الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسع والثلاثون: حذف المبتدأ والخبر
يحذف كل منهما جوازاً وجوباً فى مواضع معينة؛ فيجوز حذف أحدهما إن دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى ولا التركيب بحذفه1؛ فمثال حذف المبتدأ جوازا أن يقال: أين الأخ؟ فيجاب: فى المكتبة. فالجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الأخ". وأصل الكلام: "الأخ في المكتبة". حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومن الأمثلة أيضاً أن يقال: كيف الحال؟ فيجاب
…
"حسن". فكلمة: "حَسَنٌ" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "الحال". وأصل الجملة: "الحال حسن" حُذِف المبتدأ جوازاً؛ لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه
…
وهكذا.
ومثال حذف الخبر جوازا أن يقال: مَنْ فى الحقل؟ فيجاب: "علىٌّ". فكلمة "على" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف2 تقديره:"في الحقل". وأصل
1 هذا الحذف تطبيق لقاعدة لغوية عامة، تشمل المبتدأ والخبر وغيرهما، ومضمونها أن الحذف جائز في كل ما يدل الدليل عليه، بشرط ألا يتأثر المعنى أو الصياغة بحذفه تأثرا يؤدي إلى عيب وفساد لفظي أو معنوى. ويريدون بالدليل: القرينة الحسية "ومنها اللفظية" أو: العقلية "المعنوية" التي ترشد إلى لفظ المحذوف ومعناه، وإلى مكانه في جملته "طبقا للتقسيم الذي سبقت له الإشارة في رقم 1 من هامش ص 493"- ويريدون بعدم تأثر المعنى: بقاءه على حالة قبل الحذف، فلا ينقص، ولا يصيبه لبس، أو خفاء أو تغيير -
انظر "أ" من ص 489: حيث الأصل اللغوي العام الذي يتصل بهذا.
2 يكثر حذف المبتدأ جوازا في جواب الاستفهام، نحو: ما الحديد؟ فيقال: معدن: أي: هو معدن ومنه قوله تعالى: {مَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: هي نار حامية.... وقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟ .... النار....} ، أي: هو النار. وكذلك بعد القول: مثل: الآية الكريمة التي تسجل كلام الكفار عن القرآن يأنه أساطير الأولين وهي: {قالوا أسطير الأولين....} أي: "هو: أساطير الأولين".. وقد يحذف جوازا في غير هذا المواضع، مثل قوله تعالى:{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} . وقوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
…
} ، أي: هذا....
وقد اجتمع الحذف الجائز والذكر في قول الشاعر:
قصر عليه تحية وسلام
…
خلعت عليه جمالها الأيام
أي: "هذا قصر" - "عليه تحية وسلام".
الكلام. "علىّ فى الحقل". حذف الخبر جوازا لوجود ما يدل عليه، مع عدم تأثر المعنى بحذفه. ومثله: ماذا معك؟ فيقال: "القلم"، فكلمة:"القلم" مبتدأ مرفوع، والخبر محذوف تقديره:"معى". وأصل الكلام: "القلم معى"، ومثل: خرجت فإذا الوالد1. والأصل قبل حذف الخبر: خرجت فإذا الوالد1 موجود.....
وقد يحذف المبتدأ والخبر معاً بالشرط السابق؛ نحو: المسحنون كثيرٌ؛ فمن يساعد محتاجاً فهومحسن، ومن يساعف مستغيثاً فهومحسن، ومن يشهدْ شهادة الحق
…
أى: من يشهدْ شهادة الحق فهو محسن. فجملة: "هومحسن" مبتدأ وخبر وقد حذفا معاً. جوازاً2. ومن ذلك: مَنْ يخلص فى أداء واجبه فهوعظيم، ومن ينفع وطنه فهوعظيم، ومن يخدم الإنسانية
…
أي: فهوعظيم 3.
1 "ذا" هنا للمفاجأة، أي: للدلالة على هجوم الشيء الذي بعدها، ووقوعه بغتة. و "إذا الفجائية" لا بد أن يسبقها كلام، ولا تحتاج إلى جواب: ولا بد أن تكون المفاجأة في الزمن الحالي، "لا المستقبل ولا الماضي"، وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوكيد. والمراد بالزمن الحالي: أن وقوع المعنى بعدها وقوع المعنى قبلها مقترنان، بأن يتحقق وقوعهما معا في وقت واحد، ولو كان ماضيا، نحو: خرجت أمس فإذا النسيم منعش، فالوقت الذي تحقق فيه الخروج تحقق معه في الحال- أي: في الوقت نفسه- إنعاش النسيم، لا قبله، ولا بعده، ومثل هذا يقال في بيت الشاعر:
كم تمنيت لي صديقا صدوقا
…
فإذا أنت ذلك المتمني
"وسيجيء كلام على إعراب "إذا" في ص 592 - ثم راجع جـ2 "د" ص 2260 م 79"، فتقدير المثال: خرجت فإذا الوالد موجود، وهذا على اعتبار أن "إذا" الفجائية حرف. مراعاة للأسهل- أما على اعتبارها ظرف زمان أو مكان فهي الخبر، أي: ففي الوقت أو في المكان الوالد.
2 فكلمة: "من" اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، "يشهد فعل مضارع، فعل الشرط، مجزوم، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. "شهادة" مفعول مطلق منصوب، ومضاف، "الحق" مضاف إليه مجرور "فهو محسن" الفاء داخلة على جواب الشرط. "هو" مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع "محسن" خبره مرفوع، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.
وفي هذا المثال يصح أن يكون المحذوف هو الخبر وحده، والتقدير، "ومن يشهد شهادة الحق محسن". فتكون كلمة:"محسن" خبر "من" ولا تكون "من" الشرطية، وإنما تكون اسم موصول مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع "يشهد" مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستر جوازا تقيره، هو.... والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والخبر محذوف. تقديره "محسن".
3 وقد أشار ابن مالك إلى الحذف السابق فقال:
وحذف ما يعلم جائز، كما
…
تقول: زيد، بعد: من عند كما؟
وفي جواب: كيف زيد؟ قل: دنف
…
فزيد استغنى عنه إذ عرف
ومعنى البيت الأول: أن الحذف جائز في كل ما يعلم، فيشمل حذف المبتدأ وحده، وحذف الخبر وحده، وحذفهما معا، وغيرهما. والشرط في ذلك كله أن يكون المحذوف معلوما، لم يتأثر المعنى ولا الصوغ بحذفه، وإن يكون معلوما إلا إذا وجد دليل يدل عليه. ولم يذكر ابن مالك هذا الشرط صراحة، اكتفاء بشرط العلم، لأنا لمحذوف لن يكون معلوما حقا إلا إذا وجد الشرط المذكور. وضرب مثالا لحذف الخبر هو: أن يسأل سائل: من عند كما؟ فتقول: "زيد". التقدير "زيد عندنا" فحذف الخبر وهو "عندنا" للعلم به على الوجه السالف.
ذلك هوالحذف الجائز1، أما الواجب فللمبتدأ مواضع، وللخبر أخرى. وفيما يلى البيان:
1 ويمتنع حذف الجزأين معا أو أحدهما إذا وقعت جملتهما خبرا عن ضمير الشأن "وقد سبق تفصيل الكلام عليه في الضمائر- ص 250 - نحو: قل هو الله أحد.
وأتى في البيقت الثاني بمثال لحذف المبتدأ هو أن يسأل سائل: كيف زيد؟ فيكون الجواب: "دنف" أي شديد المرض "فدنف" خبر المبتدأ الذي استغنى عنه فحذف، وأصل الجملة: زيد دنف.
