المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها ‌ ‌مدخل … المسألة الحادية والخمسون: الحروف الناسخة 1 "إن" - النحو الوافي - جـ ١

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌ الكلام وما يتألف منه

- ‌المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:

- ‌المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه

- ‌المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم

- ‌المسألة الخامسة: الحرف

- ‌ الإعراب والبناء

- ‌المسألة الثامنة: الأسماء الستة

- ‌المسألة التاسعة: المثنى

- ‌المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم

- ‌المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم

- ‌المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم

- ‌المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف

- ‌المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة

- ‌المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر

- ‌المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر

- ‌ النكرة والمعرفة

- ‌المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة

- ‌المسألة الثامنة عشرة: الضمير

- ‌المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب

- ‌المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله

- ‌المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية

- ‌المسألة الثانية والعشرون: العلم

- ‌المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم

- ‌المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها

- ‌المسألة السادسة والعشرون: الموصول

- ‌المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد

- ‌المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية

- ‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

- ‌المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة

- ‌المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة

- ‌ المبتدأ والخبر وما يتصل بهما

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر

- ‌المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة

- ‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً

- ‌المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر

- ‌المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ

- ‌المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء

- ‌نواسخ الابتداء "كان وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير

- ‌المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها

- ‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

- ‌المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان

- ‌المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب

- ‌ الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ

- ‌ أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء

- ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها

- ‌لا" النافية للجنس

- ‌مدخل

- ‌المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف

- ‌المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا

- ‌المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها ‌ ‌مدخل … المسألة الحادية والخمسون: الحروف الناسخة 1 "إن"

‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

‌مدخل

المسألة الحادية والخمسون: الحروف الناسخة 1 "إن" وأخواتها

يراد بالحروف الناسخة هنا - سبعة أحرف2 لا شك فى حرفيتها، وهي:

1 تقدم معنى الناسخ- في أول باب: "كان وأخواتها ص 543- وبيان ما لا يصح دخول الناسخ عليه.

2 يزاد عليها: "عسى" بشرط أن تكون للرجاء "أي: بمعنى: "لعل" وبشرط أن يكون اسمها ضمير لغير الرفع، وقد سبق تفصيل الكلام عليها في أفعال الرجاء ص 621- وعلى حرفيتها في رقم 3 من هامش ص 222 وفي "من ص 628".

"3 و 3 و3" يجوز تخفيف النون في الحروف الأربعة: المختومة بالنون المشددة، "وهي: إن - أن - كان - لكن" ويترتب على هذا التخفيف أحكام تنشأ عنه، وسيجيء ذكرها تفصيلا في بحث خاص بها، ص 673.

4 مع اعتبار الأداة كلها كلمة واحدة، ولا التفات لما يقال عن أصلها:"الكاف، وأن""5 و5" تختص "ليت" و "لعل" دون أخواتهما بأنهما لا يكونان إلا في أسلوب إنشائي - كما سبق في رقم 2 من هامش ص 374، وكما يجيء عند الكلام عليهما في رقم 1 و 3 من هامش 635 ولكن نوع الإنشاء معها مختلف فهو "طلبي" مع:"ليت" و "غير طلبي" مع "لعل".

6 ص 685.

ص: 630

وكل واحد من هذه السبعة يدخل على المبتدأ والخبر بأنواعهما1 وأحوالهما؛ فيتناولهما بالتغيير فى اسمهما، وفى شئ من ضبط آخرهما؛ إذ يصير المبتدأ منصوباً، ويسمى: اسم الناسخ، ويبقى الخبر مرفوعاً، ويسمى؛ خبر الناسخ، كالأمثلة المذكورة2.

ولكل واحد من تلك الحروف معنى خاص يغلب فيه؛ فالغالب فى: "إنّ" وأنّ": التوكيد3، وفى "لكنّ"

1 انظر "لملاحظة" التي في رقم 4 من هامش ص 410، وتختص بمنع وقوع "أن" بنوعيها بعد "كان" و "إن" و "لا النافية للجنس" وكذلك لا تقع "ما المصدرية" بعد النواسخ الثلاثة السابقة. وهناك شرط يبيح الوقوع في بعض الصور السابقة....

2 تختلف هذه النواسخ عن "كان" وأخواتها" في أمور ثلاثة:

أولها: أن هذه النواسخ حروف: أما "كان" وأخواتها فمنها الأفعال، مثل: كان، وأصبح، وأضحى.... ومنها الحروف، مثل: ما - لا- لا إن.... ومنها الأسماء، وهي المشتقات التي تعمل عما تلك الأفعال.

ثانيها: أن هذه النواسخ تنصب الاسم وترفع الخبر. أما تلك الاسم، وتنصب الخبر.

