المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل - النحو الوافي - جـ ١

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌ الكلام وما يتألف منه

- ‌المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:

- ‌المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه

- ‌المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم

- ‌المسألة الخامسة: الحرف

- ‌ الإعراب والبناء

- ‌المسألة الثامنة: الأسماء الستة

- ‌المسألة التاسعة: المثنى

- ‌المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم

- ‌المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم

- ‌المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم

- ‌المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف

- ‌المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة

- ‌المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر

- ‌المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر

- ‌ النكرة والمعرفة

- ‌المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة

- ‌المسألة الثامنة عشرة: الضمير

- ‌المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب

- ‌المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله

- ‌المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية

- ‌المسألة الثانية والعشرون: العلم

- ‌المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم

- ‌المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها

- ‌المسألة السادسة والعشرون: الموصول

- ‌المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد

- ‌المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية

- ‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

- ‌المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة

- ‌المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة

- ‌ المبتدأ والخبر وما يتصل بهما

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر

- ‌المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة

- ‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً

- ‌المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر

- ‌المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ

- ‌المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء

- ‌نواسخ الابتداء "كان وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير

- ‌المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها

- ‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

- ‌المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان

- ‌المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب

- ‌ الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ

- ‌ أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء

- ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها

- ‌لا" النافية للجنس

- ‌مدخل

- ‌المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف

- ‌المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا

- ‌المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

1

1-

زارني صديق - زارني صديق؛ فأكرمت الصديق.

2-

اشتريت كتابًا - اشتريت كتابًا؛ فقرأت الكتاب.

3-

تنزهت في زورق - تنزهت في زورق؛ فتهادى الزوْرق بي.

كلمة: "صديق" في المثال الأول مبهمة: لأنها لا تدل على صديق مُعَين2 معهود؛ فقد يكون محمدًا، أو: عليًّا، أو: محمودًا، أو: غيرهم من الأشخاص الكثيرة التى يصدق على كل واحد مهم أنه: "صديق"، فهي نكرة. لكن حين أدخلنا عليها "ألْ" دلت على أن صديقًا معينًا -هوالذى سبق ذكره- قد زارني دون غيره من باقي الأصدقاء.

ومثلها كلمة: "كتاب" في المثال الثاني، فإنها مبهمة لا تدل على كتاب مُعَيَّن؛ بل تنطبق على عشرات ومئات الكتب؛ فهي نكرة؛ والنكرة لا تدل على معين -كما عرفنا- لكن حين أدَخلنا عليها:"أل" وقلنا: "الكتاب" صارت تدل على أن كتابًا معينًا -هوالذي سبق ذكره- قد اشتريته.

ومثل هذا يقال في كلمة "زوْرق"؛ فإنها نكرة لا تدل على زوْرق معروف. وحين أدخلنا عليها "أل" صارت تدل على واحد معين تنزهت فيه.

فكل كلمة من الكلمات الثلاث وأشباهها كانت في أول أمرها نكرة، ثم صارت بعد ذلك معرفة؛ بسبب دخول:"أل" عليها. لهذا قال النحاة: إن "أل" التي من الطراز السابق أداة من أدوات

1 إذا كانت "أل" مستقلة بنفسها كما في هذا العنوان الذي لم تتصل فيه باسم بعدها - كانت همزتها همزة قطع، يجب إظهارها نطقا وكتابة، لأن كلمة "أل" في هذه الحالة تكون علما على هذا اللفظ المعين. وهمزة العلم قطع - في الرأي الأنسب - ولو كان العلم منقولا من لفظ آخر، بشرط أن تصبر جزءا ملازما له مثل: الرجل مسافر، علم على إنسان- كما نصوا على هذا في باب النداء، "وكما سبق في باب العلم - رقم 1 من هامش ص 304، والبيان في رقم ص 306".

2 في ص 206.

ص: 421

التعريف؛ إذا دخلت على النكرة التي تقبل التعريف1جعلتها معرفة؛ كالأمثلة السابقة ونظائرها.

