المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها - النحو الوافي - جـ ١

[عباس حسن]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌ الكلام وما يتألف منه

- ‌المسألة الثانية: الكلام على أقسام الكلمة الثلاثة:

- ‌المسألة الثالثة: أقسام التنوين، وأحكامه

- ‌المسألة الرابعة: الفعل وأقسامه، وعلامة كل قسم

- ‌المسألة الخامسة: الحرف

- ‌ الإعراب والبناء

- ‌المسألة الثامنة: الأسماء الستة

- ‌المسألة التاسعة: المثنى

- ‌المسألة العاشرة: جمع المذكر السالم

- ‌المسألة الحادية عشرة: الملحق بجمع المذكر السالم

- ‌المسألة الثانية عشرة: جمع المؤنث السالم

- ‌المسألة الثالثة عشرة: إعراب ما لا ينصرف

- ‌المسألة الرابعة عشرة: الأفعال الخمسة

- ‌المسألة الخامسة عشرة: المضارع المعتل الآخر

- ‌المسألة السادسة عشرة: الاسم المعرب المعتل الآخر

- ‌ النكرة والمعرفة

- ‌المسألة السابعة عشرة: النكرة والمعرفة

- ‌المسألة الثامنة عشرة: الضمير

- ‌المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب

- ‌المسألة العشرون: حكم اتصال الضمير بعامله

- ‌المسألة الحادية والعشرون: نون الوقاية

- ‌المسألة الثانية والعشرون: العلم

- ‌المسألة الثالثة والعشرون: أقسام العلم

- ‌المسألة الرابعة والعشرون: اسم الإشارة

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: كيفية استعمال أسماء الإشارة، وإعرابها

- ‌المسألة السادسة والعشرون: الموصول

- ‌المسألة السابعة والعشرون: صلة الموصول والرابط

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: حذف العائد

- ‌المسألة التاسعة والعشرون: الموصولات الحرفية

- ‌المسألة الثلاثون: المعرف بأل

- ‌المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة

- ‌المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة

- ‌ المبتدأ والخبر وما يتصل بهما

- ‌المسألة الرابعة والثلاثون: تطابق المبتدأ الوصف مع مرفوعه

- ‌المسألة الخامسة والثلاثون: أقسام الخبر

- ‌المسألة السادسة والثلاثون: المبتدأ المعرفة، والمبتدأ النكرة

- ‌المسألة السابعة والثلاثون: تأخير الخبر جوازًا ووجوباً

- ‌المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً

- ‌المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر

- ‌المسألة الأربعون: تعداد الخبر، تعدد المبتدأ

- ‌المسألة الحادي والأربعون: مواضع اقترن الخبر بالفاء

- ‌نواسخ الابتداء "كان وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثالثة والأربعون: حكم الناسخ ومعموليه من ناحية التقديم والتأخير

- ‌المسألة الرابعة والأربعون: زيادة "كان" وبعض أخواتها

- ‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

- ‌المسألة السادس والأربعون: حذف النون من مضارع "كان

- ‌المسألة السابعة والأربعون: نفى الأخبار فى هذا الباب

- ‌ الحروف التى تشبه "ليس" وهى "ما-لا- لات-إنْ

- ‌ أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء

- ‌الحروف الناسخة "إن" وأخواتها

- ‌مدخل

- ‌المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها

- ‌لا" النافية للجنس

- ‌مدخل

- ‌المسألة السابعة والخمسون: اسم "لا" المتكررة مع المعطوف

- ‌المسألة الثامنة والخمسون: حكم نعت اسم "لا

- ‌المسألة التاسعة والخمسون: بعض أحكام أخرى

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

‌المسألة الخامسة والأربعون: حذف "كان". وحذف معموليها، وهل يقع ذلك في غيرها

؟

ليس بين النواسخ السالفة1 "كان" وأخواتها ما يجوز حذفه وحده، أومع أحد معموليه، أومعموليه معاً - إلا:"ليس""وكان". فأما "ليس" فيجوز حذف خبرها على الوجه الذى شرحناه عند الكلام عليها2.