ثاليها: أن هذه الحروف لازمة التصدير، "أي: لا بد أن تكون في صدر جملتها" إلا "أن" المفتوحة الهمزة، المشددة النون"، فيجوز أن يسبقها شيء من جملتها، كما سيجيء في ص 637 وفي "ب" من ص 645 ويجب أن تكون مع معموليها جزءا في الإعراب من جملة أخرى. أما "كان" وأخواتها فليست لازمة التصدير

3 المراد: توكيد النسبة، أي: توكيد نسبة الخبر للمبتدأ، وإزالة الشك عنها أو الإنكار، فكلا الحرفين في تحقيق هذا الغرض بمنزلة تكرار الجملة، ويفيد ما يفيده التكرار، ففي مثل: إن المال عماد العمران....، تغني كلمة "إن" عن تكرار جملة:"المال عماد العمران"،

ومن الخطأ البلاغي استخدامهما إلا حيث يكون الخبر موضع الشك أو الإنكار. والتأكيد بهما يدل على أن خبرهما محقق عند المتكلم، ويس موضع شك. ولا يستعملان إلا في تأكيد الإثبات "انظر ما يقتضيه معنى التوكيد في "أن" - ص 644 "أ"

وقد تكون "أن" مفتوحة الهمزة - للترجي مثل "لعل" في معناها، وسيجيء الكلام على حكمها في رقم 3 من هامش في ص 637ز

وقد تكون "إن" - مكسورة الهمزة - بمعنى: "نعم" فتعتبر حرف جواب محض لا يعمل شيئا، كقول الشاعر:

قالوا: كبرت. فقلت: "إن"، وربما

ذكر الكبير شبابه فتطربا

أي: فحزن - وقول الآخر:

ويقلن شيب قد علاك،

وقد كبرت. فقلت: إنه

الهاء للسكت.

ويجوز أن يقع المصدر المنسبك من "أن""المفتوحة الهمزة، المشددة النون" ومعمولها اسما لأختها مكسورة الهمزة، ولبقية الأحرف الناسخة، بشرط أن يتأخرا، ويتقدم عليه خبرها شبه جملة، نحو: إن عندي أنك مخلص، وكأن في نفسي لذلك تشعر بهذا، ولعل في خاطرك أنك أحب الأصدقاء إلى..... =

ص: 631

الاستدراك1 ولا بد أن يسبقها كلام له صلة معنوية بمعموليها2. وفى: "كأن": التشبيه3؛

1 هو إبعاد معنى فرعي يخطر على البال عند فهم المعنى الأصلي لكلام مسموع أو مكتوب، ومثال ذلك قولنا:"هذا غني" فيخطر بالبال أنه محسن بسبب غناء. فإن كان غير محسن أسرعنا إلى إزالة الخاطر بمجيء ما يدل على ذلك، مثل كلمة:"لكن" وبعدها المعمولان، فنقول: هذا غني لكنه غير محسن" ومثل: "الكتاب رخيص" فيقع في الخاطر أنه لا نفع فيه. فإن كان غير ذلك بادرنا بمجيء كلمة: "لكن" مع معموليها لإزالة هذا الوهم، فنقول: "الكتاب رخيص، لكنه كبير النفع

"وهكذا

فلا بد أن يكون قبلها كلام يتضمن معنى أصليا يوحي بمعنى فرعي ناشيء منه وهذا المعنى الفرعي هو الذي يراد إبعاده بكلمة: "لكن"، ويعبر النحاة عن هذا بقولهم في "الاستدراك" إنه:"تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته، أو إثبات ما يتوهم نفيه". وهذا يقتضي أن يكون المعنى بعدها مخالفا للمعنى الفرعي الذي يفهم مما قبلها، ومغايرا له. وتقع بعد النفي والإثبات. فإن كان المعنى الفرعي الناشئ مما قبلها موجبا كان ما بعدها منفيا في معناه، وإن كان المعنى الفرعي قبلها منفيا في مضمونه كان المعنى بعدها موجبا، فوجودها ينبيء عن المغايرة والمخالفة بين معنى ما بعدها والمعنى الفرعي المفهوم مما قبلها. من غير حاجة إلى أداة نافية في أحدهما.

ولا يصح أن تكون الجملة الاسمية بعدها خبرا عن مبتدأ أو عن ناسخ قبلها - ولا غير خبر أيضا - كما سنعرف في رقم 2 -.

واستعمال "لكن" في "الاستدراك" هو الأعم الأغلب. ومن الجائز استعمالها في بعض الأحيان لمجرد تأكيد المعنى، كما كان يستعملها الفصحاء، مثل:"لو اعتذر المسيء لتناسيت إساءته، لكنه لم يعتذر" فهي هنا لتأكيد عدم الاعتذار، وهو مفهوم بدونها من كلمة:"لو" التي تفيد في هذا المثال نفي معنى الكلام المثبت بعدها.

ومن الآيات المشتملة على "لكن" قوله تعالى: "لكنا هو الله ربي، وأوضح الآراء فيها أن تقدير الكلام: لكن "بسكون النون" أنا هو الله ربي. فحذفت الهمزة تخفيفا، وأدغمت النون في النون، فصارت: لكنا "بنون مشددة بعدها ألف".

و"لكن" مشددة النون - هي التي تعد من أخوات "إن" في العمل. أما: "لكن" مخففة النون "أي: الساكنة النون" فليست من أخوات "إن" ولا من النواسخ. بالرغم من أن معناها:

"الاستدراك" أيضا.

- كما سيجيء في جـ 3 باب العطف.

2 أي: لا بد أن تتوسط بين جملتين كاملتين، بينها نوع اتصال معنوي، لا إعرابي - بحيث تكون في صدر الثانية منهما، ولا يصح في الجملة الثانية المصدرة بها أن تقع خبرا - أو غيره - عن شيء سابق على "لكن". كما أشرنا - في رقم 1 - أماما ورد في كلام السابقين المولدين من نحو: فلان وإن كثر ماله. لكنه بخيل، أو: إلا أنه بخيل: فقد سبق بيان الرأي فيه "في ص 451".