وقد ردد في كلامه اسم: "زيد" على عادة قدامي النحاة في كثرة ترديدهه خلال أمثلتهم، هو: وعمرو، وبكر، وخالد.... حتى صار التمثيل بهذا الأسماء بغيضا اليوم، لا بتذاله، يتحاشاة - بحق- أهل البلاغة والمقدرة الفنية من المعاصرين.
وبهذة المناسبة نشير إلى أن كلمة: "كيف" أو: "كي" - كما ينطقها بعض العرب - هي في أكثر استعمالاتها: إما اسم مبني على الفتح، معناه الاستفهام عن حالة الشيء، "أي: السؤال عن هيئته الطارئة عليه، دون السؤال عن ذاته وحقيقته"، وإما اسم معرب، لا يدل على استفهام، وإنما يدل على الحالة المجردة، والهيئة المحضة، بأن يكون بمعنى: "الكيفية". وإما شرطية غير جازمة. فلها حالات ثلاث لا تكاد تخرج عنها. ولكل حالة أحكامها التي نوضحها فيما يلي:
1 فالاستفهامية لها الصدارة في جملتها. وهي مبنية على الفتح وجوبا في كل مواقعها المختلفة باختلاف الأساليب التي تحتويها. وضابط إعرابها أن ننظر إلى العامل بعدها، فإن كان محتاجا إليها باعتبارها جزءا أساسيا لا يستغنى عنه فإنها تعرب على حسب حاجته، فتكون خبر في مثل: كيف أنت؟ . لأن العامل الذي بعدها مبتدأ يحتاج للخبر، فهي الخبر له، مبنية على الفتح في محل رفع. وكذلك هي الخبر في مثل: كيف بك، وكيف به. - بالإيضاح الذي سبق رقم 3 من هامش ص 448 - وفي مثل: كيف كنت؟ تعرب خبرا "لكان"، مبنية على الفتح أيضا في محل نصب، لاحتياج "كان" لخبر منصوب، وفي مثل: كيف ظننت الضيف؟ تكون مبنية على الفتح في محل نصب، مفعولا ثانيا للفعل:"ظن" - وهو من الأفعال التي تحتاج لمفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر- فإن كان ما بعدها غير محتاج لها احتياجا أساسيا على الوجه السالف بقيت مبنية على الفتح أيضا. ولكن في محل نصب دائما، إما لأنها مفعول مطلق، نحو "الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ ""فكيف" مفعول مطلق. والمعنى فعل ربك بأصحاب الفيل أي فعل
…
فهي في كل ما سبق اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع، أو نسب، على حسب حاجة العامل، ولا تكون في محل جر مع بقائها استفهامية إلا سماعا في بعض أمثلة نادرة لا يقاس عليها، منها قولهم: على كيف تبيع الأحمرين؟
ولسيبويه رأي آخر حسن في معنى "كيف" الاستفهامية، وفي إعرابها. وقد اضطرب النحاة في شرحه إلى أن تناوله "الخضري" في حاشيته، فأزال عنه الغموض والخفاء وكشف بشرحه السبب في استحسان صاحب "المغني" وتأييده لذلك الرأيب. وملخصه: أن معنى: "كيف" الاستفهامية عند سيبويسه شيء واحد، هو السؤال عن الحال والهيئة الطارئة على الأمر المسئول عنه، وأن من يقول: كيف
مواضع حذف المبتدأ وجوبا، أشهرها أربعة:
"أ" المبتدأ الذي خبره في الأصل نعت، ثم ترك أصله وصار خبرا، بيان هذا: أن بعض الكلمات يكون نعتا خاصا بالمدح كالذي في نحو: ذهبت إلى الصديق الأديب، أوبالذم كالذي في، نحو: ابتعدت عن الرجل السفيه، أو: بالترحم1 كالذي في نحو: ترفق بالضعيف البائس. فكلمة "الأديب" و "السفيه" و "البائس" نعت مفرد2، مجرور، لأنه تابع للمنعوت في حركة الإعراب، التي هي الجر في الأمثلة السابقة.
= محمد؟ . وكيف الجو؟ يريد. في أي حال محمد؟ وعلى أي حال الجو؟ فمعناها اللفظي الدقيق هو: في أي حال؟ أو: على أي حال؟ بحيث تستطيع أن تحذف لفظها وتضع مكانه هذا الذي بمعناه، فلا يتأثر المراد. وهذا معنى قول سيبويه إنها:"ظرف" مبني على الفتح، لأن كلمة:"ظرف" يراد منها أحيانا الجار مع مجروره. ثم هو يريد الظرفية المجازية، كالتي في مثل: فلان في حالة حسنة. ولا يريد الظرفية الحقيقية النحوية التي تقتضي أن يكون الظرف منصوبا على الظرفية، إذ لا تدل على زمان أو مكان، وإنما يريد ما قدمناه من نحو: في أي حال - وعلى أي هيئة
…
وبهذا تكون "كيف" عنده مبنية على الفتح في محل رفع أو نصب على حسب حاجة العوامل، ولا تكون في محل جر، ولا مقصورة على النصب للظرفية أو لغيرها. وهذا الرأي قريب من سابقه، وحسن أيضا - كما قلنا-
وفي كل ما تقدم راجع المغني والهمع في مبحث "كيف" وكذا الصبان والخضري وحاشية ياسين في باب المبتدأ والخبر - جـ 1 - عند بيت ابن مالك، وفي جواب: كيف زيد؟ قل: دنف
…
ثم في أول باب: "أعلم وأرى"
ب والتي تجردت عن الاستفهام، وتخلصت لمعنى الحالة المجردة "أي كانت بمعنى:"الكيفية" تكون اسما مبنيا أيضا على الفتح في جميع صورها إلا صورة واحدة تعرب فيها، ولا تبني، وهي الحالة التي يحتاج إليها العامل لتكون مفعولا به فتكون اسما معربا مفعولا به مجردا عن معنى السؤال، وليس له وجوب الصدارة، فتعرب مفعولا به، منصوبا لعامل قبله كالذي قيل أيضا في آية "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" حيث أعربها بعض النحاة مفعولا به منصوبا، مضافا إلى الجملة الفعلية بعده، ثم تأويل هذه الجملة الفعلية بالمصدر طبقا لما هو موضحح في باب الإضافة جـ3 خاصا بالجملة الواقعة مضافا إليه - كتأويل الجملة الفعلية بالمصدر في قوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} بإضافة كلمة "يوم" إلى الجملة بعده. فالمعنى: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟ ومثله التأويل في الآية الآخر وهي قثوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
…
} أي: أرني كيف إحيائك الموتى.
وفي الآيتين آراء أخرى ولكن ما عرضناه أوضح وأيسر تطبيقا، وليس فيه ما يعارض حكما مطردا، أو قاعدة أصلية. أما في غير هذه الحالة التي تعرب فيها مفعولا به منصوبا مباشرة فإنها تبني على الفتح - كما أشرنا -.
جـ والشروط اسم شرط غير جازم - على الأرجح- يقتضي بعده فعل شرط وفعل جواب. ولا بد أن يكون الفعلان بعدها متفقين في مادة اشتقاق اللفظ وفي المعنى نحو: كيف تكتب أكتب، ولا يجوز كيف تكتب أقرأ
…
وتفصيل الكلام على هذا الاستعمال وحكمه مدون في موضعه الخاص من الجزء الرابع - باب الجوازم ص 415 م 156.
1 إظهار الرحمة والحنان.
