الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة:
الإعراب والبناء
معنى المصطلحات السابقة
" أ"- طلع الهلالُ. شاهد الناس الهلالَ. فرح القوم بالهلالِ.
"ب"- يكثر الندَى شتاء. يمتص النباتُ الندى. يرتوي بعضُ النباتِ بالندى.
"جـ"- زاد هؤلاءِ علماً. سمعت هؤلاءِ يتكلمون. أصغيت إلى هؤلاءِ.
نلحظ فى أمثلة القسم الأول "أ" أن كلمة: "الهلال" قد اختلفت العلامة التى في آخرها؛ فمرة كانت تلك العلامة ضمة، ومرة كانت فتحة، ومرة كانت كسرة، فما سبب هذا الاختلاف؟
سببه وجود داعٍ متغير في كل جملة، يحتاج إلى كلمة:"الهلال"؛ لتؤدي معنى معينًا في الجملة. وهذا المعنى يختلف باختلاف الدواعي في الجُمل، ويُرْمَز إليه في كل حالة بعلامة خاصة في آخر الكلمة، ففي الجملة الأولى كانت كلمة:"الهلال" مرفوعة؛ لوجود الداعي الذى يحتاج إليها، وهو الفعل:"طَلَع" فإنه يتطلب فاعلا. والفاعل يرمز له بعلامة فى آخره، هي: الضمة -مثلا- فيكون مرفوعًا.
وفي الجملة الثانية كانت كلمة: "الهلال" منصوبة؛ لوجود داعٍ من نوع آخر؛ هو الفعل: "شاهَدَ"؛ فإنه لا يحتاج إلى فاعل، لوجود فاعله معه -وهو كلمة: الناس- ولكنه يحتاج إلى بيان الشيء الذى وقع عليه فعل الفاعل، وهو ما يسمى فى النحو:"المفعول به"؛ والمفعول به يُرْمزُ إليه بعلامة خاصة في آخره هي: "الفتحة"، -مثلا- فيكون منصوبًا.
وفي الجملة الثالثة كانت كلمة "الهلال" مجرورة، لوجود داعٍ يخالف السابقَين، وهو: الباء، فإنها تحتاج إلى تلك الكلمة لتكون مجرورة بها، فيزداد الفعل بهما وضوحًا، وعلامة جرها الكسرة هنا.
فنحن نرى أن الدواعي تغيرت فى الجمل الثلاثة السالفة على حسب المعاني المطلوبة، من فاعلية، ومفعولية، وتكملة أخرى للفعل
…
وتبعها فى كل حالة تَغَيُّرُ العلامة التى فى آخر كلمة: "الهلال". فَتَغَير العلامة على الوجه السالف يسمى: "الإعراب"، والداعي الذي أوجده يسمى:"العامل"1.
1 كثر الكلام- قديمًا وحديثًا- على العامل، وعلى ما له من أثر سيء في النحو العربي، وفي الأساليب، وصياغتها، وفهمها. ولم تر بين المتكلمين من راعي جانب الاعتدال والإنصاف.
وأقوى ما وجهوه إلى العامل من طعن أمران: أولهما: أن النحاة نسبوا العمل إليه، فجعلوه هو الذي يرفع، أو ينصب، أو يجر، أو يجزم، مع أنه قد يكون سببا في خفاء المعنى- في زعمهم - أو تعقيده. وكيف ينسب إليه العمل وهو لا يعمل شيئا، وإنما الذي يعمل هو: المتكلم؟
ثانيهما: أن النحاة - وقد قصروا عليه العمل وحده- بحثوا عنه في بعض التراكيب العربية الصحيحة فلم يجدوه، فاضطروا أن يقدروه، وأن يفترضوا وجوده، ويتكلفوا، ويتعسفوا.
والحق أن النحاة أبرياء مما اتهموا به، بل أذكياء، بارعون فيما قرروه بشأن:"نظرية العامل"، فقد قامت على أساس يوافق خير أسس التربية الحديثة لتعليم اللغة، وضبط قواعدها، وتيسير استعمالها. ونسوق لهذا مثلا يوضحه، ويزيد الأمثلة إيضاحا:"أكرم محمود الضيف" فمحمود في هذه الجملة ينسب إليه شيء. وكذلك "الضيف" فما الذي ينسب إلى كل منهما؟
1-
ينسب إلى محمود أنه فعل الكرم، فهو فاعل الكرم. فبدلا من أن نقول: ينسب إلى محمود أنه فعل شيئا، هو: الكرم، أو: ينسب إلى محمود أنه فاعل الكرم- حذفنا هذه الكلمات الكثيرة واستغنينا عنها برمز صغير- اصطلح عليه النحاة - يرشد إليها، ويدل عليها، ذلك الرمز هو:"الضمة" التي في آخر كلمة: "محمود". فهذه الضمة على صغرها تدل على ما تدل عليه تلك الكلمات المحذوفة الكثيرة. وهذه مقدرة وبراعة أدت إلى ادخار الوقت والجهد باستعمال ذلك الرمز الاصطلاحي الذي دل على المعنى المطلوب بأخصر إشارة. كما سيجيء رقم 1 من هامش ص 75.
لكن كيف عرفنا- في التركيب السابق- أن محمودا" فعل شيئا، أي: أنه فاعل؟ عرفنا ذلك من كلمة قبله هي: "أكرم" ويسميها النحاة: "فعلا" ولا يمكن أن يوجد الفعل بنفسه. فوجود الفعل دل على وجود الفاعل، ووجود الفاعل يقتضي أن نعلنه، ونذيع أنه الفاعل. وطريقة الإذاعة قد تكون بكلمات كثيرة، أو قليلة، أو برمز يغني عن هذه وتلك، كالضمة التي اختارها النحاة واصطلحوا على أنها الرمز الدال، على الفاعلية
…
وعلى هذا يكون الفعل هو السبب في الاهتداء أولا إلى الفاعل، وإلى الكشف عنه، ثم إلى وضع الرمز الصغير في آخره، ليكون إعلانا على أنه الفاعل، وشارة دالة عليه. فالفعل هو السبب أيضا في ذلك الرمز وفي اجتلابه والإتيان به، فليس غريبا أن يقول النحاة، "إن الفعل هو الذي عمل الرفع في الفاعل" لأنه السبب في مجيئه، ويسمونه من أجل ذلك:"عاملا".
ب- مثل هذا يقال في كلمة: "الضيف" فقد نسب إليه شيء- كما سبق- فما ذلك الشيء المنسوب إليه؟ هو أنه وقع عليه كرم، أو حصل له شيء، هو:"الكرم". وقد حذفنا هذه الكلمة الكثيرة، واستغنينا عنها برمز اصطلح عليه النحاة، يرشد إليها، ويدل عليها، هو الفتحة في آخر:"الضيف"، =
فالإعراب: "هو تَغَيُّر العلامة التى فى آخر اللفظ، بسبب تغير العوامل الداخلة عليه، وما يقتضيه كل عامل"1.
وفائدته: أنه رمز إلى معْنى معين دون غيره - كالفاعلية، والمفعولية، وغيرهما - ولولاه لاختلطت المعانى، والتبست، ولم يفترق بعضها عن بعض. وهو- مع هذه المزية الكبرى - موجَز غاية الإيجاز، لا يعادله فى إيجازه واختصاره
= فهي تؤدي ما تؤديه الكلمات المتعددة التي حذفت. والذي أرشدنا إلى أن الضيف وقع عليه شيء هو وجود الفعل والفاعل معا قبله. ولما كان الفعل هو المرشد إلى الفاعل والدال عليه. وكان الفعل هو الأصل في الإرشاد وفي الدلاله على الفاعل وعلى المفعول، فهو الأصل أيضا في جلب العلامة العلامة الدالة على كل منهما، وهو السبب الأساسي في مجيئها، فسمي ذلك:"عاملها".
وما يقال في الفعل مع فاعله ومفعوله يقال في غيره من العوامل الأخرى مع معمولاتها، سواء أكانت عوامل لفظية، كالفعل وكحرف الجر، والجوازم
…
، أم معنوية، كالابتداء، وكالتجرد من الناصب والجازم، وهو سبب رفع المضارع، وسواء أكانت أصلية أم زائدة "وستجيء أنواع العوامل في م 33 أول باب المبتدأ والخبر- وانظر ص 73.
ومما تقدم نعلم أن تلك العوامل بنوعيها ليست مخلوقات حية، تجري فيها الروح فتعمل ما تزيد، وتحس ما يقع عليها، وتؤثر بنفسها، وتتأثر حقا مما يصيبها، وتحدث حركات الإعراب المختلفة، فليس لها شيء من ذلك. إنما الذي يؤثر. ويحدث حركات الإعراب- هو المتكلم، وليست هي. ولكن النحاة نسبوا إليها العمل. لأنها المرشد إلى المعاني والرموز. وهي نسبة جاية على أصح الاستعمالات العربية وأبلغها. إذ هي السبب في الاهتداء إلى كشف المعنى المراد من الكلمة- كما أسلفنا- وإذا ثبت لها هذا فليس في اللغة مانع من نسبة العمل إليها، وتسميتها:"عاملا"، ولا عيب في أن نقول مثلا:"كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، و "إن" تنصب المبتدأ وترفع الخبر، ولا و "ظن" تنصبهما مفعولين لها
…
و.... و
…
إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى الذي يتفق بغير شك مع أصول الاستعمال العربي الفصيح، بل مع الأسلوب البلاغي الأعلى، ولا داعي للاعتراض عليه كما يتردد على ألسنة بعض، المتسرعين. نعم لها بعض عيوب "كالتي نراها في باب التنازع، م 73 جـ2" ولكنها يسيرة يمكن تداركها، وسنشير إليها تباعا، حين نصادفها.
ومما تقدم يتبين أيضا النفع الأكبر، والأثر الباهر الذي للعلامات الإعرابية، فلولاها لاختلطت المعاني، بل فسدت، وحسبك أن ترى جملة خالية من العلامات الإعرابية مثل قولنا:"ما أحسن القادم" فإنها بغير ضبط كلماتها تصلح للاستفهام، وللتعجب، وللنفي،
…
وكل معنى من هذه يخالف الآخر مخالفة واضحة واسعة. لهذا كان من الخطل وفساد الرأي أن ترتفع بعض الأصوات والحمقاء بإلغاء علامات الإعراب - لصعوبة تعلمها- والاقتصار على تسكين آخر الكلمات. وقد أطلنا الكلام في إظهار هذا الخطأ، وفداحة ضرره في الموضوع الخاص به من كتابنا المسمى:"اللغة والنحو بين القديم والحديث" ص 260.
1 وللإعراب معنى آخر مشهور بين المشتغلين بالعلوم العربية، هو: التطبيق العام على القواعد النحوية المختلفة، ببيان ما في الكلام من فعل، أو فاعل، أو: مبتدأ، أو: خبر، أو: مفعول به، أو حال
…
أو غير ذلك من أنواع الأسماء، والأفعال، والحروف، وموقع كل منهما في جملته، وبنائه أو إعرابه.... أو غير ذلك.
شيء آخر يدل دلالته على المعنى المعين الذي يرمز له1. وهذه مزية أخرى.
والمعرب: هو اللفظ الذي يدخله الإعراب2.
والعامل هو: ما يؤثر في اللفظ تأثيرا ينشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص، كالفاعلية، أو المفعولية، أو غيرهما، ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: ولا فرق بين أن تكون تلك العلامة ظاهرة كأمثلة: "ا" أومقدرة3 كأمثلة: "ب" فإن الدليل على إعرابها وهى مفردة أن علامة آخرها تتغير عند التثنية والجمع، فتقول: تراكم النَّدَيَان، وامتص النبات النَّدَيَيْن، وارتوى من النديَيْنِ4.
أما أمثلة القسم الثالث "حـ" ففيها كلمة: "هؤلاءِ"4 لم تتغير علامة آخرها بتغير العوامل؛ بل بقيت ثابتة فى الجمل كلها. فهذا الثبات وعدم التغير يسمى: بناء؛ وهو: "لزوم آخر اللفظ علامة واحدة فى كل أحواله، مهما تغيرت العوامل".
والمبنى هو: اللفظ الذى دخله البناء.
