الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة والعشرون: الموصول
الموصول قسمان: اسمي، وحرفي. وسنبدأ بالأول1.
تعريفه: نُقدم له بالأمثلة الآتية:
أ- فرح الذى
…
- سمعت الذى
…
- أصغيت إلى الذى
…
ب- فرح الذى "حضر والده" - سمعت الذى "صوته مرتفع" - أصغيت إلى الذى "فوق المنبر".
ج- وقفت التى
…
- احترمت التى
…
- لم أشهد التى
…
د- وقفت التي "تخطب" - احترمت التي "خُطبَتُها رائعة" - لم أشهد التى "أمام المذياع".
فى كل جملة من جمل القسم الأول: "ا" كلمة: "الذى" فما معناها؟ وما المراد منها؟ إنها اسم مسماه ومدلوله غير واضح: فلا ندرى أهو: سعد، أم على أم، سمير، أم غيرهم من الرجال؟ ولا نعرف أهوحيوان آخر؟ أم نبات، أم جماد؟ وما عسى أن يكون بين أفراد الحيوان، أوالنبات، أوالجماد؟ إذًا هواسم غامض المعنى2، مبهم3 الدلالة. ولهذا الغموض والإبهام أثرهما فى غموض المعنى الكلىّ للجملة وإبهامه.
1 لأنه أحد المعارف التي نحن بصددها. أما الثاني فحرف، لا دخل له بالمعارف، فليس مجال الكلام عليه هنا. ولكنه يذكر للمناسبة بينه وبين الأول. وسيجيء في ص 407 بسط الكلام عليه.
2 خفي المعنى.
3 أشرنا في ص 32 وهامشها إلى أن المراد بالمبهم في باب الموصولات هو: المجمل الذي لا تفصيل فيه ولا استقلال، ولا تعيين، ولا تحديد. "كما في حاشية التصريح" وقد سبق في "جـ" من ص 338 أن أسماء الإشارة تسمى هي والموصولات:"الأسماء المبهمة"، وأوضحنا هناك سبب التسمية، وأنه وقوعها على كل شيء، من الحيوان، أو النبات، أو الجماد، من غير تعيين وتفصيل لذلك الشيء إلى بأمر خارج عن لفظها. جاء في المفصل "جـ5 ص 86" ما ملخصه.
"إنه حين يقال بين المعارف أسماء مبهمة فالمراد بها ضربان فقط، "أسماء الإشارة، والموصولات" كما أوضحنا في رقم 3 من هامش ص 255 - والفرق بين المضمر والمبهم أن ضمير الغائب يبين بما قبله في الغالب "وهو الاسم الظاهر الذي يعود عليه المضمر، نحو قولك: محمد مررت به" - والمبهم الذي هو اسم الإشارة =
لكن حين أتينا بعد ذلك الاسم المبهم الغامض بجملة اسمية، أو فعلية تشتمل على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة، رأينا المعنى قد اتضح، وزال الغموض والإبهام عنه، كما في القسم الثاني "ب".
وكذلك الشأن في قسم "ج" حيث اشتملت كل جملة فيه على اسم غامض مبهم هو: "التي"؛ وقد امتد الغموض منه إلى المعنى الكلي للجملة؛ فجعله غامضًا. لكن هذا العيب اختفى حين أتينا بعد الاسم: "التي" بجملة مشتملة على ضمير يعود عليه، أو بشبه جملة؛ فزال عنه الإبهام أولًا، وعن الجملة تبعًا له، كما في القسم "د".
فكلمة "الذي" و"التي" وأشباههما تسمى: "اسم موصول". وهو: اسم مبهم يحتاج -دائمًا- في تعيين مدلوله، وإيضاح المراد منه، إلى أحد شيئين بعده؛ إما: جملة وإما شبهها، وكلاهما يسمى:"صلة الموصول"3.
= يفسر بما بعده، وهو: الجنس. كقولك: هذا الرجل، وهذا الثوب، ونحوه. والمعنى بالإبهام. وقوعها على كل شيء من حيوان، ونبات، وجماد، وغيرها، ولا تخص مسمى دون مسمى. هذا معنى الإبهام فيها، لا أن المراد به التنكير، ألا ترى أن هذه الأسماء معارف، لما ذكرناه.
والقسم الثاني من المبهمات هو: اسم الموصول، كالذي، والتي، ومن، وما..... وكلها معارف بصلاتها، فبيانها بما بعدها أيضا. إلا أن أسماء الإشارة تبين باسم الجنس. والموصولات تبين بالجمل بعدها: - أو: أشباه الجمل -. والذي يدل على أنها معارف أنه يمتنع دخول علامة النكرة عليها، وهي:"ب" وأنها توصف بالمعارف، نحو: جاءني الذي عندك العاقل، وتقع أيضا وصفا للمعارف، نحو: جاءني الرجل الذي عندك. وكلها مبهمة، لأنها لا تخص مسمى دون مسمى كما كانت أسماء الإشارة كذلك.... " ا. هـ. باختصار.
والاسم المبهم كما أوضحناه هنا - يختلف عن "اسم الزمان المبهم" الذي يجيء إيضاحه في مكانه المناسب من الأجزاء التالية، "ومنها جـ2 ص 239 م 78، وص 279 م 79"، وكذلك يختلف عن المنادي المبهم. والمراد به نداء "أي""وأية" و "اسم الإشارة- كما سيجيء في باب المنادي جـ 4.
"1 و 1" فتخرج - مثلا- النكرة الموصوفة بجملة، نحو:"واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله"، لأن حاجتها إلى الجملة ليست دائمة: وإنما هي مؤقتة بمدة وصفها فقط، لا في سائر أحوالها.
2 شبه الجملة هو: الظرف والجار مع مجروره. وهنا نوع خاص آخر سيجيء "في ص 384 وما بعدها، ولا سيما ص 386" هو "الصفة الصريحة" وتكون صلة "أل" الموصولة. ولا تكون صلة لغيرها. ولا تدخل في شبه الجملة إلا في هذه الصورة، انظر رقم2 من هامش ص 357.
3 وهذه الجملة أو ما يقوم مقامها توصل به، ولذلك سمي موصولًا، فهو موصول بها، أو: هي موصولة به، وسميت لهذا:"صلة" وبها تتعرف الموصولات الاسمية.
ولا بد فى الجملة من ضمير يعود على اسم الموصول، أو ما يغني عن الضمير.
طبقًا للبيان الخاص بالصلة1- وهذه الصلة هي التي تفيد الموصول الاسمي التعريف.
ألفاظ الموصول الاسمي:
ألفاظه قسمان: مختص، وعام "ويسمى: مشترَكا".
فالمختص: ما كان نصًّا فى الدلالة على بعض الأنواع دون بعض، مقصورًا عليها وحدها، فلنوع المفرد المذكر ألفاظ خاصة به، ولنوع المفردة المؤنثة ألفاظ خاصة بها، وكذلك للمثنى بنوعيه، وللجمع بنوعيه.
والعام أوالمشترَك: ما ليس نصًّا فى الدلالة على بعض هذه الأنواع دون بعض، وليس مقصورًا على بعضها؛ وإنما يصلح للأنواع كلها.
وأشهر الألفاظ الخاصة ثمانية، موزعة على الأنواع الآتية:
1 في ص 373.
صورة سكانر
"1 و 1" تقضي قواعد "الإملاء" الشائعة حتى اليوم أن تكتب بلام واحدة وتحذف الثانية، لأن كثرة الاستعمال لا تجعل القاريء يشتبه في حقيقتها.
2 ورد في الفصيح استعمال "الذي" مفردا في لفظه، جمعا في معناه، بشرط أمن اللبس كقوله تعالى في المنافقين:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} ، فالضمائر العائدة على "الذي" ضمائر جمع. وكقوله تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} ، بضمير الجمع أيضا.
3 ورد في الفصيح استعمال "التي" مفردة في لفظها، جمعا في معناها، فقد قرأ بعض القراء آية سورة النساء، وهي قوله تعالى في بيات المحرمات:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُم} مكان: "اللاتي أرضعنكم" في القراءة المشهورة. قال أبو الفتح ابن جني في كتابه: "المحتسب" في تبيين القراءات الشاذة "ج1 ص185 سورة النساء" ما نصه:
"ينبغي أن تكون "التي" هنا جنسا، فيعود الضمير على معناه دون لفظه، كما قال سبحانه: و "الذي جاء بالصدق وصدق به.... " ثم قال بعد: "أولئك هم المتقون" وهذه الآية من سورة الزمر، ونصها: و "الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" فهذا على مذهب الجنسية، كقولك: =
صورة سكانرة
= الرجل أفضل من المرأة" وهو أمثل من أن يعتقد فيه حذف النون من آخر "الذي" - يشير أبو الفتح إلى رأي من قال: "إن الأصل هو: "الذين" حذفت من آخره النون - " ا. هـ
…
ثم أوضح أن حذف النون وجه، ولكن الأول أقوى. وأيده بدليل. ثم نقل قول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
…
هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقال إنه يحتمل الرأيين، وإن الأول أقوى. "فلج: اسم بلد بين البصرة واليمامة".
بقي أن أسأل: كيف يصح القول بأن كلمة "الذي" هنا محذوفة النون، وأن أصلها:"الذين" للجمع، مع أن بعض الضمائر العائدة عليها هي للمفرد؟ كما أسأل عن الداعي إلى التأويل والحذف والتقدير مع صحة إعراب التي - وهي للمفردة- نعتا لكلمة "أمهات" وهي جمع مؤنث سالم للعقلاء. وهذا النعت صحيح، طبقا للتحقيق الأكمل المعروض في باب:"النعت" - جـ3 م 114 ص 433 عند الكلام على حكم النعت الحقيقي، ومطابقته للمنعوت أو عدم مطابقته؟
1 كلتاهما تكتب بلامين.
2 هذا هو الأشهر الذي يحسن الاقتصار عليه. ويجوز أن تكون مكسورة أيضا مع التشديد، ولكنها في حالة النصب والجر تقتضي فتح الياء قبلها، تقول:"اللذان، اللذين".... فتكون في التشديد وعدمه كنون "ذان" و "تان" اسمي الإشارة حيث يصح فيهما الأمران كما أسلفنا. - في رقم 3 من هامش ص 323- تقول في حالة الرفع: ذان - تان- أو ذان - تان- وفي حالتي النصب والجر: ذين وتين أو: ذين وتين. فالنون في كل الأمثلة السابقة - من أسماء الإشارة والموصول- صالحة للتشديد وعدمه، لكنها عند النصب والجر تستلزم عند التشديد فتح الياء قبلها.