وأما "كان" فقد اختصت - وحدها - من بين أخواتها بأنها تعمل وهى مذكورة أحياناً، أومحذوفة أحياناً أخرى. والأصل أن تذكر مع معموليها ليقوم كل واحد من الثلاثة بنصيبه فى تكوين الجملة وتأدية المعنى المراد. لكن قد يطرأ على هذا الأصل ما يقتضى العدول عنه، لأسباب بلاغية تدعوإلى حذف واحد أوأكثر.

وصور الحذف أربعة؛ حذف "كان" وحدها، أوحذفها مع اسمها فقط، أوحذفها مع خبرها فقط، أوحذفها مع معموليها. وهذه الصور الأربع شائعة فى الكلام الفصيح شيوعاً متفاوتاً يبيح لنا محاكاته، والقياس عليه. "ومن تلك الصور صورتان تحذف:"كان" فيهما وجوباً، لوجود عِوَض عنها؛ كما سنعلم....".

وبقى حذف خبرها وحده أواسمها وحده، وكلاهما وهذا ممنوع فى الرأى الأصح عند جمهرة النحاة.

1-

فأما حذفها وحدها دون معموليها أوأحدهما فبعد "أنْ" المصدرية فى كل موضع أريد فيه تعليل شئ بشئ؛ مثل: "أمَّا أنت غنيًّا فتَصَدَّقْ"؛

1 ما يأتي خاص بالأفعال الناسخة التي سبقت، فلا يشمل أفعال المقاربة وأخواتها، مع أنها من أخوات "كان" وسيجيء الكلام عليها في باب مستقل - ص 614 - لكن بين النوعين اختلاف في أمور وضحناها في "ب" ص 618.

2 ص 559

ص: 582

فأصل هذه الجملة فيما يتخيلون لتوضيحها1، تَصَدَّقْ؛ لأنْ2 كنتَ غنيًّا. ثم حذفت اللام الجارة، تخفيفاً؛ لأن هذا جائز وقياسى قبل "أنْ"3؛ فصارت الجملة: تَصدقْ أنْ كنتَ غنيًّا. ثم تقدمت "أنْ" وما دخلت عليه "أى: تقدمت العلة على المعلول" فصارت الجملة: "أنْ كنتَ غنيًّا تصدَّقْ". ثم حذفت: "كان" وأتينا بكلمة: "ما" عوضاً عنها، وأدغمناها فى "أنْ"؛ فصارت:"أمَّا". والحذف هنا واجب، لوجود العِوَض عن "كان". وبقى اسم "كان" بعد حذفها؛ وهو: تاء المخاطب. ولما كانت التاء ضميراً للرفع متصلا؛ لا يمكن أن يستقل بنفسه - أتينا بدله بضمير منفصل، للرفع، يقوم مقامه، ويؤدى معناه؛ وهو:"أنت" فصارت الجملة: أما أنت غنيًّا فتصَدقْ. ثم زيدت: "الفاء" فى المعلول4؛ فصارت الجملة: أما أنت غنيا فتصَدقْ. ومثلها: أما أنت قويًّا فاعملْ بجدّ. وأما أنت شابًّا فحافظ على شبابك بالحكمة5

ويجب عند محاكاة هذا الأسلوب - اتباع طريقته فى تركيب الجملة، وترتيبها، ولا سيما مراعاة الخطاب6.

1 إنما كان ذلك - وهو حسن هنا - من تخيل النحاة بقصد الإيضاح، والتقريب، وتيسير المحاكاة، لأن العرب الأوائل حين تكلموا بمثل هذا الأسلوب لم يدر بخلدهم شيء من هذا الحذف، والتقدير، والتعليل، إنما نطقوا سليقة وطبعا، بغير اعتماد على تحويل وتأويل، أو مراعاة القواعد المنطق، وغيره، مما لم يعرفوه في عصورهم السابقة على وضع القواعد النحوية.

