكير، لم تنقص درجة تنكيرها بسبب وجود نعت أو غيرها مما يقيد إطلاقها، ويخفف إبهامها. ومن النكرات التامة:"ما" التعجبية- كما ستجيء في باب: "التعجب جـ3 م 108- وإذا كانت غير محضة سميت: "نكرة ناقصة". وعلى هذا فالنكرة إما تامة، وإما ناقصة: فهي قسمان من هذه الناحية.
4 والمعرفة المحضة هي الخالية من علامات تقربها من النكرة، كوجود "أل الجنسية" في صدرها والمعرفة قسمان:"تامة": وهي التي تستقل بنفسها في الدلالة الكاملة على معين، كضمير المتكلم، وكالعلم.... و..... "ناقصة" وهي التي تحتاج في أداء تلك الدلالة الكاملة إلى شيء معها، كاسم الموصول، فإنه يحتاج للصلة دائما.
5 انظر التفصيل والبيان الهام في "أ" ص 215.
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة المحضة: أقبل خالد "يضحك". ومثال الاسمية: أقبل خالد "وجهه مشرق". ومثال الظرف: أبصرتُ طائرتنا "فوق" السحاب. ومثال الجار مع المجرور: أبصرت طائرتنا "في وسط" السحاب.
أما إذا كانت النكرة غير محضة، أو المعرفة غير محضة، فإنه يجوز فيما بعدهما من جمل وشبه جمل أن يعرب "صفة" أو"حالًا"؛ تقول في الأمثلة السابقة بعد غير المحضة: حضر غني كريم "يحسن إلى المحتاج"، وحضر غني كريم "إحسانه غامر"، ورأيت طائرًا جميلًا "فوق" الغصن، ورأيت بلبلًا شجيًّا "في قفصه"
…
ومثال الجملة الفعلية بعد المعرفة غير المحضة: يروقني الزهْر يفوح عطره، بإدخال "أل الجنسية"1 على الاسم. ومثال الاسمية بعدها: يروقني الزهر عطرُه فوّاح. ومثال الظرف: يروقني الثمر فوق الأغصان. ومثال الجار مع مجروره: يسرني الطير على الأغصان، فوجود "أل" الجنسية" في أول الاسم جعله صالحًا للحكم عليه بأنه معرفة أو نكرة، على حسَب الاعتبار الذى يوجَّه لهذا أو لذاك1.
"1، 1" طبقا للبيان الذي في: "ج" من 216 - هذا، وتفصيل الكلام على "أل" الجنسية وتوضيح أحكامها في ص 425.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- يجوز اعتبار شبه الجملة بنوعيه "الظروف والجار مع مجروره" صفة بعد المعرفة المحضة على تقدير متعلقة معرفة. وقد نص على هذا الصبان -ج1 أول باب النكرة والمعرفة- حيث قال: "أسلفنا عن الدماميني جواز كون الظرف "ويراد به في مثل هذا التعبير: شبه الجملة بنوعيه" بعد المعرفة المحضة صفة، بتقدير متعلقه معرفة". اهـ. أي: أن المتعلق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف في التعريف. ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنينا به عن المتعلَّق تيسيرًا وتسهيلاً -طبقًا لما سيجيء فى رقم1 من هامش ص347 وما بعدها وفي هامش ص431 بالإيضاح والشرط المسجلين هناك.
وإذا كان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحًا لأن يكون صفة على الوجه السالف، وهو صالح أيضًا لأن يكون حالًا بعدها كصلاحه للوصفية والحالية أيضًا بعد النكرة غير المحضة -أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هي: "شبه الجملة يصلح دائمًا أن يكون حالًا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة، وكذلك بعد النكرة بشرط أن تكون غير محضة- أو يقال: إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة فإنه يصلح أن يكون حالًا، أو صفة: إلا فى صورة واحدة هي أن تكون النكرة محضة؛ فيتعين أن يكون يعدها صفة ليس غير.