وإلى ما سبق يشير ابن مالك:
موصول الأسماء: الذي، الأنثى: التي
…
واليا إذا ماثنيا لا تثبت
بل ما تليه أوله العلامة
…
والنون إن تشدد فلا ملامه
والنون من ذين وتين شددا
…
أيضا وتعويض بذاك قصدا
يقول: ألفاظ الموصول الاسمى هي: الذي". ولم يذكر أنها للمفرد المذكر، مكتفيا بالمقابلة التالية، حيث يقول: إن الأنثى "أي: المفردة" لها: "التي" ثم أوضح أن الياء في كلمتي: "الذي، والتي" لا تثبت، أي: لا تبقى عند تثبتهما فتحذف، ويجيء بعد الحرف الذي وليته -أي: جاءت بعده- علامتا التثنية، وهما الألف والنون رفعًا، أو الياء والنون نصبا وجرًّا. وصرح بأن تشديد النون في التثنية لا لوم فيه، وكذلك تشديد النون في "ذين" و "تين" اسمي إشارة جائز أيضا - كما سبق في رقم 3 من هامش ص 323 وأن التشديد في هذه النونات كلها هو تعويض عن الياء التي حذفت من غير داع لأجل التثنية. وهذا تعليل يجب إهماله. لأن العلة الصحيحة هي استعمال العرب ليس غير.
صورة اسكانر
1 من الواضح أن: "الألى" اسم جمع "وهو: ما يدل على معنى الجمع، وليس له مفرد من لفظه ومنعاه معا
…
انظر رقم 2 من هامش ص 148" وليست جمعا، إذ لا ينطبق عليها شروطه. وتكتب بغير واو بعد الهمزة بخلاف" أولى. "اسم إشارة، فإن الواو تلزمها بعد الهمزة - كما في هامش ص 324 - وقد سبق القول: "في رقم 5 من هامش ص 188 ورقم 1 من هامش ص 324 وكذا رقم 1 من ص 558 م 170 جـ4 أن النحاة لا يطلقون "المقصور والممدود" إلا على الأسماء المعربة وحدها من هذين النوعين. أما اللغويون والصرفيون فيطلقونهما على المعرب وعلى المبني منهما. وبرأيهم جرى التعبير هنا، وفي اسم الإشارة أيضا.
2 ليست جمع مذكر، لأنها لا تنطبق عليها شروطه، فهي ملحقة به، وتكتب بلام واحدة.
صورة اسكانر
1 يحسن إهمال الرأي الآخر الذي يعربها بالحرف إعراب جمع المذكر في كل حالاتها، فيرفعها بالواو والنون "اللذون". وينصبها ويجرها بالياء والنون "الذين"، فيقول: ندم اللذون أهملوا- ورأيت الذين انتصروا يسخرون من الذين انهزموا. وقيل إنها مبنية على الواو والياء في تلك الحالات وليست معرفة "كما في رقم 1 من هامش ص 371".
2 وإلى ما سبق في "4" و "5" و "6" يقول ابن مالك:
جمع الذي: الألى"، "الذين" مطلقا
وبعضهم بالواو رفعا نطقا
يريد: أن كلمة "الذي تجمع جمعا لغويا- وهو الذي يدل على مطلق التعدد، ولو لم تنطبق عليه شروط الجمع النحوية - على "ألى" وعلى "الذين" فلفظ الذي يستعمل للمفرد المذكر، ويقابل هذا المفرد المذكر جمع المذكر، وله كلمتان: "الألى" و "الذين" ولم يتعرض لتفصيل ما يختص به كل اسم منهما، واكتفى بأنهما للجمع. وزاد أن "الذين" للجمع مطلقا، أي: في جميع حالاتها من الرفع، والنصب، والجر، وأن بعض العرب يجعله كجمع المذكر السالم، فيأتي فيه بالواو رافعا، ويعربها في هذه الحالة، وكذلك في حالتي النصب والجر، وعلامتهما موجودة وهي الياء والنون. وقيل إنها مبنية على الواو والياء في الحالات الثلاث، كما شرحنا.
ويقول ابن مالك مشيرا، إلى ما مر في 7 و 8:
باللات واللاء: "التي" قد جمعا
واللاء كالذين نزرا وقعا
أي: أن "التي" - وهي اسم موصول للمفردة المؤنثة- تجمع على "اللات" و "اللاء" جمعا لغويا يدل على مجرد التعدد كما سبق- لا جمعا نحويا، إذ أنها ليست مستوفية لشروط الجمع النحوي. فإذا كانت كلمة:"التي" للمفردة المؤنثة فالذي يقابلها ويحل محلها في جمع المؤنث هو: "اللات" و"اللاء". ولم يذكر أنهما بالياء في آخرهما وبغير الياء أيضا. ثم بين أن كلمة: اللاء" قد تستعمل- قليلا- للعقلاء مكان كلمة "الذين" وتحل محلها لجمع المذكر من الناس، فتقول: جاء اللاء زرعوا الحقل، أي: الذين.
وإلى هنا انتهى الكلام على المشهور من الألفاظ المختصة الثمانية. ويلاحظ أن كل واحد منها مبدوء "بأل" الزائدة لزومًا؛ فلا يمكن الاستغناء عنها1 وأنها جميعًا مبنية ما عدا ألفاظ التثنية؛ فيحسن إعرابها.
أما ألفاظ القسم العام "وهو المشترَك" فأشهرها: ستة، لا يقتصر واحد منها على نوع مما سبق في القسم الخاص؛ وإنما يصلح لجميع الأقسام من غير أن تتغير صيغته اللفظية2. فكل اسم من الموصولات المشتركة ثابت على صورته، لا يتغير مهما تغيرت الأنواع التي يدل عليها؛ لأنه مبني، وبناؤه على السكون، إلا لفظة: "أَيّ" فإنها قد تبنى، وقد تعرب -كما سيجيء3 في ص327.
ولما كان كل اسم من هذه الأسماء المشترَكة صالحًا للأنواع المختلفة كان الذي يوضح مدلوله ويميز نوع المدلول وهو ما يجيء بعده من الضمير، أو غيره من القرائن التى تزيل أثر الاشتراك4.
1 في الأشهر الأفصح. ويقول شارح المفصل: "ج1 ص413" ما نصه: باختصار قليل. ".... إذا ثبت أن: "أل" لا تفيد هنا -في باب اسم الموصول- التعريف كان زيادتها لضرب من إصلاح اللفظ، وذلك أن: الذي" وأخواته مما فيه "أل" إنما دخل توصلًا إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكرات، ألا ترى أنها تجري أوصافًا على النكرات، نحو قولك: مررت برجل أبوه زيد، ونظرت إلى غلام قام أخوه، وصفة النكرة نكرة. فلما كانت تجري أوصافًا على النكرات لتنكرها أرادوا أن تكون في المعارف مثل ذلك، فلم يسغ أن تقول: مررت بزيد أخوه كريم، وأنت تريد النعت لزيد؛ لأنه قد ثبت أن الجمل نكرات، والنكرة لا تكون وصفًا للمعرفة. ولم يمكن إدخال "أل" التي للتعريف على الجملة؛ لأن "أل" هذه من خواص الأسماء، والجملة لا تختص بالأسماء إلى أن لفظ "الذي" قبل دخول "أل" لم يكن على لفظ أوصاف المعارف فزادوا في أوله "أل" ليحصل لهم بذلك لفظ المعرفة الذي قصدوه، فيتطابق اللفظ والمعنى...." ا. هـ. وقد سبقت الإشارة العابرة لبعض ما سبق في هامش ص110.
وكل ما تقدم خيالي محض يحسن إهماله، إذ لا يعرف العربي الأصل عنه شيئًا. أما التعليل الحق فهو كلام العرب وحده.
2 أي: مادته المكونة من الحروف وضبطها.....
3 في ص363.
4 سيجيء توضيح هذا وتفصيله عند الكلام على صلة الموصولة، والرابط ص373 م27.
وإليك الألفاظ الستة، ونواحي استعمالها:
1-
مَن1: أكثر استعمالها في العقلاء، نحو: خير إخوانك من واسَاك، وخَيْرٌ منه مَن كَفَاك شَرَّه. وقول الشاعر:
ولا خيْرَ فيمن لا يُوَطِّن نفسَهُ
…
على نائبات الدهر حين تنوبُ
وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما: تقول: غاب من كتب، ومن كتبتْ - ومن كَتَبَا، ومن كتَبَتَا، ومن كتبوا، ومن كتبْن.
وقد تستعمل في غير العقلاء في الأحوال الآتية:
أ- إذا كان الكلام يدور فى شىء له أنواع متعددة، مفصلة بكلمة:"مَنْ" وفى تلك الأنواع العاقل وغيره، مثل: الحيوانات كثيرة مختلفة؛ فيها من ينطق بفصيح الكلام؛ كالإنسان، ومن يغرد بصوت عذب؛ كالبلبل، ومن يصيح بصوت منكر؛ كالبومة.... ومن الأمثلة قوله تعالى2 {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ....}
ب- إذا وقع3 مِنْ غير العاقل أمر لا يكون إلا من العقلاء؛ فعندئذ نشبهه بهم، وننزله منزلتهم4 فى استعمال:"مَن". كأن تسمع البلبل يشدوبلحن شَجِىّ واضح التنغيم، فتقول: أطربنى "مَنْ" يغنى فى عشه بأطيب الأناشيد. وكأن ترى القمر يشرف عليك كإنسان ينظر إليك: فتقول: إن من يُطِل علينا من برجه العالى بين الكواكب والنجوم يصغى إلى مناجاتى وهمسى
…
وكالغريب الذى يقول للطيور المسافرة: هل فيكن من يحمل سلامى إلى أهلى وخُلَاّنىِ
…
ج- أن يكون مضمون الكلام متجهًا إلى شيء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعي أهمية العاقل؛ فتغلبه على سواه. مثل: أيها الكون العجيب، من فيك ينكر قدرة الله الحكيم؟.
1 يتردد ذكرها أحيانًا في اصطلاح النحاة باسم: "من المعرفة الناقصة""لاحتياجها لزومًا إلى الصلة التي تتمم معناها". يريدون: "من" التي هي اسم موصول. ومثلها: "ما" الموصولة، حيث يطلق عليها اسم. ما" المعرفة الناقصة، كما سيجيء في رقم1 من هامش ص351.
2 في سورة النور.