2 فاللام هنا لبيان العلة والسبب، فما بعدها وسبب لما قبلها. فكأن السبب في أمرك الشخص بالصدقة هو: غناه.

3 يجوز حذف حرف الجر قياسا مطردا قبل: "أن وأن" عند أمن اللبس.... - وتفصيل الكلام على هذا الحذف في موضعه المناسب وهو باب: "تعدي الفعل ولزومه "جـ2 م 71 ص 155".

4 تشبيها له بجواب الشرط في ترتبه على ما قبله.

5 من هذه الأمثلة وما سبقها من الشرح والتحليل يتضح أن شروط حذف "كان" وجوبا في هذه الحالة ستة شروط مجتمعة: أن تقع صلة لأن المصدرية، وأن تسبق "أن" المصدرية بحرف الجر الذي يفيد التعليل "كاللام"، وأن يحذف حرف الجر، وأن تتقدم العلة على المعلول مع اقترانه بالفاء، وأن تجيء "ما" عوضا عن "كان" المحذوفة، ثم تدغم في أن.... ثم تجيء بضمير منفصل للمخاطب يحل محل الضمير المتصل. ويكون بمعناه، ويغني عنه.

6 بالرغم من قياسية هذ الأسلوب وإيضاح مرماه بعد ذلك الشرح، يحسن اجتنابه في عصرنا الذي لا يستسيغه، لغرابته، وتعقيده.

ص: 583

2-

وأما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز وكثير بعد "إنْ" ولوْ" الشرطتين، فمثاله بعد "إنْ": المرء محاسَب على عمله؛ إنْ خيراً يكن الجزاءُ خيرًّا، وإن شرًّا1؛ فالأصل: المرء محاسب على عمله؛ إن كان العمل خيراً يكنْ الجزاء خيراً، وإن كان العمل شرًّا؛ فقد حذفت "كان" مع اسمها.

ومثال حذفهما "لو" الشرطية: تعود الرياضةَ ولوساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاقَ ولوبرهةً قصيرة. فالأصل: تعود الرياضة ولوكانت الرياضةُ ساعةً فى اليوم، واحذر الإرهاق، ولوكان الإربهاق برهةً قصيرة

فحذفت "كان" مع اسمها وبقى الخبر2. ومن هذا قول الشاعر:

لا يأمن الدهر، ذو بغي، ولو ملكا

جنوده ضاق عنها السهل والجبل

أي: ولو كان ذو البغي ملكا

3-

وأما حذفها مع خبرها دون اسمها فجائز - مع قلته، بالنسبة للحالة السالفة - بعد:"إنْ" و"لو" الشرطيتين أيضاً؛ فمثاله بعد "إنْ"3: المرءُ محاسَبٌ على عمله؛ إنْ خيرٌ فخيرٌ4 وإن شرٌّ فشرٌّ. الأصل: المرء محاسب على

1 لا فرق في الحذف بين "إن" التي تدل على: "التنويع""أي: تعدد الأنواع بعدها" كما في المثال. والتي لا تدل على تنويع، مثل قولك للعباس: تبسم، وإن حزينا، أي: وإن كنت حزينا. ولكن الحذف بعد "التنويعية" أشهر وأوضح. ويحسن الاقتصار عليه لذلك، مع أن الثاني صحيح أيضا.

2 "كان" فيهما بلفظ الماضي. ويصح أن تكون فيهما أو في أحدهما بلفظ المضارع، على تقدير: إن يكن العمل خيرا يكن الجزء خيرا، وإن يكن للعمل شرا يكن الجزء شرا، وهكذا في كل مثال، علما بأن الماضي إذا وقع فعل شرط جازم، أو جوابه،.... فإنه يتخلص للزمن المستقبل، فظاهره أنه ماض لكن زمنه مستقبل - كما عرفنا في ص 54 -.

3 وهذه تخالف "إن" التفصيلية التي يجيء الكلام عليها في جـ3 ص 660 م 125.