وليس مما يناسبنا اليوم أن نذكر آراء القدماء في كلمة "أل" التي هي حرف للتعريف؛ أهي كلها التي تُعَرّف، أم اللام وحدها، أم الهمزة وحدها

؟ فإن هذا الترديد لا طائل وراءه بعد أن اشتهر الرأي القائل بأنهاما معًا2. ولكن الذى يناسبنا ترديده هو ما يقولونه من أن كلمة "أل" عندة أقسام3 منها:

1 هناك نكرات لا تتعرف -في الأغلب، بل تبقى على تنكيرها، ومنها: كلمة: "غير"، و"مثل" وأشباهها، مما يسمى:"نكرات متوغلة في الإبهام""انظر رقم5 من هامش الجدول الذي في ص85". ويجيء الكلام عليها مفصلًا في باب: "الإضافة"، أول الجزء الثالث.

2 دفعنا إلى هذه الإشارة الموجزة والاكتفاء بها، ما نجده في بعض المراجع المطولة، ومنها المراجع اللغوية التي لا غنى لجمهرة المثقفين عنها، أنها تقول:"اللام بدلًا من: "أل" فلا يدري غير الخبير ما تريده من "اللام" فالقاموس مثلًا يقول في مادة. "الجرول" ما نصه: "والجرول كجعفر، الأرض ذات الحجارة، و

و.... و

وبلا "لام" لقب الحطيئة العبسي".

فأي لام يقصد؟ أهي الأولى أم الأخيرة؟ إنه يقصد الأولى التي للتعريف والتي قبلها همزة الوصل، ولا يدرك هذا إلا اللغوي.... ومن أراد معرفة تلك الآراء مفصلة فليرجع إلى مظانها، في مثل:"حاشية الصبان، والتصريح" وغيرهما، وهي آراء جدوي وراءها اليوم، كما قلنا.

وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:

"أل" حرف تعريف، أو: "اللام فقط

فنمط عرفت، قل فيه: النمط

يريد: أن "أل" للتعريف إذا كانت مركبة من الهمزة واللام معًا، أو: أن التعريف يكون باللام وحدها، والهمزة للوصل. فإذا أردت تعريف كلمة:"نمط" التي هي نكرة فقل فيها: النمط، بإدخال أل عليها، والنمط: بساط كالنوع الذي يسميه العامة: "الكليم" وكذلك الجماعة من الناس تتشابه في الأمر..، أما كلمة "فقط" فقد قال الخضري، في هذا الموضع ما نصه:"الفاء: زائدة لتزيين اللفظ، و "قط" بمعنى حسب. وهي حال من اللام في بيت ابن مالك أي: حال كونها حسبك:أي: كافيتك عن طلب غيرها وقيل "الفاء" في جواب شرط مقدر، و"قط" خبر لمحذوف فالتقدير: إن عرفت هذا فقط أي: فهي حسبك، أو اسم فعل بمعنى: "انته" أي: إذا عرفت لك فهي حسبك، أو: فانته على طلب غيرها" اهـ.

فهي مبنية على السكون في محل نصب، حال، أو: في محل رفع، خبر، أو: لا محل لها لأنها اسم فعل والفاء في كل الحالات زائدة.

وجاء في ص21 من حاشية الألوسي على القطر، ما نصه:"فقط، أي: "فحسب" ولم تسمع منهم إلا مقرونة بالفاء، وهي زائدة، وكذا، فحسب

وفي المطول: أن "قط" من أسماء الأفعال بمعنى: انته. وكثيرًا ما تصدر بالفاء تزيينًا للفظ، وكأن جزاء شرط محذوف. وفي كتاب: المسائل" لابن السيد: وإنما صلحت الفاء في هذه لأن معنى: أخذت درهمًا فقط، أخذت درهمًا فاكتفيت به ا. هـ. ومنه يعلم أنها عاطفة، ومن المطول أنها فاء فصيحة، ولكل وجهة" اهـ.

