الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب
وحكم زيادة "باء الجر" فيها، وفي الأسماء:
إذا دخلت أداة نفى على فعل من أفعال هذا الباب "غير "ليس"، و"زال" وأخواتها الثلاثة" فإن النفى يقع على الخبر؛ فتزول نسبته الراجعة إلى الاسم؛ ففى مثل: ما كان السارق خائفاً - وقع النفى على الخوف، وسُلبتْ نسبته الراجعة إلى السارق1؛ فإذا أردنا إثبات هذا الخبر، وجعل نسبته موجبَة مع وجود أداة النفى - أتينا قبله بكلمة:"إلاّ" فنقول: ما كان السارق إلا خائفاً؛ لأنها تنقض معنى النفى2، وتزيل أثره عن الخبر متى اقترنت به. وفى مثل قول الشاعر:
لم يك معروفك برْقاً خُلَّبًا3
…
إن خير البرقِ ما الغيثُ مَعَهْ
وقع نَفْى خَلَابة البرق على المعروف. فإذا أريد إثباتها قيل: لم يك معروفك إلا برقاً خُلَّبًا. كل هذا بشرط ألا يكون الخبر من الكلمات التى ينحصر استعمالها فى الكلام المنفى وحده، مثل: يَعِيج4؛ فإن كان منها لم يجز اقترانه بكلمة: "إلا"؛ ففى مثل: ما كان المريض يَعِيج بالدواء، لا يقال: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء. وفى: ما كان مثلُك أحدا5، لا يقال: ما كان مثلُك إلا أحداً.
1 والمراد: ما حصل خوف السارق، وإذا كان النفي داخلا على "كان" الناسخة، أو على مضارعها وبعدهما لام الجحود، تغير الحكم السالف، وصار للجملة كلها معنى وحكم يختلفان عما نحن بصدده هنا - طبقا للبيان الخاص بلام الجحود وسيجيء تفصيله في النواصب جـ4 م 149 -
2 لسبب بلاغي، كالحصر مثلا.
3 البرق الخلب: الذي لا مطر بعده. وهذا لا خير فيه للبلاد التي ترتوي بالمطر.
4 بمعنى: ينتفع، نحو: ما يعيج فلان بالدواء، أي: ما ينتفع به. لا التي بمعنى: أقام: أو وقف، أو رجع، أو غيرها مما لا يلازمه النفي. ومثل:"يعيج" كلمتا "أحد" وديار" وكذا، عريب.... فهذه كلها لا تستعمل إلا في كلام منفي، نحو: ما في البيت أحد، أو: ما فيه ديار، أو: ما فيه عريب. والثلاثة بمعنى واحد.
5 بشرط أن تكون الهمزة أصلية.... وهذا غالب في غير كلمة "أحد" بمعنى "واحد" التي يصح استعمالها في الإثبات والنفي. "راجع رقم 1 من هامش ص 210 حيث الإيضاح لكلمة: أحد".
فإن كان الفعل الناسخ هو: "ليس""وهى معدودة من أدوات النفى1" فالحكم لا يتغير "من ناحية أن المنفى بها هوالخبر، وأنه إذا قصد إيجابه وبقاء نسبته إلى الاسم وضعنا قبله: "إلا"، وأنه إذا كان من الألفاظ التى لا تستعمل إلا فى كلام منفى لم يجز اقترانه بإلا". ومن الأمثلة: ليس الخطيب عاجزاً؛ فقد انصب النفى على "العجز" وزالت نسبته الراجعة إلى الخطيب. فإذا أردنا إبطال النفى عن الخبر، ومنع أثره فى معناه - أتينا قبله بكلمة:"إلا" فقلنا: ليس الخطيب إلا عاجزاً، لأنها تنقض النفى، وتوقف أثره؛ فيصير المراد معها هوالحكم على الخطيب بالعجز، وهوحكم يناقض السابق. أما فى مثل: ليس المريض يَعيج بالدواء، فلا يصح اقتران الخبر بإلا؛ فلا يقال: ليس المريض إلا يَعيج بالجواء. فشأن "ليس" كشأن "كان" المسبوقة بالنفى؛ حيث لا يصح أن يقال فيها: ما كان المريض إلا يعيج بالدواء؛ كما سبق.
فإن كان الفعل الناسخ هو: "زال" أوإحدى أخواتها الثلاث، "وكلها لا بد أن يسبقه2 نفى، أوشبهه" - فخبرها مثبت غير منفى؛ لأن كل واحدة منها تفيد النفي وقبلها نفى، ونفى النفى إثبات؛ فمثل: ما زال المال قوة، فيه إثبات لاستمرار القوة للمال، وحكم موجَب بنسبتها إليه، يمتد من الماضى إلى وقت الكلام؛ فالنفى: فى كلمة: "زال" وأخواتها مسلوب ومنقوض بالنفى الذى قبلها مباشرة. والمعنى فى جملتها موجَب، وخبرها مثبت، كما قلنا - فلا يقترن بكلمة "إلا"؛ فلا يصح ما زال المال إلا قوة؛ فشأنه شأن خبر:"كان" الخالية من نفى قبلها؛ فكلا الخبرين موجَب "مثبت".