هذا، وقد عرفنا5 أن المعرب المنصرف6 "أى: المُنَون"، يسمى: "متمكنًا أمْكن"، وأن غير المنصرف يسمى: "متمكنًا" فقط، وأن المبنى يسمى: "غير متمكن". ولا تصف الكلمة بإعراب أوبناء إلا بعد إدخالها فى جملة7
…
1 فلو أردنا أن ندل على الفاعلية أو المفعولية في مثل: أكرم الولد الوالد لاستعملنا ألفاظا كثيرة، كأن نقول: إن الوالد هو فاعل الإكرام، والولد هو الذي ناله الإكرام
…
وفي هذا إسراف كلامي وزماني. كما سبق في هامش ص 73.
2 أي: التغير الذي وصفناه، فالإعراب غير المعرب، كما أن الإكرام غير المكرم، والإرسال غير المرسل.
3 ويسمى الإعراب فيها: "تقديريا""انظر ص 84".
"4، 4" وفي ص 84 إيضاح الإعراب المحلي "كالذي في كلمة "هؤلاء" والتقديري. ومن التقديري نوع سيجيء في "و" من ص 159 أما تفصيل مواضعه ففي ص 84 وما بعدها.
5 راجع ص 33 وما بعدها.
6 المنصرف، هو: المنون: "انظر رقم 2 من هامش ص 33".
7 راجع حاشية "الخضري" جـ 2 ص 1 أول باب: "الإضافة" وقد نقلنا كلامة في رقم 1 من هامش ص 14 وأشرنا في تلك الصفحة والتي تليها إلى وجود كلمات لا توصف بإعراب ولا بناء، ولو كانت في جمل، مثل الكلمات التي تسمى:"الأتباع" - بفتح الهمزة - ولها نوع إيضاح في "جـ" من ص 106. أما البيان في جـ 3 باب النعت" م 114 ص 452.
المعرب والمبني 1 من الأسماء، والأفعال، والحروف:
"أيْ: من أقسام الكلمة الثلاثة":
أولا: الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف وحده لا يؤدى معنى فى نفسه، وإنما يدل على معنى فى غيره، بعد وضعه فى جملة -كما سبق2. وإذًا لا ينسب إليه أنه فعل فعلا، أووقع عليه فعل؛ فلا يكون بنفسه فاعلا، ولا مفعول به، ولا متممًا وحده للمعنى "أى: لا يكون مسندًا إليه ولا مسندًا، ولا شيئًا يتصل بذلك". لعدم الفائدة من الإسناد فى كل حالة3،
ونتيجة ما سبق أنه لا يدخله الإعراب؛ لعدم حاجته إليه؛ لأن الحاجة إلى الإعراب توجد حيث توجد المعانى التركيبية الأساسية، والحرف وحده لا يؤدى معنى قط. ولكنه إذا وضع فى تركيب فإنه يؤدى فى غيره بعض المعانى الجزئية "الفردية" بالطريقة المفصَّلة التى أشرنا إليها عند الكلام عليه2؛ كالابتداء، والتبعيض، وغيرهما مما تؤديه كلمة:"من". أوالظرفية، والسببية، وغيرهما مما تؤديه كلمة:"فى" - فهذه المعانى الجزئية تَعْتَور الحرف، وتتعاقب عليه، ولكن لا يكون التمييز بينها بالإعراب، وإنما يكون بالقرائن المعنوية التى تتضمنها الجملة.
ثانيًا: الأسماء يناسبها الإعراب وهو أصل فيها؛ لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل به -كما سبق3- فهو يدل على مسمى؛ "أي: على شيء
1 يلاحظ أن المبني لا تراعي زاحيته اللفظية مطلقا في توابعه أو غيرها، فتوابعه إنما تساير محلة فقط- إن كان له محل من الإعراب- وهذا أثر هام من آثار "الإعراب المحلي" الذي يجيء الكلام عليه "في ص 84" لكن يستثنى من هذا الحكم العام النعت الخاص بالمنادي "أي، أو: أية" وبالمنادي اسم الإشارة الذي جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء بأل، نحو: يا أيها العالم، ويأتيها العالمة، ويا هذا الفاضل
…
فيجب في هاتين الصورتين رفع التابع مراعاة للمظهر الشكلي للمنادي، مع أن هذا المنادي مبني، وهما صفتان معربتان منصوبتان- مراعاة لمحل المنادي-، مع أن هذا المنادي مبني، وهما صفتان معربتان منصوبتان - مراعاة لمحل المنادي- بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادي في الصورة الشكلية- وتفصيل هذا وإيضاحه في جـ4 ص 34 م 130-.
"2 و 2" في ص 66.
3 في ص 26 إلا إذا قصد لفظه، كما في جـ" من ص 30.
محسوس أو معقول، سميناه بذلك الاسم" وهذا المسمى قد يُسنَد إليه فعل، فيكون فاعلًا له، وقد يقع عليه فعل، فيكون -مفعولا به. وقد يتحمل معنى آخر غير الفاعلية والمفعولية، ويدل عليه بنفسه
…
وكل واحد من تلك المعاني يقتضى علامة خاصة به فى آخر الكلمة، ورمزًا معينًا يدل عليه وحده، ويميزه من المعاني الأخرى؛ فلا بد أن تتغير العلامة فى آخر الاسم؛ تبعًا لتغير المعاني والأسباب، وأن يستحق ما نسميه:"الإعراب" للدلالة على تلك المعانى المتباينة، التى تتوالى عليه بتوالى العوامل المختلفة، كما شرحنا من قبل1.
وقليل من الأسماء مبنيّ2. وأشهر المبني منها عشرة أنواع "لكل نوع أحكامه التفصيلية فى بابه" وهى:
"1" الضمائر، سواء أكان الضمير موضوعًا على حرف هجائي واحد، أم على حرفين، أم على أكثر، مثل: انتصرتَ؛ ففرحنا، ونحن بك معجبَون.
"2، 3" أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام؛ بشرط ألا يكون أحدهما مضافًا لمفرد؛ مثل: أين توجدْ أكرمْك. أين أراك3؟ بخلاف: أىُّ خيرٍ تعملْه ينفعْك. أىُّ يومٍ تسافر فيه؟ لإضافة "أىّ" الشرطية والاستفهامية فى المثالين لمفرد، فهما معه معربتان4.
"4" أسماء الإشارة التى ليست مثناة؛ نحو: هذا كريم، وتلك محسنة. بخلاف:"هذان كريمان، وهاتان محسنتان". فهما معربان عند التثنية؛ على الصحيح.
1 في ص72.
2 الغالب على الأسماء المبنية أنها لا تضاف، ومنها ما يضاف، مثل:"حيث" و "كم الخبرية" و "إذا" الشرطية، وبعض المركبات المزجية العددية التي تضاف مع بنائها على فتح الجزأين، "نحو: هذه خمسة عشر محمد، طبقا لما سيجيء في باب "العدد" جـ4 م 4 16 ص 400" وغيرها مما هو مذكور في باب الإضافة جـ3.
3 وكما في قول الشاعر:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
…
سرور محب، أو إساءة مجرم؟
4 أما الإضافة للجملة فقد يكون الاسم معها مبنيا كإضافة "إذا" الشرطية وأشباهها للجمل. وكل اسم يجب إضافته لجملة يجب بناؤه، مثل:"إذا" الشرطية. أما الذي يضاف إليها جوازا، مثل "يوم" فقد يبني، وقد يعرب، كما سيجيء في باب الإضافة ج3.
"5" أسماء الموصول غير المثناة، والأسماء الأخرى التى تحتاج بعدها -وجوبًا- إلى جملة أوما يقوم مقامها1، ولا تستغني عنها بحال. فمثال الموصول: جاء الذى يقول الحق. وسافر الذى عندك، أو الذي فى ضيافتك.
ومن الأسماء الأخرى التى ليست موصولة ولكنها تحتاج -وجوبًا- بعدها إلى جملة: "إذا" الشرطية الظرفية؛ نحو: إذا تعلمتَ ارتفع شأنك، فلوقلت: جاء الذى
…
فقط، أو: إذا
…
فقط، لم يتم المعنى، ولم تحصل الفائدة. بخلاف جاء اللذان غابا، وحضرت اللتان سافرتا. فالموصول معرب - على الصحيح - لأنه مثنى.
"6" الأسماء التى تسمى: "أسماء الأفعال"2 وهى: التى تنوب عن الفعل فى معناه وفى عمله وزمنه، ولا تدخل عليها عوامل تؤثر فيها. مثل: هيهات القمر: بمعنى بَعُدَ جدًّا، وأفٍّ من المهمل، بمعنى أتَضَجَّرُ جدا، وآمين يا رب، بمعنى: استجبْ. فقد دلت كل كلمة من الثلاث على معنى الفعل، ولا يمكن أن يدخل عليها عامل قبلها يؤثر فيها بالرفع، أوالنصب، أوالجر
…
بخلاف: سيرًا تحت راية الوطن، سماعًا نصيحة الوالد، إكرامًا للضيف. فإن هذه الكلمات [سيرًا، وسماعًا، وإكرامًا، وأشباهها] تؤدى معنى فعلها تمامًا، ولكن العوامل قد تدخل عليها فتؤثر فيها؛ فتقول: سرني سيرُك تحت راية الوطن، مدحت سيرَك تحت راية الوطن. طربت لسيرِك
…
وكذا الباقي؛ ولذلك كانت معربة.
"7" الأسماء المركبة؛ ومنها بعض الأعداد؛ مثل: أحَدَ عَشَرَ
…
إلى تسعة عَشَرَ؛ فإنها مبنية دائمًا على فتح الجزأين. ما عدا اثنيْ عَشَرَ، واثنتيْ عشْرة؛ فإنهما يعربان إعراب المثنى3.
1 المراد بما يقوم مقام الجملة الواجبة هو ما يغني عنها تماما في بعض الحالات، كالمشتق الذي يقع صلة "أل" وكالتنوين الذي للعوض عن المضاف إليه المحذوف إن كان جملة.
2 لها باب خاص في الجزء الرابع. وسبقت لها إشارة في رقم 1 من هامش ص 49.
3 للعدد وأحكامه باب - مستقل في الجزء الرابع.
"8" اسم "لا" النافية للجنس1- أحيانًا- في نحو: لا نافع مكروه.
"9" المنادى، إذا كان: مفردا، علما، أو نكرة مقصودة، مثل: يا حمد، ساعد زميلك، ويا زميل اشكر صديقك.
"10" بعض متفرقات أخرى، مثل:"كم" وبعض الظروف، مثل:"حيث" والعلم المختوم بكلمة: "ويه"، وما كان على وزن "فعال" في رأي قومك- مثل حذام، وقطام
…
"وكلاهما اسم امرأة". وكذلك أسماء الأصوات المحكية مثل: "قاق"، و"غاق"، في نحو: صاحت الدجاجة قاق، ونعب الغراب غاق2
…
ملاحظة: يجب الإعراب والتنوين فى كل اسم أصله مفرد مبنىّ، ثم سُمي به، كما لو سمينا رجلًا بكلمة:"أمسِ" المبنية على الكسر في لغة الحجازيين -أو بكلمة "غاقِ" التي هي في أصلها اسم لصوت الغراب
…
، وحكمها: البناء على الكسر أيضًا" لتغير شأن الكلمتين بعد هذه التسمية، فتصير كل واحدة منهما علمًا، يدل على ما يدل عليه العلم، ويصير حكم كل منهما الإعراب والتنوين4، بعد أن كان حكمها البناء5.
1 لها باب خاص في آخر هذا الجزء - ص 683.
2 لأسماء الأصوات وأحكامها المختلفة باب خاص في الجزء الرابع.
3 المراد بالمفرد هنا: ما ليس داخلا في نوع من أنواع المركب الثلاثة، وهي المركب الإسنادي، والمركب المزجي، والمركب الإضافي. أما المركب العلم فيجيء بيانه وحكمه في باب العلم ص 300 و 308 وفي ص 201.
4 انظر ما يتمم هذا الحكم في رقم 5 من هامش ص 146 ورقم 1 من هامش ص 309.
5 راجع حاشية "خالد" على "التصريح"، آخر باب،:"الممنوع من الصرف" عند الكلام على: "أمس".