2 النعت المفرد- كالخبر المفرد - وكالحال المفرد- ما ليس جملة، ولا شبه جملة.
لكن يجوز إبعاده عن الجرّ إلى الرفع أوالنصب بشروط1، وعندئذ لا يسمى ولا يعرب فى حالته الجديدة "نعتاً" وقد يسمى:"نعتا مقطوعا أو منقطعا"2 -. وإنما يكون فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو- مثلا - فيكون المراد: ذهبت إلى الصديق؛ "هوالأديبُ" ابتعدت عن الرجل؛ "هوالسفيهُ. ترفق بالضعيف "هوالبائسُ".
ويكون فى حالة النصب مفعولا به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره:"أمدحُ"، أو:"أذم"، أو:"ارحمُ"، على حسب معنى الجملة. والفاعل فى هذه الأمثلة ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنا. فالمراد: أمدحُ الأديبَ
…
أذم السفيهَ
…
أرحمُ البائسَ. ولا يصح إعراب كلمة منها ولا تسميتها نعتا بعد أن تركت الجر إلى الرفع أو النصب. ولكن يصح تسميتها نعتا مقطوعا أو منقطعا - كما سبق - 5
ومن الأمثلة: أصغيت إلى الغناء الشجىِّ3، فزعت من رؤية القاتل الفتاك، أشفقت على الطفل اليتيم. فكلمة "الشجىّ" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت. وتفيد المدح. وكلمة:"الفتاك" نعت مفرد مجرور؛ تبعاً للمنعوت وتفيد الذم. وكذلك: "اليتيم"، إلا أنها تفيد الترحم. فتلك الكلمات الثلاث وأشباهها - من كل نعت مفرد مجرور يفيد المدح، أوالذم، أوالترحم - قد يجوز إبعادها عن الجر، إلى الرفع أو: النصب؛ فلا تعرب نعتاً مفرداً مجروراً؛ وإنما تعرب فى حالة الرفع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هو" ويكون المراد: "هوالشجُى". "هوالتفاكُ". "هواليتيمُ" كما تعرب فى حالة النصب مفعولاً به لفعل محذوف وجوباً مع فاعله، تقديره: أمدح
…
أو: أذم
…
أو: أرحم
…
، على حسب الجلمة؛ فالمراد: أمدحُ الشجىَّ
…
أذمُّ الفتاك
…
أرحمُ اليتيم4. وبعد إبعادها عن الجر قد تسمى "نعتا مقطوعا، أو منقطعا".
1 ستجيء مفصلة في موضعها الأنسب، وهو: باب النعت، جـ3 ص 471 م 115.
2 قد يسمى نعتا مقطوعا، أو: منقطعا، بمعنى: أنه منقطع عن أصله وتارك لاسمه الأول وحكمه السابق- انظر ما يأتي في رقم 4 من الهامش.
3 الذي يسير ويفرح.
4 قلنا: إن تلك الكلمات وأشباهها لا تعرب نعتا إلا حين تكون تابعة للمنعوت في حركة إعرابه. أما حين تخالفه إلى الرفع أو النصب فلا تكون نعتا، لأن صلتها الإعرابية به تنقطع لدخولها في جملة جديدة مستأنفة- في الرأي الشائع- ولا صلة بينها وبين الجملة السابقة من ناحية الإعراب فكلتاهما مستقلة بنفسها في الرأي الشائع - ولا صلة بينها وبين الجملة السابقة من ناحية الإعراب فكلتاهما مستقلة بنفسها فيه بناء على الرأي المتقدم، نعم إن تلك الكلمة التي كانت في الأصل:"نعتا" قدتسمى: "النعت المقطوع" أو: "المنقطع"، ولكن تسميتها هذه بالنعت لم يلاحظ فيها حالتها الجديدة، وإنما لوحظ فيها حالتها القديمة التي تركتها، فهي تسمية "مجازية" باعتبار ما كان، لا باعتبار ما هو متحقق بعد القطع. أما الوصف بالمقطوع، أو: بالمنقطع
…
فملاحظ فيه أنها صارت في حالتها =
وإذا كان النعت مرفوعاً فى الأصل جاز قطعه إلى النصب، واذا كان منصوبا جاز قطعه إلى الرَّفع وإذا كان مجرور جاز قطعه للرفع أوالنصب، والذى يتصل بموضوعنا هو: النعت المقطوع إلى الرفع حيث يعرب بعد القطع خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً ولا يجب الحذف إلا بشرط أن يكون أصل النعت للمدح، أوالذم، أوالترحم، دون غيرها - كما سبق-.
2-
المخصوص بالمدح أوالذم.
وبيانه: أن فى اللغة أساليبَ للمدح، وأخرى للذم، وكلاهما يؤلَّف بطريقة
= الجديدة، وإعرابها المستحدث مقطوعة عن إعرابها السابق، وعن حركتها الأولى. لأن جملتها الجديدة مستأنفة لا محل لها من الإعراب- كما أسلفنا_، فليس بين الجملتين صلة إعرابية، بالرغم من أن الغرض من الجملة الجديدة هو: إنشاء المدح، أو الذم، أوالترحم
…
وهذه أغراض كان يدل عليها النعت قبل قطعه
…
أما السبب في تحويلها من نعت مفرد، في جملة إلى خبر مرفوع أو إلى مفعول به، وكلاهما في جملة جديدة مستقلة بنفسها، لا صلة في الإعراب بينها وبين سابقتها.... فسبب بلاغي، ذلك أنهم حين يرون أهمية الغرض من هذه الكلمة، وجلال معناها وأن هذا المعنى جدير بالتنويه، وتوجيه الأبصار والأسماع إليه، يحولونها عن سياقها المألوف، وإعرابها الطبيعي، يقطعها وجوبا من جملتها، إدخالها على تحقيق المراد أقوى واظهر من دلالة الكلمة المفردة.
وقد يكون القصد من القطع تقوية التخصيص، إذا كان وقوعه بعد نكرة، نحو: مررت بأسد في قفصه زائر أو زائرا. أو: تقوية الإيضاح إذا كان وقوعه بعد معرفة، نحو: أصغيت لعلى الشاعر، فيكون الحذف فيهما جائزا.
هذا، وليس من اللازم في النعت المنقطع أن يكون مجرورا قبل القطع تبعا للمنعوت، بل يجوز أن يكون مرفوعا في حالته الأولى، أو منصوبا، تبعا لذلك المنعوت. فإن كان المنعوت مرفوعا جاز في نعته المرفوع النصب على القطع، ولا يجوز الرفع، منعا للالتباس، لأنه إن رفع رفع فلن يعرف أنه مقطوع. وإن كان المنعوت منصوبا جاز قطع النعت إلى الرفع فقط ولا يجوز إلى النصب، منعا للالتباس كذلك. أما إذا كان المنعوت مجرورا فيجوز قطعه إلى الرفع، أو النصب، كما سبق، إذ لا ليس مع أحدهما.
وقد قلنا: إن المنصوب بعد القطع لا يعرب نعتا، فقد دخل في جملة جديدة مستقلة بإعرابها، لأنها في الرأي الشائع جملة مستأنفة إنشائية "من نوع الإنشاء غير الطلبي". فلو ظهر الفعل المحذوف حذفا واجبا لأوهم أن الكلام خبري، وقد حمل على حذف الفعل وجوبا، حذف المبتدأ وجوبا أيضا ولا يجوز القطع إلا إذا كان المنعوت معرفة، أو نكرة خاصة. كما أن الفعل والمبتدأ يكون حذفهما واجبا مع النعت المقطوع الذي أصله للمدح أو الذم أو الترحم، فإن كان أصله لشيء غير ما ذكرنا فالحذف جائز لا واجب- كما تقدم، كما سيجيء في باب النعت، وقد سبقت إشارة لبعض هذا في رقم 1 من هامشي 320 عند الكلام على بعض أحكام العلم.
