الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم
"أ" فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب.
كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ""سَافَر""رَجَع"،
…
تدل بنفسها مباشرة "من غير حاجة إلى كلمة أخرى"
…
على أمرين.
أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أوالرجوع، ويسمى:"الحَدَث"،
وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى "أىْ: ذلك الحدث" وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهوزمن قد فات، وانقضى قبل الكلام1.
"ب" وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع"
…
دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى "الحدَث" والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هوزمن صالح للحال1، والاستقبال.
"حـ" وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ"
…
دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى "الحدَث" وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل
…
فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل:
كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى "أىْ: حدث" وزمن يقترن به2
"1و 1" الحال، هو: الزمن الذي يحصل فيه الكلام، والاستقبال هو: الزمن الذي يبدأ بعد انتهاء الكلام مباشرة. والماضي هو: الزمن الذي قبل الكلام.
2 دلالته على الأمرين هو الأعم الأغلب، لأن الفعل في التعريفات العلمية لا يدل على زمان، وإنما هو مسلخ عنه، مجرد منه - كما نص الخضري على هذا "جـ1 باب:"المعرب والمبني"، عند كلامه على المثنى" ويرى فريق من النحاة أن "كان" الناسخة لا تدل على معنى "حدث" وإنما تقتصر دلالتها على إفادة المضي وحده، مخالفة أخواتها وأكثر الأفعال الأخرى. ويخالفهم فريق آخر يرى أنها تدل على الأمرين: =
وأقسامه ثلاثة1: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} .
ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى:{قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى} ، ولا بد أن يكون مبدوءًا بالهمزة، أوالنون، أوالتاء، أوالياء 2
…
وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعيّ فتضمّ، وكذا في: المضارع المبني للمجهول. أما المضارع:
= المعنى والزمن". وقد أشرنا إلى هذا الموضوع في رقم3 من هامش ص545 - أول باب "كان" وأخواتها، وأوضحنا أن الرأي الثاني هو السديد، لأدلة كثيرة جاوزت العشرة ساقها أنصاره. وهناك بعض أفعال ماضية قيل إنها -ومن القائلين صاحب الهمع، جـ1 ص 9- سلبت الدلالة على الزمان الماضي بسبب استعمالها للحال في الإنشاء، وقال المحققون: لا تدل على زمن مطلقًا، وإنما تدل على المعنى المجرد المخصصة له، مثل أفعال العقود "كبعت واشتريت" ومثل: "فعل التعجب" في أكثر أحوالهما بشرط ألا تتوسط "كان" الزائدة بين "ما التعجبية" والفعل الماضي "أفعل" الذي دخلت عليه، وبشرط ألا يوجد لفظ أو قرينة تدل على التقييد بزمن معين -"كما يجيء في رقم 5 من هامش ص51 وكما يجيء في بابهما جـ3 هامش ص328- ومثل: "نعم"، المستعملة في إنشاء المدح، و"بئس" المستعملة في إنشاء الذم، وسيجيء الإيضاح في بابهما بالجزء الثالث "راجع حاشية التصريح جـ1 باب "إن" عند الكلام على:"لام الابتداء"، وتاج العروس عند الكلام على مادة كل من الفعلين، والهمع". والمراد من الرأيين السابقين -والتوفيق بينهما يسير- مدون أول حاشية ياسين جـ1 في فصل بناء الفعل.
1 وسيجيء في "د" من ص51، وما بعدها بيان الأزمنة المختلفة التي يدل عليها الفعل الماضي، ثم المضارع، ثم الأمر، مع ملاحظة أن لكل نوع من الأفعال زمنًا خاصًّا يشتهر به، ويغلب عليه، لكنه قد يتركه إلى زمن آخر - كما سنعرف- هذا، وقد يكون الفعل زائدًا محضًا، مثل "كان" وبعض أخواتها، "طبقًا للبيان الآتي في ص 577" ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان فعلًا أم غير فعل" زائدًا إذا أمكن اعتباره أصليًّا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- كما سيجيء في ص 70، 489، 581.
ومما تجب ملاحظته أيضًا: أن الفعل والجملة بنوعيها الاسمية، والفعلية، في حكم النكرة، "طبقًا للبيان الوارد في رقم1 من هامش 213، وله إشارة في رقم 2 من هامش ص 209".
2 يجب أن يكون المضارع مبدوءًا بالهمزة للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد، نحو: إني أتخير ما أقوله وما أقرؤه. ويجب أن يكون مبدوءًا بالنون للدلالة على التكلم، وأن المتكلم فرد واحد يعظم نفسه، أو أنه فرد واحد معه غيره، مثل: عند الزيارة تحسن استقبالك، ونكرم ضيافتك. ويجب أن يكون مبدوءًا بالتاء لمخاطبة المفرد المذكر والمؤنث وفروعهما، أو للتحدث عن المفردة الغائبة، أو مثناها، وكذلك جمعها "طبقًا للرأي الآتي في "جـ" من ص 181" نحو: أنت تتقن عملك وأنت تتقنين عملك، وأنتما تتقنان عملكما "لخطاب المثنى المذكر والمؤنث" وأنتم تتقون عملكم، وأنتن تتقن عملكن، وهي تتقن عملها، وهما تتقنان عملها، وهن تنظمن عملهن، ويجب أن يكون مبدوءا بالياء للمفرد المذكر الغائب وفرو وجمع الغائبات. نحو: الشجاع يقول الحق لا يخاف شيئًا، الشجاعان يقولان الحق، لا يخافان شيئًا الشجعان يقولون الحق، لا يخافون شيئًا، الشجاعات يقلق الحق، لا يخفن شيئًا. وإذا كان المضارع مبدوءا بالهمزة أو النون أو التاء ففاعله ضمير مستتر وجوبا. طبقًا للبيان الآتي في ص 228.
إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها1.
وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا} ، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شيء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها2.
وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً} ، وقول الشاعر:
أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو
…
فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ
ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة"3 مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو:"التاء المتحركة" التى تكون فاعلًا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، "وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة".
وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضي؛ بل يكفي أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلًا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و"نزلَ" فعل ماضٍ؛ لأنه -مع خلوه من إحدى التاءين- صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ
…
نزلتُ
…
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته
1 لأن الكسر هو المسموع الكثير، والفتح لغة قليلة مسموعة أيضا. والمستحسن هنا الاقتصاد على الكثير، كما سيجيء في جـ" م60 باب "ظن" عند الكلام على:"خال".
2 كما سيجيء في رقم1 من هامش ص64.
3 المنسوب معناها إلى الفاعل، احتراز من تاء التأنيث التي لا تدل على الفاعل ولا تنسب إليه، كالتي تتصل ببعض الحروف مثل: ربت وثمت في تأنيث الحرفين" "رب" الجارة "وثم" العاطفة وغيرهما. - انظر "أ" من ص 50.
فليست بفعل ماضٍ، وإنما هي:"اسم فعل ماض"1. مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا
…
ومثل: شتَّان المنصف والباغي؛ بمعنى: افترقا جدًّا.
أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضي2؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك.
ومما تقدم نعلم أن كلمتي: "نِعْم""وهى: كلمة للمدح""وبئس""وهى: كلمة للذم" فعلان ماضيان3؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و"عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين.
1 اسم الفعل: اسم يقوم مقام الفعل في المعنى، والزمن والعمل. ولكنه لا يقبل علامة الفعل الذي يقوم مقامه، ولا يتأثر بالعوامل. ولذا لا يسمى: فعلا؛ لأن الفعل يقبل العلامة، وقد يتأثر بعوامل النصب والجزم، وهناك أسماء تقوم مقام الفعل، ولكنها تتأثر بالعوامل، فلا تسمى: اسم فعل، كالمصدر النائب عن التلفظ بفعله، وكاسم الفاعل العامل.
واسم الفاعل ثلاثة أقسام، اسم فعل ماضٍ، واسم فعل مضارع، واسم فعل أمر
…
ولكل منها أحكام خاصة تضمنها الباب المنعقد لذلك في الجزء الرابع. ولها هناك إشارة في رقم6 من ص78.
2 كاسم الفاعل بمعنى الماضي، ولاسم الفاعل باب مستقل في جـ3.
3 بحسب الأصل والمظهر ثم خرجا من المضي إلى إنشاء المدح والذم من غير دلالة على زمن، في رأي المحققين، كما سبق في هامش ص47.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
"أ"- تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضي1، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلي وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التي تلحق الأسماء فتكون أخيرة، ومتحركة2؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، "رُبّ، وثمّ، ولا
…
" تقول: رُبَّتَ3 كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات3 حين نَدم.
"ب"- هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التي قبل هذا؛ مثل:"أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا"4 للمدح. ومثل:"عدا، وخلا، وحاشا"، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالًا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها
1 من الاستعمالات الصحيحة ما يأتي:
الطالبات سارعن في الخير -الطالبات سارعت في الخير. فأي الاستعمالين- مع صحتهما أفصح؟ الجواب تلخيص في رقم1 من هامش ص219 وكذا في رقم3 من ص263.
2 بعض النحاة يقتصر على تسميتها: "تاء التأنيث المتحركة المتأخرة". وبعضهم يسميها "هاء التأنيث". وعلى كل من التسميتين اعتراض. قال الصبان -جـ1 باب: "المعرب والمبني" عند الكلام على الملحق بجمع المذكر السالم- ما نصه: "قال في التصريح: الفرق بين تاء التأنيث وهائه أن تاء التأنيث لا تبدل في الوقف هاء، وتكتب مجرورة -أي: متسعة، مفتوحة- وهاء التأنيث يوقف عليها بالهاء وتكتب مربوطة. " أهـ.
لكن يلاحظ في كل ما سبق خلو الكلام من النص على أن تاء التأنيث المتحركة التي تلحق آخر الأسماء هي تاء زائدة زيادة محضة للدلالة على التأنيث اللفظي، فإذا وجدت في آخر العلم امتنع صرفه للعلمية والتأنيث اللفظي معا بخلاف التاء في مثل: أخت وبنت" فإنها مبدلة من أصل -هو الواو- فلا يمتنع العلم معها من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي؛ لأنها ليست زائدة، والشرط المحتم أن تكون زائدة محضة "لا أصلية، ولا مبدلة من أصل" وسيجيء لهذا بيان مفيد في الموضع المناسب- حـ 4 م 147 -باب:"ما لا منصرف" عند الكلام. على منع الاسم من الصرف للعلمية والتأنيث.
3 اللغة الشائعة تحرك تاء التأنيث بالفتحة عند اتصالها بآخر "رب" و"ثم"، ويجوز التسكين عند اتصالها بهما، أما عند اتصالها بالحرفين:"لات" و"لعل" فلا يجوز فيها إلا الفتح.
4 الفعل الماضي هو: "حب" فقط أما الكلمة: "ذا" فهي فاعله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما دامت تؤدي هذه المعاني، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء.