4 في مثل هذا التركيب يصح في الاسمين بعد "إن" أربعة أشياء، رفعهما معا، نحو: إن خير فخير، أي: إن كان في عمله خير فجزاؤه خير. ويصح نصبهما معا، نحو: إن خيرا فخيرا، على تقدير: إن كان عمله خيرا فهو يلاقي خيرا. ويصح نصب الأول ورفع الثاني، نحو: إن خيرا فخير، أي إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. ويصح رفع الأول ونصب الثاني، نحو: إن خيرا فخيرا، أي: إن كان في عمله خيرا فالجزاء يكون خير.... وهذا الوجه أضعف الأربعة لكثرة الحذف فيه، ولكنه قياسي كالثلاثة الأخرى.

ومن الممكن التخفيف والتيسير والاختصار بمعرفة الأوجه الأربعة دون احتمال العناء في الإعراب التفصيلي لكل حالة، فيكفي أن يقال إن الاسمين يجوز رفعهما معا، أو نصبهما معا، أو رفع الأول ونصب الثاني، أو العكس، إذ الغرض من الإعراب التفصيلي هو الوصول إلى سلامة النطق، وصحة الضبط المؤدي إلى صحة المعنى المراد. وهذا يتحقق بمعرفة القاعدة الإجمالية التي ذكرناها، والاقتصار عليها.

ص: 584

عمله؛ إن كان فى عمله خيرٌ فجزاؤه خير، وإن كان فى عمله شرٌّ فجزاؤه شر

ومثاله بعد "لو": أطعم المسكينَ ولورغيفٌ. أى: ولوكان فى بيتكم رغيف، أو: ولويكون عندكم رغيف.

4-

وأما حذفها مع معموليها فواجب بعد "إن الشرطية" أيضاً، ولكن فى أسلوب معين، مثل:"اذهب إلى الريف صَيفاً، إمَّا لَا". والأصل: "اذهب إلى الريف صيفاً إن كنت لا تذهب إلى غيره". حُذِفت "كان" وهى فعل الشرط، مع اسمها، ومع خبرها، دون حرف النفى الذى قبله، وأتينا بكلمة:"ما" عِوَضاً عن "كان" وحدها1؛ وبسبب العِوَض كان حذفها واجباً؛ فلا تجتمع مع كلمة: "ما". وأدغمت فيها النون من "إنْ" الشرطية؛ فصار الكلام: "إمَّا2 لا". وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، وتقديره:"فافعل هذا".

ومثل ما سبق أن تقول لآخر: "ساعد المحتاج ببعض المال"؛ فيجيب: "ليس عندى ما يزيد على حاجتى". فتقول: "ساعده بالمعاملة الكريمة إما لا". فأصل الكلام: ساعده بالمعاملة الكريمة إن كنت لا تملك غيرها

وجرى على الجملة من الحذف والتقدير ما جرى على سابقتها، مما يفترضونه للتيسير والإيضاح كما بيناه

1 أما اسمها وخبرها فقد حذفا بغير تعويض.

2 يرى بعض النحاة أن الأصل في هذه الجملة وأشباهها لا يشتمل على: "كان" ولا معمولها، وإنما أصل التركيب: أفعل هذا إما لا تفعل غيره

فلفظ "إما" مركب من "إن الشرطية" المدغمة في "ما" الزائدة للتأكيد، و" لا" نافية لفعل الشرط. ثم حذف فعل الشرط وفاعله وحذف الجواب أيضا لدلالة ما قبله عليه، وصارت الجملة أفعل هذا إما لا.... هذا إن كانت الهمزة مكسورة، أما إن كانت مفتوحة فأصل الكلام: اذهب إلى الريف لأن كنت لا تذهب إلى غير الريف، ثم جري التأويل الذي أشرنا إليه في القسم الأول "رقم "أ" من الحذف الواجب".

سواء أكانت التقدير هذا أم ذاك أم غيرهما، وسواء أكانت الهمزة مكسورة أم مفتوحة.... فالذي يجب الالتفات إليه أن هذه التأويلات والتقديرات - على تعقيدها - لا أهمية لها، وإنما المهم هو معرفة الأسلوب من ناحية صياغته، وطريقة تركيبه، ودقة استعماله في مثل موضعه الذي استعمله العرب فيه، بحيث لا نخطيء في صياغته، ولا طريقة استعماله، ولا فهم المراد منه، وهذا أمر يسير لا نحتاج معه إلى شيء من الكد العقلي المؤدي إلى فهم تلك الأوجه الإعرابية، المختلفة.