3 ولو تخيلًا منا، وتنزيلا له منزلة الذي يحصل....
4 لبيان ذلك: أنه متى نسب إلى غير العاقل شيء لا ينسب "نفيا أو إثباتا" إلا إلى العاقل أجرينا عليه حكمه من غير نظر لرأي المتكلم، أو المخاطب، أو غيرهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
كلمة: "مَنْ" سواء أكانت موصولة أم غير موصولة؛ من الكلمات المفردة المذكرة من ناحية لفظها، ولكنها من ناحية معناها قد تكون غير ذلك. ومن هنا يصح أن يعود الضمير عليها مفردًا مذكرًا1، مراعاة للفظها، وهوالأكثر2. ويجوز فيه مراعاة المعنى المراد وهوكثير3؛ فمن الأول قوله تعالى:
1 سبقت مواضع "التطابق بين الضمير ومرجعه" في "ح" من ص 262، و 268
…
وتجيء لها بقية في ص452 وما بعدها.
وإذا كانت "من" موصولة ومعناها هو المفرد المذكر، فهي مثل:"الذي""ص343" إلا أن "من" لا تكون -في أحد الآراء القوية- صفة، ولا موصوفة، بخلاف "الذي"، تقول: رجع الطائر الذي هاجر، وجاء الذي رحل الظريف، فتقع كلمة:"الذي" صفة وموصوفة، بخلاف "من" في ذلك الرأي المخالف- "راجعه في رقم 4 من ص 352 وما يتصل به في رقم 4 من هامش ص 376ط.
2 "كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص 125 وفي رقم 8 من ص 266" وإنما يكون الأكثر في الضمير مراعاة لفظها في غير الحالات الآتية: وسيشار إلى بعضها في رقم 4 من هامش ص 376:
1-
أن يحصل لبس من مراعاة لفظها، نحو: أعط من سألتك، فلا يجوز من سألك إذا كان المراد أنثى.
ب- أن يكون في مراعاة اللفظ وقوع في قبح، نحو، من هي حمراء خادمتك. بمعنى:"من هي حمراء- هي خادمتك" فيجب مراعاة المعنى، فلا يقال: من هو حمراء جاريتك، لكيلا تكون كلمة:"حمراء" المؤنثة خبرا عن الضمير المذكر.
وكذلك العكس في نحو: من هو أحمر" "جاريتك"، فلا يقال: من هي أحمر جاريتك، ليكلا يكون الخبر "وهو كلمة أحمر" مذكرا، ولمبتدأ الضمير مؤنثا.
وكذلك لا يجوز: من - هو أحمر- جاريتك، لأن المبتدأ والخبر، "هو أحمر" متطابقان في التذكير وهما صلة الموصول، ولكن اسم لموصول "من" مفرد مذكر، وخبره "جارية" مؤنث. ولا مانع من هذا. لولا أن الموصول مع صلته كالشيء الواحد، والصلة هنا متطابقة في التذكير لكن خبر الموصول مؤنث وهو بمنزلة الخبر عن الصلة، فيقع التخالف الممنوع: فكأنك أخبرت عن المذكر بمؤنث.
وقد يراعى المعنى كثيرا بعد مراعاة اللفظ، نحو قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} .
وقد يراعى اللفظ، ثم المعنى، ثم اللفظ، نحو قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، كَأَنَّ فِي أُذُنَيهِ وَقْرًا، فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم} - وستجيء الإشارة لهذا في رقم 1 من هامش ص 377.
أما مراعاة المعنى أولا، ثم اللفظ فالأفضل اجتنابه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{وَمِنْهُمْ منْ يُؤْمنُ به 1 وَمِنْهُم مَنْ لا يُؤْمِنُ به} .
ففاعل "يؤمن" مفرد مذكر؛ مراعاة للفظ "مَن". ومن الثاني قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك} وقول الفرزدق:
تعالَ، فإن عاهدتنى لا تخوننى
…
نَكُنْ مثلَ من - يا ذئبُ - يصطحبانِ
فالفاعل فى الآية واوالجماعة، وفى البيت ألف الاثنين وكلاهما ضمير عائد إلى "من" مراعاة لمعناها:
وقد اجتمع الأمران فى قوله تعالى: {بَلَى من أسْلَم وَجْهَه للهِ وهُو مُحْسِنٌ، فَلَهُ أجْرُهُ عِنْدَ رَبِهِ، ولَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . فالضمائر فى الشطر الأول من الآية مفردة مذكرة؛ مراعاة للفظ: "مَنْ". بخلافها فى الشطر الثانى فإنها للجمع؛ مراعاة لمعنى: "مَن" وقوله تعالى: {ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحاً نؤتِها أجْرَها مَرَّتين} .
ففاعل الفعل: "يقنت"؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاة للفظ:"مَنْ" أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاة لمعنى: "مَن".
1 بالقرآن.
2-
"ما"1 وأكثر استعمالها فى غير العاقل، وتكون للمفرد بنوعيه، والمثنى والجمع بنوعيهما2؛ تقول: أعجبنى ما رسمه "علىُّ" وما رسمتْه "فاطمة" - وما رسَمَاه - وما رسمتَاه - وما رسمُوه - وما رسَمْنَهُ. وقد تكون للعاقل فى مواضع:
أ- إذا اختلط العاقل بغيره، وقصد تغليب غير العاقل لكثرته: نحو قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . وقول الشاعر:
إذا لم أجِدْ فى بلدة ما أريدهُ
…
فعندى لأخْرَى عَزْمَةٌ ورِكابُ
ب- أن يلاحظَ فى التعبير أمرانِ مقترنان؛ هما: ذات العاقل، وبعض صفاته، معًا؛ نحوأكرمْ ما شئت من المجاهدين والأحرار. فكأنك تقول: أكرم من الرجال من كانت ذاته موصوفة بالجهاد، أوبالحرّية؛ فأنت تريد أمرين مجتمعين: الذات، ووصفًا آخر معها، ولا تريد أحدهما وحده. ومثل: صاحب ما تريد من الطلاب؛ العالم، والمخلص، والصالح. تريد أن تقول: صاحب من كانت ذاته موصوفة بالعلم؛ ومن كانت ذاته موصوفة بالإخلاص، ومن كانت ذاته موصوفة بالصلاح. فالمقصود أمران: الذات ومعها شىء آخر من الأوصاف الطارئة عليها.
"حـ" المبهم أمره؛ كأن ترى من بُعْد شبحًا لا تدرى أهو إنسان أم غير إنسان؛ فتقول: إني لا أتبين ما أراه، أولا أدرك حقيقة ما أراه
…
وكذلك لو علمت أنه إنسان ولكنك لا تدرى أمؤنث هو أم مذكر؟ ومنه قوله تعالى على لسان مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي}
…
1 قد يتردد ذكرها في اصطلاح النحاة أحيانا باسم: "ما المصرفة الناقصة""لاحتياجها لزوما إلى الصلة التي تتمم معناها"، يريدون التي هي اسم موصول. كما يطلق على "من" الموصولة اسم" المعرفة الناقصة"، أيضا- كما سبق في رقم من هامش ص 348. - وهي غير "ما" التي تعد حرف موصول "انظر "د" ص 411 ورقم 3 من هامشها.
2 لما كانت "ما" إحدى الموصولات المشتركة التي لفظها مفرد مذكر، ومعناها قد يكون غير ذلك، جاز في الضمير العائد إليها أن يكون مطابقا للفظها أو لمعناها، كالذي سبق في - من" الموصولة، وغير الموصولة- ص 349 وقد سبق بيان لهذا في ص 266. فكلمة: "ما" موصولة وغير موصولة- مثلها، كالمتبادر من كلام الصبان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- تصلح "من" و"ما" للأمور الخمسة الآتية:
1-
اسم موصول: مثل: قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} . وقول الشاعر:
إن شرّ الناسِ منْ يَبّسمُ لى
…
حين ألقاه، وإنْ غبت شتَمْ
2-
اسم استفهام، مثل: من عندك؟ مَا معك من المال؟
3-
اسم شرط2، مثل: منْ يعملْ سوءًا يُجْزَ به - وما تَصنعْ من خير تجدْ جزاءه خيْرًا.
4-
نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك "أى: ربّ إنسان نصحته استفاد
…
" ورُب مَنْ مُعْجَب بك ساعدَك. ورب ما كرهته تحقق فيه نفعك "أى: رب شىء كرهته" وربّ ما مكروه أفاد3
…
ومن هذا قول الشاعر:
الصّدق أرفعُ ما اعْتَزّ الرّجالُ به
…
وخيرُ ما عوَّدَ ابْنًا فى الحياةِ أبُ
والغالب: فى "من" إذا كانت نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "إنسان"، ولا بد أن يقع بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة فهى
1 هذا شطر بيت صدره: "وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو
…
" - واليد: المعروف.
2 الفرق كبير لفظا ومعنى بين نوعي "ما ومن" الشرطيتين والموصولتين، فالشرطيتان الواقعتان مبتدأ تختلفان تماما عن الموصولوتين الواقعتين مبتدأ أيضا وإيضاح هذا الفرق بين النوعين مفصل في مكانه من باب الجوازم - "حـ4 م 154 ص 320" وهو تفصيل هام، موضح بالأمثلة ومما جاء به: أن "الموصولتين" ليس فيهما تعليق شيء على آخر، وإنما يدلان على مجرد الإخبار المطلق، ولا يجزمان. بخلاف الشرطيتين، فلا بد فيهما من الجزم والتعليق معا.
3 والدليل على أن "من" و "ما" في الأمثلة السابقة نكرة موصوفة أنهما مجرورتان برب، وهي لا تجر، - غالبا - إلا النكرات. وبعدها جملة، والجملة بعد النكرة صفة.
"هذا، ولا توصل كلمة "ما" النكرة الموصوفة بكلمة: "رب" في الكتابة" وانظر رأيا آخر في رقم 1 من هامش ص 349.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نكرة غير موصوفة، وتسمى: تامة. وتكون أيضًا - بمعنى: إنسان.
كما أن الغالب في "ما" التي هي نكرة موصوفة أن تصلح لأن يحل محلها كلمة: "شيء" ولا بد أن يقع بعدها صفة لها. وإن لم يقع بعدها صفة فهي نكرة غير موصوفة، بمعنى: شيء، أيضًا، وتسمى: نكرة تامة. .....
5-
نكرة تامة "أي: غير موصوفة"، وهي التي سبقت الإشارة إليها، مثل: رُبَّ من زارنا اليوم. ربّ ما غرّد مساء. أى: ربّ إنسان زارنا، ورب شىء غرّد. فالجملة الفعلية - فى المثالين فى محل رفع، خبر.