"حـ" يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت -غالبًا- مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة.
هذا، وقد عرفنا1 فى ص42، حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقي حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده -مباشرة- ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، إحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال.
والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير.
فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ2، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين3؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة، الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم، اسألي المولى الهداية.
ويجوز تلاقي الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف، لام، جيم3 "راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد"، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين:
أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ2، يليه حرف مدغم فى نظيره، "أى: حرف مشدد".
والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هوفى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب3 من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد.
وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88، 162، 255.
"د" عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل -فى الغالب- على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن5: تتعين
1 في ص 43.
2 أي: حرف علة، قبله حركة تتناسبه.
"3، 3، 3" يجيء بمناسبة أخرى مع توضيحه في ص 95 و 96 هامشهما. وفي جـ4- باب نون التوكيد - عند الكلام على ما تختص به هذه النون "م 143 ص 172".
4 في ص 46.
5 وقد عرفنا بيانًا هامًّا- في رقم2 من هامش ص46 - مؤداه: أن بعض الأفعال الماضية لا يدل -عند المحققين- على زمن، مثل:"نعم وبئس" وأخواتهما عند قصد المدح والذم. ومثل: أفعل" في التعجب إذا لم تتوسط "كان" الزائدة بينه وبين "ما" التعجبية، نحو: ما أنفع نهر النيل. فالفعل "أنفع" متجرد لإنشاء التعجب بغير دلالة على المضي إلا أن جاءت قبله "كان" الزائدة، نحو: ما كان أنفع النيل -كما سيجيء في مبحث زيادة "كان" م 44 - 579 وليس الأمر مقصورًا على "كان" الزائدة، وإنما يشمل كل لفظ، وكل قرينة تدل على التقييد بزمن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كل واحدة منها عند عدم قرينة تعارضها.
الأولى: "وهى الأصل الغالب" أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى -أى: قبل الكلام- سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته1: "قد" -وهي لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت- دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل:
1 "قد" الحرفية بجميع أنواعها المعنوية إذا دخلت على فعل لم يصح أن يتقدم عليها شيء من معمولاته- "راجع الحضري جـ 1 ص 112 باب "كان"، عند بيت ابن مالك:
وغير ماض مثله قد عملا
وستجيء له إشارة رقم 1 من هامش ص 566.
وبهذه المناسبة تقول جاء في: "المغني والقاموس" معا ما نصه المشترك بينهما: "قد" الحرفية مختصة بالفعل المتصرف، الجبري، المثبت، المجرد من ناصب، وجازم، وحرف تنفيس، وهي مع الفعل كالجزء، فلا تفصل منه بفاصل، اللهم إلا بالقسم، و...." أهـ.
وتبعهما أحد أعضاء المجمع اللغوي القاهري مسجلًا بحثه في مجلة المجمع "الجزء الأول ص 138" ولكن رأيهما في اشتراط الإثبات مرفوض ومدفوع في المضارع المنفي بالحرف "لا" بالسماع المتعدد الصحيح الوارد نشرًا ونظمًا عن الفصحاء الذين يستشهد بكلامهم، ومن هذا: المثل العربي الوارد في كتاب "لسان العرب". في مادة "ذام" ونصه: "وقد لا تعدم الحسناء ذامًا". وكذلك المثل الجاهلي الذي نصه: "وقد لا يقاد بي الجمل" يقوله من أضعفته الشيخوخة، أو غيرها "وهذا المثل وارد في كتاب:"الأمثال" لأبي هلال العسكري المطبوع على هامش كتاب: "الأمثال" للميداني جـ 2 ص 117" هذا إلى ورودها قبل المضارع المنفي في أنماط أخرى من كلام الجاهلين وغيرهم ممن يحتج بكلامهم، ولا يستساغ دفعها إلا إذا لجأنا للتأويل الواهي الذي لا يثبت على التمحيص. ومن الأمثلة ورودها في شعر الأعشى ميمون- وهو جاهلي، أدرك ظهورها الإسلام - في بيت له من قصيدته: التاسعة والعشرين بالصفحة "195" من ديوانه، ونص البيت:
وقد قالت قتيلة إذ رأتني
…
وقد لا تعدم الحسناء ذاما
وفي بيت آخر لقيس الجهني -وهو جاهلي- نقله الآمدي في كتابه المؤتلف "ص 123" ونصه:
وكنت مسودا فينا حميدا
…
وقد لا تعدم الحسناء ذاما
وكذلك في بيت للنمر بن تولب وهو مخضرم، ونصه كما رواه السيوطي في كتابه: شواهد المغني "ص 66"
وأحبب حبيبك حبًّا رويدًا
…
فقد لا يعولك أن تصرما
وهذه الرواية توافق رواية منتهى الطلب في المخطوطة الأصلية المحفوظة بدار الكتب ورقمها بين المخطوطات الأدبية: "12631"
…
إلى غير هذا من الأمثلة التي تقطع بصحة الاستعمال السالف في غير ضعف ولا شذوذ، ولا تأويل فلم يكن غريبًا أن يستعملها ابن مالك في ألفيته في آخر باب:"الممنوع من الصرف" حيث يقول:
ولاضطرار أو تناسب صرف
…
ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
وسيشار لهذا في الجزء الرابع، باب الممنوع من الصرف، م 147 ص259، وأن يستعملها في كلامه بعض اللغويين القدامى، ومنهم صاحب:"المصباح" في آخر كتابه، حيث قال ما نصه في ص 945، فصل الثلاثي اللازم. "حقيقة التعدية أنك تصير المفعول الذي كان فاعلًا قابلًا لأن يفعل. وقد يفعل وقد لا يفعل
…
" اهـ.