أما: "حسب" فتفصيل الكلام عليها في الجزء الثالث، باب الإضافة ص 147 م 95 حيث البيان الكامل لأحكامها.

3 إذا ذكرت "أل" في الكلام مطلقة "أي: لم يذكر معها ما يدل على نوعها" كان المراد منها: أل المعرفة" لأنها المقصودة عند الإطلاق. أما إذا أريد غيرها فلا بد من التقييد، وترك الإطلاق، فيقال: "أل" الموصولة" مثلًا -وقد سبق الكلام عليها في ص356 وعلى إعرابها في رقم2 من هامش ص357 أو: الزائدة....

ص: 422

الموصولة وهي اسم -في الرأي الأرجح- وقد سبق الكلام عليها في الموصولات1. منها المعَرّفة، ومنها الزائدة2. وفيما يلي بيان هذين القسمين.

أ- "ألْ" المُعَرّفة؛ "أي: التي تفيد التعريف".

وهي نوعان؛ نوع يسمى: "أل" العهدية "أي: التي للعهد" ونوع يسمى: "أل" الجنسية، وكلاهما حرف3.

فأما"العهدية"4 فهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا. وسبب هذا التعريف والتعيين يرجع لواحد مما يأتي:

1-

أن النكرة تذكر في الكلام مرتين بلفظ واحد5، تكون في الأول مجردة من "أل" العهدية، وفي الثانية مقرونة "بأل" العهدية التي تربط بين النكرتين، وتحدد المراد من الثانية: بأن تحصره في فرد واحد هو الذي تدل عليه النكرة الأولى6.

1 في ص 356.

2 ستجيء في ص429.

3 ويجب إدغامه في التاء إذا وقعت بعده، طبقًا للبيان الذي سبق في رقم3 من هامش ص387.

4 من هذا النوع "أل" الداخلة على "أفعل التفضيل" فإنها لا تكون إلا للعهد- كما سيجيء البيان في بابه، ج3 مم 112 ص 398 عند الكلام على القسم الذي به "أل". وكما سبقت الإشارة في رقم22 من ص356.

5 قد يكون اللفظ السابق مذكورًا صراحة كالأمثلة المعروضة، وقد يكون كناية، نحو قوله تعالى في سورة مريم:"وليس الذكر كالأنثى". فالذكر تقدم قبل ذلك مكنيًّا عنه بقول مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} ، أي: منقطعًا لخدمة بيت المقدس، على حسب ما كان شائعًا في زمنها. وهذا النذر خاص بالذكور عندهم إذ ذاك.

6 فإن النكرة الثانية بمنزلة الضمير، والأولى مرجع الضمير، و"أل" هي الرابطة بينهما الدالة على اتصال الثانية بالأولى اتصالًا معنويًّا. ويدل على أن الثانية بمنزلة الضمير والأولى بمنزلة مرجعه أنك في مثل: نزل مطر فأنعش المطر زروعنا- قد تستغني عن: أل" وعن كلمة: "مطر" الثانية، اكتفاء بالضمير المستتر في الفعل، الذي قد يغني عنهما، حيث تقول: نزل مطر فأنعش زروعنا. لهذا يقال النحاة: إن فائدة: "أل العهدية" التنبيه على أن مدلول ما دخلت هو مدلول النكرة السابقة، المماثلة لها في لفظها، الخالية من "أل" فلو قلنا: نزل مطر فأنعش مطر زروعنا، بتنكير كلمة، "مطر" في الحالتين لوقع في الوهم أن المراد من كلمة: "مطر" الثانية، مطر آخر غير الأول، مع أن المراد منهما واحد. ولذلك لا ينعت الاسم المعرف بأل العهدية؛ لأنه يشبه الضمير، وواقع مع "أل" موقعه كما سبق. وما قيل في كلمتي "مطر" يقال في كلمتي: "سيارة" وكلمتي، "رسول" ونظائرها....- راجع شرح التوضيح في هذا الموضع.