1 في هذا الهامش، وفي ص 510.
معينة، وصُوَر مختلفة، مشورحة فى أبوابها1 النحوية. فمن أساليب المدح: أن تقول فى مدح زارع اسمه حليم: "نِعْم الزارع حليم". وفى ذم صانع اسمه سليم: "بئس الصانع سليم"
…
فالممدوح هو"حليم" ويسمى: "المخصوص بالمدح" والمذموم هو: "سليم" ويسمى: "المخصوص بالذم". ومثلهما: "نعْم الوَفى حامد" أو: "بِئْسَ المختلِف وعده زُهَير". فالممدوح هو: "حامد"، ويسمى، "المخصوص بالمدح" والمذموم هو:"زُهير" ويسمى: "المخصوص بالذم" فالمخصوص - فى الحالتين - يقع بعد جملة فعلية، مكونة من فعل خاص - يدل على المدح، أوعلى الذم، - وفاعله. وقد يتقدم المخصوص عليهما؛ فنقول:"حليم نعم الزارع"
…
"سليم بئس الصانع". وله صور وإعرابات مختلفة؛ يعنينا منها الآن إعرابه إذا وقع متأخراً؛ فيجوز إعرابه خبراً، مرفوعاً، لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره:"هو"2 فيكون أصل الكلام: "نعم الزارع هوحليم". "بئس الصانع هوسليم".
3-
أن يكون الخبر صريحاً فى القَسَم "الحَلِف". وصراحته تتحقق بأن يكون معلوماً فى عُرف المتكلم والسامع أنه يمين؛ نحو: فى ذمتى لأسافرن. - بحياتى لأخْدُمَن العدالة. تريد: فى ذمتى3 يمين، أوعهد، أوميثاق
…
بحياتى يمين، أوعهد، أوميثاق
…
4-
أن يكون الخبر مصدراً يؤدى معنى فعله، ويغنى عن التلفظ بذلك الفعل - فى أساليب معينة، محدّدة الغرض؛ محاكاة للعرب فى ذلك -؛ كأن يدور بينك وبين طبيب، أومهندس، أوزارع
…
1 مثل باب: "نعم وبئس" وما جرى مجراهما. وسيجيء في الجزء الثالث.
2 هذا هو الشائع. ولنا رأي أيسر وأوضح، وسنذكره في مكانه من باب:"نعم وبئس"
…
- جـ 3 -.
3 المراد: في ذمتي وفي رقبتي ما يتعلق باليمين أي: بتنفيذ مضمونها، ويتصل بالقسم وتحقيق المراد منه، كالسفر مثلا، أو خدمة العدالة، لأن كلا منهما هو مضمون اليمين والقسم، والغرض منها، ولذلك يسمى "جواب اليمين" أو:"جواب القسم". وهو الذي يستقر في الذمة، ويتعلق بالرقبة وليس اليمين أو العهد أو الميثاق.
وإنما كان حذف المبتدأ واجبا هنا لأنه واجب التأخير بسبب تنكيره، وقد وجد ما يدل عليه عند حذفه، وهو: جواب القسم.
كلام فى عمله، فيقول عنه:"عملٌ لذيذ". أى: عمل عملى عملٌ لذيذ. وهذه الجملة فى معنى جملة أخرى1 فعلية، هى:"أعمَلُ عملاً لذيذاً". فكلمة: "عملا" مصدر، ويعرب مفعولا مطلقا للفعل الحالى:"أعمل" وقد حذف الفعل وجوباً؛ للاستغناء عنه بالمصدر الذى يؤدى معناه، وللتمهيد لإحلال جملة اسميه محلّ هذه الجملة الفعلية
…
وصار المصدر مرفوعاً بعد أن كان منصوباً؛ ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية تؤدى المعنى الأول تأدية أقوى وأبرع من السابقة2.
ومن الأمثلة أن يقول السباح وقد قطع أميالا: "سباحةٌ شاقةٌ" أى: سباحتى سباحةٌ شاقةٌ. وهذه الجملة فى معنى: أسْبَحُ سباحةً شاقةً. فكلمة: "سباحة" مصدر منصوب، لأنه مفعول مطلق للفعل:"أسْبَح"، ثم حذف الفعل وجوباً؛ استغناءً عنه بوجود المصدر الذى يؤدى معناه؛ ثم رفع المصدر ليكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ فتنشأ جملة اسمية جديدة، تكون أقوى وأبرع فى تأدية المعنى من الجملة الفعلية الأولى.
ومن الأمثلة أيضاً أن يقول السعيد: شكرٌ كثير. حمدٌ وافر
…
وأن يقول المريض أوالمكدود: صبرٌ جميلٌ - أملٌ طيبٌ
…
وأن يقول الولد لوالده الذى يطلب شيئاً: سمعٌ وطاعةٌ
…
أى: أمرى وحالى سمعٌ وطاعةٌ 3.
1 يوضح هذا الحكم ما سيجيء في جـ 2 م 76 ص 207 - موضوع: "حذف عامل المصدر وإقامة المصدر المؤكد مكانه ". على الرغم من أن المصدر هناك منصوب في أكثر حالاته، وهو هنا مرفوع. قلنا: في معنى جملة أخرى" لنفر من قول القائلين إن أصل الكلام "أعمل عملا لذيذا" ثم تناولوا هذا الأصل بالحذف والزيادة والتأويل..... مما لم يعرفه العرب، ولم يخطر ببالهم. فلكي يكون الكلام صادقا صائبا معا قلنا: في معنى جملة أخرى.
2 لأن هذه جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد الثبوت والدوام - غالبا - بخلاف الأولى.
3 إنما يكون المحذوف وجوبا هو المبتدأ حين يكون المقصود قيام المصدر مقام فعله نهائيا على الوجه السالف، ووجود قرينة تدل على هذا. فإن لم يكن المقصود ما سبق نحو:"صبر جميل"، وأمل طيب، وباقي الأمثلة الأخرى - تغير الحكم، فجاز أن يكون المحذوف هو المبتدأ، أي: صبري صبر جميل.... وأن يكون المحذوف هو الخبر، أي: صبر جميل أحسن من غيره، أو أنسب لي، أو أليق بك.... وإذا جاز في المحذوف أن يكون هو المبتدأ أو الخبر فأيهما أولى الذكر؟ .
أطال النحاة من غير داع، والأولى بهذا أو ذاك ما له سبب لذكره، أو لحذفه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
"ا" هناك مواضع أخرى - غير الأربعة السالفة - يجب فيها حذف المبتدأ؛ منها:
1-
الاسم المرفوع بعد "لا سيما"؛ فى مثل: أحب الشعراء، ولا سيما "شوقىّ" بإعراب "شوقىٌّ" خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره: هو1.