وينبغي تبين ما سبق - في: "جـ" ص 30 من فروق تخالف ما هنا. كما ينبغي كشف الفرق بين الحكم الذي اشتملت عليه الملاحظة المدونية هنا، والحكم الآخر الآتي في "جـ" ص 146، فالحكم الذي اشتملت عليه هذه الملاحظة مقصور صراحة على الاسم المفرد المبني في أول أمره وليس بعلم، فإذا صار علما منقولا من معناه السابق إلى العلمية
…
تاركا ما قبلها فإنه يصير مع هذه العلمية الطارئة معربا ومنونا وجوبا ويصح جمعه جمع مذكر سالم مباشرة أما الحكم الآخر الآتي فإنه صريح في أن العلم موضوع من أول أمره علما ومبنيا فليس منقولا من حالة سابقة إلى حالة العلمية الحالية وإنما هو موضوع ابتداء علما أصيلا مبنيا فلا يجمع إلا من طريق غير مباشر جمع مذكر سالم "كما سيجيء البيان في ص 146".
ثالثًا: الأفعال. منها المبني دائمًا، وهو: الماضي والأمر. ومنها المبني حينًا والمعرب أحيانًا وهو: المضارع.
وأحوال بناء الماضي ثلاثة:
"1" يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء، مثل: صافحَ، محمد ضيفه، ورحَّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة، أوألف الاثنين، مثل: قالتْ فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا.
والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرًا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف، مثل: دعا العابد ربه.
"2" يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به "التاء" المتحركة التى هى ضميرٌ "فاعل"، أو:"نا" التى هى ضمير فاعل، أو"نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمتُ الصديق، وفرحتُ به. ومثل: خرجْنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة، أما الطالبات فقد ركبْن القطار.
"3" يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واوالجماعة، مثل الرجال خرجُوا لأعمالهم.
وأحوال بناء الأمر أربعة:
"1" يبنى على السكون فى آخره إذا لم يتصل به شىء؛ مثل: اعمَلْ لدنياك ولآخرتك. وصاحبْ أهل المروءات. أو: اتصلت به نون النسوة، مثل: اسمعْن يا زميلاتى1
…
"2" يبنى على فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الخفيفة؛ مثل: صاحِبَنْ كريم الأخلاق. أوالثقيلة؛ مثل: اهجرَنّ السفيه2
…
1 من الجائز توكيده بالنون المشددة مع وجود نون النسوة بشرط أن تكون نون التوكيد مشددة مكسورة وقبلها ألف زائدة تفصل بينهما وبين نون النسوة، نحو: اسمعنان يا زميلاتي.
كما سيجيء الإيضاح الخاص بالمضارع، في رقم 4 من هامش ص 82 وفي جـ 4 باب: نون التوكيد-.
2 فهو فعل أمر مبني على الفتح. لاتصاله بنون التوكيد. ولا داعي للتشدد الذي يراه بعض النحاة، إذ يقول: فعل أمر مبني على سكون مقدر منع من ظهروه الفتحة العارضة لأجل نون التوكيد. هذا وكل فعل أمر أو مضارع، اتصلت بآخره نون التوكيد فإنه يمتنع أن يتقدم عليه شيء من معمولاته إلا للضرورة- انظر المثال والبيان في رقم 3 من هامش ص 103 لأن تقدم هذا المعمول يخرجه من حيز التأكيد، فيتنافى تقديمه مع المراد من تأكيده. وأجاز بعض النحاة تقديم المعمول إن كان شبه جملة. وحجته ورود أمثلة كثيرة تكفي للقياس عليها. وهذا أحسن.
كما سيجيء في باب نون التوكيد جـ 4 م 143، الحكم الرابع من الأحكام والآثار اللفظية المشتركة -..
"3" يبنى على حذف حرف العلة إن كان آخره معتلًا؛ مثل: اسعَ فى الخير دائمًا، وادعُ الناس إليه، واقضِ بينهم بالحق. [فاسع: فعل أمر مبني على حذف الألف؛ لأن أصله: "اسْعَى"1. وادعُ: فعل أمر مبني على حذف الواو؛ لأن أصله: "ادْعُو". واقض: فعل أمر، مبني على حذف الياء لأن أصله:"اقضيِ] ". وعند تأكيد فعل الأمر بالنون يبقى حرف العلة الواو، أو الياء، ويتعين بناء الأمر على الفتحة الظاهرة على الحرفين السالفين، فإن كان حرف العلة ألفًا وجب قلبها ياء تظهر عليها فتحة البناء؛ لأن الأمر يكون مبنيًا على هذه الفتحة؛ نحو: اسعَيَن فى الخير، وادعُوَن له، واقضيَن بالحق.
"4" يبنى على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين؛ مثل: اخرجَا، أو واو الجماعة، مثل: اخرجوا، أو ياء مخاطبة؛ مثل: اخرجِي. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر، مبني على حذف النون، والضمير فاعل "وهو ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة". ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} ، وقوله:{فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} - وقول الشاعر:
يا دارَ عَبلةَ بالجِواء تكلمى
…
وعِمِى2 صباحا - دارَ عبلةَ - واسلمِى
وأما المضارع فيكون معربًا3 إذا لم يتصل بآخره بنون التوكيد، أونون النسوة. ومن الأمثلة:{إن اللهَ لا يَغفرُ أن يُشْرَكَ بِهِ} . إن تُخْلِصْ فى عملك تنفعْ وطنك. فإن اتصل بآخره اتصالا مباشرًا نون التوكيد الخفيفة أوالثقيلة بنى على الفتح4 مثل: والله لأقومَنْ بالواجب. ولأعْمَلنَّ ما فيه الخير،
1 تكتب الألف هنا ياء، تبعًا لقواعد رسم الحروف، وعلى الرغم من كتابتها ياء تسمى ألفًا ما دامت الفتحة قبلها.
2 انعمي واسعدي.
3 حالاته الإعرابية ثلاث، فيكون معربًا مرفوعًا إذا لم يسبقه ناصب ولا جازم، ويكون معربًا منصوبًا إذا سبقه ناصب، ويكون معربًا مجزومًا إذا سبقه جازم. ولإعراب المضارع باب مستقل "ج4 م148" يعرض لحالاته الإعرابية الثلاثة ويوضح الكلام على النواصب والجوازم، ويبين أنواعها وأحكامها تفصيلًا، ويشير في أوله إلى المراد من الجزم، وأنه الجزم الأصيل، لا الطارئ للوقف، أو التخفيف مع بيان الآثار المترتبة على الأصيل وغيره- وسيجيء الكلام على سكون التخفيف في ص199، وإذا كان المضارع معتل الآخر فلإعرابه طرق وأحكامه خاصة تجيء في بحث مستقل "ص182".
4 في محل رفع إن لم يسبقه ناصب أو جازم -على المشهور- وقيل: لا محل له.
"كما سيجيء في رقم2 من هامش الصفحة الآتية، ومطابقة للبيان الذي في أول باب: "إعراب الفعل المضارع" - ج4 م148 وفي الجزء الرابع باب مستقل لنوني التوكيد.
وقول الشاعر:
لا تأخذن1 من الأمور بظاهر
…
إن الظواهر تخدع الراءينا
فإن كان الاتصال غير مباشر؛ بأن فصل بين نون التوكيد والمضارع فاصل ظاهر؛ كألف الاثنين، أومقدر؛ كواوالجماعة، أوياء المخاطبة - فإنه يكون معربًا
…
فمثال ألف الاثنين "ولا تكون إلا ظاهرة" ماذا تعرف عن الصانعَيْن، أيقومانّ بعملهما؛ ومثال واو الجماعة المقدرة: هؤلاء الصانعون أيقومُنّ بعملهم؟ ومثال ياء المخاطبة المقدرة: أتقُومِنّ بعملك يا زميلتي؟
وإن اتصلت به نون النسوة فإنه يبنى على السكون2؛ مثل: إن الأمهاتِ يبذلْن ما يقدرْنَ عليه لراحة الأبناء. ولا يكون اتصالها به إلا مباشرًا3، كقوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
فللمضارع حالتان؛ الأولى: الإعراب؛ بشرط ألا يتصل بآخره -مباشرة- نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة، أو نون النسوة. وإذا أعرب كان مرفوعًا إن لم يسبقه ناصب ينصبه، أو جازم يجزمه.
والثانية: البناء: إما على الفتح إذا اتصلت بآخره -مباشرة- نون التوكيد. وإما على السكون إذا اتصلت بآخره نون النسوة4.
وإذا كان المضارع مبنيًّا لاتصاله بإحدى النونين وسبقه ناصب أو جازم وجب
1 المضارع هنا مبني على الفتح في محل جزم.
2 في محل رفع - على المشهور - وقيل لا محل له - طبقا لما سبق في رقم 4 من الهامش السابق، ولما هو مبين في باب "إعراب الفعل المضارع:"، جـ 4 سم 148-.
3 فلا يفصل بينهما أحد الضمائر الثلاثة السابقة- ولا غيرها-، لما في الفصل بالضمير من التناقض المفسد للمعنى، إذ كيف يشتمل الفعل الواحد على فاعلين متعارضين، أحدهما: نون النسوة، وهي تدل على جماعة الإناث، والآخر ألف الاثنين، وهي تدل على المثني؟ أو على نون النسوة مع واو الجماعة، وهذه تدل على جماعة الذكور؟ أو على نون النسوة مع ياء المخاطبة، وهذه تدلي على المفردة المؤنثة؟
أما نون التوكيد بنوعيها فإنها قد تقع بعد أحد الضمائر السابقة، ولكنها بعد ألف الاثنين مشددة ومكسورة، لكيلا تلتبس في الخط بنون الأفعال الخمسة التي يعرب معها المضارع. ولا تكون مكسورة مشددة إلا في هذه الحالة.
4 من الممكن أن يجتمع في آخر المضارع نون النسوة، فنون التوكيد المشددة المكسورة لا المخففة- بشرط أن تفصل بينهما الألف المزيد للفصل هنا، نحو: أترغبان في تقديم العون للبائسات، فالنون الأولى للنسوة حتما، والمضارع معها مبني على السكون وجوبا، والنون الأخيرة المشدة للتوكيد، ولا تأثير لها على المضارع من ناحية بنائه. وبين النونين الألف الفاصلة- "كما أشرنا في رقم 1 من هامش ص 80 وكما سيجي البيان بالتفصيل في ج4، باب نوني التوكيد".
أن يكون مبنيًّا فى محل نصب أو جزم، أيْ أنه يكون مبنيًّا فى اللفظ، معربًا فى المحل1". ولهذا أثر إعرابيّ يجب مراعاته. ففى التوابع -مثلا- كالعطف، إذا عطف مضارع على المضارع المبني المسبوق بناصب أو جازم وجب فى المضارع المعطوف أن يتبع محل المعطوف عليه فى النصب أو الجزم دون البناء2. وكذلك المضارع المبني إن كان معطوفًا عليه؛ فإنه يكون مبنيًّا فى محل رفع، فى الرأي المشهور الذى سبقت الإشارة إليه3. ويتبعه في هذا الرفع المحلي-دون البناء2- المضارع "المعطوف".
1 بيان الإعراب المحلي والتقديري في ص84 و..... و.......
2 في رقم4 من هامش ص81 "راجع الصبان ج1 في هذا الباب، عند الكلام على بناء المضارع، وج4 م148 في أول باب إعراب الفعل".
3 لأن الأغلب في البناء عدم انتقاله من المتبوع إلى التابع على الوجه الذي سبق في رقم1 من هامش ص76، 2 من هامش ص83 وفي الملاحظة التي في الجدول الآتي ص84 وفي بعض ما سبق يقول ابن مالك:
والاسم منه معرب ومبني
…
لشبه من الحروف مدني
كالشبه الوضعي في اسمى "جئنا"
…
والمعنوي في:"متى وفي: هنا"
وكنيابة عن الفعل، بلا
…
تأثر، وكافتقار أصلا
ومعرب الأسماء: ما قد سلما
…
من شبه الحرف، كأرض وسما
يقول: الاسم قسمان، معرب، ومبني وسبب بنائه شبه يدنيه - أي: يقربه من الحروف- وسيجيء رد هذا في ص88 وأبان الشبه المدين من الحروف "أي: المقرب منها" فقال: إنه الشبه الوضعي بأن يكون الاسم في صيغته موضوعًا على حرف واحد، أو على حرفين، كالضميرين:"التاء" و"نا" في جملة: "جئتنا" وكالشبه المعنوي في كلمتي: "متى""وهنا". فكل واحدة منهما اسم مبني؛ لأنه يؤدي معنى كان حقه أن يؤدي بالحرف، فأشبه الحروف في تأدية معنى معين، وكأن ينوب عن الفعل بلا تأثر، أو أن يحتاج دائمًا بعده إلى جملة، فالأول كاسم الفعل، والثاني كاسم الموصول. ثم قال ابن مالك في بناء الأفعال والحروف.