ولما كانت الثانية بمنزلة الضمير، والأولى بمنزلة مرجعه ساغ اعتبار الثانية معرفة، مع أن الأولى نكرة: كالشأن في مثل: جاء ضيف فأكرمه الوالد. فكلمة: "ضيف" نكرة، لا تدل على واحد معين، أما الضمير:"الهاء" فمعرفة تدل على معين، مرجعه النكرة، برغم أن معنى الضمير هو معنى مرجعه تمامًا، ولم يمنع لك أن يكون الضمير معرفة، ومرجعه نكرة، وذلك أن الضمير قد أوصلنا إلى شيء واحد مع أن هذا الشيء الواحد ينطبق على أفراد كثيرة، ومثل هذا يقال فيما دخلت عليه "أل" العهدية التي نحن بصددها، فإن الاسم الأول نكرة، فهي لا تدل على معين، أما الاسم الثاني الذي دخلت عليه فمعرفة؛ لأن معناها مراد به الاسم الأول، ومحصور فيه، برغم أنه نكرة تدل على أفراد متعددة. ويتصل بهذا ما يجيء في رقم3 من هامش ص433.

ص: 423

كالأمثلة التي تقدمت1، ونحو: نزل مطر؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سيارة، فركبت السيارة. وقوله تعالى:{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . فكل كلمة من الثلاث: "مطر -سيارة- رسول" وأشباهها قد ذكرت مرتين؛ أولاهما بغير "أل" فبقيت على تنكيرها، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطًا معنويًّا يجعل معنى الثانية فردًا محدودًا محصورًا فيما دخلت عليه وحده، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذي جعل الثانية معرفة؛ لأنها صارت معهودة عهدًا ذِكْريًّا، أي: معلومة المراد والدلالة، بسبب ذكر لفظها في الكلام السابق ذكرًا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك، وأن المراد في الثانية فردٌ معين2؛ هو السابق، وهذا هو ما يسمى:"بالعهد الذِّكْري".

2-

وقد يكون السبب في تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن "أل" تحدد المراد من تلك النكرة، وتحصره في فرد معين تحديدًا أساسه علم سابق في زمن انتهى قبل الكلام، ومعرفة قديمة في عهد مضى قبل النطق، وليس أساسه ألفاظًا مذكورة في الكلام الحالي. وذلك العلم السابق ترمز إليه "أل" العهدية وتدل عليه، وكأنها عنوانه. مثال ذلك؛ أن يسأل طالب زميله: ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شيء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا:"أل"؛ فإنها هي التي توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى: "العهد الذهني" أو: "العهد العِلمي".

3-

وقد يكون السبب في تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه في وقت الكلام، بأن يتبدئ الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه؛ كأن تقول: "اليوم

1 في صدر الباب ص421.

2 لهذا إيضاح في رقم6 من هامش الصفحة السابقة، ثم في رقم3 من هامش ص433.

ص: 424

يحضر والدي". "يبدأ عملي الساعة"، "البرد شديد الليلة"

تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذي أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أي: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أي: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو"العهد الحضوري"1.

فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِيّ"، و"ذهنيّ أو علميّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل على كل نوع منها هو:"أل". وتسمى: "أل" التي للعهد، أو:"أل" العهدية"2. فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصي بذاته لا برمز آخر3. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصي، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها في المرتبة التي تليه مباشرة.

وأما: "أل الجنسية" فهي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض من غير أن تفيد العهد4. ومثالها؛ النجم مضيء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره

فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات "وشأن النكرات كشأن اسم الجنس5،

1 وأكثر ما تقع "أل" التي للعهد الحضوري في صدر الكلمات التي بعد أسماء الإشارة نحو: جاءني هذا الرجل أو بعد "أي" في النداء، نحو: يأيها الرجل. وقد تقع في غيرهما كالأمثلة التي عرضناها من قبل.

2 أي: التي لتعريف صاحب العهد، وهو: الشيء المعهود، سواء أكان واحدًا أم أكثر، ففي التركيب كلمتان محذوفتان. بقي شيء يتعلق بإفادتها التعريف وهو في رقم3 من هامش ص433.