وللحرف "قد" أحكام متعددة سردها صاحب: "المغني".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"خرج الصاحبان" يحتمل الماضي القريب والبعيد، بخلاف:"قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضي قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: "قدْ".
وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًّا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر عليّ، فتجيب: ما سافر عليّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربًا من الزمن الحالي، وجاءت كلمة:"ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحاليّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة1.
وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلًا ماضيًا من أفعال "المقاربة"2؛ "مثل: "كاد: " فإنه زمنه ماضٍ قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد -كما سيجيء فى باب أفعال المقاربة.
الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال "أي: وقت الكلام". وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضي اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التي يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمني، ويحصل معه فى وقت واحد3. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل:"طفق وشرع" وغيرهما مما سيجيء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة"2.
الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل "أي: بعد الكلام"؛ فيكون ماضي
1 جاء في شرح المفصل "جـ 8 ص 107" ما ملخصه عن كلمة: "ما" النافية: إنها لنفي الحال، فإذا قيل عن شخص، هو يفعل الآن كذا -وزمان المضارع هنا: الحال- وأردت أن تنفيه، قلت: ما يفعل. فقد سلبت معنى الفعل في الزمن الحالي ونفيته. فإن كان الفعل ماضيًا قريبًا من الحال بسبب وجود: "قد" قبله -وهي مما يقرب زمنه للحال، كما عرفنا- وأردنا نفيه، أتينا بكلمة:"ما" النافية، نحو: ما سافر محمد؛ لأنها تقرب زمن الماضي المنفي، من الزمن الحالي....
ثم قال:
"ما محمد منطلق" هو نفي لجملة مثبتة هي: "محمد منطلق" إذا أريد بها الحال، وإن شئت أعملت على لغة أهل الحجاز، فقلت: ما محمد منطلقا.
- وستجيء إشارة لهذا في م 48 ص 591.
2 ص 612.
3 انظر رقم 2 من هامش ص 46 حيث قلنا: "هناك أفعال ماضية تستعمل للإنشاء، فزمنها للحال. لكن يرى المحققون أنها مجردة من الدلالة الزمنية. كما قلنا: إن المراد من الرأيين والتوفيق بينهما مدون في صدر حاشية ياسين - جـ1- في فصل: بناء الفعل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللفظ دون المعنى -كالذى سبق- وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء.
ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا1 سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شيء إلا السفر فى المستقبل.
أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} . فالإعطاء سيكون فى المستقبل؛ لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها.
أوعُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى:{يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ} ، وقوله تعالى:{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ} .
أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل:"عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو:"عَسَىِ الله أن يأتي بالفتح".
أو يكون قبله نفي بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم.
أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى:{إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بَعْدِه} . "أي: ما يُمسكهما2! "
…
أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود؛ لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضي الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلًا خالصًا
…
فالفعل الماضي فى كل الحالات السالفة ماضي اللفظ دون المعنى.
الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلًا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع في المستقبل.
1 بمعنى: إلا.
2 "إن" الأولى، شرطية، والثانية "نافية" داخلة على جواب القسم الذي تدل عليه اللام الداخلة على "إن" الأولى الشرطية. أما جواب الشرط فمحذوف وجوبا، عملا بقاعدة حذفه عند اجتماع القسم والشرط المتأخر عنه، إذ يكون الجواب -غالبا- للمتقدم منهما. أما المتأخر فجوابه محذوف يدل عليه المذكور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أيُّ وقت جئتني. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعًا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضي بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضٍ معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضي الزمن كذلك؛ لأنه معادل له.
أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضي، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل.
أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى:{كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضي؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهي الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار:{كُلَّمَا نَضِجت جُلودُهم بدَّلناهُم جُلُودًا غَيرَهَا؛ لِيَذُوقُوا العَذَابَ} . فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ.
أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضي؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين
…
بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل.
أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضي، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا".
أو وقع صفة لنكرة عامة1، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضي، -لوجود: رُبّ2- بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أي: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه
…
"ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما3
…
هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى.
1 أي: محضة لم تخصص بأحد القيود.
2 لأن الأغلب دخولها على الماضي "انظر رقم 4 من هامش ص 61".
3 سيجيء إشارة لهذا في باب "كان" - ص 547.
وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم، مثل: لم أُقصِّر فى أداء الواجب
…
ولن أتأخر عن معاونة البائس.
ومنها: قبوله "السين"، أو:"سوف"1 فى أوله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك.. و..، ومثل قول الشاعر:
سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته
…
ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق2
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل3 مضارع"؛ مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع، "وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا. و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا!! ماذا تفعل؟ أو: هي اسم مشتق بمعنى المضارع4؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أوغدًا.
1 من علامات المضارع المثبت قبوله "السين" أو "سوف" وإذا اتصلت به إحداهما خلصته للزمن المستقبل فقط. ويمتنع أن يسبقهما نفي. وبينهما فروق سردناها في الحالة الثالثة الآتية للمضارع "في ص60 من الزيادة والتفصيل".
2 ومنها علامتان مشتركتان بينه وبين الفعل الأمر، هما: ياء المخاطبة ونون التوكيد - وسيجيء ذكرها في ص 64.