3 المراد: تشبيه اسمها بخبرها فيما يشتهر به هذا الخبر. والتشبيه بها أقوى من التشبيه بالكاف، فمثل: كأن الجمل فيل في الضخامة، أقوى في التشبيه من:"الجمل كالفيل في الضخامة"، ولا يليها - في الغالب - إلا المشبه. أما "الكاف" و "مثل"

و.... وأضرابهما فيليها المشبه به في الأكثر، على الصورة التي فصلها البيانيون في كل ذلك.

واستعمالها في التشبيه مطرد في سائر أحوالها عند جمهرة النحاة. ولكن فريقا يقول: إنها لا تكون للتشبيه =

ص: 632

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= إلا حين يكون خرها اسما أرفع من اسمها قدرا أو أحط منها، نحو: كأن الرجل ملك. أو كأن اللص قرد: أما إذا كان خبرها جملة فعلية، أو ظرفا، أو جارا مع مجروره، أو صفة من صفات اسمها -0 فإنها للظن، نحو: كأن محمودا وقف، أو عندك، أو في الدار، أو واقف

لأن محمودا هو النفس الذي وقف، ونفس المستقر عندك، أو في الدار، ونفس الواقف

والشيء لا يشبه بنفسه. ويقول الذين يرونها للتشبيه باطراد: إنها في الأمثلة السابقة ونظائرها - جارية على أداء مهمتها الأصلية، وهي: التشبيه باعتبار أن المشبه به محذوف، فالأصل: كأن محمودا شخص وقف، أو شخص عندك، أو شخص في البيت، أو شخص واقف.... أو اعتبار المشبه به هو نفس المشبه، ولكن في حالة أخرى له. ولا مانع عندهم من تشبيه الشخص في حالة معينة - بنفسه في حالة أخرى تخالفها، فيكون المراد، كأن محمودا في حاله وهو غير واقف شبيه بنفسه وهو واقف....

والخلاف شكلي، ولكن هذا الرأي أنسب لأنه عام ينطبق على كل الحالات، ويريحنا من التشتيت، والخلاف، وتشعيب القواعد. والأخذ بهذا الرأي أو ذاك إنما يكون حيث لا توجد القرينة التي تعين المراد. فإن وجدت وجب الأخذ بها.

ومن الأساليب الفصيحة المسموعة قولهم: "كأنك بالفرج آت، وبالشتاء مقبل". "وكأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل" وقد تعددت الآراء في المراد. ومنها في لأسلوب الأول: التعبير عن قرب مجيء الفرج، وقرب إقبال الشتاء. وفي الثاني خطاب متجه إلى المحتضر: كأن الدنيا لم تكن "أي: لم توجد" أو: كأنك لم تكن بالدنيا، لقصر المدة فيها في الحالتين، وكأنك في الآخرة - تتوهم أنك لم تزل عن الدنيا ولم تبارحها.

وتعددت كذلك في إعراب تلك الأساليب إعرابا يساير معنى واضحا، ومما ارتضوه في الأسلوب الأول أن يكون معنى "كأن" هنا: التقريب. والكاف اسمها. وأصل الكلام: كأن زمانك آت بالفرج. ثم حذف المضاف، وهو كلمة:"زمان" أما الخبر فهو كلمة: "آت" مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة والجار والمجرور: "بالفرج" متعلق بالخبر: "آت". وبالشتاء الواو حرف عطف، والجار مع مجروره متعلق بكلمة: مقبل، المعطوفة على كلمة "آت" السابقة: فأصل الكلام: كأن زمانك آت بالفرج، ومقبل "بالشتاء".

وارتضوا في الأسلوب الأخير أن يكون الخبر محذوفا فيهما. وجملة: "لم تكن" وكذلك جملة: "لم تزل" في محل نصب، حال. والأصل: كأنك تبصر بالدنيا حالة كونك لم تكن بها "لأنك تبصرها في لحظة مغادرتها" وكأنك تبصر بالآخرة في حالة كونك لم تزل "أي: في حالة لم تزل فيها عن الدنيا، ولم تغادرها نهائيا".

وهناك إعراب أخرى كل منها يساير معنى معينا، فتختلف الإعرابات باختلاف المعاني التي يتضمنها كل أسلوب. "راجع حاشية الصبان جـ1 عند الكلام على: كأن".

ولعل الإعراب الواضح الذي يساير معنى واضحا في المثالين الأولين هو افتراض أن أصلها: كأنك أت بالفرج ومقبل بالشتاء، وهذا - مع مسايرته المعنى يفيد القرب الذي سبق الأسلوب شاهدا عليه. لأن المخاطبة دليل القرب.

ولا مانع من اعتبار: كأن للقرب أو للتشبيه فإن كانت للقرب فمعناها ظاهر، وإن كانت للتشبيه فالمراد "كأنك شخص أو شيء آت بالفرج، ومقبل بالشتاء. فالمشبه به محذوف. وعلى هذا أو ذاك =

ص: 633

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

=تعرب "الكاف" اسمها، و "آت" خبرها. والفرج جار ومجرور متعلق بالخبر. و "مقبل" "الواو" حرف عطف "مقبل" معطوف على:"آت" و "بـ الشتاء" جار ومجرور متعلق بكلمة: "مقبل وما يقولونه في تأييد إعرابهم المخالف مردود وضعيف

"كالذي ورد في المغني والتصريح وحواشيها عند الكلام على: كأن".