ص: 585

وحذف "كان" هنا واجب كما سلف؛ لوجود عِوَض عنها؛ فهوالموضع الثانى من موضعَى الحذف الواجب بسبب العوض، ولا يصح الجمع بين العوَض، والمعَوَّض عنه - والموضع الأول بعد "أن" المصدرية السابقة - أما فى غيرهما فالحذف جائز.

ومن الأمثلة الشائعة لحذف كان مع معموليها - بعد "إنْ" من غير تعويض؛ قولك لآخر: أتسافر وإن كان البرد شديداً؟ فيجيب: نعم، وإنْ

أى: أسافر وإن كان البرد شديداً. ومثله: أتعطى السائل وإن كان أجنبيًّا1؟ ومثل هذا الحذف جائز عند عدم اللبس، ووجود قرينة تدل على المحذوف.

ومما سبق نعلم: أنّ "كان" تحذف جوازاً فى حالتين، ووجوباً فى حالتين أخْرَيَيْنِ، تجئ "ما" عوضاً عنها فى كل منهما، ولا يجوز إرجاع "كان" مع وجود العوَض عنها فى حالتى حذفها وجوباً. أما فى الحالتين الجائزتين فحذفها وإرجاعها سواء.

1 وقد أشار ابن مالك إلى بعض مواضع الحذف باختصار، قائلا:

ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد: "إن" و "لو" كثيرا، ذا اشتهر

أي: إنهم يحذفون "كان" مع اسمها، ويبقون الخبر، وهذا الحذف قد اشتهر بعد "إن" و "لو" الشرطيتين على الوجه الذي فصلناه. ثم أشار إلى موضع آخر بقوله:

وبعد أن تعويض: "ما" عنها ارتكب

كمثل: أما أنت برا فاقترب -

يريد: قد ارتكب "أي: حصل" تعويض: "ما" عن: "كان" المحذوفة الواقعة بعد: "أن المصدرية. وضرب لها مثلا هو: "أما أنت برا فاقترب" أصله: اقترب لأن كنت برا. أي: صاحب خير ومعروف، ثم جرى الحذف، والتعويض، والتقديم، والتأخير، والزيادة، كما شرحنا.

ص: 586

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

"ا" ورد فى الكلام القديم حذف كان مع اسمها بعد: "لَدُن": كأن يسألك سائل: متى كان الاجتماع؟ فتجيب: يومَ الخميس من لَدُن عصراً إلى المغرب. أى؛ من زمن كان الوقتُ عصراً إلى المغرب

وهذا حذف لا يقاس عليه. وإنما عرضناه هنا لِيُفْهَم حين يرد فى كلام القدماء.

"ب" قد وردت كان وحدها محذوفة فى كلام قديم مع بقاء اسمها وخبرها ومنه:

أزمانَ "قومى" والجماعةَ كالذى

لَزم الرَّحالةَ أنْ تميل مَمِيلاً

أى: أزمان كان قومى مع الجماعة1. فكلمة: "قوم" اسم "كان" المحذوفة و"الجماعة" مفعول معه، و"كالذى" خبرها. والسبب فى تقدير "كان" أن المفعول معه لا يقع - فى الأكثر - إلا بعد جملة مشتملة على لفظ الفعل وحروفه، أوعلى معناه دون حروفه.

1 قالوا: إن مراد الشاعر هو وصف ما كان من استواء الأمور واستقامتها قبل الخليفة عثمان- رضي الله عنه فشبه حال قومه في تماسكم وتلازمهم، وعدم تنافرهم- بحال راكب لزم الرحالة "وهي: سرج من جلد لا يخالطه خشب" خوف أن يميل مميلا، أي: ميلا.

ص: 587