3 لأن علم الشخص معرفة بصيغته، لا برمز آخر، ولا بشيء آخر عن مادته. بخلاف النكرة التي جاءها التعريف من "أل" فإن "أل" أجنبية منها، وخارجة عن صيغتها.

4 يقول النحاة: إذا دخلت "أل" على اسم مفرد أو غير مفرد، وكان هناك معهود مما شرحناه فهي العهد. وإن لم يكن هناك معهود فهي للجنس. "انظر رقم3 من هامش ص428".

5 إيضاح ذلك أن كلمة: "نجم"، مثلًا تدل على معنى شائع مبهم، يصدق وينطبق على كل جرم سماوي مضيء، من غير حصر النجم في واحد معين، فهو يصدق على هذا، وذاك، وعلى آلاف غيرهما وهذا معنى النكرة واسم الجنس "كما سبق إيضاحه بإسهاب في ص23 وهامش ص206، 288"، فهي تدل على واحد غير معين ولا محدد؛ لأنه واحد شائع بين أمثاله، لا يمكن تخصيصه بالتعيين، من بين أفراد جنسه. "أي: أفرد صنفه ونظائره" فإذا أدخلنا "أل" على كلمة: "نجم" وهو فرد من أفراد جنسه كانت لتعريف الجنس كله، لا لتعريف ذلك الفرد الواحد؛ لأن تعريف الفرد الواحد يقتضي أن ترى النجوم كلها واحدًا واحدًا، وترى إضاءة كل واحد بذاته، ثم تقول بعدها: النجم مضيء بذاته، ولما كانت تلك الرؤية الشاملة المحيطة بكل النجوم أمرًا مستحيلًا لا يقدر عليه مخلوق -كان دخول "أل" على كلمة: "نجم" وقولنا: "النجم" معناه أن كل واحد من هذا الجنس الذي عرفناه بعقولنا دون أن تحيط بكل أفراده الحواس- مضيئًا بذاته، فكأنها تعرف الجنس ممثلًا في فرد واحد من أفراده، يغني تعريفه عن تعريفها، وينوب عنها في ذلك. أو كأنما تعرف فردًا يدل على الجنس كله ويرمز إليه. وهكذا يقال في باقي الأمثلة- راجع رقم 3 من هامش ص 428.

ص: 425

لا تدل على واحد معين" وليس في الكلام ما يدل على العهد.

ولدخول "أل" هذه على الأجناس سميت: "أل""الجنسية". وهى أنواع من ناحية دلالتها المعنوية، ومن ناحية إفادة التعريف.

1-

فمنها التي تدخل على واحد من الجنس فتجعله يفيد الشمول والإحاطة بجميع أفراده إحاطة حقيقة؛ لا مجازًا ولا مبالغة1، بحيث يصح أن يحل محلها لفظة "كل" فلا يتغير المعنى، نحو: النهر عذب، النبات حي، الإنسان مفكر، المعدن نافع

فلو قلنا: كل نهر عذب، كل نبات حي، كل إنسان مفكر، كل معدن نافع

يحذف "أل" في الأمثلة كلها وضع كلمة: "كل" مكانها - لبقي المعنى2 على حالته الأولى.

وما تدخل عليه "أل" من هذا النوع يكون لفظه معرفة؛ تجري عليه أحكام المعرفة3، ويكون معناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة: كل؛ فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها، مثل كلمة "المَلِك" في قول الشاعر:

إذا الملك الجبَّار صَعَّر خَدَّه

مَشَيْنا إليه بالسيُوف نعاتبهْ4

2-

ومنها التي تدخل على واحد من الجنس، فتجعله يفيد الإحاطة والشمول؛ لا بجميع الأفراد، ولكن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد؛ وذلك على سبيل المجاز والمبالغة؛ لا على سبيل الحقيقة الواقعة؛ نحو: أنت الرجل علمًا، وصالحٌ هو الإنسان لطفًا، وعليّ هو الفتى شجاعة. تريد: أنت

1 وعلامتها: أن يصح الاستثناء مما دخلت عليه؛ لأن المستثنى لا بد أن يكون أقل أفرادًا من المستثنى منه، نحو قوله تعالى:{إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ومن العلامات أيضًا: أن يصح نعته بالجمع، نحو قوله تعالى:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ، ونحو قولهم: أهلك الناس الدينار الحمر، والدرهم البيض، لكأنه قال:الدنانير، والدراهم.