كما يصح في المثال الأخير: اعتبار كلمة "كأن" للتشبيه "تشبيه المخاطب في هذه الحالة بنفسه في حالة أخرى، فالمشبه والمشبه به شخص واحد، ولكن في حالتين مختلفتين، وهذا أمر جائز عندهم، - كما أسلفنا - أي: كأنك في حالة وجودك بالدنيا شبيه بنفسك في حالة عدم وجودك بها. ""فالكاف اسمها، والجار والمجرور، "بالدنيا" متعلق بالفعل: "تكن" فكلمة: "لم" حرف جزم. "تكن" تامة بمعنى "توجد" فعل مضارع مجزوم بها. والفاعل: أنت، والجملة في محل رفع خبر: "كأن". "فالمراد: كأنك عند الاحتضار" لم توجد بالدنيا، فأنت في حالتك هذه تشبه نفسك في حالة عدم وجودك فيها، فالحالتان سيان". و "بالآخرة" الواو حرف عطف. الجار والمجرور حال مقدم من الضمير فاعل الفعل المضارع: "تزل" المجزوم بالحرف: "لم""فالمراد: كأنك لم توجد بالدنيا ولم تزل عنها في حالة وجودك بالآخرة، لأنك على بابها. والجملة الفعلية الثانية معطوفة على الجملة الفعلية السابقة".

ويرى فريق آخر قصر التشبيه في: "كأن" على الحالة التي يكون فيها خبرها جامدا، مثل:"كأن البخيل حجر". أما في غيره فهي للتحقيق، أو: التقريب، أو الظن.... ومن أمثلة التحقيق عندهم قوله تعالى:{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ، إذ المعنى هنا محقق قطعا. ولا مجال فيه للتشبيه ومثله قول الشاعر المتغزل:

كأني حين أمسي لا تكلمني

متيم أشتهى ما ليس موجودا

وهذا رأي حسن ولكن جمهرتهم لا يخرجونها عن التشبيه، وحجتهم ما ذكرنا من أن المشبه به قد يكون محذوفا. وقد يكون هو المشبه أيضا، ولكن في حالة أخرى كما سبقت الإشارة، ففي مثل:"كأن عليا يلعب" يكون المراد: كأن عليا شخص يلعب، أو: كأن عليا في حالة عدم لعبه يشبه عليا في حالة لعبه. أي: كأن هيئته في غير لعبة كهيئته في اللعب "راجع الجزء الأول من الهمع ص 133"، وقد قلنا: إن الأخذ بهذا الرأي أحسن عند عدم القرينة، إبعادا للخلاف، واختصارا نافعا في القواعد. أما مع القرينة فلا، كالآية والتأويل في الآية- ونظائرها - عسير، لأن القرينة تدل على أنها للتحقيق قد يكون أصل المضارع في:"كأنك في الدنيا لم تزل...." هو: "يزول" من "زال" التامة، بمعنى، فمني وذهب. فالزاي مضمومة وقد يكون أصله:"يزال"، من "زال"، يزال" الناسخة مثل: لا يزال الحر مكرما، بمعنى: بقي واستمر، فالزاي مفتوحة. والمعنى منها يخالف ما سبق، وفيه بعد، أي: أن الآخرة باقية خالدة تنتظر.

ص: 634

وفى: "ليت" التمنى1. وفى: "لعل"2 الترجى والتوقع. وقد تكون للإشفاق3.

1 هو الرغبة في تحقق شيء محبوب حصوله، سواء أكان تحققه ممكنا مثل: ليت الجو معتدل، أم غير ممكن، مثل: ليت القتيل يعود حيا. ولا يصح أن يكون في أمر محتوم الوقوع، مثل: ليت غدا يجيء والتمني معنى إنشائي طلبي، ولهذا كان الأسلوب الذي تتصدره "ليت" إنشائيا طلبيا - كما سبق - في رقم 2 من هامش 374-.

وتختص "ليت" بأسلوب يلتزم فيه العرب حذف خبرها، هو قولهم:"ليت شعري....." ومع حذفهم الخبر فيه باطراد يلتزمون أن يذكروا اسمها، وأن يكون هذا الاسم كلمة:"شعر" مضافة إلى ياء المتكلم، وبعدها الخبر المحذوف وجوبا، ثم تذكر بعده جملة مصدرة باستفهام، نحو: ليت شعري.... أمقيم أخي أم ظاعن؟ ليت شعري

أراغب صديقي في الزيارة أم كاره؟...... يريدون، ليت شعري عالم بجواب هذا السؤال.... أو: مخبر بجوابه.... أما في غير تلك الحالة، وكذا في باقي الأخبار، فيجوز حذف الخبر وحده لدليل، عملا بالقاعدة اللغوية التي تبيح عند أمن اللبس حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه كما سيجيء في "أ" ص 641.

وتختص "ليت" كذلك بالاستغناء عن اسمها وخبرها إذا دخلت على "أن""المفتوحة الهمزة المشددة النون" إذ يسد المصدر المؤول من "أن" ومعموليها مسد معمولي: "ليت"، مثل: ليت أن الصحة دائمنا. وقيل: إن الخبر محذوف، والتقدير: ليت دوام الصحة حاصل.... سواء أكان هذا أم ذلك فالذي يعنينا أنها تدخل على "أن" ومعموليها، فيتم الكلام، ويستقيم من غير حاجة إلى زيادة لفظية أخرى، فلا أهمية للخلاف في الإعراب، إذ الغرض الوصول إلى التعبير السليم الذي يؤدي إلى المعنى المقصود، وهو هنا غير متوقف على طريقة الإعراب.