2-
بعد المصدر النائب عن فعل الأمر: من مثل: "سَقْياً لك"2
…
و"رَعْياً لك"
…
ومثلهما فى قول الشاعر:
نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجْران عاتبةً
…
سَقْيًا ورَعْياً لذاك العاتب الزارى
وغيرهما من كل مصدر ينوب عن فعل الأمر نيابة تغنى عن لفظه ومعناه، وبعد المصدر ضمير مجرور المخاطب. فأصل:"سَقْيًا لك""اسْقِ يا رب"
…
"الدعاء لك يا فلان". وأصل "رَعْياً لك""ارْعَ يا رب"
…
"الدعاء لك يا فلان"، فالمصدر نائب عن لفظ فعل الأمر وعن معناه، وبعده المخاطب المجرور. والجار مع المجرور خبر لمبتدأ محذوف. ولا يصح أن يكون هذا الجار مع مجروره متعلقاً بالمصدر:"سقياً ورعياً"، لأن هذا التعلق مخالف للأصول العامة
1 سبق في آخر باب الموصول "ص 401 وما بعدها" التفصيل في إعراب: "لا سيما - وأخواتها- وإعراب الاسم الذي بعدها، وطريقة استعمال أسلوبها. ومن ذلك التفصيل نعلم أن الاسم الذي بعدها يجوز فيه الرفع والجر إنكان معرفة- ويجوز فيه الرفع، والنصب، والجر، إن كان نكرة وقلنا هناك: التحقيق أن الأوجه الثلاثة جائزة في الاسم الذي بعدها، سواء أكان معرفة، أم نكرة.... كما قلنا أيضا: إذا كان الاسم الذي بعدها يجوز فيه الأوجه الثلاثة فما الداعي إلى كد الذهن بمعرفة إعراباتها، وتفصيل كل إعراب؟ الحق أنه لا داعي لذلك، فالمهم - وهو حسبنا- أن نعلم الغرض الصحيح من أسلوبها، وطريقة استعمالها، وأن كل اسم بعدها يجوز فيه الحركات الثلاث، من غير تعرض لتوجيه كل حركة، أو إعراب ذلك الاسم وإعرابها.
2 "سقيا لك". هو: دعاء موجه لله أن يسقي المخاطب. وليس الغرض أن يسقيه بالماء حقا، وإنما الغرض من السقي الإنعام الغامر، والرضا الأكمل. "والرعي" دعاء بلرعاية. وهذه اللام فيهما، تسمى:"لام التبيين"، لأنها تبين أن ما بعدها مفعول معنوي - لا نحوي- وما قبلها مفعول كذلك، نحو: قولك الحاقد: بؤسا لك.
- كما سيجيء في هامش الصفحة التالية، وفي جـ2 باب حروف الجر عند الكلام على اللام -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في تكوين الجملة 1.
1 تقضي تلك الأصول بأن الجملة الواحدة لا يصح أن تجمع في وقت واحد بين صيغتين مختلفتين لخطاب اثنين مختلفين، كأن تكون إحدى الصيغتين فعل أمر، أو ما ينوب عنه، والخطاب فيها متجها لشيء، وتكون الصيغة الأخرى مخالفة للأولى فيق لفظها وفي المخاطب الذي تتجه إليه فلو تعلق الجار والمجرور بالمصدر لفلسد المعنى لأن المصدر في مثل:"سقيا" نائب عنفعل الآمر: "اسق" - وله فاعل كفعل الأمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:"أنت" ويصح أن يقال: إنه محذوف تقديره: "أنت" طبقا للبيان الذي سنذكره بعد، فهو يتضمن كفعله مخاطبة "الله" بالدعاء، في الوقت الذي يتضمن فيه الضمير المجرور مخاطبة شيء آخر تدعو الله له، وبهذا تشتمل الجملة الواحدة على الخطابين اللذين لا يجتمعان، لأن اجتماعهما يفسد المعنى "إذ يكون التقدير: اسق يا الله لك. فيؤدي هذا إلى أن: الله منه السقي، وله السقي، والشطر الثاني فاسد" ولهذا قالوا - بحق-: إن "سقيا لك" وما هو على نمطها ليس جملة واحدة، وإنما هو جملتان، إحداهما "سقيا" فكلمة:"سقيا" مصدر نائب عن فعل الأمر، ويعرب مفعولا مطلقا منصوبا، وفاعله مستتر فيه أو محذوف - كما تقدم وكما يجيء - وتقديره في الحالتيسن:"أنت والأخرى: "لك" فالجار مع مجوره خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره: الدعاء....، وأصل الجملة الثانية: الدعاء لك، وأصل الكلام كله: سقيا "بمعنى: اسق يا الله" الدعاء لك أيها المخاطب الذي أدعو الله لك.
ومما يستحق التنويه أن الضمير الظاهر الواقع بعد ذلك المصدر "وهو ضمير الخطاب المجرور" له اتصال معنوي بالجملة الأولى، مع أنه في جملة بعدها مستقلة عنها في الإعراب وسبب ذلك الاتصال المعنوي: أنه قد يكون هوالمقصود من الأولى، والذي ينصب عليه ما فيها من دعاء أو غيره، فكأنه منجهة المعنى لا من جهة الإعراب مفعول به فمعنى "سقيا لك" اسق يا رب فلانا
…
فمن فلان هذا؟ أين هو في الكلام؟ لا يتحقق إلا في المخاطب الواقع بعد اللام فظاهره أنه مجرور باللام، ولكنه في حقيقته المعنوية بمنزلة المفعول به، مع أنه لا يعرب مفعولا به، إذ لا بد من اعتبار الكلام جملتين عند الإعراب كما أوضحنا.
كذلك: "رعيا لك" معناها: ارع يا رب فلانا فمن فلان؟ أين هو في الكلام؟ لا وجود له من حيث المعنى إلا في المخاطب الذي يدل عليه ضمير الخطاب بعد اللام، فظاهره أنه مجرور بها، ولكنه في حقيقته المعنوية بمنزلة المفعول به، مع أنه لا يعرب مفعولا به. إذ لا بد من اعتبار الكلام جملتين عند إعرابه، كما سبق....
وفي بعض الأساليب الأخرى قد يكون ذلك الضمير المجرور وبمنزلة الفاعل من جهة المعنى مع أنه لا يصح إعرابه فاعلا، نحو:"بؤسا لك" أيها العدو، و "سحقا لك"، أو:"بعدا لك". تخاطب عدوا، أو من يخون أمانته، مثلا.... وتدعو عليه. وأصل الكلام:"أبؤس" وهو: الهلاك.
وابعد، في الدعاء عليه بالبعد: وهو: الهلاك أيضا. فكأنك تقول بؤست، وسحقت وبعدت، أي: صرت بائسا، ساحقا، باعدا، فالضمير المجرور بعد اللام هو الذي حل محل الفاعل في المعنى =
3-
بعد ألفاظ مسموعة عن العرب مثل: "من أنت؟. محمد" وهوأسلوب يقال حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم اسمه: محمد
…
والتقدير: من أنت؟ مذكورُك محمد
…
أو: مذمُومك محمدّ: أى: من أنت؟ وما قيمتك بالنسبة للشخص الذى تذكره بالسوء؛ وهومحمد؟. فالمثل يتضمن تحقيراً للمغتاب، وتعظيماً لمحمد. فمحمد خبر لمبتدأ محذوف تقديره: مذكورُك
…
أومذمومك "أى: الشخص الذى تذكره فى حديثك أوتذمه فيه". ولما كان هذا الأسلوب قد ورد بغير مبتدأ صار من الواجب التزامه
= لا في الإعراب، وصار مؤديا معناه. غير أنه في مثل هذه التراكيب التي يكون فيها الضمير المجرور فاعلا في المعنى لا يكون التركيب مشتملا على خطابين مختلفين، وإنما يكون مشتملا على خطابين بلفظين مختلفين، والمخاطب واحد فيهما، فإن. "بؤسا" لك "وسحقا" لك "وبعدا" لك - معناها "بؤست، الدعاء لك". "سحقت. الدعاء لك""بعدت - الدعاء لك" فتاء الخطاب، وكاف الخطاب في كل جملة هما المخاطب واحد، مع اختلاف صيغتهما في اللفظ، بخلاف:"سقيا"، فإن المخاطب فيها غير المخاطب في الضمير المجرور، وهو الكاف عدها.