وإذا كان خبر الناسخ منفيًّا إما "بليس" غير الاستثنائية، وإما "بما"3 على الوجه السالف4 جاز أن يدخل عليه حرف الجر الزائد:"الباء" نحو: ليس الحِلْم ببلادة5، وما كان الحليم ببليد يحتمل المهانة"، أى: ليس
1 تفصيل الكلام عليها في ص 559.
2 انظر رقم 2 من هامش ص 563.
3 العاملة "الحجازية" باتفاق والمهملة تبعا للأرجح.
4 ويتضمن الشروط التي سلفت، وهي:"أ" وجوب نفي الخبر مع بقاء هذا النفي، وعدم نقضه بإلا" فلا يصح: ما النهر إلا بعذب. ب- إن يكون اخبر صالحا للاستعمال في الكلام الموجب، غير مقصور على الكلام المنفي، فلا يصح: ما مثلك بأحد - حـ- ألا يكون الخبر واقعا في الاستثناء، فلا يصح: كرمت العلماء ليس بالأدعياء
…
أولا يكون بالأدعياء.
5 وتعرب كما يأتي: "الباء" حرف جر زائد. "بلادة" مجرورة بحرف الجر الزائد، وعلامة جرها الكسرة، في محل نصب، لأنها خبر "ليس" أيضا، فكلمة:"بلادة" مجرورة في اللفظ بحرف الجر الزائد، ومنصوبة محلا أو تقديرا، لأنها خبر أيضا. والجار الزائد مع مجروره لا يتعلقان بشيء
الحِلم بلادة، وما كان الحليم بليداً؛ يحتمل المهانة. فزيدت "باء الجر" فى أول الخبر المنفى فى المثالين - وأشباههما - لغرض معنوى؛ هو: توكيد النفى وتقويته1.
وليست زيادتها مقصورة على أخبار بعض النواسخ دون بعض، وإنما هى جائزة فى جميع تلك الأخبار؛ بشرط أن تكون منفية2، فلا يصح زيادتها فى خبر:"زال" وأخواتها الثلاث؛ لأن الخبر فيها موجب "أى: مثبت" كما عرفنا.
ومع أن زيادتها مباحة بالشرط السالف فإنها متفاوتة فى الكثرة بين تلك الأخبار فتكثر فى خبر: "ليس"، نحوقوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَام} وقول الشاعر:
ولسْتُ بهَيَّاب لمنْ لا يَهابُنى
…
لسْتُ أرَى للمرء مالَا يَرَى لِيَا
ثم فى خبر: "ما" الحجازية؛ نحوقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد} وقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ثم فى خبر "كان".
وإذا تقدم الخبر فتوسط بينَ الناسخ واسمه جاز إدخال؛ "باء" الجر الزائدة على الاسم المتأخر؛ ففى نحو: ليس الشجاع متهوراً - يصح أن يقال: ليس متهوراً بالشجاع. وفى نحو: ما كان الجواد إسرافاً - يصح أن يقال: ما كان إسرافاً بالجود3.
ومن المستحسن ألا نلجأ لهذه الزيادة فى اسم الناسخ إلا حيث يتضح أمرها، وتشتد الحاجة إليها.
1 ذلك أن باء الجر لا تزاد هنا إلا في الخبر المنفي، فوجودها دليل على وجود النفي وإعلان عنه، وإزالة شبهة غيابه. فكأن النفي بها قد تكرر. هذا وقد سبق في أول الكتاب فائدة الحرف الزائد ص 70.
2 زيادتها جائزة في المنفي من أخبار بعض الأفعال النواسخ، فتدخل أخبار "كان" وأخواتها إلا "ليس" الاستثنائية، و "لا يكون" الاستثنائية، وإلا "زال"، و "فتيء" و "برح"، و "انفك"، لأن أخبار هذه الأربعة موجبة - كما تقدم- وتزاد في مضارع:"كان" بشرط أن يكون منفيا بحرف النفي. "لم"، نحو: كلمتني فلم أكن بمشغول عنك، ولم تكن بمنصرف عني. فالباء حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها، في محل نصب - كما سيجيء البيان في ص 607 - وتزاد في المفعول الثاني من مفعولي:"ظن وأخواتها"، نحو: ما ظننت المؤمن بجبان. أما زيادتها في غير هذه المواضع، فالأحسن البعد عن استخدامه، والاقتصار فيه على المسموع دون محاكاته، أو القياس عليه "انظر ص 608".
على أن لزيادة "الباء" موضوعا تفصيليا هاما سجلناه في مكانه الأنسب "وهو باب: حروف الجر- جـ2 م 90 ص 455 وما بعدها، حيث الكلام على الكلام أم أحكام باء الجر. "3" راجع الصبان.