3 لاسم الفعل تعريف عام موجز في رقم 1 من هامش ص 49 وفي رقم 6 من ص 78.
4 كاسم الفاعل الذي بمعنى الحال والاستقبال - وله باب خاص في جـ 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
"أ"- للمضارع من ناحية الزمن أربع حالات؛ لا تتعين حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرينة تعينها لحالة أخرى.
الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيده بأحدهما، وتَقْصره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرجح؛ لأن الزمن الماضي له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، "هى: الأمر"، وليس للحال صيغة تخصّه، فجعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن؛ جبرًا لما فاته من الاختصاص بصيغة مقصورة عليه "كما يقولون". هذا إلى أن اللفظ إن كان صالحًا للزمن الأقرب والزمن الأبعد؛ فالأقرب أوْلى، والحال أقرب من المستقبل؛ فهو أحقّ بالاتجاه إليه.
فإن كان المضارع من أفعال المقاربة، مثل:"يكاد" فإنه يكون للزمن المستقبل، مع شدة قربه من الحال1.
الثانية: أن يتعين زمنه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ مثل: كلمة: الآن، أو: الساعة، أو: حالا، أو: آنفًا2.
أو: وقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع؛ مثل: "طفق"، و"شرع"، وأخواتهما3؛ ليساير زمنه معناها.
أو: نُفي بالفعل: "ليس"4 أو بما يشبهها فى المعنى والعمل؛ مثل الحرف: "إن" أو: "ما"5
…
أو لا" 6.......... فكل واحد من هذه العوامل التى تعمل عملها يشبهها أيضًا فى نفى الزمن الحالى عند الإطلاق7
…
مثل: ليس يقوم محمد8، إنْ يخرجُ حليم -ما يقوم على-
1 سيجيء البيان في باب "أفعال المقاربة". ص612.
2 "آنفًا" كلمة عدها النحاة من الألفاظ التي تجعل المضارع للحال، باعتبار أنها تدل -كما في القاموس- على أقرب زمن سابق يتصل بالحال، فكأنها للحال نفسه.
3 ستجيء هذه الأفعال في باب أفعال المقارنة" ص612.
4 "راجع تفصيل الكلام عليها في النواسخ، أخوات كان" - 557.
5 راجع رقم1 من هامش ص53 حيث الإيضاح للحرف "ما" وسيجيء الكلام عليه وعلى "إن" النافية وباقي الشبيهات في ص591.
6 أما "لا" المهملة فيجيء الكلام عليهما في ص591.
7 أي: عند عدم وجود قرينة تدل على أن الزمن ماض أو مستقبل.
8 راجع ص 230 حيث الكلام على مثل هذا الأسلوب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
-أودخل عليه لام ابتداء، مثل: إنّ الرجل الحقّ ليَحْسُنُ عملُهُ.
أو: وقع مع مرفوعه فى موضع نصب على الحال -فيكون زمنه حالاً بالنسبة لزمن عامله، فى الغالب- مثل: أقبل الأخ يضْحك. وإذا دخلت "ما المصدرية الظرفية" على المضارع كان زمن المصدر المؤول للحال فى الغالب1 حين لا توجد قرينة تعارضه.
الثالثة: أن يتعين زمنه للاستقبال؛ وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل؛ مثل "إذا
…
"، سواء أكان الظرف معمولًا للمضارع، أم كان المضارع معمولًا للظرف -بأن يكون الظرف مضافًا، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هي المضاف إليه فى محل جر؛ مثل: أزورك إذا تزورني؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأول منهما هو العامل الذى عمل النصب فى الظرف. "إذا"2 و"إذا" مضاف، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فى محل جر مضاف إليه، فيكون المضارع الثاني مع فاعله معمولًا للظرف.
وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شيء متوقع حصوله فى المستقبل، مثل: يدخل الشهداء الجنة مع السابقين؛ إذ لا يعقل أن يكون زمن المضارع للحال، ومعناه -وهو دخول الجنة- فى المستقبل؛ لما يترتب عليه من سبق الفعل للفاعل فى الوجود والوقوع، وهو محال.
أو: سبقته: "هل"3، نحو: هل تقاطعُ مجالس السوء؟
وكذلك إذا اقتضى طلبًا؛ سواء أكان الطلب يفهم منه وحده، أم كان بمساعدة أداء أخرى؛ فالأول كقوله تعالى:{والوالداتُ يُرضِعْن أولادَهن} . فالله يطلب من الوالدات إرضاع أولادهن، وهذا
1 سيجي بيان لهذا في آخر باب: "الموصول" عند الكلام على الموصول الحرفي، وصلته، وسبك المصدر، وهو بيان هام "ص 411 ثم في ص 417".
2 "إذا" هنا ظرفية محضة ولا تدل على الشرط، لأن الظرفية الشرطية لها الصدارة في جملتها حتما، فلا تقع حشوا.
3 راجع حاشيتي: "الخضري والصبان" في آخر باب: "ظن وأخواتها" عند الكلام على: "القول" وكذا: "المغني" في مبحث: "هل".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يكون إلا في المستقبل، ومثال الثاني قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} ، وقوله:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} ، فإن طلب الإنفاق فى:"لينفق" وطلب عدم "المؤاخذة" فى: "لا تؤاخذنا"، مفهوم من المضارع، بمساعدة "اللام" و"لا". وزمن المعنى فى الفعلين هو المستقبل. إذ لا يمكن تحقيق ما تطلبه من غيرك وإنفاذه إلا فى المستقبل.