وكذلك تختص - في الرأي الأرجح - بعدم دخول - سوف" على خبرها، فلا يصح: ليت الصحة سوف تدوم، لأن سوف لا تدخل إلا على ما يمكن تحقيقه وادراكه من كل شيء ليس فيه استحالة، ولا بعد، وهذا نقيض ما تفيده "ليت" في الغالب -.

"2" في "لعل" المسندة لياء المتكلم لغات كثيرة، ولهجات متعددة - نحن اليوم في غنى عن أكثرها - وقد نقلها صاحب الأمالي "أبو علي القالي في الجزء الثاني - ص 136" - قال ما نصه:"بعض العرب يقول: لعلي، وبعضهم، لعلني، وبعضهم: على، وبعضهم: علني، وبعضهم: لعني، وبعضهم: عني، وبعضهم لعلنا:، وبعضهم: لأنني، وبعضهم لأني، وبعضهم لوني...." أهـ، وفي لسان العرب لغات أخرى.

3 معنى الترجي: انتظار حصول أمر مرغوب فيه، ميسور التحقق. ولا يكون إلا في الممكن. ومثله التوقع. أما الإشفاق فلا يكون إلا في الأمر المكروه المخوف، مثل: لعل النهر يغرق الزرع والبيوت. وخبرها غير مقطوع بوقوعه، ولا متيقن، فهو موضع شك، بخلاف خبر "إن" و. "أن" - كما سبق - وقد تكون للتعليل، كقوله تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر....".... وقول الشاعر:

تأن، ولا تعجل - بلومك صاحبا

لعل له عذرا وأنت تلوم

وقد تكون للاستفهام، كقوله تعالى:{وما يدريك لعله يزكى} وقد تكون للظن..... وجميع هذه المعاني قياسية الاستعمال وإن تفاوتت في الكثرة. وقد تكون للتحقيق "انظر رقم 1 من هامش الصفحة الآتية".

والأسلوب الذي تتصدره "لعل" إنشائي غير طلبي فهي و "ليت" للإنشاء مع اختلاف نعه دون باقي أخواتهما.

- كما سبق في رقم 2 هامش ص 374 ورقم 5 هامش من ص 630 -

ص: 635

شروط إعمال هذه الأحرف الناسخة 1:

ا- يشترط لعملها ألا تتصل بها: "ما" الزائدة2. فإن اتصلت بها "ما" الزائدة2 - وتسمَّة: "ما" الكافَّة"3 - منعتها من العمل، وأباحت دخولها على الجمل الفعلية بعد أن كانت مختصة بالاسمية. إلا: "ليت" فيجوز إهمالها وإعمالها4 عند اتصالها بكلمة "ما" السالفة؛ فيجب الإهمال فى مثل: إنما الأمين صديقٌ5، ولكنما الخائن عدوّ، وفى مثل قول الشاعر يصف حصاناً ببياض وجهه، وسواد ظهره:

وكأنما انفَجر الصباح بوجهه

حسْنًا، أواحْتَبَسَ الظلامُ بِمَتْنِهِ6

1 يشترط في اسمها وخبرها ما يشترط في اسم كان وخبرها مما تقدم ذكره من شروط عامة في ص 545 مع ملاحظ ما يجيء هنا من فروق قليلة بين النوعين ومن شروط أخرى لا بد منها لإعمال "إن" وأخواتها وينفرد خبر "لعل" بجواز تصديره "بأن" المصدرية، نحو: لعل أحدكم أن يسارع في الخيرات فيلقى خبر الجزاء.... "ولا مانع في هذه الحالة أن يقع المعنى خبرا عن الذات كوقوعه خبرا لعسى

وقد سبق الكلام عليهما في باب أفعال المقاربة رقم 1 من هامش ص 616".

وإذا وقعت "لعل" أو "عسى" في كلام الله تعالى لا يكون معناها الرجاء، أو الإشفاق، لاستحالة ذلك عليه. وإنما يكون معناها التحقيق والقطع حينا، وحينا الرجاء أو الإشفاق منسوبا إلى الذي يدور بصدده الكلام، لا إلى المولى جل شأنه. "ولهذه إشارة في رقم 2 من هامش 622".

2 يشترط أن تكون "ما" حرفا زائدا ليمنع هذه الحروف الناسخة من العمل. فإن لم يكن حرفا زائدا لم يمنعها مثل "ما" الموصولة في نحو: إن ما في القفص بلبل" "أي: إن الذي في القفص بلبل" ومثل "ما" الموصوفة في نحو: إن ما مطيعا نافع، أو إن ما يطيع نافع، "أي: إن شيئا مطيعا أو يطيع - نافع " فكلمة: "ما" في المثالين ليست كافة "أي: ليست مانعة للحرف الناسخ عن العمل"، ويجب فصلها في الكتابة منه. بخلاف الزائدة، فيجب وصلها بآخره في الكتابة. ولا تدخل "ما الزائدة" على "عسى" التي قد تكون حرفا كهذه الأحرف الناسخة.

3 لأنها كفت "أي: منعت" الحرف الناسخ من العمل ولذا يكتفي بعض القدماء في إعراب مثل: "إنما" بقوله: "كافة ومكفوفة" يريد: أن "ما الزائدة" كفت الناسخ عن العمل، وكفت نفسها كذلك عن أن تكون موصولة أو موصوفة...." واقتصرت على أن تكون مهملة زائدة. أو: أنها كفت الحرف الناسخ. وهو قد كفها أيضا أن تكون نوعا آخر غير الزائدة.