وفعل "أمر" و "مضى" بنيا
…
وأعربوا "مضارعا" إن عربا:
من نون توكيد مباشر، ومن
…
نون إناث، كيرعن من فتن
وكل حرف مستحق للبنا
…
والأصل في المبني أن يسكنا
"إن عرى من نون توكيد" أي: إن تجرد من نون توكيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
"أ" الإعراب المحليّ والتقديريّ.
يتردد على ألسنة المعربين أن يقولوا فى المبنيات، وفى كثير من الجمل المحكية وغير المحكية، إنه فى محل كذا - من رفع، أونصب، أوجر، أوجزم
…
فما معنى أنه فى محل مُعَيَّن؟ فمثلا: يقولون فى "جاء هؤلاءِ"
…
إن كلمة: "هؤلاءِ" مبنية على الكسر فى محل رفع فاعل - وفى: "قرأت الصحف من قبلُ"
…
إن كلمة: "قبلُ" مبنية على الضم فى محل جر
…
وفى: "رأيت ضيفًا يبتسم"، إن الجملة المضارعية فى محل نصب صفة1
…
وهكذا.
المراد من أن الكلمة أوالجملة فى محل كذا، هوأننا لووضعنا مكانها اسما معربًا لكان مرفوعًا، أومنصوبًا، أومجرورًا. وفى بعض الحالات لووضعنا مكانها مضارعًا معربًا لكان منصوبًا أومجزومًا2. .... فهى قد حلَّت محل ذلك اللفظ المعرب، وشغلت مكانه، وحكمه الإعرابى الذى لا يظهر على لفظها3.
2-
أما "التقديرى" فقد سبق4 أنه العلامة الإعرابية التى لا تظهر على الحرف الأخير من اللفظ المعرب؛ بسبب أن ذلك الحرف الأخير حرف علة لا تظهر عليه الحركة الإعرابية، كالألف فى مثل: إن الهدَى هدَى الله، واستجب لداعى الهدى.
ونتيجة لما سبق يكون "الإعراب المحلى" مُنصَبًّا على الكلمة المبنية كلها،
1 فهي بمثابة: رأيت ضيفا مبتسما. أي: أنها جملة بمنزلة المفرد في المعنى. ومن الأمثلة أيضا الجملة الواقعة مفعولا ثانيا في نحو: أظن العالم "علمه نافع" أو: ينفع علمه
…
فهو بمنزة: أظن العالم نافع العلم
…
"راجع الصبان جـ1 عند الكلام على علامات الاسم".
2 كالمضارع المعرب الذي يراد إحلاله محل مضارع مبني قبله ناصب أو جازم.
3 مما يدخله الإعراب المحلي أنواع موضحة رقم 1 من هامش ص 314.
4 في ص84 وقد أشرنا فيها إلى نوع آخر سيجيء في "و" من ص159 أما حصر مواضعه في ص198 وما بعدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو على الجملة كلها، وليس على الحرف الأخير منهما. وأن التقديرى مُنصب على الحرف الأخير من الكلمة.
وهناك رأى آخر لا يجعل الإعراب المحلى مقصورًا على المبنى وبعض الجمل - كرأى الأكثرية - وإنما يدخل فيه أيضًا بعض الأسماء المعربة صحيحة الآخر بشرط ألا يظهر فى آخر الكلمة المعربة علامتان مختلفتان للإعراب، ومن أمثلته عنده: ما جاءنى من كتاب، فكلمة "كتاب" مجرورة بالحرف:"مِن" الزائد. وهى فى محل رفع فاعل للفعل: "جاء". وقد تحقق الشرط فلم يجتمع فى آخرها علامتان ظاهرتان للإعراب. وأصحاب الرأى الأول يدخلون هذا النوع فى التقديرى فيقولون فى إعرابه: مجرور لفظًا مرفوع تقديرًا1
…
والخلاف لفطىّ. ولعل الأخذ بالرأى الثانى أنفع، لأنه أعمّ.
ويدخل فى الإعراب المحلى عدة أشياء. أظهرها المبنيات كلها، والجمل التى لها محل من الإعراب، محكية وغير محكية، والمصادر المنسبكة، وكذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد فى رأى سلف2. - وكما سيجئ فى جـ 2 ص 350 م 89 - والمنادى المستغاث "جـ4"
هذا ولا يمكن إغفال الإعراب المحلى والتقديرى، ولا إهمال شأنهما، إذ يستحيل ضبط توابعهما - مثلا - بغير معرفة الحركة المقدرة3 أوالمحكية بل يستحيل توجيه الكلام على أنه فاعل أومفعول، أومبتدأ، أو: مضارع مرفوع - وما يترتب على ذلك التوجيه من معنى إلا بعد معرفة حركة كل منهما. 4
وهناك كلمات يضبط آخرها بعلامة لا توصف بأنها علامة إعراب ولا بناء، وإنما هو ضبط صوري ظاهري، قصد به مجاراة الكلمة لكلمة قبلها في نوع العلامة، مجاراة ظاهرية، ولا يصح أن يكون للكلمة المتأخرة منهما محلي إعرابي.
1 راجع الصبان جـ2 أول باب الفاعل عند الكلام على أحد أحكامه وهو: الرفع.
2 كما سيجيء في جـ2 م 89 ص 402.
3 من المهم ملاحظة ما سق في رقم 1 من هامش ص 76.
4 ستيجيء إشارة وحصر لبعض ما سلف في ص 198- وللإعراب المحلي في ص 314، وأيضا في جـ 2 م 89 رقم 3 من هامش ص 402.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسيجيء بيان هذا النوع في موضعه المناسب1.
"ب" تلمس النحاة أسبابًا للبناء والإعراب، أكثرها غير مقبول. وسنشير إليه، داعين إلى نبذه.
قالوا فى علة بناء الفعل: إن الفعل لا تتعاقب عليه معان مختلفة، تفتقر فى تمييزها إلى إعراب، ولا تتوالى عليه العوامل المختلفة التى تقتضى ذلك. فالفعل - وحده - لا يؤدى معنى الفاعلية، ولا المفعولية، ولا غيرهما مما اختص به الاسم وكان سببًا فى إعرابه - كما سبق2، إلا المضارع فإنه قد يؤدى معنى زائدًا على معناه الأصلى، بسبب دخول بعض العوامل. فحين نقول؛ لا تهملْ عملك، وتجلسْ فى البيت "بجزم: تجلسْ" يكون المعنى الجديد: النهى عن الجلوس أيضًا، "بسبب مجئ الواوالتى هى لعطف الفعل على الفعل هنا". وحين نقول: لا تهملْ عملك، وتجلسَ فى البيت "بنصب: تجلسَ" يكون المعنى الجديد: النهى عن اجتماع الأمرين معًا، وهما الإهمال والجلوس. فالنهى منصب عليهما معًا، بحيث لا يجوز عملهما فى وقت واحد؛ فلا مانع أن يقع أحدهما وحده بغير الآخر، ولا مانع من عمل كل منهما فى وقت يخالف وقت الآخر - "والواوهنا للمعية وهى التى اقتضت ذلك".
وإذا قلت: لا تهمْل القراءة، وتجلسُ "برفع: تجلسُ"، فالنهى منصب على القراءة وحدها، أما الجلوس فمباح. "فالواوهنا: للاستئناف، وهى تفيد ذلك المعنى. " فالمضارع قد تغيرت علامة آخره على حسب تغير المعانى المختلفة، والعوامل التى تعاقبت عليه، فأشبه الاسم من هذه الجهة، فأُعرب مثله.
أما بناؤه مع نون التوكيد، ونون النسوة فلأنهما من خصائص الأفعال، فوجود أحداهما فيه أبعده من مشابهة الاسم المقتضية للإعراب، فعاد إلى الأصل الأول فى الأفعال؛ وهوالبناء؛ لأن الأصل فيها البناء - كما سبق - وأما الإعراب فى المضارع أحيانًا، فأمر عارض، وليس بأصيل.....
هكذا يقولون! وليس بمقبول، فهل يقبل أن سبب بناء الحرف هو
1 في جـ من ص 106.
2 في ص 73.
زيادة وتفصيل:
"أ"- جمع بعض النحاة1 أشهر المبنيات لزومًا، "سواء أكانت أسماء، أم أفعالا، أم حروفا" وأوضح بالشرح والتمثيل هذا الأشهر وعلامات بنائه..وفيما يلي البيان موجزا مختصرا، ومشتملا على بعض المبنيات جوازا، -وهي التي صرح عند الكلام عليه بالجواز.
"ملاحظة هامة" سبق أن أشرنا في هامش ص76.. أن المبني لا تراعي ناحيته اللفظية مطلقا في توابعه. أو غيرها -فتوابعه إنما يساير محله فقط إذا كان له محل من الإعراب. وهذا أثر هام من آثار الإعراب المحلي. واستثنينا من هذا الحكم نعت المنادي: "أي وأية" واسم الإشارة الذي ونودي للتوصل بندائه إلى نذاء ما فيه "أل" على الوجه الموضح تفصيله في الباب الخاص بتوابع المنادى ج4 - ص39 م 130.
1 ومنهم ابن هشام الأنصاري في كتابه: "شرح شذور الذهب"، في معرفة كلام العرب "ص 2 وما بعدها".
2 لأن الحرف الأول "نا" وهو المتصل بآخر الماضي - متحرك.
3 أي: بينها وبين حرف حركتها، فيتعلق بها نطقا صوتيا بين الاثنين بحيث لا تظهر دونه، ولا يظهر دونها.
4 الزمن المبهم هو ما لا يدل على وقت محدد؛ كالحين، الزمان، والوقت، والأمد.
5 المراد بشديدة الإبهام، أو المتوغلة في الإبهام: كل لفظ لا يتضح معناه إلا بإضافته إلى لفظ آخر يزيل إبهامه. ومن هذ النوع: بين، دون. غير.
مثل، يوم.. وهذا النوع يجوز فيه بناء المضاف تبعا للمضاف إليه المبني. وفي باب الإضافة -أول الجزء الثالث- البيان والإيضاح لهذا النوع.
_________
1 راجع الحضري ج باب "المعرب والمبني" عند الكلام على علامات البناء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دلالته فى الجملة على معنى فى غيره، وعدم دلالته وهومستقل على ذلك المعنى التركيبىّ؛ فلا حاجة له بالإعراب؛ لأن وظيفة الإعراب تمييز المعانى التركيبية بعضها من بعض؟ إذاً لم التفرقة فنقول إن كلمة:"ابتداء" وحدها التى تفهم من الحرف: "مِن" هى اسم، وكلمة:"مِن" نفسها هى حرف، مع أنها تفيد عند وضعها فى الجملة معنى الابتداء، فكلاهما يتوقف فهمه على أمرين؛ شىء كان هوالمبتدِئ، وشىء آخر كان المبتدأ منه؟
هل السبب ما سطروه من دليل جدلىّ مرهق، هو: أن معانى الأسماء تتوقف على أمور كلية معلومة لكل فرد بداهة، فكأنها مستقلة؛ مستغنية عن غيرها؟ فلفظة:"ابتداء" عندهم معناها مطلق ابتداء شىء من شىء آخر، بغير تخصيص، ولا تعيين، ولا تحديد. وشىء هذا شأنه يمكن أن يعرفه كل أحد، ويدركه بالبداهة كل عقل. بخلاف معنى الابتداء فى لفظة:"مِن" حين نقول مثلا: سرت من القاهرة، فإن الابتداء هنا خاص مقَيد بأنه ابتداء "سير" لا ابتداء قراءة:، أوأكل، أوكتابة، أوسفر. أو
…
وأنه ابتداء "سير" من مكان معين؛ هو: القاهرة. فليس الابتداء فى هذا المثال معنى مطلقًا كما فى سابقه، وليس فهمه ممكنًا إلا بعد إدراك أمرين مخصوصين؛ يتوقف فهمه عليهما، ولا يعرفان إلا بالتصريح باسمهما، هما: السير والقاهرة. أى: أن المعنى إن لوحظ فى ذاته مجردًا من كل قيد، كان مستقلا، وكان التعبير عنه من اختصاص الاسم، "كالابتداء"، وإن لوحظ حاله بين أمرين، كان غير مستقل، وكان التعبير عنه مقصورًا على الحرف1
…
فهل نَقبل هذه العلل المصنوعة الغامضة؟ وهل عرف العرب الأوائل الفصحاء قليلا أوكثيرًا منها؟ وهل وازنوا واستخدموا القياس والمنطق وعرفوهما فى جاهليتهم؟
ثم يعود النحاة فيقولون2: إن بعض الأسماء قد يبنى لمشابهته الحرف، مثل:"مَنْ" و"أين" و"كيف" وغيرها من أسماء الاستفهام
…
ومثل "مَنْ"، و"ما" وغيرهما من أدوات الشرط والتعليق
…
فأسماء الاستفهام إن دلت على
1 أول حاشية الأمير على الشذور، عند الكلام على الاسم.