ب- تختص "ما" دون "من" بمعان أخرى؛ منها السبعة الآتية:
1-
التعجب؛ مثل: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا.
2-
النفى؛ مثل: ما الخائن صديق، أو: صديقًا. وقول العرب: ما ذهب من مالك وما وعظك2.
3-
أن تكون كافة؛ وهي التى تدخل على العامل فتكُفّه "أي: تمنعه عن العمل، وتتركه معطلا" كأن تدخل على حرف جر، أو على ناسخ، أو نحوهما، فلا يعمل؛ مثل: ربما رجلٌ زارنا نفعناه، ربما يود المهمل لو كان سَبَّاقًا. إنما الأممُ الأخلاق. ويجب في الكتابة وصل "رُب" بكلمة:"ما" الكافة؛ لأن الذي يُفصَل هو "ما" النكرة الموصوفة؛ كما سبق3.
4-
أن تكون زائدة4 "أي: يمكن حذفها فلا يتأثر المعنى" وتقع كثيرًا بعد: "إذا" الشرطية؛ مثل: إذا ما المَجْدُ نادانا أجَبْنا
…
أو بعد غيرها مثل: قوله تعالى: {فَبِما رحمة من الله لِنْتَ لهم} وقوله: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقوا} .
"1و 1" وستجيء بعد هذا مباشرة في رقم 5.
2 "ما" الأولى نافية، أما الأخيرة فتصلح موصولة، ونكرة موصوفة، والكلام مثل قديم، يقال للحزين الذي أضاع ماله سدي، فيتعلم بعد ذلك الحذر، ويبالغ في الحيطة، فلا يضيع منه شيء ويحافظ على ماله. فضياع ماله بسبب إهماله كان الوسيلة الناجحة لصيانته، فكأنه لم يضيعه سدى.
3 في رقم 3 من هامش الصفحة السابقة.
4 لتأكيد المعنى الأساسي وتقويته. وكما تسمى "زائدة" تسمى عند بعض الأقدمين: "صلة"، شأنها عندهم شأن غيرها من سائر الحروف والكلمات الزائدة، حيث يطلقون على كل منها:"صلة"، لا فرق في هذه التسمية وبين "ما" وغيرها من كل لفظ زائد، اسما كان أو فعلا أو حرفا "وفي رقم 3 من هامش ص 373 بعض المعاني الأخرى لكلمة:"صله".
5 أي: بسبب خطيئاتهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
5-
مصدرية ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بظرف ومصدر معا1"، مثل: الصانع يربح ما أجاد صناعته. أي: مدة إجادته صناعته. وقول الشاعر يفتخر:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا
…
وإن نحن أو مأنا إلى الناس وقفوا
أي: مدة سيرنا.
وهي وحدها حرف محض، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد أمرين: معنى وظرفية معًا.
6-
أن تكون مصدرية غير ظرفية "أي: تسبك مع ما بعدها بمصدر فقط"، مثل: كوفئ المخلصون بما أخلصوا، أي: بإخلاصهم.
وهي وحدها حرف محض1، ولكن المصدر المنسبك اسم يفيد معنى مجردا، فقط.
7-
أن تكون مهيئة- "وهي التي تتصل بآخر كلمة غير شرطية. فتهيئها وتعدها لمعنى الشرط وعمله" كدخول "ما" على "حيث" في مثل: حيثما تصدق تجد لك أنصارا.
8-
أن تكون مغيرة.... "وهي الحرفية التي تلحق آخر أداة شرطية، فتغيرها إلى غير الشرط، كدخول "ما" على آخر "لو" في مثل: "لو ما" تحافظ على الميعاد. فقد تغيرت "لو" بسبب: "ما" الحرفية، وانتقلت هنا من الشرط إلى التحضيض.
9-
أن تقع صفة، مثل: لأمر ما غاب القائد. فالمراد: لأمرأي أمر. وهذه قد يعبر عنها: "بالإبهامية"، ويتفرع على الإبهام، إما الحقارة، نحو: أعط فلانا شيئا ما. تريد شيئا تافها حقيرا، وإما التفخيم، نحو: لأمر ما، هرب الحارس، تريد لأمر عظيم هرب
…
وإما النوعية، نحو: عاون عليا معاونة ما، تريد نوعا من المعاونة.
ويقول بعض المحققين من النحاة: هي في كل هذه الصور الخاصة بالصفة ليست اسما، وليست صفة، وإنما هي حرف زائد، يفيد التنبيه، وتقوية المعنى.
"1و 1" كما سيجيء في موضعه: "ص 411".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويرى أن هذا أولى. وحجته: أنه ليس في كلامهم نكرة جامدة وقعت نعتًا إلا وبعدها كلمة تماثل الموصوف تمامًا؛ نحو: مررت برجل أىِّ رجل، وأكلنا فاكهة أيَّ فاكهة. فالحكم عندهم على "ما" المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية - حكم بما لا نظير له؛ فيجب اجتنابه؛ كما يقولون.
وهذا الخلاف شكلي، لا قيمة له. والرأيان سيان، وما دامت تؤدى غرضًا معينًا. فلا أهمية بعد ذلك لجعلها حرفًا زائدًا -وهوالأسهل- أو اسمًا يعرب صفة.
3-
.... "أل" -وتكون للعاقل وغيره1، مفردا وغير مفرد، نحو: اشتهر الكاتب، أو: الكاتبة، أو: الكاتبان، أو: الكاتبتان، أو الكاتبون، أو: الكاتبات. ولا تكون موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة2، فتكون
1 ولفظها مفرد مذكر، ولكن معناها قد يكون غير ذلك. ولا يراعي في الضمير العائد عليها إلا المعنى، خوفا من اللبس- كما سيجيء في ص 377.
2 ليست "أل" هذه هنا للتعريف، في الأشهر، وإنما هي لضرب من إصلاح اللفظ وتزيينه؛ لأن اسم الموصول يتعرف بصلته. وكثير من أسماء الموصول مجرد من "أل" مع أنه معرفة، فتعريفه جاء من صلته، لا من "أل". ولو كانت للتعريف لمنعت من إعمال اسمي الفاعل والمفعول إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال، إذ تبعدهما -كما يقولون- عن شبه الفعل، وتقربهما من الجوامد؛ لأنها من خصائص الأسماء"، والأصل في الأسماء الجمود، بسبب وضعها للذوات، والجامد لا يعمل، بخلاف الفعل وما يشبهه. لكن يقول شارح المفصل "جـ 6 ص 61" إنها اسم موصول تفيد التعريف مع كونها بمعنى: الذي"
- كما سنشير في رقم 1 من هامش ص 370 والرأي الأول هو الأنسب.
وليست حرف موصول، لأنها لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، ولأنها قد تدخل قليلا على الجملة، و "أل" المعرفة لا تسبك ولا تدخل على الجملة. هذا إلى أمور أخرى دعت إلى اعتبارها اسم موصول، أهمها أمران:
أولهما: وجود ضمير بعدها لا مرجع له سواها، والضمير لا يعود إلا على اسم، نحو: قد أفلح المؤمن، وخاب الجاحد. ففي كلمة:"المؤمن" ضمير تقديره: "هو" لا مرجع له إلا "أل" التي بمعنى الذي" هنا. وكذلك تقديره في كلمة: "الجاحد"
…
وكقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ..... وقوله: {وَالعَادِيَاتِ ضَبْحَا}
…
ففي: "المؤمنون ضمير تقديره: "هم" يعود على "أل" وفي "العاديات" ضمير تقديره: "هي" أو "هن" يعود على أل" ولا مرجع لكل ضمير سوى "أل" ولا يمكن أن يكون اسم الفاعل في ثالأمثلة السابقة وأشباهها خاليا من الضمير لأسباب قوية دونها النحاة، وأثبتوا بها أن أكثر المشتقات ومن هذا الأكثر. اسم الفاعل، واسم المفعول
…
يحمل ضميرا مسترا. "كما سبقت الإشارة في رقم 2 من ص 29". "وللضمير المنصوب العائد إليها حكم خاص يجيء في رقم 3 من هامش ص 396.
ثانيهما: أن هذه الأسماء التي دخلت عليها "أل" قد يعطف عليها الفعل أحيانا، نحو قوله تعالى:{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ..... وقوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} إلى قوله {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} فالفعل: "أقرض" في المثال الأول معطوف على "المصدقين" والفعل: أثار في الجملة الثانية معطوف على "العاديات" والفعل لا يعطف إلا على فعل مثله، أو على ما يشبه الفعل كما سيجيء في جـ3 باب "العطف" والمعطوف عليه هنا ليس بفعل، فلم يبق إلا أنه يشبه الفعل لأنه أحد مشتقاته.... ومن ثم كانت "أل" الداخلة على المشتقات الصريحة المشبهة للفعل اسم موصول ليعود عليها الضمير من المشتق- وليست حرفا، كما سيجيء، فيمتنع العطف عليه.
والمراد هنا بالمشقات الصريحة "أي: الصفات الصريحة": "اسم الفاعل، واسم المفعول، اتفاقا وفي الصفة المشبهة خلاف سيجيء في ص 384 و 386 - لأنهما يدلان على الحدث والتجدد كالفعل. أما الصفة المشبهة وباقي المشتقات فتدل على الثبوت، فهي بعيدة من الفعل، قريبة من الأسماء الجامدة.
ومن ثم كانت "أل" الداخلة على "أفعل التفضيل" للعهد، وليست موصولة - كما ستجيء الإشارة في رقم 4 من هامش ص 473 ويجيء البيان في باب أفعل التفصيل جـ 3 م 112.
ولا تكون "أل" اسم موصول إذا وجد في الكلام ما يدل على أنها "للعهد" فتكون حرف تعريف، لا اسم موصول، مثل قابلت مخترعا مشهورا، فأكبرت المخترع المشهور" و "العاقل" و "المأمون" للعهد فهي أداة تعريف فقط، "وتفصيل الكلام على" "أل" التي للعهد في ص 421" أما الداخلة على المشتقات التي تعمل عمل الفعل فهي اسم موصول إذ لو كانت حرفا لكانت من خواص الأسماء كما يقولون، فلا يكون المشتق بعدها شبيها بالفعل يعمل عمله ويعطف عليه الفعل، وإنما يكون مجرد اسم فقط، على يدل الذات وحدها - وقد سبق البيان في هامش ص 356.