4 وفي هذا يقول ابن مالك في بيت سيجيء في ص 664.

ووصل "ما" بذي الحروف مبطل

إعمالها وقد يبقى العمل

أي: أن اتصال ما" الزائدة بهذه الحروف يبطل عملها. وقد يبقى العمل - اختيارا- في "ليت" وحدها دون أخواتها، في الرأي الأحسن.

5 وقول الشاعر:

إنما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن وعى

وقوله تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها....

إذا اتصلت - ما" الزائدة بأحد الحرفين الناسخين: "إن" أو "إن" منعتهما من العمل، وصار كل واحد منهما بعد هذه الزيادة أداة من أدوات الحصر، تزيد توكيد المعنى قوة ووضوحا.... "وقد سبقت الإشارة الموضحة في رقم 4 من ص 495" مثل: إنما أنت كبير الهمة، أو: عرفت أنما أنت كبير الهمة، فقد قصرنا المخاطب على صفة معينة، هي كبر الهمة، وحصرنا أمره فيها. وتأويل "أن" "المفتوحة الهمزة المشددة النون" مع معمولها بمصدر مؤول تختفي عند ظهوره لا يمنع من إفادتها الحصر عند اتصالها بما الزائدة، لأن إفادة الحصر تتم قبل التأويل وسبك المصدر.

6 بظهره.

ص: 636

ويجوز الأمران مع: "ليت" مثل: ليتما علىّ حاضرٌ، أو: لَيّما عَليَا حاضرٌ، وهى فى الحالتين مختصة بالجمل الاسمية.

ب- يشترط فى اسمها شروط، أهمها:

ألا يكون من الكلمات التى تلازم استعمالاً واحداً، وضبطا واحداً لا يتغير؛ كالكلمات التى تلازم الرفع على الابتداء، فلا تخرج عنه إلى غيره؛ ككلمة:"طُوبَى" وأشباهها1 - فى مثل: طوبى للمجاهد فى سبيل الله. - فإنها لا تكون إلا مبتدأ.

وألا يكون من الكلمات الملازمة للصدارة في جملتها، إما بنفسها مباشرة؛ كأسماء الشرط، و:"كم"....، وإما بسبب غيرها2؛ كالمضاف إلى ما يجب تصديره؛ مثل: صاحِبُ مَنْ أنت؟ فكلاهما لا يصلح أسماً.

والسبب: هوأن هذه الحروف الناسخة ملازمة للصدارة فى جملتها "ما عدا "أنّ"3 فإذا كان اسم واحد منها ملازماً للصدارة وقع بينهما التعارض. ولهذا كان من شروط إعمالها - أيضاً - أن يتأخر اسمها وخبرها عنها.

وألا يكون اسمها فى الأصل مبتدأ واجب الحذف؛ كالمبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت، ثم انقطع عن النعت إلى الخبر4؛ نحو:

1 لهذه الكلمات بيان في رقم 1 من هامش ص 542 - أول باب: "كان" وأخواتها ومثلها بعض الكلمات التي تلازم النصب على المصدرية، أو على غير المصدرية.

2 مما مربيانة في رقم 1 من هامش ص 544.

3 إذا كانت "أن" للترجي - أي: مثل: "لعل" التي تفيد هذا المعنى - وجب ما يأتي: أن تلازم صدر جملتها، وأن تكون الجملة في هذه الصورة اسمية حتما، ولا يصح اعتبار "أن"، حرفا مصدريا يؤول مع معموليه بمصدر مفرد. كما لا يصح وهي بمعنى:"لعل" أن يتقدم عليها أحد معوليها ولا معمول أحدهما - وقد سبق توضيح هذا في رقم 5 من ص 504 ويجيء له إشارة في "و" من ص" 648 -

4 سبق أن أوضحنا المراد بالنعت المقطوع وسببه.... في ص 510 وسيجيء تفصيل الكلام عليه في الباب الخاص بالنعت حـ3 - ويستثنى من المبتدأ الواجب الحذف ضمير الشأن في مثل: "إن من يرض عن الشريلق سوء الجزاء"، إذا الأصل: إنه من يرض.... أي: إنه الحال والشأن "وقد تقدم الكلام على ضمير الشأن ص 250" فهذه الهاء في الأصل نائبة عن مبتدأ، هو: الحال والشأن. ولا يصح أن تكون كلمة "من" اسم "إن" لأن "من" شرطية، والشرط له الصدارة، فلا يسبقه ناسخ، هذا لى أن المضارعين بعدها مجزومان.

ومثله قول الشاعر:

إن من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء

أي: إنه من يدخل يلق....

وحذف ضمير الشأن في هذا الباب كثير بقرينة تدل عليه وعلى المراد، "ما هو مشروط عند كل حذف" ومنه الحديث.... إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. أي: إنه.....

ص: 637

عرفت محموداً العالمُ1.

حـ- ويشترط فى خبرها ألا يكون إنشائيًّا2، "إلا الإنشاء المشتمل على:"نِعْم" و"بِئْس" وأخواتهما من أفعال المدح والذم" فلا يصح: إن المريض ساعدْهُ. وليت البائسَ لا تُهنْه

ويصح: إن الأمين نِعْم الرجل، وإن الخائن بئس الإنسان.