أو سبقته أداة شرط وجزاء، سواء أكانت جازمة: كالتي في قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أم غير جازمة -ومنها: "لو الشرطية1 غير الامتناعية"، وكيف2" الشرطية، مثل: لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع في إهلاكهم، ومثل: كيف تصنع أصنع، ويفهم من هذا ومما قبله أن الجوازم جميعها -ما عدا: "لم، ولما" تخلصه للاستقبال.
أو: اقتضى وعدًا أووعيدًا، كقوله تعالى:{يُعذّب مَنْ يشاءُ، ويَغْفرُ لمن يشاء} -لما سبق- وقول الشاعر:
من يُشعِلْ الحرب لا يأمنْ عواقبها
…
قد تُحرك النار يوماً موقِد النار
أو: صحب أداة توكيد؛ مثل: "نون التوكيد" الخفيفة أو الثقيلة؛ لأن التوكيد يليق بما لم يحصل، ويناسب ما لم يقع؛ نحو: أتُكْرِمَنْ صديقك؟ وهل تساعدنّ البائس؟
أو: لام جواب القسم عند فريق من النحاة؛ لأنها فى معنى التوكيد؛ مثل: "والله لعَلى عملِك تُحَاسَبُ". ومثلها: "لا" النافية غير العاملة عمل: "ليس" عند ذلك الفريق؛ مثل: لا أترك الصديق فى مواقف الشدة3.
1 التي بمعنى "إن" الشرطية وتشتهر باسم "لو الشرطية غير الامتناعية، "ومثلها: "لو المصدرية التي بمعنى: "أن" المصدرية، وتسبك مع الجملة المضارعية بعدها بمصدر، ولكن ليس لها عملها في نصب المضارع، مثل: أود لو يسود السلم.
2 "وإذا" الشرطية أيضا.
3 جاء في "المغني" و "الهمع" أن "لا" النافية، غير العاملة عمل "ليس" تخلص المضارع للاستقبال إذا سبقته. خلافا لابن مالك ومن معه، وهو يؤيد رأيه بإجماع النحاة على صحة نحو:"جاء محمد: لا يتكلم" مع إجماعهم أيضا على أن الجملة الحالية لا تصدر بعلامة استقبال.
ونقول: إن الرأي الأنسب أنها تخلصه للاستقبال عند عدم القرينة التي تمنع. وقد أشرنا لهذا في رقم5 من هامش ص311 م 84 ج2 باب الحال".
أما العاملة عمل "ليس" فالكلام عليهما في ص57 حيث الحكم على أخوات "ليس".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو: "حرف نصب" سواء أكان ظاهرًا أم مقدرًا. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} .
أو: "حرف تنفيس"، وهو:"السين" و"سوف"، وكلاهما لا يدخل إلا على المضارع المثبت، ويفيده التنفيس؛ أي: تخليص المضارع المثبت من الزمن الضيق، وهو:"زمن الحال"؛ -لأنه محدود- إلى الزمن الواسع غير المحدود، وهو:"الاستقبال"، وهما فى هذا سواء، وَرَدَا معًا فى معنى واحد، كقوله تعالى:{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقول الشاعر:
وإنَّا سوف نَقهَرُ من يُعادِى
…
بحدّ البِيض تَلتَهب التهابا
وقول الآخر:
وما حالةٌ إلا سيصرَف حالُها
…
إلى حالة أخرى، وسوفَ تزولُ
إلا أن "سوف" تستعمل أحيانًا أكثر من "السين" حين يكون الزمن المستقبل أوسع امتدادًا؛ فتكون دالة على: "التَّسْويف" ثم هي تختص بقبول اللام: كقوله تعالى: {وَلَسَوفَ يُُعْطِيكَ رَبُكَ فَتَرْضَى} ، كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذى تدخل عليه بفعل آخر من أفعال الإلغاء1؛ نحو:
وما أدري، وسوف -إخالُ- أدرِي
…
أقومٌ آلُ حِصْن أمْ نساءُ؟
والأمران ممتنعان فى "السين" لدى جمهرة النحاة2
…
كما أن "السين" تختص بمعنى لا تؤديه "سوف"، فالعرب إذا أرادت تكرار الفعل وتأكيد وعدم التنفيس فيه "أي: عدم جعله للمستقبل البعيد" أدخلت عليه السين3، ومنه قول الشاعر:
سأشكرُ عمْرًا ما تراختْ مَنيتي
…
أيادَى لم تُمْنَنْ وإنْ هىَ جَلَّت
والأغلب عند استعمال أحد الحرفين ألا يتقدم عليه شيء من الجملة التي دخل عليها. ويرى بعض النحاة أن التقديم ممنوع. ولكن هذا المنع مدفوع بالسماع، كقول النمر بن تولب:
فلما رأته آمنا هان وجدها
…
وقالت: أبونا هكذا سوف يفعل
1 من أخوات: "ظن". وتفصيل الكلام عليها في بابها "جـ 2 م 60 ص 37".
2 راجع الجزء الثاني من الهمع ص 72 في الكلام عليهما.
3 راجع ص 87 جـ 3 من رغبة الآمل، شرح الكامل، للمرصفي. والشاعر هو: عبد الله بن الزبير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: سوف يفعل هكذا1. ..