الصفة مع مرفوعها هنا من قسم شبه الجملة الواقع صلة؛ كما مُثل، ونحو: إن العاقل الأريب1 يحتال لأمر حتى يفوز به، والعاجز الضعيف يَتَوانى ويتردد حتى يُفلت منه.
هذا، ومع أن "أل" اسم موصول، وتعتبر كلمة مستقلة، فإن الإعراب لا يظهر عليها؛ وإنما يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها2، التي تعرَب مع مرفوعها صلة لها.
4-
"ذو" وتكون للعاقل وغيره؛ مفردًا3 وغير مفرد؛ نحو: زارنى ذوتعلَّمَ
1 العاقل.
2 أطال النحاة القول في إعراب: "أل" الموصولة التي هي اسم مستقل، أتكون مبنية على السكون في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب جملتها؟ أم تكون. "أل" معربة بحركات مقدرة وليست مبنية؟ . وما إعراب الصفة الصريحة بعدها في الحالتين؟ وما نوع الصلة كذلك؟ ....
وخير ما انتهوا إليه. أنها مع الصفة التي بعدها بمنزلة الشيء الواحد، فكأنهما المركب المزجي، يظهر إعرابه على الجزء الأخير منه "راجع هامش التصريح في هذا الموضوع، والخضري عند الكلام على بيت ابن مالك:
وصفة صريحة صلة "أل".... إلخ".
أما صلتها فقد اختاروا إدخالها في نوع: "الشبيه بالجملة"، واعتبارها منه، وليست من نوع الجملة. وبهذا الرأي يوجد نوع جديد من شبه الجملة، خاص بصلة:"أل" وحدها، إذ المعروف أن شبه الجملة - كما أشرنا في رقم 2 من هامش ص 341- نوعان فقط، هما: الظرف، والجار مع مجروره. فهذا الرأي يحدث قسما ثالثا لشبه الجملة، وهو - على ما به- أيسر الآراء، وأنسبها وأقلها مغامز- كما سيجيء في ص 388 وله إشارة في ص 370 -.
3 وهي نوع آخر يخالف "ذو" التي بمعنى "صاحب"، إحدى الأسماء الستة، والتي سبق الكلام عليها في ص 109 وتستعمل "ذو" اسم موصول، مبني على السكون المقدر على الواو في محل كذا - وهذا عند بعض القبائل العربية، "ومنها، طي، أو: طييء- والنسبة السماعية إليهما: طائي"، دون بعض آخر. ومن أمثلتها قول مسعدان الطائي:
فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا
…
هلم، فإن المشرفي الفرائض
أظنك - دون المال- ذو جئت تبتغي
…
ستلقاك بيض للنفوس قوابض
"المشرفي: السيف- الفرائض: العطايا المفروضة". وفي الجزء الثالث من كتاب "للمبرد - باب أخبار الخوارج- أمثلة أخرى متعددة.
ولفظها مفرد مذكر في جميع حالاته، لكن معناها قد يكون غير ذلك، فيراعي في الضمير العائد عليها لفظها أو معناها. والقبائل التي تستعملها مذاهب مختلفة، أشهرها ما ذكرنا هنا. ومنهم من يدخل عليها تغييرا عند استعمالها للمؤنث، فيجعل واوها ألفا، ويزيد عليها تاء التأنيث فتصير:"ذات" لتكون بعد الزيادة مثل: "التي" في الدلالة على المفردة المؤنثة.
ولكن تمتاز: "ذات" بأنها تدل بصيغتها الحالية على المثنى المؤنث أيضا، وبأنها تجمع على: ذوات" =
وذو تعلمتْ. وذو تَعَلَّما. وذو تعلمتا، وذو تعلموا، وذو تَعَلّمْنَ1. وهي مبنية على السكون المقدر على الواو، في محل رفع، أو نصب، أو جرّ، على حسب موقعها من جملتها.
5-
"ذا". وتكون للعاقل وغيره. مفردًا وغير مفرد2؛ نحو: ماذا رأيته؟ ماذا رأيتَها؟ ماذا رأيتَهما؟ ماذا رأيتهم؟. ماذا رأيتَهن؟. ويصح وضع: "مَنْ" مكان: "ما" في كل ما سبق، ومنه قول الشاعر:
مَنْ ذا يُعيرك عينه تبكى بها
…
أرأيت عينًا للبكاء تعارُ؟
وقول الآخر3:
مَنْ ذا نواصل إنْ صَرَمْتِ حبالنا
…
أو من نَحدِّثُ بعدك الأسرارا
فكلمة: "ما" أو: "من" استفهام مبتدأ، مبنى على السكون فى محل رفع. و"ذا" اسم موصول بمعنى: "الذى - أوغيره - خبر، مبنى على السكون فى محل
= لتدل على الجمع المؤنث كما تدل عليه: "اللواتي" وهي في الحالات السابقة كلها مبنية على الضم. وفي هذا يقول بن مالك:
وكالتي أيضا لديهم: "ذات"
…
وموضع "اللاتي" أتي "ذوات"
ومن المستحسن، ترك "ذو" بلهجاتها المختلفة، لغرابتها في عصرنا، وعدم الحاجة الحافزة لاستعمالها وحسبنا أن نذكرها هنا لندركها حين تتردد في النصوص القديمة، وقد وردت في بعض تلك النصوص مستعملة استعمالا دقيقا أوضحناه في باب الإضافة جـ3 م 93 ومثلها:"ذات" وكذلك في جـ2 باب الظرف ص 250 و 255م 79.
ويلاحظ أن لكلمة: "ذات" استعمالات أخرى مختلفة، منها أن تكون مجرد اسم مستقل، معناه: حقيقة الشيء وماهيته. والنسب إليها هو: "ذاتي" باعتبار لفظها الحالي، أو:"ذووي" باعتبار أصلها. طبقا للبيان الشامل الذي سيجيء في باب النسب، جـ4 م 178 ص 554 -.
1 يقول ابن مالك فيما سبق:
و"من" و "ما" و "أل" تساوي ما ذكر
…
وهكذا "ذو" عند طييء شهر
أي: أن كل واحد من هذه الأسماء "من - ما - أل" يساوي الثمانية الماضية كلها في الاستعمال من ناحية أنه وحده صالح لكل ما صلحت له الثمانية من الأنواع، مع عدم تغيير لفظه.
وكذلك "ذو" عند بعض القبائل التي منها طيء - كما سبق ثم قال عن طيء:
وكالتي أيضا لديهم: "ذات"
…
وموضع "اللاتي" أتي: "ذوات"
وقد أوضحنا معنى البيت عند الكلام على "ذو" في آخر هامش الصفحة السابقة مباشرة.
2 فهي من الألفاظ المفردة المذكرة، ولكن معناها قد يكون غير ذلك فيجوز في الضمير العائد عليها مرعاة هذا أو ذاك.
3 عمر ابن أبي ربيعة. ومثله قول شوقي:
شرف العصاميين صنع نفوسهم
…
من ذا يقيس بهم بني الأشراف؟
رفع. و"ذا" اسم موصول، بمعنى: الذي، أو غيره من أسماء الموصول المناسبة لمعنى الجملة والسباق، خبر، مبني على السكون في محل رفع ولا تكون ذا موصولة إلا بثلاثة شروط:
أولها: أن تكون مسبوقة بكلمة: "ما" أو: كلمة: "من" الاستفهاميتين؛ كما فى الأمثلة السابقة. فلا يصح: ذا رأيته، ولا ذا قابلته
…
ويغلب أن تكون للعاقل إذا وقعت: بعد "مَنْ" ولغير العاقل إذا وقعت بعد: "ما".
ثانيها: أن تكون كلمة "مَن" أو"ما" مستقلة بلفظها وبمعناها - وهوالاستفهام1 غالباً -، وبإعرابها؛ فلا تُركَّب مع "ذا" تركيباً يجعلهما معًا كلمة واحدة فى إعرابها "وإن كانت ذات جزأين" وفى معناها أيضًا - وهوالاستفهام1 غالبًا - كتركيبها كما فى نحو: ماذا السديم؟ ماذا عُطارد؟ من ذا الأول؟ من ذا النائم؟ فكلمة: "ماذا؟ كلها - اسم استفهام ومثلها كلمة: "من ذا"2.
وفى حالة التركيب التى وصفناها توصف: "ذا" ملغاة إلغاء حكميا لا حقيقيا3 لأن وجودها المستقل قد أُلْغى - أى: زال - بسبب التركيب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، وصارت جزءًا من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسم موصول.
ثالثها: ألا تكون "ذا" اسم إشارة، فلا تصلح أن تكون اسم موصول؛ لعدم وجود صلة بعدها، وذلك بسبب دخولها على مفرد؛ نحو: ماذا المعدن؟ ماذا الكتاب؟ من ذا الشاعر؟ من ذا الأسبق4؟
تريد: ما هذا المعدن؟ ما هذا الكتاب؟ من هذا الشاعر؟ من هذا الأسبق؟
"1، 1" انظر "ب" من ص 361.
2 فتعرب كل كلمة بجزأيها في الأمثلة السالفة، مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، أو خبرا مقدما.
3 انظر البيان الآتي في: "أ" من الزيادة والتفصيل - ص 360.