وكذلك يشترط فى خبرها إذا كان مفرداً أوجملة - أن يتأخر عن اسمها، فيجب مراعاة الترتيب بينهما؛ بتقديم الاسم وتأخير الخبر، نحو: إن الحقَّ غَلاّب - إن العظائم كفؤُها العظماءُ - إن كبارَ النفوسِ ينفرون من صغائر الأمور3، وقول الشاعر:

إن الأمينَ - إذا استعان بخائن -

كان الأمينُ شريكَه فى المأثِم

فلوتقدم هذا الخبر لم تعمل، بل لم يكن الأسلوب صحيحاً. وهذا الشرط يقتضى عدم تقدمه على الناسخ من باب أوْلى.

أما إذا كان الخبر غير مفرد وغير جملة، بأن كان شبه جملة:"ظرفاً أوجاراً مع مجروره". فيجوز أن يتقدم على الاسم فقط، فيتوسطه بينه وبين الناسخ عند عدم وجود مانع4، نحو؛ إن فى السماء عبرةً5، وإن فى دراستها

1 برفع كلمة: "العالم" على أنخا خبر مبتدأ محذوف. وكانت في الأصل نعتا ثم تركته، وصارت خبرا، إذا الأصل "عرفت محمودا العالم" بنصب العالم على أنها صفة، ثم قطعت عن النعت إلى الخبر للأسباب التي أشرنا إليها في ص 510.

2 سواء أكان الإنشاء طلبا أم غير طلب "راجع رقم 2 من هامش 374 ويجوز في خبر "أن" المخففة أن يكون جملة دعائية - كما سيجيء في ص 678 - كقراءة من قرأ بتخفيف النون "أي: تسكينها"، قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} ويقول: "الرضى": "لا أرى مانعا من وقوع الجملة الطلبية خبرا عن "إن" و "لكن" مع قلته. " ولا داعي للأخذ بالرأي القليل هنا.

3 ومثل هذا قول الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

4 ومن الأمثلة قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى، وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} . وقوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} وجاء في الأشموني ما نصه: "قال في العمدة: ويجب أن يقدر العامل في الظرف بعد الاسم كما يقدر الخبر وهو غير ظرف" أهـ..... المفهوم أن المراد بالظرف ما يشمل الجار ومجروره. فالمراد هنا: شبه الجملة بنوعيه.

5 فيما سبق يقول ابن مالك في باب عنوانه، إن إخواتها:

لإن، أن، ليت، لكن، لعل

كأن - عكس ما لكان من عمل -

كإن زيدا عالم بأني

كفء ولكن ابنه ذو ضعن

يقول: لإن - وما تبعها من الحروف المذكورة بعدها- عكس ما ثبت من العمل لكان وأخواتها "فكان" ترفع الاسم وتنصب الخبر وهذه الحروف تعمل عكسها: تنصب الاسم وترفع الخبر، ووضح هذا =

ص: 638

عجائبَ. وقول الشاعر:

إنّ من الحلْم دلاًّ أنت عارِفُهُ

والحِلْمُ عن قُدرَةٍ فضلٌ من الكرم

ومثل: إن هنا رفاقاً كراماً، وإن معنا إخواناً أبراراً. وقولهم فى وصف رجل: كانَ والله سمْحاً سهْلا، كأنّ بيْنه وبين القلوب نَسَبا، أو: بينه وبين الحياة سبباً. فإن وُجِد مانع لم يجز تقدمه؛ كوجود لام الابتداء فى نحو: إن الشجاعة لفى قول الحق: حيثَ لا يجوز تقديمه وفيه لام الابتداء1

وهناك حالة يجب فيها تقديمه؛ هى: أن يكون فى الاسم ضمير يعود على شئ فى الخبر الجار والمجرور؛ مثل: إن فى الحقل رجالَه، وإن فى المصنع عمالَه. فاسم الناسخ "رجال وعمال" مشتمل على ضمير يعود على بعض الخبر1؛ "أى: على الحقل، والمصنع"؛ ولوتأخر الخبر لعاد ذلك الضمير على متأخر فى اللفظ وفى الرتبة معاً؛ وهوممنوع هنا3.

= بأمثلة في البيت الثاني، هي: إن زيدا عالم بأنى كفء، ولكن ابنه ذو ضغن "أي: حقد" فعرض أمثلة لحروف ثلاثة، هي: إن "أن" لكن....

هذا ويتردد في كلام النحاة القدماء - وغيرهم - اسم "زيد""عمرو""بكر""خالد"، وهي أسماء عربية صحيحة، ولكنها شاعت في استعمالاتهم حتى صارت مبتذلة فيحسن العدول عنها في استعمالنا قدر استطاعتنا، كما أشرنا لهذا كثيرا.

ثم قال:

وراع ذا الترتيب. إلا في الذي

كليت فيها، أو: هنا - غير البذي

يريد: أن مراعاة هذا الترتيب الوارد في أمثلته بين المعمولين أمر واجب، فيتقدم الاسم ويتأخر الخبر وجوبا إلا في مثل: ليت فيها غير الذي "أي: البذيء، وهو: الوقح" ومثل: ليت هنا غير البذيء، من كل تركيب يقع فيه خبر إن وأخواتها ظرفا أو جارا مع مجروره. وقد اقتصر على بيان هذه الحالة التي يجوز فيها التقديم، ولم يذكر تفصيل المواضع التي يجب فيها التقديم والتي يجب فيها التأخي، وقد ذكرناها.

1 ومن الموانع أن يكون الحرف الناسخ هو: "عسى""التي بمعنى: لعل" أو الحرف: "لا"- كما سيأتي في بابها ص 690 فلا يجوز تقديم خبر هذين الحرفين مطلقا.