بالرغم من اتحاد الخطابين في مثل، "بؤسا" لك. فإن الجار والمجرور بعدها يعرب خبرا لمبتدأ محذوف، وجوبا، تقديره: الدعاء.... والكلام يشتمل على جملتين، لا جملة واحدة. وليس الجار مع المجرور هنا متعلقا بكلمة:"بؤسا"، أي: بالمصدر، لأن التعدي باللام يكون المفعول به، ولا يكون للفاعل المعنوي، كالذي هنا، فالمانع هنا من التعلق مخالف للمانع مع الضمير الذي يكون بمعنى المفعول به. وفي الحالتين لا بد أن يكون الكلام جملتين عند الإعراب.
وما سبق من التفصيل مقصور على المصدر النائب على فعل الأمر، وبعده المجرور ضمير المخاطب. فإن ناب المصدر عن غير الأمر، نحو: شكرا لك كثيرا، أي: أشكر لك شكرا، أو كان المجرور اسما ظاهرا، أو ضميرا غير ضمير المخاطب، نحو: سقيا للأمين ورعيا له - فاللام حرف لتقوية العامل، فتكون حرف جر زائد، وما بعدها مجرور بها في محل نصب، لأنه مفعول به للمصدر. أو ليست بزائدة بالجار والمجرور متعلقان بالمصدر، فكأنك تقول: اسق يا رب الأمين، وارعه.
وللبحث تتمة وتقسيم ليس مكانه هنا، وإنما مكانه: باب: "المفعول المطلق" - جـ2 - وباب حروف الجر- جـ2 - عند الكلام على لام الجر التي معناها: "التبيين".
ومن كل ما تقدم يتضح ما ذكرناه من سبب تسمية تلك اللام: "لام التبيين".
بقي إيضاح ما أشرنا إليه من فاعل المصدر النائب عن فعل الأمر، كالمصدر:"سقيا" ونظائره
…
أفعاله ضمير مستتر فيه تقديره. هو؟ أم فاعله محذوف....؟ قال الصبان، "جـ2 أول باب: إعمال المصدر" - إن فاعله هنا ضمير مستتر تقديره "أنت" مع أنه سجل في باب الفاعل - جـ 2 - عند الكلام على مواضع حذف الفاعل- أن الفاعل يحذف جوازا "حين يكون عامله مصدرا، مثل: ضربا زيدا، وقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْم
…
} بناء على ما ذكروه من عدم تحمله الضمير لحموده،. ثم قال:"وذهب السيوطي إلى أنه في مثل ذلك يتحمل الضمير لأن الجامد إذا تأول بالمشتق تحمل الضمير. وضربا زيدا في معنى: "اضرب" و "إطعام" في معنى: "أن تطعم. وهذا تأويل بالمشتق "هـ.... فالمفهوم أن هناك رأيين أقواهما أن فاعله مستتر فيه كفاعل فعل الأمر تماما، والآخر أنه محذوف، وأن المصدر نائب عن فعل الأمر وفاعله معا، والخلاف شكلي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والإبقاء عليه بغير زيادة أونقص؛ لأه بمنزلة المثل؛ والأمثال لا تتغير مطلقاً1.
وقد ورد ذلك الأسلوب بالنصب أيضاً: "من أنت؟ محمداً". التقدير: "من أنت؟ تذكر محمداً، أوتذم محمداً"؛ فتكون الكلمة المنصوبة مفعولاً به لفعل محذوف. ومن الأساليب المسموعة أن يقال: "لا سواءٌ" عند الموازنة بين شيئين. والتقدير: لا هما سواء، أو: هذان لا سواء؛ بمعنى: لا يستويان. فكلمة: "سواء" خبر مبتدأ محذوف وجوباً تقديره: "هما" أو: "هذان".
ويرى فريق من النحاة أن الحذف فى المسألتين جائز لا واجب. والأخذ بهذا الرأى أنسب فيما نصوغه من أساليبنا. أما الوارد المسموع عن العرب نصًّا على أنه مثل من أمثالهم فيجب إبقاؤه كما ورد عنهم.
1 لا في حروفها، ولا في ضبطها، ولا في ترتيب كلماتها كما سبق في رقم 2 من ص 504.
مواضع حذف الخبر وجوباً، أشهرها خمسة:
1-
أن يقع الخبر كوناً عامًّا1 والمبتدأ بعد "لولا الامتناعية"2، نحو: لولا عدلُ الحاكم لقتل الناسُ بعضُهم بعضاً. ولولا العلم لشقى العالَم، ولولا الحضارة ما سعد البشر
…
أى: لولا العدل موجود
…
لولا العلم موجود
…
لولا الحضارة موجودة
…
فالخبر محذوف قبل جواب: "لولا"
…
ومن هذه الأمثلة وأشباهها يتضح أن الخبر يحذف وجوباً بشرطين: وقوعه كونً عامًّا، ووجود لولا الامتناعية قبل المبتدأ. فإن لم يتحقق أحد الشرطين أوهما معاً تغير الحكم؛ فإن لم توجد "لولا" فإنّ حكم الخبر من ناحية الحذف وعدمه كحكم غيره من الأخبار كلها؛ وقد سبق الكلام عليها3. وإن لم يقع كوناً - عاماً بأن كان خاصًّا - وجب ذكره؛ نحو: لولا السفينةُ واسعةٌ ما حملتْ مئات الركاب. لولا الطيارُ بارعٌ ما نجا من العاصفة؛ فكلمة: "واسعة" وكلمة: "بارع" - خبر من نوع الكون الخاص الذى لا دليل يدل عليه عند حذفه، فيجب ذكره؛ فإن دل عليه دليل جاز فيه الحذف والذكر؛ نحو: الصحراء قحلة لعدم وجود الماء بها؛ فلولا الماءُ معدومٌ لأنبتتْ - دخل اللص الحديقة لغياب حارسها؛ فلولا الحارس غائب لخاف اللص. - اضطرب البحر من شدة الهواء. فلولا الهواء شديد ما اضطرب. فكل من: "معدوم" و"غائب" و"شديد" قد وقع خبراً، وهوكون خاص، فيجوز ذكره وحذفه؛ لوجود ما يدل عليه عند الحذف4.
2-
أن يكون لفظ المبتدأ نصًّا فى القسم5، نحو: لعمرُ الله6 لأُجِيدَنَّ
1 أي: يدل على مجرد الوجود العام من غير زيادة عليه. وقد سبق شرح هذا في هامش ص 476.
2 لولا" التي هي حرف امتناع لوجود، بخلاف "لولا التحضيضية"، فلا يليها المبتدأ.
ومثل: "لولا" الامتناعية: "لوما" التي تفيد الامتناع أيضا، فيجب حذف الخبر بعدها.
3 في ص 507.
4 ما ذكرناه من حكم الخبر بعد: "لولا" هو أصفى مذاهب النحاة، وأحقها بالقبول، لمسايرته الأصول اللغوية العامة.
5 بحيث يغلب استعماله في القسم غلبة واضحة في الاستعمال، فيدرك السامع أنه قسم قبل أن يسمع المقسم عليه.
6 لحياة الله: فهو حلف بوجود الله.