ومما هو جدير بالملاحظة أن جواز الأمرين فيما سبق مشروط بعد وجود قرينة توجب أحدهما دون الآخر، حرصًا على سلامة المعنى. فإن وجدت القرينة وجب الخضوع لما تقتضيه، كالشأن معها في سائر المسائل. وإن لم توجد فالحكم بجواز الأمرين سائع1
ب- من الأسماء ما هو نكرة في اللفظ، معرفة في المعنى؛ مثل: كان سفري إلى الشام عامًا "أولَ". أي: في العام الذي قبل العام الذى نحن فيه. ومنه كان وصولي هنا "أولَ" من أمْسسِ. أي: في اليوم الذي قبل أمس. فمدلول كلمة: "أول" -فى الأسلوب العربي السابق- لا إبهام فيه
1 أشرنا للحكم السالف في باب "الحال" من الجزء الثاني، ص367م84 -وفي الجزء الثالث "باب التعجب" ص 460م 114.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا شيوع؛ ولكنه لا يستعمل فيه إلا نكرة؛ محاكاة للأساليب الفصيحة الباردة وتجري عليه أحكام النّكرة، كأن يكون موصوفة نكرة1
…
ومن الأسماء ما هو معرفة في اللفظ، نكرة في المعنى، مثل:"أسامة""أيْ: أسد": فهو علم جنس على الحيوان المفترس المعروف، وهو من هذه الجهة التى يراعى فيها لفظه، شبيه بالعَلم:"حمزة" - وغيره من الأعلام الشخصية - في أنه لا يضاف، ولا تدخله "أل"، ويجب منعه من الصرف، ويوصف بالمعرفة دون النكرة، ويقع مبتدأ، وصاحب حال2
…
ولكنه من جهة أخرى معنوية غير معين الدلالة؛ إذ مدلوله شائع بين أفراد جنسه، مبهم: فهو مثل كلمة: "أسد" في الدلالة3.
ج- ومن الأسماء صنف مسموع يصلح للحالين بصورته المسموعة عن العرب مثل كلمة: "واحد" في قولهم: "واحد أمِّه". ومثل كلمة: عبد، في قولهم:"عبد بطنِه"؛ فكل واحدة منهما يصح اعتبارها معرفة؛ لإضافتها للمعرفة، ويصح اعتبارها نكرة منصوبة على الحال عند النصب. ومثلهما: المبدوء "بأل" الجنسية4؛ مثل: الإنسان أسير الإحسان، فهومن ناحية المظهر اللفظى معرفة؛ لوجود "أل" الجنسية. ومن جهة المعنى نكرة، لشيوعه؛ ولأن معناه عام مبهم؛ فكأنك تقول: كل إنسان
…
وكل إحسان
…
؛ فلا تعيين، ولا تحديد، فهوصالح للاعتبارين كما سبق5 وستجئ إشارة لهذا فى باب الحال جـ2 ص 311 م 84؟ وفى باب النعت جـ3 ص380 م114؟
1 سيجيء لها بيان آخر في باب: "الظروف" ج2 ص265، 266م 79 وفي ج3 ص 149 149 و 152 م 95 باب:"الإضافة".
2 لأن الغالب على المبتدأ وصاحب الحال أن يكونا معرفتين، إلا في مواضع محددة معروضة في بابيهما.
3 سيجيء الإيضاح الوافي لعلم الجنس، ومعناه، وأحكامه -في هذا الباب عند الكلام على العلم بنوعيه، الشخصي والجنسي "ص286 وما بعدها".
4 راجع أحكامها في ص425 وما بعدها.
5 راجع حاشية ياسين "ج1" أول باب: النكرة والمعرفة. وكذلك الهمع ج1 ص54، أول هذا الباب، حيث قال بعد كلامه على ما فيه "أل الجنسية" إنه:
"من قبل اللفظ معرفة، ومن قبل المعنى - لشياعه- نكرة، ولذلك يوصف بالمعرفة اعتبارا بلفظه، وبالنكرة، اعتبارا بمعناه.....".
لكنه لم يقيد نوع الوصف بمفرد أو غير مفرد، فهل يجوز وصفه بالمفرد النكرة مع وجود "أل الجنسية"؟ يبدو الأمر غريبا غير معروف لنا. أما وصفه بالجملة أو شبه الجملة فجائز. كما يجوز اعتبارهما حالين. فلا اختلاف في اعتبار الجملة وشبهها صفة أو حالا. ولعل الواجب الاقتصار في الوصف عليهما، دون الوصف بالمفرد لأسباب لغوية أخرى.