الرابعة: أن ينصرف زمنه للمضي؛ وذلك إذا سبقته "لم"2، أو:"لما". الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: {لم يلدْ، ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوًا أحَدٌ} ، وقول الشاعر:
لَم يَمُتْ مَنْ له أثَرْ
…
وحياةٌ من السِيَرْ
فزمن المضارع هنا ماضٍ. ومثل: لما يحضْر ضيفنا. أما في مثل:
إذا أنتَ لم تَحْمِ القديمَ بحادثٍ
…
من المجْدِ لم ينْفَعْكَ ما كانَ من قَبْلُ
فزمن المضارعَيْن هنا ماض، بسبب وقوعهما بعد "لَمْ" قبل مجيء "إذا" الشرطيَّة، ثم صار مستقبلا محضًا بعد مجيئها - طبقًا لما سَلف3.
أو: "إذا"؛ نحو: أطربني كلامك؛ إذ تقول للغنيّ: تصَدقْ، بمعنى: قُلتَ.
أو: "ربما"4، نحو: فاتنى القطار فتألمت؛ فأدركني صديق بسيارته، فوصلنا قبل القطار؛ فالحمد لله؛ رُبما أكره الأمر وفيه خيرى ونفعي، أي: ربما كرهت.
أو: "قد" التي تفيد التقليل بقرينَة؛ كأن تقول لمن حملك على السفر كرْهًا: قد أسافر مُكرهًا؛ فماذا عليك لو تركتنى بعيدًا عن المشقة التى صادفتها؟ بخلاف "قد" التي للتكثير.
أو: وقع المضارع مع مرفوعه خبرًا فى باب "كان" وأخواتها الناسخة، إذا وقع الناسخ فى هذا الباب بصيغة الماضي، ولم توجد قرينة تصرف زمنه عن المضي إلى زمن آخر5؛ مثل: كان سائق السيارة يترفق بركابها حتى وصلوا
…
أي:
1 راجع حاشية ياسين على "التصريح" جـ1 ص160 باب المبتدأ والخبر، عند الكلام على الخبر.
2 يشترط في "لم" التي تصرف منه زمنه للماضي ألا تكون مسبوقة بإحدى الأدوات الشرطية التي تخلصه للمستقبل المحض، مثل:"إن" الشرطية أو إحدى أخواتها. فإن وجدت هذه الأداة صرفته للمستقبل المحض، بالرغم من وجود "لم" كما سيجيء في جـ4 باب الجوازم رقم1 ص315.
3 في ص62.
4 لأن الأغلب دخول "رب" على الماضي، وإنما يكون زمن المضارع ماضيًا بشرط أن تقوم القرينة الدالة على مضي زمنه حقيقة، بخلاف ما لو كان مستقبلا محقق الوقوع، فإن هذا التحقق ونحوه - وإن جعل معناه الذي لم يتحقق بمنزلة ما تحقق- لا يجعل زمنه ماضيا بل يبقى مستقبلا. وسيجيء هذا مفضلا في موضعه "جـ 2 م 90 ص 483 حروف الجر.
5 كما في صور 546.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ترَفقَ. ولا يدخل فى هذا ما عرفناه من النواسخ التى تدل على "الحال" فقط؛ كأفعال الشروع -مثل: طفق، وشرع- أو التي تدل على "الاستقبال" فقط؛ كأفعال الرجاء. وسيجيء البيان فى الباب الخاص بهما وهو: باب "أفعال المقاربة"1.
ملاحظة: إذا عطف فعل مضارع2 على نظيره فإن الفعل المعطوف يتبع حكم الفعل المعطوف عليه في أمور، يتصل منها بموضوعنا:"الزمن" فيكون المعطوف مثله؛ إما للحال فقط، أو للمستقبل فقط، أو للماضي فقط، أو صالحًا للحال والاستقبال
…
فكل ذلك يجري فى المضارع المعطوف؟ تبعًا لنظيره المعطوف عليه حتمًا؛ لوجوب اتحاد الفعلين المتعاطفين فى الزمان3. فإذا قلت: أسمعُ الآن كلامك؛ وأبصرُك، كان زمن الفعل "أبْصر" للحال، كزمن المعطوف عليه؛ وهو أسمع؛ لوجود كلمة: "الآن"، التى تَقْصِره على الحال.
وإذا قلت: إن يعتدل الجو أطرَبْ، وأخرجْ للرياضة -فإن الفعل:"أخرج" للمستقبل فقط؛ لعطفه على: "أطرَبْ" المقصور على المستقبل؛ لأنه جواب شرط جازم؛ وزمن الجواب مستقبل، كما عرفنا.
وإذا قلت؛ لم تتأخر عن ميعادك، وتؤلمْ صاحبك.. فإن الفعل:"تؤلم" هو للماضي فقط، تبعًا للمعطوف عليه:"تتأخر"، الذي جعلته "لم" للزمن الماضي وحده.
وإذا قلت: يكتب حامد ويتحرك، فالفعل المضارع "يتحرك" صالح للحال والاستقبال، تبعًا للفعل: يكتب.
على أن ما سبق ليس مقصورًا على عطف المضارع على نظيره، وإنما يشمل عطف المضارع على الماضي؛ كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
1 ص 591.
2 المعطوف هنا فعل مضارع، والمعطوف عليه كذلك. فالعطف هنا عطف فعل على فعل، وليس عطف جملة فعلية؛ لأن عطف الجملة الفعلية على جملة فعلية يختلف في أحكامه اللفظية والمعنوية. عن أحكام العطف السابق، على الوجه المشروح في الجزء الثالث:"باب العطف -ص 620 م 121".
3 راجع الهمع جـ1 ص8 عند اللام على المضارع- وسيجيء في باب العطف جـ3 ص620 م121.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَتُصْبِحُ الأَرضُ مُخْضَرَّة} 1 أي: فأصبحت2.