4 وفي هذا يقول ابن مالك:
ومثل "ما""ذا" بعد: "ما" استفهام
…
أو "من" إذا لم تلغ في الكلام
أي: أن "ذا" تشبه" "ما" في أنها صالحة لجميع الأنواع مع عدم تغير لفظها، وذلك بشرط أن تقع بعد "ما" التي للاستفهام، أو: "من" التي للاستفهام أيضا. واكتفى بهذا الشرط، وترك باقي الشروط، لضيق النظم، وقد ذكرناها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- عرفنا أن "ذا" قد تركب مع "ما" أو"من" الاستفهاميتين، فينشأ من التركيب كلمة واحدة إعرابها - وإن كانت ذات جزأين - وفى معناها وهوالاستفهام غالبًا، مثل: ماذا الوادى الجديد؟ من ذا المنشئ لمدينة القاهرة؟ وتسمى "ذا": الملغاة إلغاء حُكميًّا؛ لا حقيقيًّا؛ لأنها من حيث الحقيقة والواقع موجودة فعلا. ولكن من حيث اندماجها فى غيرها، وعدم استقلالها بكيانها، وبإعراب خاص بها - تُعَدّ غير موجودة. ومن أمثلتها قول جرير:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم
…
لا يستفقن إلى الديرين تحنانا
أما إلغاؤها الحقيقى فيكون باعتبارها كلمة مستقلة بنفسها، زائدة، يجوز حذفها وإبقاؤها. ويترتب على تعيين نوع الإلغاء بعض أحكام؛ منها:
1-
أن كلمة: "ذا" فى الإلغاء الحقيقى لا يكون لها محل من الإعراب، فلا تكون فاعلا، ولا مفعولا، ولا مبتدأ، ولا غير ذلك؛ لأنها لا تتأثر بالعوامل؛ ولا تؤثر فى غيرها - شأن الأسماء الزائدة عند من يجيز زيادتها، وهم الكوفيون وتبعهم ابن مالك - بخلافها فى الإلغاء الحكمى؛ فإنها تكون جزءًا أخيرًا من كلمة، وهذه الكلمة كلها - بجزأيها - مبنية على السكون دائمًا فى محل رفع - أونصب، أو: جر، على حسب موقعها من الجملة، "مبتدأ، وخبرًا، وفاعلا، ومفعولا
…
إلخ". ومما تصلح فيه لنوعى الإلغاء قول الشاعر:
منْ ذا الَّذى ما سَاءَ قَـ
…
ـطُّ وَمَنْ لهُ الحُسْنَى فقطْ
2-
وفى الإلغاء الحقيقى يجب تقديم "من" و"ما" الاستفهاميتين فى أول جملتهما حتما، كالأمثلة السابقة؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة فى جملته. بخلاف الإلغاء الحكمى، فيجوز معه الأمران: إمَّا تقديم الاستفهام بكامل حروفه فى جزأيه على عامله، وإما تأخيره عنه، فلا يكون للاستفهام وجوب الصدارة؛ وفى هذه الصورة يعرب معمولا متأخرًا لعامل متقدم عليه؛ تقول: مَاذا صنعت، أوصنعت ماذا1؟ ....
فالاستفهام هنا معمول لعامله المتأخر عنه أو المتقدم عليه.
1 راجع الصبان، جـ1 باب الموصول، عند الكلا م على:"ذا" الموصولة. وجاء في حاشية ياسين على التوضيح "جـ 2 باب: النواصب"، عند الكلام على:"كي" ما نصه: "قال ابن مالك: إن "ما" الاستفهامية إذا ركبت مع: "ذا" لا يلزم صدريتها، فيعمل ما قبلها فيما بعدها، رفعًا نحو: كان ماذا؟ أو نصبًا، كقول أم المؤمنين: أقول ماذا؟
…
" اهـ.
وفي هذا النص اقتصار على التركيب مع "ما" الاستفهامية، أما النصوص الأخرى - كالتي في الصبان - فصريحة في:"من" و "ما" الاستفهاميتين، وفي أنها تركب مع غيرهما أحيانا من بعض ألفاظ ليس لها الصدارة - وستجيء في:"ب".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3-
وفي الإلغاء الحقيقي تحذف ألف "ما" الاستفهامية في حالة الجر مثل: عمّ "ذا" سألت؟ تطبيقًا للقاعدة المعروفة؛ "وهي: حذف ألف "ما" الاستفهامية عند جرها". بخلاف الإلغاء الحكمي لأن أداة الاستفهام فيه هي "ماذا" وليست "ما". وحدها.
ب- لا يقتصر إلغاء "ذا" على تركيبها مع "ما" أو "من" الاستفهاميتين فذلك هو الغالب -كما قلنا؛ فقد يقع الإلغاء بتركيبها مع "ما" أو "من" الموصولتين، أو النكرتين الموصوفتين؛ فتنشأ كلمة واحدة هي:"ماذا" أو: "من ذا" فنعربها اسم موصول، أو نكرة موصوفة. فالأولى مثل قول الشاعر:
دَعِى ماذا علمْتِ سأتقيه
…
ولكنْ بالمُغَيَّب خبِّريني
فماذا، كلها اسم موصول مفعول "دعى". وصلته جملة:"علمت" لا محل لها. ويرى "الفارسى" وأصحابه أن "ماذا" نكرة موصوفة. مفعول "دعى" وليست موصولة: لأن "ماذا" كلمة واحدة، ولكنها مركبة من شطرين؛ والتركيب كثير من أسماء الأجناس - ومنها النكرة الموصوفة -، قليل فى أسماء الموصول، وتكون جملة:"علمت" فى محل نصب صفة النكرة. أى: دعى شيئًا علمته.
مما تقدم في "أوب" نعلم أننا إذا أردنا إعراب مثل: "ماذا رأيته فى المعرض"؟ أو: "من ذا رأيته؟ " جاز لنا أن نجعل "ماذا" و"من ذا" بشطريهما كلمة واحدة، اسم استفهام مبتدأ. وأن نجعل "ما" أو"من" استفهام مبتدأ و"ذا" زائدة لا محل لها من الإعراب. والخبر في كل ما سلف هو الجملة الفعلية.
ويجوز أن تكون "ذا" فى الحالتين السالفتين اسم موصول بمعنى الذى، خبر. ويجوز فى أمثلة أخرى أن تكون "ماذا" و"من ذا" بشطريهما موصولتين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو نكرتين موصوفتين على حسب ما أوضحنا
…
و
…
و....
ويظهر أثر الإلغاء وعدمه في توابع الاستفهام؛ كالبدل منه؛ وفي الجواب عنه. ففي مثل: ماذا أكلت؛ أتفاحًا أم برتقالًا؟ بنصب كلمة؛ "تفاح" يكون النصب دليلا على أن الإلغاء هنا حكمي؛ لأن "ماذا" مفعول مقدم "لأكلت". أما لو قلنا: ماذا أكلت؟ أتفاح أم برتقال؟ فإن كلمة "التفاح" المرفوعة يصح أن تكون بدلا من "ذا" الواقعة خبرًا عن كلمة: "ما" فلا يكون هنا إلغاء.
وكالمثال السابق في صحة الرفع والنصب كلمّة: "نحْب" في قول الشاعر:
ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ؟
…
أنحْبٌ فيُقضَى، أم ضلالٌ وباطلُ؟
ومثله من ذا أكرمت؟ أمحمدًا أم محمودًا؟، بنصب الاسمين أوبرفعهما على الاعتبارين السالفين.
أما الجواب عن الاستفهام ففى مثل: ماذا كتبت فى الرسالة؟ فتجيب: خيرًا، أو: خير. فالرفع على اعتبار كلمة: "ذا" اسم موصول "مبدل منه" والنصب على اعتبارها ملغاة.
والحكم بجواز الأمرين في الجواب ملاحظ فيه" الاستحسان المجرد"، فمن المستحسن - كما قالوا - أن يكون الجواب مطابقا السؤال اسمية وفعلية. 2 ومن الأمثلة قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْو} -أي: الزيادة- بالنصب وبالرفع وقوله تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} ، أو خير.
ج- فى نحو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يصح في كلمة: "ذا" الإلغاء الحقيقي أو الحكمي. وفي الحالتين تكون كلمة: "الذي" خبرًا. ويصح أن تكون "ذا" اسم موصول بمعنى "الذي" خبر "من". وتكون كلمة: "الذي" الموجودة توكيدًا لفظيًّا لكلمة: "ذا" التي هي اسم موصول بمعناها.
"ملاحظة": يصح في بعض الصور التي سبقت "في: أ، ب، ج" إعرابات أخرى لا حاجة إليها هنا.
1 ويصح أن يكون حقيقيًّا.
2 راجع الصبان.
6-
"أيّ" وتكون للعاقل وغيره. مفردًا، وغير مفرد؛ تقول؛ يسرني أيٌّ هو نافع. يسرني أيٌّ هي نافعة. يسرني أيٌّ هما نافعان. يسرني أيٌّ هما نافعتان. يسرني أيّ هم نافعون. يسرني أىّ هن نافعات.
وتختلف "أيٌّ" في أمر البناء والإعراب؛ عن باقي أخواتها من الموصولات المشتركة، فأخواتها جميعًا مبنية، أما هي فتُبْنى في حالة واحدة، وتعرب في غيرها.
فتُبْنَى إذا أضيفت وكانت صلتها جملة اسمية2، صَدْرُها -وهوالمبتدأ- ضمير محذوف؛ نحو: يعجبني أيّهم مغامرٌ. سأعرف أيُّهم مغامر. سأتحدث عن أيُّهم مغامرٌ. والأصل: أيهم هو مغامر. فإن لم يتحقق شرط من شروط بنائها وجب إعرابها. ولهذا تعرب في الحالات الآتية:
أ- إذا كانت مضافة، وصلتها جملة اسمية، بشرط أن يكون صدر هذه الجملة "وهو؛ المبتدأ" ضميرًا3 مذكورًا؛ نحو: سيزورني أيُّهم "هو أشجعُ"، سأصافح أيَّهم "هو أشجعُ"، وسأُقبل على أيِّهم "هو أشجعُ".
ب- إذا كانت غير مضافة وصلتها جملة اسمية ذُكر في الكلام صدرها الضمير، مثل: سيفوز أيٌّ "هو مخلص"، سنكرم أيًّا "هو مخلص"، سنحتفي بأيٍّ "هو مخلص".
ج- إذا كانت غير مضافة، وصلتها جملة اسمية لم يُذْكرُ صدرُها الضمير؛ نحو: سيسبق أىٌّ خبيرٌ، وسوف نذكر بالخير أيًّا محسنٌ، ونعنى بأىٍّ بارعٌ4.
1 ليس بين الأسماء الموصولة المشتركة وغير المشتركة ما يجوز إضافته إلا "أي" في بعض حالاتها. وسيجيء في الزيادة - ص 365 - بعض الأحكام الخاصة بها. ومنها أنه يستحسن استقبال عاملها، وأن يتقدم عليها.
2 وهي المبتدأ مع خبره، أو ما يغني عن الخبر.
3 لا فرق في هذا الحكم وما بعده بين أن يكون صدرها ضميرا كما مثلنا- وغير ضمير- كما سيجيء في "د" -، نحو: سيزورني أيهم محمود خير منه. ولكن الضمير هو الأعم، حتى اقتصر عليه أكثر النحاة.
4 وفي "أي" وأحوالها يقول ابن مالك:
"أي" كما، وأعربت ما لم تضف
…
وصدر وصلها ضمير انحذف
ومعنى البيت: "أي" مثل "ما" الموصولة في أن كلا منهما اسم موصول صالح للمفرد وغير المفرد، والعاقل وغيره. لكن الحقيقة أن بينهما بعض فروق، منها: أن "ما" مبنية دائمًا، وأنها لغير العاقل في الأغلب. أما "أي" فتبنى في حالة واحدة، وتعرب في عدة حالات غيرها، وأنها للعاقل وغير العاقل....