عملى - لأمانةُ الله لن أهملَ واجبى - لحياةُ أبى لا أنصرُ الظالمَ - لأيمنُ الله لأسرعنّ للملهوف
…
فالخبر محذوف فى الأمثلة كلها قبل جواب القسم. وأصل الكلام لَعَمْرُ الله قَسَمِى
…
لأمانة الله قَسَمِى
…
لحياة أبى قَسَمِى
…
لأيْمُنُ اللهِ قَسَمِى1
…
ومن الأمثلة قول الشاعر:
لعَمْرك ما الأيامُ إلا مُعَارَةٌ2
…
فما اسْطَعْتَ3 من معروفها فَتَزَوَّدِ....4
فالمبتدأ فى كل مثال كلمة صريحة الدلالة على القسم، غلب استعمالها فيه فى عُرْف السامع لها، ولذلك حذف خبرها؛ "وهو: قسمى" لأنها تدل عليه، وتغنى عنه، ولا يصح أن يكون المحذوف فى الأمثلة السابقة هوالمبتدأ.
وهناك سبب آخر قوى يحتم أن يكون المحذوف هوالخبر؛ ذلك السبب وجود لام الابتداء فى أول كل اسم؛ إذ يدل على وجودها على أن المذكور هوالمبتدأ دون الخبر؛ لأن الغالب عليها أن تدخل على المبتدأ لا على الخبر؛ ليكون لها الصدارة الحقيقية.
فإن لم يكن المبتدأ نصًّا فى اليمين، أولم توجد لام الابتداء - لم يكن حذف الخبر واجباً، وإنما يكون جائزاً، نحو: عهدُ الله قسمى لا أرتكب ذنباً. أمرُ الدين قسمى لا أفعل إساءة؛ بإثبات الخبر أوحذفه.
3-
أن يقع الخبر بعد المعطوف بواوتدل دلالة واضحة على أمرين مجتمعين، هما: العطف، والمعية5؛ نحو: الطالب وكتابهُ
…
1 أيمن الله: بركته. "انظر""جـ" من هامش ص 543".
2 سلفة ترجع لصاحبها بعد حين.
3 أي: استطعت.
4 مثل هذا قول الآخر:
لعمرك ما بالموت عار على الفتي
…
إذا لم تصبه في الحياة المعاير
5 معنى المعية هنا هنا، مشاركة ما بعد الواو "وهو المعطوف" لما قبلها "وهو المعطوف عليه" في أمر بحيث يجتمعان فيه، ولا يراد أن ينفرد أحدهما به. وعلامة الواو التي تفيد الأمرين معا:"العطف والمعية" وتكون نصا في المعية - أن يصح حذفها، ووضع كلمة "مع" مكانها فلا يتغير المعنى، بل يزداد وضوحا. والواو هنا غير التي ينصب الاسم بعدها على أنه "مفعول معه" طبقا لما سيجيء في بابه -جـ2- وهي غير "واو المعية" المشار إليها في رقم 2 من هامش الصفحة الآتية.
ولبيان هذا نسوق المثال الآتى: إذا أقمت فى بلد تراقب أهله؛ فرأيت الفلاح يلازم حقله، والصانع يلازم مصنعه، والتاجر متجره، والملاّح سفينته، والطالب معهده، وكل واحد من أهلها يتفرغ لشأنه، لا يكاد يتركه. ثم أردت أن تصفهم، فقد تقول: شاهدت أهل البلد عاكفين على أعمالهم، منصرفين لشئونهم؛ "الفلاحُ وحقلُه" - "الصانعُ ومصنعهُ" - "التاجرُ ومتجرةُ" - "الملاح وسفينتُه" - "الطالبُ ومعهدهُ" - "كل رجل وحرفتُه". فما معنى كل جملة من هذه الجمل؟ معناها "الفلاح وحقله متلازمان" - "والصانع ومصنعه متلازمان" وهكذا الباقي
…
وإذا تأملت تركيب واحدة منها "مثل: الفلاح وحقله" عرفت أنها مركبة من مبتدأ؛ هو: "الفلاح". بعده واوتفيد أمرين معاً، هما: العطف، والمعية، وبعد هذه الواويجئ المعطوف على المبتدأ، ويشاركه فى الخبر، ثم يجئ بعده الخبر. لكن أين الخبر الواقع بعد المعطوف؟ إن الخبر محذوف نفهمه من الجملة؛ وهوكلمة:"متلازمان" أو: "متصاحبان" أو: "مقترنان" أو: ما يدل على الملازمة والمصاحبة التى توحى بها الواوالتى بمعنى: "مع" وتدلّ عليها فى وضوح ظاهر للسامع. ومثل هذا يقال فى الأمثلة الأخرى.
1 نشير هنا إلى إشكال يورده النحاة في مثل هذا التركيب ويجيبون عنه، هو: أنه لا يصح عود الضمير إلى "كل" وإلا صار المعنىكل رجل وحرفة كل رجل مقترنان، وهذا يؤدي إلى: كل رجل يقارن حرفة كل رجل" كما لا يصح عودته إلى "رجل"، وإلا كان المعنى: "كل رجل يقارن حرفة رجل واحد، أي: كل رجل وحرفة رجل واحد مقترنان" والمعنيان فاسدان.
والجواب أن كلمة: "كل" في قوة أفراد متعددة، فكأنك تقول: أفراد متعددة، فالضمير العائد عليها أو على ما أضيفت إليه، "مثل: رجل" يكون من مقابلة الجمع بالجمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادا، كما في قولك: ركب القوم دوابهم، إذ معناه ركب كل واحد من القوم دابته. فكذلك هناك، ويكون المعنى: كل فرد وحرفته مقترنان. أو محمد وحرفته، وعلى حرفته
…
وهكذا.
2 وهذه الواو التي للمعية والعطف معا لا تدخل هنا إلا على الاسم المعطوف بها، ولا تدخل على فعل، فهي غير نظيرتها الأخرى التي تفيد المعية والعطف مجتمعين مع دخولها على مضارع يجب نصبه بأن مضمرة وجوبا بشرط أن يكون مسبوقا بنفي أو طلب محض على الوجع الموضح في جـ4 باب:"إعراب الفعل" - مثل: لم يتصدق النبيل فيفتخر. وهي غير "واو المعية" المشار ليها في رقم 5 من هامش الصفحة السابقة.
فإن لم تكن الواونصًّا فى المعية لم يكن حذف الخبر واجباً؛ وإنما يكون جائزاً عند قيام دليل يدل عليه؛ نحو: الرجل وجاره مقترنان، أو: الرجل وجاره، فقط؛ لأن الاقتصار على المتعاطفين يفيد الاشتراك والاصطحاب. أما جواز ذكر المحذوف فلأن الواوهنا ليست نصًّا فى المعية، إذ الجارُ لا يلازم جاره، ولا يكون معه فى الأوقات كلها، أوأكثرها.