2 وهذا تسمى: "أل الاستغراقية"؛ لأنها تدل على أن المعنى يستغرق جميع أفراد الجنس أي: يحيط بأفراده إحاطة شاملة حقيقية. ومثلها "أل" في النوع الثاني، الدالة على أن الجنس يستغرق صفة من الصفات على سبيل المجاز والمبالغة.

3 فيكون مبتدأ، ويكون نعتًا للمعرفة، ويكون صاحب حال. وغير ذلك مما يغلب عليه أن يكون معرفة لا نكرة....

4 صعر خده: أماله وحوله عن ناحية الناس، كي لا يراهم، ترفعًا منه، وكبرًا.

ص: 426

كل الرجال من ناحية العلم، أي: بمنزلتهم جميعًا من هذه الناحية، فإنك جمعت من العلم ما تفرق بينهم؛ ويُعَدّ موزعًا عليهم بجانب علمك الأكمل المجتمع فيك؛ فأنت تحيط بهذه الصفة "صفة العلم" إحاطة شاملة لم تتهيأ إلا للرجال كلهم مجتمعين. وكذلك صالح من ناحية الأدب؛ فهو فيه بمنزلة الناس كلهم؛ نال منه ما نالوه مجتمعين. وكذلك علي؛ بمنزلة الفتيان كلهم في الشجاعة؛ أدرك وحده من هذه الصفة ما توزع بينهم، ولم يبلغوا مبلغه إلا مجتمعين وكل هذا على سبيل المبالغة والادعاء1.

وحكم ما تدخل عليه "أل" من هذا النوع كحكم سابقه لفظًا ومعنى.

3-

ومنها التي لا تفيد نوعًا من نوعي الإحاطة والشمول السابقين؛ وإنما تفيد أن الجنس يراد منه حقيقته القائمة في الذهن. ومادته التي تكوّن منها في العقل بغير نظر إلى ما ينطبق عليه من أفراد قليلة أو كثيرة، ومن غير اعتبار لعددها. وقد يكون بين تلك الأفراد ما لا يَصدق عليه الحكم.، نحو: الحديد أصلب من الذهب، الذهب أنفس من النحاس. تريد: أن حقيقة الحديد "أي: مادته وطبيعته" أصلب من حقيقة الذهب "أي: من مادته وعنصره" من غير نظر لشيء معين من هذا أو ذاك؛ كمفتاح من حديد، أو خاتم من ذهب؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هي أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحديد؛ فلا يمنع هذا من صدق الحكم السالف الذى ينص على أن الحديد في حقيقته أصلب من الذهب في حقيقته من غير نظر إلى أفراد كل منهما -كما سبق- إذ إنك لا تريد أن كل قطعة من الأول أصل من نظيرتها في الثانى؛ لأن الواقع يخالفه ومثل هذا أن تقول: الرجل أقوى من المرأة، أي: أن حقيقة الرجل وجنسه من حيث عنصره المتميز -لا من حيث أفراده- أقوى من حقيقة المرأة وجنسها من حيث هي كذلك، من غير أن تريد أن كل واحد من الرجال أقوى من كل واحدة من النساء؛ لأنك لو أردت هذا لخالفك الواقع. وهكذا يقال في: الذهب أنفس من النحاس، وفي: الصوف أغلى من القطن، وفي: الفحم أشد نارًا من الخشب

وفي الماء، والتراب، والهواء، والجماد، والنبات.

1ولذا يصح إحلال كلمة: "كل" محل "أل" على سبيل المجاز والمبالغة -كما سبق في رقم2 من ص426 "والحصر" هو الذي يفيد أنهم جميعًا لم يبلغوا درجته في الصفة.