د- وتعرب أيضًا إن كان صدر صلتها اسمًا ظاهرًا؛ نحو: تزور أيَّهم "محمد مكرمه". أو: فعلا ظاهرًا، نحو: سوف أثنى على أيِّهم يتسامى بنفسه، أوفعلا مقدرًا، نحو: سأغضب على أيِّهِم عندك1.
1 والفعل هنا محذوف: لأن" عند" ظرف، ولا يتعلق الظرف- وكذا الجار مع مجرره- في باب:"الموصول" إلا بفعل محذوف تقديره: "استقر" مثلا-، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة.
وإنما وجب أن يكون "المتعلق به" المحذوف - في باب الموصول - فعلا لتكون الصلة جملة فعلية، إذ لا بد أن تكون جملة فعلية. إلا صلة "أل" فإنها لا تكون إلا "صفة صريحة" مع مرفوعها- كما سبق في رقم2 من هامش ص356.
وصلة "أل" هذه تعد قسما ثالثا من أقسام "الشبيه بالجملة" وهو قسم خاص بها وحدها في باب الموصول. أما في غير باب الموصول فيكون الشبيه بالجملة أمران. الظرف، والجار مع مجروره. ويكون كلاهما إما متعلقا بفعل محذوف، وإما باسم مشتق بمعنى ذلك المحذوف "كما سيجيء هنا في رقم 1 من هامش ص 384 وفي باب المبتدأ والخبر ص 475".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
يسوقنا الكلام على "أيّ" إلى سرد أنواعها المختلفة1. وهي ستة -كلها معربة إلا "أيّ" التي تكون وُصْلة للنداء، وإلا واحدة من حالات "أيّ" الموصولة، وقد سبقت هنا- وفيما يلي إيضاح موجز للستة:
1-
موصولة. والمسْتَحْسَنُ أن يكون عاملها مستقبلا، ومتقدمًا عليها. ويجب أن تضاف لفظًا ومعنًى، معًا، أو معنًى فقط - بأن يحذف المضاف إليه بقرينة، طبقًا للبيان الذي في باب الإضافة1، وأن تعرب أو تبنى، على حسَب ما شرحنا2. وإذا أضيفت فإضافتها إلى المعرفة أقوى وأفضل. ويحسن الاقتصار على هذا الرأي. لأنه المعتمد عليه عند جمهرة النحاة كالاقتصار على الرأي الذي يلتزم في لفظها الإفراد والتذكير، دون اتباع اللغة الأخرى التي تبيح أن تلحقها تاء التأنيث، إذا أريد بها المؤنث نحو:"أية" وتلحقها كذلك علامة التثنية والجمع. فيقال فيهما: أيان أيتان - أيون - أيات.... بالإعراب في جميع أحوال المثنى والجمع
…
لأن التثنية والجمع من خصائص الأسماء المعربة في الغالب ولك أن تصرح بالمضاف إليه، كأن تقول: أيتهن - أياهم - أيتاهن - أيوهم- أياتهن
…
وعلى هذه اللغة التي سلجها الأشموني والصبان - لا تكون "أي" من ألفاظ الموصول المشترك.
2-
أن تكون اسم شرط معربة؛ فتضاف إما للنكرة مطلقًا3؛ نحو: أىُّ حكيم تصادقْ أصادقْ، وأيُّ رِفاق تصاحبْ أصاحبْ
…
وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدّد صراحة أو تقديرًا4 أو عطفا بالواو5؛ فمثال التَّعدد الصريح: أيُّ الأشراف تسايرْ أسايرْ. ومثال التعدد المقدّر - وهو الذي يلحَظ فيه ما يكون في الفرد الواحد من أجزاء متعددة6، مثل: أيُّ
"1و 1" سيجيء الكلام مفصلا هاما على الاستفهامية، والشرطية، والنعتية، والحالية في المكان المناسب لها من جـ 3 باب "الإضافة"، م 95 - أما التي تكون وصلة للنداء في باب:"النداء"، أول الجزاء الرابع.
2 في ص 363.
3 أي: سواء أكانت المفرد، أم لغيره.
"4و 4" المتعدد الصريح هو الذي له أفراد كثيرة حقيقية، بأن يكون لكل فرد منها أجزاؤه الخاصة التي يتكون منها مجموعة كاملا، ويقوم عليها تركيبه تاما.
أما المتعدد تقديرا فهو الفرد الواحد الذي له أجزاء متعددة يتركب من انضمام بعضها، إلى بعض.
5 المراد: عطف معرفة مفردة - وهي التي لا تدل على متعدد- على نظيرتها.
6 وكذلك ما قد يكون له من أنواع مختلفة، مثل: أي المعدن تتخيره أوافق عليه. تريد: أي أنواع المعدن
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محمدٍ تستحسنْ أستحسنْ. تريد: أيُّ أجزاء محمد تستحسنْ أستحسنْ. ومثل التعدد بالعطف بالواو: أيي وأيك يتكلمّ بحسنْ الكلام، بمعنى: أينُّا
…
وإضافتها واجبة لفظًا ومعنى معا، أو معنى فقط، لحذف المضاف إليه بقرينة - طبقًا لما سيجيء في باب الإضافة. ح3.
3-
أن تكون اسم استفهام، معربة، فتضاف إما للنكرة مطلقًا؛ نحو: أىُّ كتاب تقرؤه؟ وأىُّ صحف تفضلها؟
…
وإما لمعرفة بشرط أن تكون المعرفة دالة على متعدد صريح، أومقدر، أوعطفًا عليها بالواومعرفة مفردة؛ نحو: أىّ الرجال أحق بالتكريم؟ ونحو: أىُّ علىّ أجمل؟ تريد: أىّ أجزاء علىّ أجمل؟ ونحو: أيى وأيك فارس الأحزاب؟.
وإضافة "أىّ" الاستفهامية واجبة لفظًا ومعنى معًا، أومعنى فقط؛ بحذف المضاف إليه؛ لقرينة، كما سيجئ فى ج3 - باب الإضافة.
4-
أن تكون اسمًا معربًا، نعتًا يدل على بلوغ المنعوت الغاية الكبرى في مدح أو ذم، ويشترط أن يكون المنعوت نكرة -في الغالب1- وأن تكون "أىّ" مضافة لفظًا ومعنى إلى نكرة مذكورة بعدها، مشاركة للمنعوت فى لفظه ومعناه، نحو: استمعت إلى عالمٍ أىِّ عالمٍ. فإذا أضيفت2 إلى نكرة وكانت هذه النكرة اسما مشتقًّا كان المدح المقصود أو الذم هو المعنى المفهوم من المشتق؛ أي: المعنى المجرد الذي يدل عليه هذا المشتق؛ فإذا قلنا: رأينا فارسًا، أيَّ فارس
…
فالمعنى المقصود من المدح، هو:"الفروسية" المفهومة من المشتق "فارس" وإذا قلنا: احترسنا من خائن أيِّ خائن
…
فالمعنى المراد من الذم هو "الخيانة" المفهومة من المشتق "خائن". أما إذا أضيفت إلى نكرة غير مشتقة فإن المدح أو الذم يشمل جميع الأوصاف الذي يصح أن توصف بها هذه النكرة؛ فمن يقول لآخر: إني مسرور بك؛ فقد رأيتك رجلا
1 لأنه يصح - مع قلته- أن يكون معرفة. ويترتب على هذا أن يتبعه في التعريف المضاف إليه بعد "فيكون معرفة مثله، ولا يصح أن يتخالفا في هذا. وسيجيء البيان في جـ3 باب الإضافة والنعت "ص 104 و 116 م 95 وما بينها"، ثم في "ص 444 م 114 و 452"، ومنه يتضح صحة "الأسلوب الشائع في مثل: استراح المسافر أي استراحة، وتمتع أي تمتع، بشرط أن يكون المصدر محذوفا في هذه الأساليب ونابت عنه "أي" التي كانت في الأصل نعتا له. وهو: استراحة أي استراحة، وتمتعا أي تمتع - كما سيجيء في جـ 2 ص 175 م 75 في بيان حذف المصدر -.
2 ما يأتي سيذكر مرة أخرى في جـ3، باب "الإضافة" - م 95 - ص 104 وما بعدها عند الكلام على "أي".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيَّ رجل،
…
فكأنما يقول: رأيتك رجلا جمع كل الصفات التي يمدح بها الرجل. ومن يقول عن امرأة أساءت إليه: إنها امرأة أيُّ امرأة
…
فإنما يقصد أنها جمعت كل الصفات التي تذم بها المرأة.
والأغْلب في النكرة التي هي المضاف، والتي ليست مصدرًا؛ لأن المصدر قد يحذف وتنوب عنه صفته، أن تكون مذكورة في الكلام، ومن الشاذ الذي لا يقاس عليه ورود السماع بحذفها في قول القائل1:
إذا حارب الحجاج أيَّ منافق
…
علاه بسيف كلما هز يقطع
يريد: منافقًا أيّ منافق.
ويقول النحاة: "إن هذا في غاية الندور"2 فلا يصح محاكاته، ثم يزيدون التعليل: أن الغرض من الوصف "بأيّ" هو المبالغة في المدح أو الذم، والحذف مناف لهذا فمن المحتم عندهم ذكر الموصوف، الذي ليس بمصدر، هذا كلامهم3.
5-
أن تكون حالا بعد المعرفة، دالة على بلوغ صاحبها الغاية الكبرى في مدح أو ذم4. ويشترط أن تكون مضافة لنكرة مذكورة بعدها؛ نحو: أصغيت إلى عليّ أيَّ خطيب، فلا بد من إضافتها لفظًا ومعنى معًا.
6-
أن تكون وُصلة لنداء ما فيه "أل"، نحو:{يَأيّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمْ} . وهذه مبنية قطعًا.
ولكل نوع من الأنواع السابقة أحكام هامة -لفظية ومعنوية- مفصلة في الأبواب الخاصة به، ولا سيما بابي "الإضافة والنداء" غير أن الذى عرضناه الآن للمناسبة العابرة هو أحكام موجزة، عرفنا منها: أن "أيًّا" الشرطية والاستفهامية يضافان إلى النكرة تارة كما يضافان إلى المعرفة تارة أخرى. ولكن بشرط.
1 ينسب البيت الآتي للفرزدق.
2 الهمع جـ1 باب الموصول ص 93.