2 شحر المفصل جـ 1 القسم الأول - قسم الأسماء. ولكلامهم الآتي صلة وإيضاح لرأيهم في "الشبه المعنوي" المعروض في ص 92.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معنى فى نفسها فإنها تدل فى الوقت ذاته على معنى ثان فيما بعدها؛ فكلمة: "مَن" الاستفهامية، اسم؛ فهى تدل بمجردها وذاتها على مسمَّى خاص بها، إنسانًا غالبًا، أوغير إنسان - وتدل على الاستفهام من خارجها، بسبب افتراض أن همزة الاستفهام معها تقديرًا
…
فكأنك إذا قلت: مَن عندك؟ تفترض أن الأصل أمَن عندك؟ وأنهما فى تقديرك كلمتان: "الهمزة"، وهى حرف معنى، و"مَن" الدالة على المسمى بها، أى: على الذات الخاصة التى تدل عليها: "مَنْ"
فلما كانت "مَن" لا تستعمل هنا إلا مع الاستفهام المقدر، استغنى وجوبًا عن همزة الاستفهام لفظًا، للزومها كلمة:"من" معنى، وصارت "مَن" نائبة عنها حتمًا؛ ولذلك بنيت؛ فدلالتها على الاسمية هى دلالة "لفظية"، مرجعها لفظها، ودلالتها على الاستفهام جاءت من خارج لفظها. ولا يجوز إظهار الهمزة فى الكلام كما تظهر كلمة:"فى" مع الظروف جوازًا؛ لأن الأمر مختلف؛ إذ الظرف ليس متضمنًا معنى: "فى" بالطريقة السالفة، فيستحق البناء كما بنيت "مَن" الاستفهامية، وإنما كلمة:"فى" محذوفة من الكلام جوازًا لأجل التخفيف؛ فهى فى حكم المنطوق به؛ ولذلك يجوز إظهارها. بخلاف الهمزة.
وكذلك كلمة: "أين" تدل وهى مجردة على معنى فى نفسها، هو: المكان، وتدل أيضًا على الاستفهام فيما بعدها، وهومعنى آخر جاءها من خارجها؛ بسبب تقدير همزة الاستفهام معها، ثم الاستغناء عن الهمزة وجوبًا؛ لوجود ما يتضمن معناها.
وكلمة: "كيف: تطل على معنى فى نفسها، وهو: الحال، وتدل على معنى فيما بعدها، وهو: الاستفهام، على الوجه السالف، وكذلك أسماء الشرط
…
فإن كلمة: "مَن" تدل على العاقل - غالبًا - بنفسها، وكلمة:"ما" تدل -غالبًا- على غير العاقل بنفسها، وهما تدلان على التعليق والجزاء فيما بعدهما؛ فكأن كل كلمة من أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، ونحوها - تقوم مقام كلمتين فى وقت واحد، إحداهما: اسم يدل على مسمى، والأخرى: حرف يدل على معنى فى غيره، وهذا الحرف يجب حذفه لفظًا،
1 شرح المفصل ج2 ص41 في: "الظروف".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لوجود الاسم الذى يتضمنه تقديراً1 ويؤدى معناه تماماً. ومن هنا نشأ التشابه بين نوع من الأسماء والحروف - فى خيال بعض النحاة - فاستحق ذلك النوع من الأسماء البناء؛ لعدم تمكنه فى الاسمية تمكنًا يبعده من مشابهة الحرف.
ولا يكتفون بذلك بل يسترسلون فى خلق علل يثبتون بها أن الأصل فى البناء السكون، وأن العدول عن السكون إلى الحركة إنما هولسبب، وأن الحركة تكون ضمة، أوفتحة، أوكسرة، لسبب آخر، بل لأسباب!!
فما هذا الكلام الجدلي2؟ وما جدواه لدارسى النحو؟ أيعرفه العرب الخُلَّص أصحاب اللغة، أويخطر ببالهم؟
علينا أن نترك هذا كله فى غير تردد، وأن نقنع بأن العلة الحقيقية فى الإعراب والبناء ليست إلا محاكاة العرب فيما أعربوه أوبنَوه. من غير جدَل زائف، ولا منطق متعسف، وأن الفيصل فيهما راجع "كما قال بعض السابقين"3 إلى أمر واحد؛ هو:"السماع عن العرب الأوائل"، واتباع طريقتهم التى نقلت عنهم، دون الالتفات إلى شىء من تلك العلل، التى لا تثبت على التمحيص. وعلى هذا لا يصح الأخذ بما قاله كثرة النحاة4 من أن الاسم يبنى إذا شابه الحرف مشابهة قوية5 فى أحد أمور أربعة:
أولها: الشبه الوضعى:
بأن يكون الاسم موضوعًا أصالة على حرف واحد، أوعلى حرفين ثانيهما لِين، مثل: التاء، ونا، فى: جئتنا، وهما ضميران مبنيان؛ لأنهما يشبهان
1 راجع الصفحة الأولى من الجزء الثامن من شرح "المفصل" القسم الثالث: "الحروف".
2 نرى بعضه في حاشية الحضري. وشروح التوضيح، والصبان، وغيرها
…
أول باب: "المعرب والمبني".
3 حاشية الحضري الجزل الأول- أول-: المعرب والمبني"، عند الكلام على بناء الأفعال، وسببه، وما يوجه إلى السبب من اعتراض عليه، ودفاع عنه- فقد قال عنه ما نصه: "العمدة في هذه الأحكام: "السماع" وهذه حكم تلتمس بعد الوقوع لا تحتمل هذا البحث والتدقيق" اهـ وكذلك الأمير على الشذور عند الكلام على المضارع. وكذلك ما أشرنا إليه في المقدمة هامش ص 8 من رأي "أبي حيان" الوارد في "الهمع" جـ 1 ص 56 حيث يقول عن تعليلات النحاة لحركة الضمير: "إنها تعليلات لا يحتاج إليها، لأنها تعليل وضعيات، والوضعيات لا تعلل". يريد بالوضعيات: الألفاظ التي وضعها العرب على صورة خاصة، وشكل معين، من غير علة الوضع، ولا سبب سابق يدعوهم إلى اختيار هذه الصورة وذلك الشكل، فليس هنا إلا مجرد النطق المحض.
4 كابن هشام وغيره.
5 هي التي لا يعارضها شيء من خصائص الأسماء، كالتثنية والإضافة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحرف الموضوع على مقطع واحد، كباء الجر، وواو العطف، وغيرهما، من الحروف الفردية المقطع، أو ثنائية المقطع، مثل، قد، هل، لم.
ولو صح هذا، لسألناهم عن سبب بناء الضمائر الأخرى التي تزيد على حرفين، مثل، نحن، وإيا
…
وسألنا عن سبب إعراب أب، وأخ، ويد، ودم، ونحوها مما هو على حرفين؟ نعم أجابوا عن ذلك بإجابات، ولكنها مصنوعة، صادفتها اعتراضات أخرى، ثم إجابات، وهكذا مما سجلته المراجع.
ثانيهما الشبه المعنوي:
بأن يتضمن الاسم بعد وضعه في جمله معنى جزئيا غير مستقل، زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حالة انفراده، وعدم وضعه في جملة.
وكان الأحق بتأدية هذا المعنى الجزئي عندهم هو: "الحرف". ومعنى هذا: أن الاسم قد خلف الحرف فعلا، وحل محله في إفادة معناه، وصرف النظر عن الحرف نهائيا فلا يصح ذكره، ولا اعتبار أنه ملاحظ، فليس حذفه للاقتصار كحذف:"في" التي تتضمنها أنواع من الظروف، أو حذف كلمة:"من" التي تتضمنها أنواع من التمييز، فإن هذا التضمن في الظرف والتمييز لا يقتضي البناء- كما يقولون-. لأنه ليس باللازم المحتوم. أما التضمن الذي يقتضي البناء عندهم، فهو التضمن اللازم المحتم الذي يتوقف عليه المعنى الذي قصد عند التضمن. فيخرج الظرف والتمييز. وتدخل أسماء الشرط والاستفهام، مثل: مى تحضر أكرمك- ومتى تسافر؟
فكلمة: "متى" في المثال الأول تشبه الحرف "إن" في التعليق والجزاء، وهي في المثال الثاني تشبه همزة الاستفهام، فكلتاهما اسم من جهة، ومتضمنة معنى الحرف من جهة أخرى، فمتى الشرطية وحدها تدل على مجرد تعلق مطلق، ولكنها بعد وضعها في الجملة دلت عليه وعلى معنى في الجملة التي بعدها، وهو تعليق شيء معين بشيء آخر معين: أي: توقف وقوع الإكرام على وقوع الحضور، فحصول الأمر الثاني المعين: مرتبط بحصول الأول المعين ومقيد به1
…
وهي2 وحدها في الاستفهام تدل على مجرد الاستفهام والسؤال، من غير تقيد بدلالة على الشيء الذي تسأل عنه، أو عن صاحبه، أو غير ذلك. لكنها بعد
1 يوضح كلامهم في الشبه المعنوي ما سبق في آخر ص 89 وما بعدها.
2 أي: "متى" الاستفهامية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وضعها فى الجملة دلت على معنى جزئى جديد؛ فوق المعنى السابق: هو أن السؤال متجه إلى معنى محدد. هو الحضور، ومتجه إلى المخاطب أيضًا......
وكذلك اسم الإشارة1، مثل كلمة: هذا؛ فإنها وهى منفردة، تدل على مطلق الإشارة، من غير دلالة على مشار إليه أو نوعه؛ أهو محسوس أم غير محسوس؟ حيوان أم غير حيوان؟
لكن إذا قلنا: هذا محمد، فإن الإشارة صارت مقيدة بانضمام معنى جديد إليها؛ هو الدلالة على ذات محسوسة لإنسان2.
فإن صح ما يقولونه من هذه التعليلات، فماذا أعربت:"أيّ" الشرطية، و"أيّ" الاستفهامية، وأسماء الإشارة المثناة؛ مثل: هذان عالمان، وهاتان حديقتان؟ نعم؟ لهذا عندهم إجابة، وعليها اعتراض، ثم إجابة، ثم اعتراض
…
وهكذا مما تموج به الكتب الكبيرة.
ثالثها: الشبه الاستعمالي:
بأن يكون الاسم عاملًا في غيره، ولا يدخل عليه عامل -مطلقا- يؤثر فيه، فهو كالحرف: في أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال. مثل: هيهات القمر، وبله المنسيء، "فهيهات": اسم فعل ماض، بمعنى: بعد جدا، وفاعله. القمر، و "بله": اسم فعل أمر، بمعنى: اترك، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، و "المسيء": مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع في الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب في المفعول به، ولا يدخل على واحد من اسمي الفعل عامل يؤثر فيه.
رابعها: الشبه الافتقاري.
وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارا لازما إلى جملة بعده، "أو ما يقوم مقامها، كالصفة الصريحة في صلة أل"3" أو إلى شبه جملة، كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أو ما يقوم مقامها، أو شبهها، تسمى، جملة الصلة، لتكمل المعنى، فأشبه الحرف في هذا، لأن الحرف، موضوع - غالبا لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء، فلا يظهر معناه إلا بوضعه في جملة، فهو محتاج إليها دائما، فاسم الموصول
بأن يكون الاسم عاملا فى غيره، ولا يدخل عليه عامل - مطلقًا - يؤثر فيه فهوكالحرف: فى أنه عامل غير معمول، كأسماء الأفعال، مثل: هيهات القمر، وبَلْهَ المسيء، فهيهات: اسم فعل ماض، بمعنى بَعُد جدًّا، وفاعله القمر، وبله: اسم فعل أمر، بمعنى: اتركْ، وفاعله ضمير، تقديره: أنت، والمسىء: مفعول به، وكلاهما قد عمل الرفع فى الفاعل، كما أن "بله" عملت النصب فى المفعول، ولا يدخل على واحد من اسمى الفعل عامل يؤثر فيه.
رابعها: الشبه الافتقارى:
وذلك بأن يفتقر الاسم افتقارًا لازمًا إلى جملة بعده، أوما يقوم مقامها - كالوصف فى صلة "أل"3 -أو إلى شبه جملة؛ كالاسم الموصول، فإنه يحتاج بعده إلى جملة أوما يقوم مقامها، أوشبهها، تسمى: جملة الصلة؛ لتكمل المعنى، فأشبه الحرف فى هذا؛ لأن الحرف، موضوع -غالباً- لتأدية معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء فلا يظهر معناه إلا بوضعه فى جملة، فهو محتاج إليها دائمًا. فاسم الموصول يشبهه من هذه الناحية: فى أنه لا يستغني مطلقًا
"1، 2" راجع 321 م 24.
3 انظر ص 356 حيث الكلام على: "أل" وصلتها، ونوع هذه الصلة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن جملة بعده، أو ما ينوب عنها، أو شبهها، يتم بها المعنى.
فإن صح هذا فلم أعربت
…
"أي" الموصولة -أحياناً- و"اللذان"، و"اللتان"؟ أجابوا: أن السبب هو ما سبق في نظائرها؛ من الإضافة فى كلمة: "أي" والتثنية فيما عداها. والإضافة والتثنية من خصائص الأسماء، فضعف شبه تلك الكلمات بالحروف، فلم تُبْن. وعلى هذه الإجابة اعتراض، فإجابة، فاعتراض
…
فما هذا العناء فيما لا يؤيده الواقع، ولا تساعفه الحقيقة؟ وأى نفع فيما ذكر من أسباب البناء وأصله، ومن سبب ترك السكون فيه إلى الحركة، وسبب اختيار حركة معينة لبعض المبنيات دون حركة أخرى
…
خامسها: الشبه اللفظى:
زاده بعضهم1، ومثَّل له بكلمة "حاشا" الاسمية قائلا: إنها مبنية لشبهها "حاشا" الحرفية فى اللفظ. وكذا بكلمة "علَى" الاسمية، و"كلاّ" بمعنى "حقًّا. و"قَدْ" الاسمية. وقيل إن الشبه اللفظى مجوّز للبناء، لا محتم له. وعلى هذا يجوز فى الأسماء السابقة أن تكون معربة تقديراً كإعراب الفتى. ما عدا "قَدْ" فإنها تعرب لفظًا - كما سبق2.
وهناك أنواع أخرى من الشبه لا قيمة لها.
إن الخير فى إهمال كل هذا، وعدم الإشارة إليه فى مجال الدراسة والتعليم، والاستغناء عنه بسرد المواضع التي يكون فيها الاسم مبنيًّا وجوبًا، وهوالعشرة الماضية3 ومبنى جوازًا فى مواضع أخرى ستذكره فى مواطنها.
ج- اشترطوا فى إعراب المضارع - كما سبق4 - ألا تتصل به اتصالا مباشرًا نونُ التوكيد، أونون الإناث5؛ فالمضارع معرب فى مثل: "هل
1 راجع الصبان جـ1 باب: "المعرب والمبني"، عند الكلام على: أنواع الشبه، والتنبيه الثاني.
2 في ص 31.
3 ص 77 والجدول الذي في ص 85.
4 في ص 81.
5 لا يكون اتصال نون النسوة به إلا مباشرا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقومانِّ؟ وهل تقُومُنَّ؟ وهل تقومِنَّ"؟ لأن نون التوكيد لم تتصل به اتصالا مباشرًا، ولم تلتصق بآخره، لوجود الفاصل اللفظى الظاهر، وهو: ألف الاثنين، أوالمقدر، وهوواوالجماعة، أوياء المخاطبة؛ فأصل تقومانِّ: تقومانِنَّ. فاجتمعت ثلاث نونات فى آخر الفعل. وتوالِى ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد، وكلها ليس أصليًا، وإنما هومن حروف الزيادة1 - أمر مخالف للأصول اللغوية، فحذفت في الظاهر2 نون الرفع؛ لوجود ما يدل عليها، وهوأن الفعل مرفوع لم يسبقه ناصب أوجازم يقتضى حذفها، ولم تحذف نون التوكيد المشددة، لأنها جاءت لغرض بلاغى يقتضيها، وهوتوكيد الكلام وتقويته. ولم تحذف إحدى النونين المدغمتين لأن هذا الغرض البلاغى يقتضى التشديد لا التخفيف3. فلما حذفت النون الأولى من الثلاث، وهى نون الرفع، كسرت المشددة، وصار الكلام؛ "تقومانِّ"4.
وأصل "تقُومُنَّ" هو: "تقومونَنَّ" حذفت النون الأولى للسبب السالف،
1 يتحتم امتناع توالي الأمثال إذا كانت الأحرف الثلاثة المتماثلة زوائد، فليس منه:"القائلات جنن أو يجنن" لأن الزائد هو المثل الأخير من الثلاثة وليس منه قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} - كما يقول الصبان في هذا الموضع وفي باب نون التوكيد جـ3- وليس منه أس1يضا للفعل ومشتقاته في مثل: أن أحييك، أو أنا محييك.
"راجع شرح الوضي للشافية، جـ 2 هو 186 وما يليها".
وهناك حالات أخرى يتحتم فيها المنع سيجيء ذكرها في الجزء الرابع "باب: تثنية المقصور والممدود، وجمعهما، م 171 ص 568"
…
2 لا في الحقيقة "انظر رقم 1 من هامش 97".
3 إيضاح هذا، وتفصيله في جـ 4 177 باب: نون التوكيد.
4 التقاء الساكنين "وهما ألف الاثنين والنون المشددة" جائز هنا، لأنه على بابه وعلى حده:
"أي: على الباب القياسي له، وموافق له"، وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلافي، وهما وجودحرف مد "أي: على الباب القياسي له، وموافق له"، وذلك لتحقق الشرطين المسوغين للتلاقي، وهما وجود حرف مد.
أي: حرف علة، قبله حركة تناسبه" وبعده في الكلمة نفسها حرف مدغم في مثله، أي: حرف مشدد مثل: حاصة، دابة، الضالين
…
فإن كانت ونون النسوة، في مثل: تعلمنان يافتيات - "وسيجيء بيان هذا في موضعه المناسب جـ4 باب: نون التوكيد" - انظر هامش الصفحة الآتية.
ويصح التقاء الساكنين في الوقف بغير شرط "كما قلنا في ص 51 وكما سيجيء في جـ 4 ص 139 م 143" وكذلك عند سرد بعض الألفاظ، مثل: كاف، ميم، صاد
…
وكذلك لمنع اللبس "بالتفصيل الموضح في ص 51 وفي رقم2 من هامش ص159 ولهما تشابه بما في رقم 2 من هامش ص 219".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصار "تقومونَّ"؛ فالتقى ساكنان
…
واوالجماعة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها؟ فحذفت الواوللتخلص من التقاء الساكنين. وإنما وقع الحذف عليها لوجود علامة قبلها تدل عليها؛ وهى: "الضمة" ولم تحذف النون، مراعاة للغرض البلاغى السابق؛ ولعدم وجود ما يدل عليها عند حذفها.
ومثل ذلك يقال فى: "تقومِنَّ" فأصلها: "تقومينَنَّ" حذفت النون الأولى، وبقيت نون التوكيد المشدد، فصار اللفظ أنت تقومينَّ؛ فالتقى. ساكنان: ياء المخاطبة والنون الأولى المدغمة فى نظيرتها. فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، ولوجود كسرة قبلها تدل عليها، ولم تحذف النون للحاجة إليها، فصار اللفظ تقومِنَّ1
…
"1 - 1" قال بعض النحاة: "إن التقاء الساكين هنا على حده، فهو جائز: فلا حاجة إلى حذف الواو والياء للتخلص منه. ويمكن الدفع بأنه وإن كان جائزا - لا يخلو من ثقل ما. فالحذف هو التخلص من الثقل الحاصل به. " أهـ الصبان جـ في الكلام على إعراب المضارع. ..
وقال فريق آخر من النحاة، "إن قلت: هو هنا على حده، لكون الأول من الساكنين حرف مد "أي: حرف علة قبله حركة تناسبه" والثاني مدغما في مثله. وهما في كلمة واحدة، إذ الواو والياء كلمة مستقلة، وكونهما كالجزء لا يعطيهما حكمه من كل وجه فلم يغتفر التقاؤها لثقله
…
" أهـ خضري في الموضع السابق أيضا
…
ثم قال: "إنما اغتفر في ألف الاثنين لأن حذف الألف يوجب فتح النون، لقوات شبههما بنون المثنى فيلتبس بفعل الواحد.. أهـ".
والذي نراه في الواو والياء - على الرغم من أنهما ضميران، لا حرفان- ويؤيده السماع القوي كالذي في قوله تعالى {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّه....} أنه يجوز حذفهما وعدم حذفهما في الأمثلة السابقة وأشباهها على حسب الاعتبارين السالفين. لكن الحذف هو الأكثر - طبقا لما سيأتي في ص 179 و 284 - ويؤيد صحة الحذف وعدمه ما جاء في حاشية الألوسي على القطر "ص 57" من أن التقاء الساكنين المغتفر يتحقق بأن يكون الأولى مهما حرف مد "أي: حرف علة قبله حركات تناسبه" والثاني منهما مدغما في مثله: كدابة، والضالين.
فليس في هذا الكلام ما يدل على اشتراط اجتماعهما في كلمة واحدة، ومن أمثلته قوله تعالى:{فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} فقد اشتملت الآية على المضارع "تتبعان" الذي وقع فيه التقاء الساكنين على حده المباح مع أن الالتقاء هنا في كلمتين.
أما من يشترطون أن يكون الالتقاء في كلمة واحدة. فيقولون في المضارع السابق وأشباهه مما لم يحذف فيه حرف العلة، إن سبب بقاء حرف العلة، وعدم حفه هو ضرورة طارئة، كمنع اللبس في المضارع السالف، لأن حذف الألف يوقع في اللبس بين فعل الواحد والفعل المسند لألف الاثنين، ولا يمكن إبقاء الألف وحذف نون التوكيد، لئلا يضيع الغرض الهام الذي جاءت لتحقيقه، وهو التوكيد، ويؤيد ما سبق أيضا ما جاء في هامش الشذور- ص 15 فهو شبيه بما نقله الألوسي. وجاء في شرح التصريح "جـ2 باب:"الإبدال" الكلام على إبدال الواو من الياء" ما نصه: "يجوز الجمع ساكنين إذا كان الأول حرف =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعند إعراب "تقومُنَّ
…
السابقة، أو تقومِنَّ
…
نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه النون المقدرة1 لتوالي النونات، والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين "واو الجماعة، أو: ياء المخاطبة" فاعل، مبني على السكون في محل رفع.
وعند إعراب "تقومانِّ" نقول فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المقدرة لتوالي النونات. والنون المشددة للتوكيد. ومثل هذا فى قوله تعالى:{لتُبْلَوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم} فأصل
…
تُبْلَوُنَّ: تُبْلَوُونَنَّ؛ تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفًا، ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع واوالجماعة، ثم حذفت نون الرفع لتوالى النونات، فالتَقَى ساكنان: واوالجماعة للتخلص من اجتماع الساكنين. ولم تحذف الواولعدم وجود علامة قبلها تدل عليها، ولم تحذف نون التوكيد أوتخفف لوجود داع بلاغىّ يقتضى بقاءها مشددة، فلم يبق إلا تحريك الواوبالضمة، التى تناسبها.