2 لأن الخبر هو الجار مع مجروره، والضمير عائد على المجرور وحده، فهو عائد على بعض الحبر كما سبق أن أوضحناه.

3 وهناك حالة أخرى يجب فيها تقديم خبر أن "المفتوحة الهمزة المشددة النون" ستجيء في: "ب" من ص 645.

وإذا وقع المصدر المؤول من "أن مع معموليها" مبتدأ، وكان تأخير خبره في هذه الصورة مؤديا إلى اللبس، وجب تقديم هذا الخبر، مثل: عندي أنك فاضل.

أما سبب اللبس وما يترتب عليه فقد تقدم في رقم 5 من ص 504 حيث مواضع تقديم خبر المبتدأ وجوبا.

ص: 639

ومما تقدم نعلم أن للخبر - فى هذا الباب - ثلاثة أحوال من ناحية تقديمه، أوتأخيره على الاسم.

الأولى: وجوب تأخيره إذا لم يكن شبه جملة.

الثانية: وجوب تقديمه إذا كان شبه جملة، وكان الاسم مشتملا على ضمير يعود على بعض شبه الجملة، "أي: على بعض الخبر".

الثالثة: جواز الأمرين إذا كان شبه جملة، - غير ما سلف - ولم يمنع من التقدم مانع.

أما معمول الخبر "مثل: إن المتعلم قارئ كتابك، وإنه منتفع بعلمك،" فلا يجوز تقديمه على الحرف الناسخ، لكن يجوز تقديمه على الخبر مطلقاً "أى: سواء أكان المعمول شبه جملة، أم غير شبهها، فتقول: إن المتعلم - كتابَك - "قارئُ، وإنه - بعلمك - منتفع. ففى الجملة الأولى تقدم المعمول: "كتابَك" وليس بشبه جملة؛ وفى الثانية تقدم المعمول شبه الجملة، وهوالجار والمجرور: "بعلم.

كما يتضح تقديم معمول الخبر على الاسم والتوسط بينه وبين الناسخ فى حالة واحدة، هى: أن يكون المعمول شبه جملة؛ نحو: إن فى المهد الطفلَ نائم - إن بيننا الودَّ راسخ.

ويؤخذ من كل ما سبق:

1-

أنه لا يجوز أن يفصل بين الحرف الناسخ واسمه فاصل إلا الخبر شبه الجملة الذى يصح تقديمه، أومعمول الخبر إذا كان المعمول شبه جملة أيضا الجملة كذلك،

2-

كما لا يجوز أن يتقدم على الحرف الناسخ اسمه، أوخبره، أومعمول أحدهما.

ص: 640

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

ا- قد يحذف الحرف الناسخ مع معموليه أوأحدهما، ويظل ملحوظاً تتجه إليه النية؛ كأنه موجود. وأكثر ما يكون الحذف فى إنّ "المكسورة الهمزة المشدّدة النون"، ومنه قوله تعالى:{أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} بناء على أن التقدير: تزعمون أنهم شركائى. وقد تحذف مع الخبر ويبقى الاسم، وقد تحذف وحدها ويبقى اسمها وخبرها، وقد يحذف أحدهما فقط1، وكل ذلك مع ملاحظة المحذوف ولا يصح شئ مما سبق إذا إذا قامت قرينة تدل على المحذوف مع عدم تأثر المعنى بالحذف، وهذه قاعدة لغوية عامة أشرنا إليها من قبل2"؛ هى جواز حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه. بشرط أن تقوم قرينة تدل عليه".

وقد يجب حذف خبر "إن"3 إذا سَدّ مسده واوالمعية، نحو: إنك وخيراً، أى: إنك مع خير، أوسد مسده الحال، نحو: قول الشاعر:

إنَّ اختيارك ما تبغيه ذائقةٍ

بالله مستظهراً بالحزم والجدّ

أومصدراً مكرراً؛ نحو: إن الفائدة سيراً سيراً.

وتختص: "ليت" بالاستغناء عن معموليها، وبأحكام أخرى سبقت شروطها وتفصيلاتها فى رقم 1 من هامش ص 635.

ب- الأنسب الأخذ بالرأى القائل بجواز تعدد الخبر فى هذا الباب على الوجه الذى سبق إيضاحه فى تعدد خبر المبتدأ4، لأن التعدد هنا وهناك أمر تشتد إليه حاجة المعنى أحياناً.

حـ- من العرب من ينصب بهذه الحروف المعمولين؛ كما تنطق الشواهد الواردة به. لكن لا يصح القياس عليها فى عصرنا؛ منعاً لفوضى التعبير والإبانة، وإنما نذكر رأيهم - كعادتنا فى نظائره - ليعرفه المتخصصون فيكشفوا به، فى غير حيرة ولا اضطراب - ما يصادفهم من شواهد قديمة وردت مطابقة له مع ابتعادهم عن محاكاتها.

1 راجع الأمثلة في هامش ص 665 وما بعدها وكذا في جـ 8 ص 85 من شرح المفصل. وي حاشية الألوسي على شرح القطر جـ 1 ص 268.

2 في رقم 1 من هامش ص 635.

3 هذا التقييد في الحذف الواجب بأنه خبر إن" لم يذكره صاحب "الهمع" بالرغم من أن الأمثلة التي ذكرها للحذف هي لخبر "إن" والأحسن التقييد.

4 ص 528.

ص: 641