3 لكن سيجيء في باب: "الإضافة" - جـ3 م 95 ص 112 وما بعدها عند الكلام عليها- أني رأيتها محذوفة أيضا في كلام للإمام على بن ابي طالب ونصه: "كما جاء في ص 78 من كتاب: "سجع الحمام في حكم الإمام، لعلى الجندي وزميليه":"أصحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك بمثله " أهـ. وورودها في نثر الإمام على أفصح البلغاء فوق ورودها في البيت السابق قد يبيح استعمالها وإن كان هذا الاستعمال قليلا. وحسبنا أنه مسموع في النثر وفي الشعر من أفصح العرب. هذا بعض الأدلة المدونة هناك ومنها أيضا إعراب فريق من المفسرين لقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكْ} .
4 على الوجه المراد منهما في النعت - وقد تقدم في رقم 4 ص 366.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما عرفنا أن كلمة: "أي" الواقعة نعتًا، أو حالا تضاف للنكرة دون المعرفة في الأغلب1 نحو: فرحت برسالة أيّ رسالة. انتصر محمود أيَّ قائد. وأما التي هي وصلة لنداء ما فيه "أل" فلا تضاف مطلقًا، وهي مبنية. وكذلك "أي" الموصولة فإنها مبنية في إحدى حالاتها التي أوضحناها. أما بقية أنواع "أي"؛ من شرطية، استفهامية،
…
و.... فمعربة.
ولما كانت "أي" الشرطية والاستفهامية تضاف للنكرة حينًا وللمعرفة حينًا آخر على الوجه السالف - كانت عند إضافتها للنكرة بمنزلة كلمة: "كل" المراد منها المضاف إليه كاملا؛ فيراعى فيما يحتاج معها للمطابقة - كالخبر، والضمير
…
عود الضمير عليها مراعاة المعنى - غالبًا - فيطابق المضاف إليه، تذكيرًا، وتأنيثًا؛ وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا؛ تقول؛ أى غلام حضر؟ أى غلامين حضرا؟ أى غلمان حضروا؟ أى فتاة سافرت؟ أى فتاتين سافرتا؟ أى فتيات سافرن؟
أما عند إضافتها إلى معرفة فتكون بمنزلة كلمة: "بعض"، المراد منها بعض أجزاء المضاف إليه؛ فيراعى فى عود الضمير عليها وفى كل ما يحتاج للمطابقة معها أن يكون مطابقًا للفظ المضاف، وهو:"أى" فيكون مفردًا، مذكرًا كلفظها. وهذا هوالغالب: فنقول: أى الغلامين حضر؟
…
أى الغلمان حضر؟ وهكذا الباقى2. كما تقول ذلك عند الإتيان بلفظ: "كل وبعض"
…
ويرى بعض النحاة أنه لا مانع فيهما من مراعاة اللفظ أومراعاة المعنى، فيجوز عنده الأمران. وفى هذا تيسير محمود لا يمنع من الأخذ به مانع، فنستريح من التقسيم وآثاره إلا أن الأول أفصح وأقوى.
وإلى هنا انتهى الكلام على الألفاظ الستة العامة "أى: المشتركة".
1 قد تضاف "أي" النعتية للمعرفة قليلا كما سبق في رقم 1 من هامش ص 366، وكما يجيء في الجزء الثالث، بابي:"الإضافة والنعت".
2 إيضاح هذا كله - ولا سيما تذكير لفظة "أي" وتأنيثها- في موضعه المناسب، وهو باب الإضافة جـ 3 م 95 ص 104 و 106 وما بعدهما.
ويتلخص كل ما سبق من الألفاظ المختصة والمشتركة في الجدول الآتي:
يوجد جدول يسحب إسكانر
فللمفرد المذكر لفظة واحدة، وكذلك لمثناة، وكذلك جمعه، فلهذه الثلاثة ثلاثة ألفاظ.
وللمفرد المؤنثة لفظة واحدة، وكذلك مثناها. أما جمعها فله لفظتان مختومتان بالياء، أو غير مختومتين. فهذه أربعة.
وللجمع بنوعيه لفظة واحدة، تستعمل مقصورة أو ممدودة.
فمجموع الألفاظ كلها ثمانية.
ب- الألفاظ الستة العامة، "أي: المشتركة":
يوجد جدول يسحب إسكانر
1 هي اسم موصول. وهل تفيد تفيد ما دخلت عليه التعريف أو لا تقيده؟ . رأيان سبق بيانهما في رقم 2 من هامش ص356، فصاحب المفصل "ج6 ص61" يقول أنها تفيد التعريف، وغيره يخالفه. وهي مغايرة للنوع الداخلي على أسماء الموصول، كالذي، والتي فهذا النوع الداخل على الموصول زائد زيادة لازمة، كما يقول صاحب المفصل وغيره، وكما جاء بتفصيل أشمل في حاشية:"ياسين" على "التصريح"، أول باب:"النكرة والمعرفة" انظر البيان المفيد في رقم2 من هامش ص356.
2 وهذان النوعان متفق عليهما. أ/االصفة المشبهة ففيها خلاف شديد، وسيجيء بيان لهذا في ص384.
3 في رقم 2 من هامش ص357 وفي ص372 و388.
كيفية إعراب أسماء الموصول:
أ- جميع الأسماء الموصولة المختصة مبنية، إلا اسمين للمثنى معربين، هما:"اللذان""واللتان". وما عدا هذين الاسمين المعربين يلاحظ مع بنائه موقعه من الجملة، أفاعل هو، أم مفعول به
…
أم مبتدأ، أم خبر
…
أم غير ذلك؟ فإذا عرفنا موقعه، وحاجة الجملة إليه، نظرنا بعد ذلك إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا اهتدينا إلى الأمرين؛ "موقعه من الجملة، وحالة آخره"، قلنا في إعرابه: اسم موصول مبني على السكون، أو على حركة كذا، في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب الجملة؛ "فالذى" مبنية على السكون دائمًا، ولكنها في محل رفع، أونصب، أوجر على حسب موقعها من الجملة؛ ففى ملث: سافر الذى يرغب فى السياحة، مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وفي مثل: ودعت الذى سافر، مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وفي مثل: أشرت على الذي سافر بما ينفعه، مبنية على السكون في محل جر بعلى.
ومثل هذا يقال في باقي الأسماء الموصولة المختصة؛ سواء منها ما كان مبنيًّا على السكون أيضًا؛ وهو: "التي"، و"أولَى" مقصورة، واللاتي، واللائي. أو مبنيًّا على الكسر؛ وهو:"أولاءِ"، و"اللاتِ" و"اللاءِ". أومبنيًّا على الفتح وهو:"الذينَ"1.
أما الاسمان الخاصّان بالتثنية؛ وهما: "اللَّذانِ" و"اللَّتان"، رفعا. و"اللَّذَيْنِ" و"اللَّتينِ"، نصبا وجرا، فالأحسن - كما سبق2 - أن يكونا معربين كالمثنى؛ فيرفعان بالألف، وينصبان ويجران بالياء.
ب- وجميع الأسماء الموصولة العامة "أي: المشتركة" مبنية كذلك؛ إلا "أيّ"؛ فإنها تكون مبنية في حالة، وتكون معربة في غيرها، على حسب ما أوضحنا3.
1 ومن ينطقون بها الواو رفعا يعربونها، ويجعلونها في حكم الملحق بجمع المذكر، فيقولون: اللذون حضروا كرماء. إن الذين حضروا كرماء. أسرعت إلى الذين حضروا. فهي في المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو، وفي المثال الثاني اسم "إن" منصوب بالياء، وفي الثالث مجرور بإلى، وعلامة جره الياء..... وقيل إنها مبنية على الواو والياء في الصور السالفة وأشباهها- كما تقدم في رقم 1 من هامش ص 346 -.
2 في ص 343.
3 في ص 363.
والأساس الذي نتبعه في الموصولات العامة هو الأساس الذي بيناه في الموصولات المختصة؛ بأن ننظر أوّلا إلى موقع اسم الموصول المشترك من جملته؛ أمبتدأ هو، أم خبر، أم فاعل، أم مفعول
…
أو
…
؟ فإذا عرفنا موقعه نظرنا إلى آخره؛ أساكن هو أم متحرك؟ فإذا أدركنا الأمرين قلنا عنه: إنه مبني على السكون أو على حركة "كذا" في محل رفع، أو نصب، أو جر. لأنه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو مفعول به، أو مضاف إليه
…
أو
…
فكلمة "مَنْ" مبنية على السكون دائمًا، ولكن في محل رفع، أو نصب، أو جر، فهي في مثل، قعد "مَن" حضر - مبنية على السكون في محل رفع؛ لأنها فاعل. وهي في مثل: آنستُ "مَنْ" حضر مبنية على السكون في محل نصب؛ لأنها مفعول به. وهي في مثل: سعدتُ "بمن" حضر - مبنية على السكون في محل جر؛ لأنها مجرورة بالياء.
وهكذا يقال فى: "ما" و: "ذو" وفى: "ذا" الواقعة بعد "ما" أو"من" الاستفهاميتين1.
أما "أل" الموصولة2 فالأحسن ألا نطبق عليها الأساس السابق؛ فلا ندخل فى اعتبارنا أنها مبنية، ولا ننظر إلى آخرها؛ وهواللام - وإنما ننظر معها إلى الصفة الصريحة التى بعدها، ونجرى على الصفة وحدها حركات الإعراب؛ ففى مثل: الناصح الأمين خير مِعوان فى ساعات الشدة، يلجأ إليه المكروب فينقذه بصائب رأيه - نقول:"الناصح" اسم إن منصوب، "الأمين" صفة منصوبة. "المكروب" فاعل مرفوع3.
1 نحو: ماذا قرأته؟ من ذا رأيته؟ فما أومن، اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون محل رفع، وذا: اسم موصول خبر مبني على السكون في محل رفع- كما قلنا آنفا "ص 358 وما بعدها".
2 وقد سبق - في رقم 2 من هامش ص 357 أنها لا بد أن تتصل بصفة صريحة، تكون هي ومرفوعها، صلة "أل" وفي هذه الحالة تعتبر الصلة من قسم "شبه الجملة". كما تعتبر "أل" مع الصفة بمنزلة "المركب المزجي" يجري الإعراب على آخر الجزء الثاني عنه.
3 ولا داعي لأن نعتبر "أل" في مثل هذه المواضع كلمة مستقلة بنفسها، كي لا نقع في كثير من التعقيد المرهق، أشرنا إلى بعضه فيما سلف، وسيجيء أيضا في ص 388.