ص: 427

تقول: الماء سائل: أي: أن عنصره وطبيعته من حيث هي مادة تجعله في عِداد السوائل، من غير نظر في ذلك إلى أنواعه، أو أفراده، أو شيء آخر منه؛ فتلك حقيقته؛ أي: مادته الأصلية التي قام عليها. وتقول: التراب غذاء النبات، أي: أن عنصره وطبيعته كذلك؛ فهي حقيقته الذاتية، وماهيته التي عرف بها من حيث هي. وتقول: الهواء لازم للأحياء؛ أي: أن عنصره ومادته وحقيقته كذلك

وهكذا.

وتسمى "أل" الداخلة على هذا النوع "أل" التي للحقيقة، أو: للطبيعة، أو للماهية فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد، أو بصفاتهم، أو بعدم الإحاطة. وتفيد ما دخلت عليه نوعًا من التعريف يجعله في درجة عَلَم كالجنس لفظًا ومعنى.

فمعاني "أل الجنسية" إما إفادة الإحاط والشمول بكل أفراد الجنس حقيقة، لا مجازًا، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه على سبيل المبالغة والادعاء3 والمجاز، وإما بيان الحقيقة الذاتية، دون غيرها.

1 وعلامتها: ألا يصلح وضع كلمة: "كل" بدلها، لا حقيقة ولا مجازًا؛ لأن المقصود من الحقيقة ليس الدلالة على الأفراد، قليلة كانت الأفراد أم كثيرة، وإنما المقصود شيء آخر هو ما ذكرناه.

2 قد سبق الكلام على علم الجنس ودرجته "في ص290، 296 وما بعدها".

3 راجع رقم5 من هامش ص425. وقد جاء في "كليات أبي البقاء"، ص 66 عند الكلام على "أل" ما نصه: "إذا دخلت "أل" في اسم -فردًا كان أو جمعًا- وكان ثمة معهود، فإنها تصرف إليه. وإن لم يكن ثمة معهود فإنها تحمل على الاستغراق عند المتقدمين "يريد: أنها تشمل جميع أفراد الجنس فردًا فردًا، أو تشمل صفة شاملة من صفاته -كما شرحنا" وعلى الجنس عند المتأخرين "يريد أنها تدل على صنف من الجنس يكون كافيا للدلالة على الجنس، ونموذجًا يعني عن رؤية الباقي، فكأنه نموذج، عينة، للجنس" إلا أن المقام عندهم إذا كان خطابيًّا يحمل على كل الجنس، وهو:"الاستغراق" وإذا كان استدلاليًّا، أو لم يمكن حمله على الاستغراق، فإنه يحمل على أدنى الجنس "يريد على فرد واحد فقط، حتى يبطل الجمعية، ويصير مجازًا عن الجنس كله. فلو لم نصرفه إلى الجنس وأبقيناه على الجمعية يلزم إلغاء حرف التعريف من كل وجهه، إذ لا يمكن حمله على بعض أفراد الجمع، لعدم الأولوية، إذ التقدير أنه لا عهد، فيتعين أن يكون للجنس، فحينئذ لا يمكن القول بتعريف الجنس مع بقاء الجمعية؛ لأن الجمع وضع لأفراد الماهية، لا للماهية من حيث هي، فيحمل على الجنس من طريق المجاز".

وجاء في شرح المفصل - ج9 ص19، عند الكلام على:"أل" وأقسامها- ما نصه:

"فأما تعريف الجنس فأنا تدخل اللام "أي: أل" على واحد من الجنس لتعريف الجنس جميعه، لا لتعريف الشخص منه أي: الفرد الواحد منه وذلك نحو قولك: الملك أفضل من الإنسان، والعسل حلو، والخل حامض، و"أهل الناس الدرهم والدينار" فهذا التعريف لا يكون عن إحاطة"؛ لأن ذلك متعذر؛ لأنه لا يمكن أحدا أن يشاهد جميع هذه الأجناس "أي: جميع أفرادها" وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة أفضل من كل واحد من الجنس الآخر، وأن كل جزء من العسل الشائع في الدنيا حلو، وأن كل جزء من الخل حامض" ا. هـ.

ص: 428