وكذلك "تَرَيِنَّ" فى قوله تعالى يخاطب مريم: {فإما تَرَيِنَّ من البشر أحدًا فقولى إنى نذرتُ للرحمن صومًا فلنْ أكَلِّم اليوم إنسيًّا} . أصلها: تَرْأيينَنّ، نقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون، وحذفت الهمزة تخفيفًا2،
= لين- يريد حرف مد. والثاني مدغما كدابة
…
" أهـ. فقد سكت عن شرط الالتقاء في كلمة واحدة.
فكان شأنه كشأن المراجع الأخرى التي سكتت وتركت شرط التلاقي في كلمة واحدة. بل إن الصبان "جـ3 باب نوني التوكيد" قال في اشتراط أن يكون الساكنان في كلمة ما نصه: "الصحيح فيما يأتي - خاصا بحذف الضمير إلا الألف - عدم اشتراط كونهما في كلمة، بدليل، نحو: "اتحاجوني" وعلة الحذف عند من لا يشترط ذلك، استثقال الكلمة، واستطالتها لو أبقى المضمر "الضمير" أهـ.
ولهذه المسألة بيان في باب: "نون التوكيد" جـ4.
1 نون الرفع هنا مقدرة "كما هو مبين في ص 95 وفي رقم 5 من ص 205" لأنها محذوفة لعلة. والمحذوف لعلة كالثابت. ولكنها لا تظهر فليست محذوفة حذفا نهائيا، وإنما هي مختفية ولذا فالإعراب هنا "تقديري" لا لفظي. وهذا شأنها دائما مع المضارع المؤكد بالنون المسند إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة" سواء أكان المضارع صحيح الآخر أم معتلا، لأن نون التوكيد الخفيفة لا تقع بعد ألف الاثنين، وكذلك لا تقع بعد نون النسوة إلا بشرط وجود ألف زائدة تفصل بين النونين مع تشديد نون التوكيد أيضا وكسرها. "راجع الأشموني، وحاشية الصبان جـ1 عند الكلام على بناء المضارع، وعند الكلام على الأفعال الخمسة في آخر باب:"المعرب والمبني" وشرح التوضيح وهامشه جـ 1 في أول الفصل الخامص بالإعراب المقدر في المقصور والمنقوص".
ويجري على الألسنة الآن عند الإعراب أنها محذوفة، ولا مانع من قبوله تيسيرا وتخفيفا.
2 الكلام الفصيح يدل على أن هذا التخفيف ملتزم في المضارع والأمر من مادة الفعل: "رأى".
................... ................... .............
فصارت الكلمة: تَرَيِينَنَّ، ثم حذفت النون الأولى للجازم وهو:"إنْ" الشرطية المدغمة فى "ما" الزائدة؛ فصارت: تَرَيِينَّ، والياء الأولى متحركة وقبلها فتحة، فانقلبت ألفا، فصارت الكلمة:"ترايْنَّ" فالتقى ساكنان الألف وتلك الياء الأولى؛ حذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصارت "تَرَيْنَّ" فالتقت ياء المخاطبة ساكنة مع النون الأولى من النون المشددة، فحركت الياء بالكسرة، إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها، ولا يجوز حذف النون الأولى من المشددة؛ لأن المقام يتطلبها مشددة؛ فلم يبق إلا تحريك الياء بالكسرة التى تناسبها؛ فصارت: تَرَيِنَّ.
وبمناسبة ما سبق من تحريك واوالجماعة وجوبًا نذكر قاعدة لغوية عامة تتصل بواوالجماعة؛ هى: أنها فى غير الموضع السابق تُضمّ - فى الأغلب إذا كان ما قبلها مفتوحًا وما بعدها ساكنًا، نحو: الصالحون سَعُوا اليوم فى الخير، ولن يسَعُوا الغداة فى سوء؛ فارضَوُا الخطة التى رسموها.
د- وجود التوكيد فى المثالين الأولين "تقُومُنَّ، وتقومِنَّ" قد يوهم أنها متصلة بآخر المضارع اتصالاً مباشرًا يقتضى بناءه؛ لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهم معرب، واتصال النون به ظاهرى؛ لا عبرة به؛ لأنه فى الحقيقة مفصول منها بفاصل مقدر "أى: خفى غير ظاهر" هو؛ واوالجماعة المحذوفة، أوياء المخاطبة المحذوفة، وكلاهما محذوف لعلة، والمحذوف لعلة كالثابت - كما أشاروا1 - لهذا يكون المضارع فى المثالين السالفين معربًا؛ لا مبنيًّا؛ لأن نون التوكيد مفصوله منه حقيقة وتقديرًا. أما فى بقية الأمثلة "تقومانّ - تُبلَوُنَّ - تَرَيِنّ" فالنون لم تتصل أيضًا بآخره؛ لوجود الفاصل المنطوق به، الحاجز بينهما، ونعنى به: الضمير "ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة". فالمضارع هنا معرب أيضاً؛ لأن نون التوكيد لم تتصل بآخره اتصالاً مباشرًا. وهذا شأن المضارع دائمًا؛ يظل محتفظًا بإعرابه، على الرغم من وجود نون التوكيد بعده إذا لم تكن متصلة بآخره اتصالاً مباشرًا؛ بحيث لا يفصل بينهما فاصل لفظى، مذكور أومقدر.
ولهذا ضابط صحيح مطَّرد؛ هوأن المضارع إذا كان مرفوعًا بالضمة قبل
_________
1 انظر رقم 1 من هامش الصفحة السابقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مجئ نون التوكيد؛ فإنه يبنى بعد مجيئها؛ لأن الاتصال يكون مباشراً. وإن كان مرفوعاً بالنون قبل مجيئها فإنه لا يبنى؛ لوجود الفاصل الظاهر أوالمقدر وهو: الضمير.
هـ- قلنا إن الماضى يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به التاء المتحركة التى هى ضمير "فاعل"، أو"نا" التى هى فاعل كذلك، أونون النسوة وهى ضمير فاعل أيضًا، كما يبنى على الضم فى آخره إذا اتصل به واوالجماعة. لكن كثير من النحاة يقول إن هذا السكون عَرَضىّ طارئ؛ جاء ليمنع الثقل الناشئ من توالى أربع حروف متحركة فى كلمتين، هما أشبه بكلمة واحدة، "أى: فى الفعل وفاعله التاء، أونا، أونون النسوة"، فليس السكون فى رأيهم مجلوبًا من أثر عامل دخل على الفعل؛ فاحتاج المعنى لجلبه. لهذا يقولون فى إعرابه: بنى على فتح مقدر، منع من ظهوره السكون العارض
…
وكذلك يقولون فى الضمة التى قبل واوالجماعة؛ إنها عرضية طارئة؛ لمناسبة الواوفقط، وإن الفعل بنى على فتح مقدر منع من ظهوره الضمة العارضة1
…
إلخ.
ولا داعى لهذه التقدير والإعنات. فمن التيسير الذى لا ضرر فيه الأخذ بالرأى القائل بأنه بنى على السكون مباشرة فى الحالة الأولى، وعلى الضم فى الحالة الثانية.
و ليس من المبنى الأسماء المقصورة؛ مثل: الفتى، الهدَى، المصطفى، ولا الأسماء المنقوصة؛ مثل: الهادى، الداعى، المنادى؛ لأن ثبات آخرها على حال واحدة إنما هوظاهرى بسبب اعتلاله؛ ولكنه فى التقدير متغير؛ فهى معربة تقديرًا؛ بدليل أنها تثنى وتجمع فيتغير آخرها؛ فنقول فى الرفع: الفَتيان، والفَتَوْنَ. وفى النصب والجر: الفَتَيين والفَتَيْنَ. وكذلك: الهاديان، والهاديين والهادون والهادين
…
وكذا الباقى.
أما بناء اسم لا - أحياناً - وبعض أنواع المنادى فهوبناء عارض لا أصيل؛ يزول بزوال سببه وهووجود: "لا" و"النداء"، فمتى زال السبب زال البناء العارض. بخلاف المبنى الأصيل؛ فإن بناءه دائم
…
1 كما سيجيء في رقم 3 من ص 100
المسألة السابعة: أنواع 1 البناء والإعراب، وعلامة كل منهما 2
للبناء أنواع أصلية، وأخرى فرعية تنوب عنها. فالأصلية أربعة:
1-
السكون3 وهو أخفها. يدخل أقسام الكلمة الثلاثة؛ فيكون فى الاسم؛ مثل: كَمْ، ومَنْ. ويكون فى الحرف مثل: قدْ، وهلْ. ويكون فى الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المتصل بضمير رفع متحرك، أو بنون النسوة، مثل: حضرْتَُِ "بفتح التاء، وضمها، وكسرها" حضرْنا، النسوة حضرْن. وفي الأمر المجرد صحيح الآخر؛ مثل: اجْلسْ واكتبْ
…
وفي المضارع المتصل بنون النسوة: مثل: الطالبات يتعلمْن ويعلمْن
…
2-
الفتح، ويدخل أقسام الكلمة الثلاثة، فيكون فى الاسم؛ مثل: كيفَ وأينَ. ويكون فى الحرف؛ مثل: سَوْفَ، وثُمَّ. ويكون في الفعل بأنواعه الثلاثة؛ فى الماضي المجرد؛ مثل: كتَبَ، نَصَر، دعا. والفتح في:"دعا" وأمثالها، مما هو معتل الآخر بالألف، يكون مقدرًا.
وفي المضارع والأمر عند وجود نون التوكيد فى آخرهما؛ مثل: والله لأسافرَن في طلب العلم. سافرَن، يا زميل، فى طلب العلم.
3-
الضم، ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل، فمثال الاسم: حيثُ، والضم فيه ظاهر. وقد يكون مقدرًا فى مثل:"سيبويه" عند النداء: تقول: يا سيبويهِ؛ فهو مبني على الكسر لفظًا، وعلى الضم تقديرًا4 في محل نصب في الحالتين. ومثال الحرف:"منذُ""على اعتبارها حرف جر".
أما الضم في آخر الفعل في مثل: الأبطال حضرُوا.... فليس بأصليّ،
1 يرتضي بعض النحاة تسميتها: "بالألقاب" بدلا من الأنواع. ولا مانع من هذا أو ذاك.
2 في ص 115 بيان السبب في أن لكل منهما علامات خاصة، وبيان بعض علامات لا توصف بإعراب ولا بناء.
3 ويسمي: الوقف- كما في رقم 2 من هامش ص 103 - ويكثر في عبارات الأقدمين ترديد الاثنين.
4 ويقولون في إعرابه: "منادي مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة البناء الأصلي وهي الكسر- في محل نصب.
وإنما هو ضم عارض لمناسبة الواو -كما سبق1.
4-
الكسر. ويدخل الاسم والحرف، دون الفعل أيضًا؛ فمثال الاسم: هؤلاءِ. ومثال الحرف: باء الجر فى "بِك"
…
والعلامات الفرعية التى تنوب عن الأصلية أشهرُها خمس:
1-
ينوب عن السكون حذفُ حرف العلة من آخر فعل الأمر المعتل الآخر؛ مثل الفعل: اخْشَ، وارمِ، واسْمُ؛ في نحو: اصفحْ عن المعتذر لك، واخْشَ أن يقاطعك، وارمِ من ذلك إلى كسب مودته، واسْمُ بنفسك عن الصغائر.
وينوب عن السكون أيضًا حذف النون فى فعل الأمر، المسند للألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، مثل: اكتبا، اكتبوا، اكتبي.
2-
وينوب عن الفتح الكسرةُ فى جمع المؤنث المبني، الواقع اسم "لا" النافية للجنس. نحو: لا مهملاتِ هنا "وفى هذا نيابة عن حركة بناء عن حركة أخرى".
وينوب عن الفتح أيضًا الياء فى المثنى المبنيّ، وفي جمع المذكر المبنيّ، إذا وقع أحدهما اسم:"لا" النافية للجنس، نحو: لا غائبَيْن. ولا غائبِينَ هنا "هذه نيابة حرف عن حركة بناء".
3-
وينوب عن الضم الألف فى المثنى؛ إذا كان منادى مفردًا2 علَمًا، نحو: يا محمدان، أو كان نكرة مقصودة؛ مثل: يا واقفان اجلسا؛ لاثنين معينين "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء".