وقد يكون المعطوف عليه تابعًا فى زمنه للمعطوف، بسبب قرينة تدعو لذلك؛ كقول الشاعر:
ولقد أمَرُّ على اللئيم يَسبُّنى
…
فمضَيت، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنينى
أي: مررت3.
1 لا يصح أن يكون المضارع: "تصبح" معطوفًا على المضارع السابق: "تر"؛ لأن السابق مجزوم واللاحق غير مجزوم، ولأن اخضرار الأرض ليس نتيجة الرؤية، ولكنه نتيجة شرب الزرع الماء.
2 ويشمل كذلك عطف الماضي على المضارع. وقد سبقت أمثلة في ص54.
3 يفهم مما سبق أن الفعل الماضي إذا عطف المضارع، أو العكس، يجب أن يتحول -في الأغلب- نوع الزمن في المعطوف إلى نوع الزمن في المعطوف عليه، بحيث يتماثلان. مع الخضوع في ذلك لما تقتضيه القرائن، ويستقيم به المعنى.
أما عطف فعل الأمر -وحده على غيره والعكس، فمختلف في جوازه، ويميل جمهرة النحاة إلى منعه، لاستحالة فصل الأمر من فاعله، وسنوضح الأمر في مكانه في العطف "جـ3 ص620 م121".
كذلك يفهم أن الفعلين المختلفين في الزمن "سواء أكانا مضارعين معًا، أم ماضيين معًا، أم مختلفين" لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، إلا مع مراعاة أن العطف يوحد زمنهما حتمًا، ويمنع اختلافهما فيه، فإن لم يصح المعنى عند اتفاقهما في الزمن لم يصح عطف الفعل ولم يكن الكلام من باب تعاطف الفعل، وإنما هو من باب آخر، كعطف جملة على جملة، أو الاستئناف أو غير ذلك، على حسب ما يوافق المعنى.
ومما تجب ملاحظته أن هناك فرقًا في المعنى والإعراب بين عطف الفعل على الفعل- وعطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية، "كما أشرنا في رقم من هامش الصفحة السابقة، وكما سيجيء التفصيل في بابه الخاص. الذي أشرنا إليه".
وأما علامة الأمر فهي: أن يدل بصيغته1 على طلب شيء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛ أي: أن علامته مزدوِجة؛ مثل: ساعدْ من يحتاج للمساعدة، وتكلمْ بالحق، واحرصْ على إنجاز عملك. وتقول: ساعدي.. وتكلمي
…
واحرصي
…
ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ الْعَفْو َ 2 وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ 3 وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وتقول: خُذي
…
-وأمْري
…
-وأعْرِضِي
…
ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و: "تعالَ" لقبولهما علامته. تقول: هاتي يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعاليْ نقرؤه.
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هي: "اسم فعل أمر"4؛ مثل: "صَهْ"، بمعنى: اسكت. و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن، و"نَزَالِ" بمعنى: انزلْ. و"حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا.
وهناك علامتان مشتركتان5 بين المضارع والأمر.
الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛ والله لأجْتهدَنْ. واجتهدنَ يا صديقي
…
بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل.
الثانية: ياء المخاطبة، مثل: أنت يا زميلتي تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومي على ذلك. فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو:"تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامي
…
1 سبق "في ص48" أن المراد بذلك هو: أن تكون دلالته ذاتية أي: مستمدة من صيغته نفسها لا من زيادة شيء عليها، فالدلالة على الأمرية في مثل:"لتخرج" مستمدة من اللام الداخلة على الفعل المضارع بعدها، ولا يصح أن يقال في الفعل الذي بعد تلك اللام إنه فعل أمر، وإنما هو فعل مضارع.
2 الميسور المقبول من كلام الناس وأفعالهم، من غير أن تكلفهم الكمال الأعلى الذي لا يطيقونه.
3 الأمر المحمود المستحسن شرعا.
4 لاسم الفعل تعريف عام موجز في رقم51 من هامش ص49 وكذا في رقم6 من ص78 وله باب مستقل في جـ4.
5 سبقت الإشارة إليهما في رقم2 من هامش ص56.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
زمن الأمر مستقبل1 فى أكثر حالاته؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول: سافرْ زمن الصيف إلى الشواطئ2. ومثال الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} لأن النبى لا يترك التقوى مطلقًا. فإذا أمِر بها كان المراد الاستمرار عليها.
وقد يكون الزمن فى الأمر للماضي إذا أريد من الأمر الخبر، كأن يصف جندي بعد الحرب موقعة شارك فيها؛ فيقول: صرعت كثيرًا من الأعداء. فتجيبه: "اُقتُلِ ولا لوم عليك
…
وافْتِك بهم؛ فإن الله معك"
…
فالأمر هنا بمعنى: قتلتَ وفتكتَ
…
والمعوّل عليه فى ذلك هو: القرائن، فلها الاعتبار الأول دائمًا فى هذه المسألة، وغيرها.
1 هو مستقبل باعتبار المعنى المأمور به، المطلوب تحققه وقوعه ابتداء، إن كان غير حاصل وقت النطق، أو دوام حصوله واستمراره إن كان واقعا حاصلا وقت الكلام وفي أثنائه- كما هو مبين بأعلى الصفحة-.
أما زمن فعل الأمر باعتبار الطلب الصادر من المتكلم وملاحظة وقت الكلام نفسه والزمن الصادر فيه الطلب ذاته، فهو الحال.
"راجع الصبان جـ1 باب المعرب والمبني، عند الكلام على إعراب المضارع".
2 إذا قلت هذا قبل الصيف، ليكون قرينة.