وتنوب الواو عن الضمة في جمع المذكر المبني إذا كان منادى مفردًا علمًا. نحو؛ يا محمدون "وهذه نيابة حرف عن حركة بناء أيضًا".
ومما تقدم نعلم أن الكسر فى البناء لا ينوب عنه شيء؛ وأن السكون ينوب عنه شيئان، وكذلك الفتح، والضم. كما نعلم أن الضم والكسر يكونان في الاسم والحرف، ولا يكونان في الفعل. وفي الجدول التالي تلخيص لكل ما تقدم:
1 انظر "هـ" في صفحة 99.
2 المفرد في باب المنادى هو: "ما ليس مضافًا، ولا شبها بالمضاف". فالمنادي المضاف مثل: يا سعد الدين أقبل، والشبيه بالمضاف مثل: يا صانعا خيرا ترقب جزاءه.
"وللمنادي باب مستقل في أول الجزء الرابع".
علامات البناء الأصلية، والفرعية، ومواضعها:
جدول يسحب اسكانر
إلى هنا انتهى الكلام على علامات البناء الأصلية والفرعية2.
1 والفتح مقدر على الألف.
2 أما بيان السبب في أن لكل منهما علامات خاصة فيأتي- في ص 106 كما ذكرنا- وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
وكل حرف مستحق للبنا
…
والأصل في المبني أن يسكنا
ومنه ذو فتح، وذو كسر، وضم،
…
كأين أمس حيث والساكن. كم
ب- وللإعراب أنواع أربعة:
1-
الرفع؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل: سعيدٌ يقومُ، ومثل الخبر والمضارع فى قول الشاعر يمدح خبيرًا حكيمًا:
يَزنُ الأمورَ؛ كأنما هوصَيْرَفٌ
…
يَزِنُ النُّضارَ بدقَّة وحسَاب
2-
النصب؛ ويدخل الاسم، والفعل المضارع؛ مثل؛ إن سعيدًا لن يقبل الهوانَ.
3-
الجر؛ ويدخل الاسم فقط، مثل: باللهِ أستعين.
4-
الجزم؛ ويدخل الفعل المضارع فقط؛ مثل1: لم أتأخرْ عن إجابة الصارخ، وقول الشاعر:
إذا لم يعشْ حرًّا بموطنه الفتى
…
فَسّمِ الفتى ميْتًا، وموطنَهُ قبْرَا
فالرفع والنصب يدخلان الأسماء والأفعال؛ والجر مختص بالاسم؛ والجزم مختص بالمضارع.
ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصلية، وعلامات فرعية تنوب عنها:
فالعلامات الأصلية أربعة هى: الضمة فى حالة الرفع، والفتحة فى حالة النصب، والكسرة2 فى حالة الجرّ، والسكون "أى: عدم وجود حركة" فى حالة الجزم؛ فتقول فى الكلمة المرفوعة "فى مثل: سعيد يقوم": مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة؛ وفى الكلمة المنصوبة "في مثل: إن عليًّا لن يسافر": منصوبة، وعلامة نصبها الفتحة: وفي المجرورة: علامة جرها الكسرة، وفي المجزومة: علامة جزمها السكون3
…
1 ومثل قوله تعالى عن نفسه: {لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدْ} .
2 أو: الوقف
…
"انظر رقم 3 من هامش ص 100".
3 وفي الإعراب وعلاماته الأصلية يقول ابن مالك:
والرفع والنصب اجعلن إعرابا
…
لاسم وفعل: نحو: لن أهابا
=
أما العلامات الفرعية التى تنوب عن تلك العلامات الأصلية فهي عشر؛ ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وينوب في بعض آخر حرف عن حركة أصلية1. وينوب في بعض ثالث حذف حرف عن السكون؛ "فيحذف حرف العلة من آخر المضارع المجزوم، وكذلك تحذف نون الأفعال الخمسة من آخر المضارع المجزوم".
والمواضع التى تقع النيابة فيها سبعة، تسمى أبواب الإعراب بالنيابة، وهي:
أ- الأسماء الستة2.
ب- المثنى3.
حـ- جمع المذكر السالم4.
د- جمع المؤنث السالم5.
هـ- الاسم الذى لا ينصرف6.
و الأفعال الخمسة7.
ز- الفعل المضارع المعتل الآخر8.
=
والاسم قد خصص بالجر، كما
…
قد خصص الفعل بأن ينجزما
فارفع بضمن، وانصبن فتحا وجر
…
كسرا، كذكر الله عبده يسر
هذا، وكلمة:"الرفع" تعرب مفعولا به مقدما للفعل: اجعلن. ويعاب هذا بأن فيه تقديم معمول الفعل المؤكد بالنون، ولا يجوز تقديمه اختيارا - كما قلنا في رقم2 من هامش ص80 وبخاصة إذا كان المعمول ليس شبه جملة -عند من يبيح تقديم شبه الجملة دون غيره من المعمولات ولكن ضرورة الشعر قضت بالتقديم، ولا داعي لإعرابه مفعولا به لفعل محذوف يفسره المحذوف، لما في ذلك من تهافت بلاغي والإيصال، إذا أصلهما:"بفتح - بكسر" وحذف حرف الجر قبلهما فنصب المجرور على ما يسمى:
"نزع الخافض...." والمشهور أن النصب على نزع الخافض غير قياسي، كما سيجيء البيان في موضعه من باب:"تعدية الفعل ولزومه"، جـ2 ص 139 م 71" حيث قلنا هناك: لا داعي للأخذ بالرأي الذي يعتبره قياسيا، لأنه يؤدي إلى الخلط والغموط والإلباس، إذ يوقع في وهم كثيرين أن الفعل متعد بنفسه، ولن يتنبه إلى نصبه على نزع الخافض إلى قلة معدودة مشتغلة بالشئون اللغوية.
1 ومن هذا يجيء في "ب" ص 106.
2 حيث تنوب الواو عن الضمة في حالة الرفع، وتنوب الألف عن الفتحة في حالة النصب، وتنوب الياء عن الكسرة في حالة الجر. .
3 فتنوب الألف عن الضمة في حالة الرفع. وتنوب الياء عن الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر.
4 فتنوب الواو عن الضمة في حالة الرفع، وتنوب الياء عن الفتحة والكسرة في حالتي النصب والجر.
5 فتنوب الكسرة عن الفتحة في حالة النصب.
6 فتنوب الفتحة عن الكسرة في حالة الجر.
7 فتنوب النون عن الضمة في حالة الرفع، وينوب حذف النون عن الفتحة والسكون، نصبا وجزءا.
8 وينوب حذف حرف العلة عن السكون. في حالة الجزم.
وتتلخص الفروع العشرة النائبة عن الأصول فيما يأتي:
1-
ينوب عن الضمة ثلاثة أحرف، هى: الواو، والألف، والنون.
2-
ينوب عن الفتحة أربعة، هي: الكسرة والألف، والياء، وحذف النون.
3-
ينوب عن الكسرة حرفان، هما: الفتحة؛ والياء.
4-
ينوب عن السكون حذف حرف، إما حرف علة في آخر المضارع المعتل المجزوم، أو حذف النون من آخره إن كان من الأفعال الخمسة المجزومة.
وفيما يلي تفصيل الأحكام الخاصة بكل واحد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
ما السبب في أن للبناء علامات خاصة، وللإعراب أخرى؟
أ- قال شارح المفصّل1 ما نصه:
"اعلم أن سيبويه وجماعة من البصريين قد فصَلوا بين حركات الإعراب وسكونه، وبين ألقاب حركات البناء وسكونه، وإن كانت فى الصورة واللفظ شيئًا واحدًا، فجعلوا الفتح المطلق2 لقبًا للمبني على الفتح، والضم لقبًا للمبني على الضم، وكذلك الكسر، والوقف3.
"وجعلوا النصب لقبًا للمفتوح بعامل، وكذلك الرفع، والجر، والجزم، ولا يقال لشيء من ذلك مضموم مطلقًا، أو مفتوح، أو مكسور، أو ساكن - فلا بد من تقييد، لئلا يدخل "المعرب" فى حيز المبنيات. أرادوا بالمخالفة بين ألقابها إبانة الفرق بينهما؛ فإذا قالوا هذا الاسم مرفوع عُلم أنه بعامل يجوز زواله، وحدوث عامل آخر يُحدث خلاف عمله، فكان فى ذلك فائدة وإيجاز؛ لأن قولك: مرفوع، يكفي عن أن يقالَ له: مضموم ضمة تزول، أو ضمة بعامل. وربما خالف فى ذلك بعض النحاة وسمّي ضمة البناء رفعًا، وكذلك الفتح والكسر والوقف. والوجه هو الأول، لما ذكرناه من القياس، ووجه الحكمة. " اهـ.
ب- في بعض اللهجات العربية تنقلب ألف المقصور ياء عند إضافته لياء المتكلم وتدغم الياءان ففي مثل: هدى، يقال:"هدى" في كل حالات الإعراب، فيكون معربا بالياء التي أصلها الألف بدل حركات الإعراب التي كانت مقدرة على الألف، وهذا مما ناب فيه حرف عن حركة أصلية. وهو من اللهجات الضعيفة التي لا يحسن العمل بها اليوم. "وسيجيء الكلام عليها في هامش ص 189 ثم في المكان الأنسب لها، وهو: باب الإضافة لياء المتكلم، جـ3 م 97 ص 174".
ج- قد تكون الكلمة مضبوطة ضبطًا معينا بعلامة لا توصف بأنها علامة
1 جـ 3 ص 84.
2 أي: الذي يلازم آخر الكلمة في كل أحوالها.
3 هو: السكون، كما سبق في رقم 3 من هامش ص 100.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إعراب أو بناء1، وإنما هي علامة صورية ظاهرية، جاءت لمجرد المماثلة والمشابهة بين ضبط هذه الكلمة المتأخرة وضبط كلمة قبلها مباشرة. ومن هذا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} .
فكلمة: "أي" منادى مبني على الضم في محل نصب، وكلمة:"الناس"، عطف بيان. وضمتها ضمة مماثلة ومشابهة" لأي"، وهذه الضمة ليست للبناء ولا للإعراب، وإنما هي ضمة صورية ظاهرية، قصد بها المحاكاة المحضة، وليس لكلمة "الناس" محل إعرابي في أشهر قولين، مع أننا أعربناها عطف بيان.
ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . فكلمة: "أية" منادى مبني على الضم في محل نصب. وكلمة: "النفس" عطف بيان، مضبوطة بالضمة التي جاءت لتكون هذه الكلمة مماثلة لسابقتها في العلامة. وليس لها محل إعرابي "في أشهر رأيين"، بالرغم من إعرابها عطف بيان. وكلمة:"المطمئنة"، صفة للنفس، مضمومة بضمة مشابهة أيضًا.
على أن إيضاح هذا وتفصيله في مكانه الأنسب، "وهو باب:"تابع المنادى" ج4 م130 ص 44 وباب: "الاختصاص"، جـ4 م 139 ص 117 عند الكلام على:"أي وأية" فيهما
…
".
وهناك نوع آخر من الألفاظ لا يوصف بأنه معرب أو مبني ولكنه يزاد لغير معنى لغوي- وقد تكون زيادته لمجرد المدح، أو الذم، أو التلميح
…
وليس له ضبط إعرابي خاص به، وهذا النوع يسمى:"الأتباع" - بفتح الهمزة- وسيجيء حكمه في باب الحال "جـ2 م 84- رقم 3 من هامش ص 366 وفي باب النعت "جـ3 م 144 ص 452" بما ملخصه: أن اللفظ قد يجيء عرضا بعد كلمة تسبقه، فيسايرها في وزنها، وفي ضبط آخرها، مثل: محمد حسن بسن، واللص شيطان نيطان، أو: عفرين نفريت
…
ويذكر في إعرابه أنه تبع للأولى، أي: من أتباعها، لكن ليس من التوابع الأربعة المعروفة التي هي النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل
…
ولا يجري عليه شيء من أحكام هذه التوابع الأصلية وكل حكمه مقصور على أنه مثل ما قبله في الوزن وضبط الآخر ضبطا لا يوصف بإعراب ولا بناء. وحركته تختلف اختلافا واسعا كذلك عن حركة الإتباع الآتية، في رقم 6 من ص 200.
1 هذا ما أشرنا إليه في آخر ص 87.