4-
الخبر الذى بعده حال تدل عليه، وتسد مسده، من غير أن تصلح فى المعنى لأن تكون هى الخبر؛ نحو:"قراءتى النشيدَ مكتوباً". وذلك فى كل خبر لمبتدأ، مصدر، في الغالب2 وبعد هذا المصدر معموله، ثم حالٌ، تدل على الخبر المحذوف وجوباً، وتغنى عنه، ولا تصلح3 فى المعنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ4
…
؛ كالمثال السالف. فكلمة "قراءة" مبتدأ، وهى مصدر مضاف، والياء مضاف إليه، "النشيدَ" مفعول به للمصدر، فهوالمعمول للمصدر - "مكتوباً" حال منصوب ولا تصلح أن تكون خبراً لهذا المبتدأ؛ إذ لا يقال: قراءتى مكتوب. وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية أضيف لها، والتقدير؛ قراءتى النشيد إذا كان مكتوباً، أوإذ كان مكتوباً وقد حذف الخبر الظرف بمتعلَّقه5، ومعه المضاف إليه؛ لوجود ما يدل عليه، ويسد
1 نقلنا "في رقم 4 من هامش ص 410" أن النحاة يقولون: لم يرد في الفصيح وقوع أن المصدرية بنوعيها "المخففة، والناصبة للمضارع" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر مجال سدت مسده، ومثلها "ما" الصدرية راجع البيان هناك- وفي هذا تعارض مع قولهم الآتي في "أ" من هامش ص 526 إلا إن كان مرادهم بالمنع أنه لم يجيء في الفصيح الخالص وإن ورد في غيره.
2 ليس من اللازم أن يكون المبتدأ نفسه هو المصدر فقد يكون "أفعل تفضيل" مضافا إلى المصدر الصريح أو المؤول، طبقا للبيان الآتي في:"أ" من ص 5226.
3 تتخلف الشروط المذكورة في حالة تجيء في "ب" من ص 526.
4 نجيء بكلمة: "إذ" حين يكون الغرض من الكلام الزمني الماضي، لأن "إذ" تستعمل في الغالب ظرفا للماضي. ونجيء بكلمة "إذا" حين يكون الغرض الزمن الحالي، أوالمستقبل، أو المستمر، لأن "إذا" تستعمل ظرفا في كل هذا- غالبا- "وكان" في المثالين تامة، وفاعلها مستتر تقديره:"هو" صاحب الحال. والخبر المحذوف هو الظرف: "إذ أو إذا" وهو مضاف والجملة الفعلية التي بعده مضاف إليه، وقد حذفت معه.
5 إذ الشائع عند النحاة أن الظرف "وكذا الجار مع مجروره" لا يكون خبرا بنفسه مباشرة، وإنما يتعلق بمحذوف يكون هو الخبر. تقديره هنا: "قراءتي النشيد حاصلة إذا كان - أو إذا كان - مكتوبا.... ومثل هذا يقال في باقي الأمثلة التالية حيث يكون الظرف محذوف هو ومتعلقة. أما الرأي في أن شبه الجملة يكون هو الخبر بنفسه مباشرة أو متعلقة فقد سبق البيان الكامل بشأنه في ص 475 وهامشها.
مسدهُ فى المعنى؛ وهو؛ الحال التى صاحبها الضمير، الفاعل، المحذوف مع فعله.
ومثله: مساعدتى الرجلَ محتاجاً، أى: إذا كان أوإذ كان محتاجاً. "فمحتاجاً" حال لا تصلح من جهة المعْنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ، إذ لا يقال: مساعدتى محتاج "وصاحب هذه الحال هوالضمير الفاعل المحذوف مع فعله". و"الرجل" مفعول به للمصدر - فهومعموله - ومثل هذا يقال فى شربى الدواء سائلا، وأكلى الطعامَ ناضجاً -.. و
…
فإن كانت الحال صالحة لوقوعها خبراً للمبتدأ المذكور وجب رفعها لتكون هى الخبر؛ فلا يصح إكرامى الضيف عظيماً، بل يتعين أن نقول: إكرامى الضيفَ عظيم
…
بالرفع على الخبر1
…
1 قد يخطر على البال السؤال عن السبب في استعمال هذا الأسلوب، وإيثاره، مع أنه قد يبدو غريبا. ويجيب كثرة النحاة بأنه يفيد معنى دقيقا خاصا، هوقصر هذا المبتدأ على الحال- غالبا- أي: حصر معنى هذا المبتدأ في الحال، فكأن الناطق بمثال من تلك الأمثلة السالفة - ونظيرتها - يقول: قراءتي النشيد لا تكون إلا في حال كتابته، أما في غيرها فلا أقرؤه - مساعدتي الرجل مقصورة على حالة احتياجه، أما في غيرها فلا أساعده. وهكذا
…
وعندهم أننا لو لم نصطنع هذا الأسلوب بطريقته المأثورة عن العرب لحرمنا ما يحققه من الغرض المعنوي السالف الذي يقررونه في أكثر الصور.
أما إعراب هذا التركيب فموضع جدل عنيف يثير ادهش والأسف، لعدم جدواه. ويقول صاحب الهمع "جـ1 ص 105" إن مسألة الحال التي تسد مسد الخبر:"مسألة طويلة الذيول، كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديما بتأليف مستقل"، ثم عرض - كغيره - للقليل من تلك الآراء المختلفة فلم يزدنا بسردها ويجدل أصحابها إلا دهشا، وأسفا، بل استنكارا لطول الذيول، وكثرة الخلاف، والتأليف المستقل فيما لا غناء فيه.
لنترك هذا لنقول إن الإعراب الذي ذكرناه هو أحد تلك الآراء المتعددة، والذين ارتضوه أكثر من غيرهم، ويوجبون أن يكون الظرف "إذ - أو: إذا" متعلق بمحذف هو الخبر الأصيل وأن هذا الظرف مضاف إلى جملة فعلية بعده، وهو والجملة محذوفان وجوبا: لدلالة الحال على ذلك المحذوف وسدها مسد الخبر، فلا حاجة لذكره معها. ولا يقبلون أن يكون الظرف بمتعلقه هو الخبر مع وجود الحال ولا يقبلون شيئا يكون هو الخبر، بل يحتمون أن تقوم الحال مقام الخبر المحذوف وتعني عن ذكره، زاعمين أنه لو كان في الجملة خبر أصيل، واقتصرت الحال على إعرابها حالا ليست قائمة مقام الخبر لترتب على هذا أن يفصل الخبر بين هذه الحال وعاملها المبتدأ المصدر، والفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي - وهو هنا الخبر، ممنوع عندهم، ويضمون إلى هذا أدلة جدلية وهمية نرى الخير في إهمالها، وفي إعراب الظرف المحذوف بمتعلقه هو الخبر مباشرة، أو الخبر لفظ آخر محذوف يناسب السياق وتدل عليه القرينة مع إعراب الحال المذكورة حالا أصيلة لا تسد مسد الخبر ولا غيره. وهذا رأي كثير من الكوفيين وبعض البصريين كالمبرد، فقد جاء في كتابه "الكامل" "جـ2 ص 78" حين قال الفرزدق لآخر: "حكمك مسمطا"- وهذه الجملة، كما يقول النحاة من الأمثلة التي وقعت فيها الحال سادة مسد الخبر سماعا، لأن هذه الحال صالحة لوقوعها خبرا- ما نصه: =
هذا، وتتلخص جميع مواضع حذف الخبر - التى سبقت - فى العلم بالمحذوف لوجود ما يدل عليه، أوما يغنى عنه فى المعنى لا فى الإعراب.
5-
حذفه من بعض أساليب مسموعة عن العرب؛ منها: حَسْبُك يَنَم الناسُ.
"ملاحظة": بقيت حالة سبقت الإشارة إليها1، وهى التى يكون فيها المبتدأ متقدماً - مباشرة - على أداة شرطية، فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أوصلح لمباشرة الأداة الشرطية - كان هوالجواب للأداة الشرطية - فى الرأى الأرجح - وكان خبر
= "إعرابه أنه أراد: لك حكمك مسمطا، واستعمل هذا فكثر حتى حذف - أي: الخبر، وهو لك - استخفافا، "أي: للخفة" لعلم السامع بما يريد القائل: كقولك: الهلال والله. أي: هذا الهلال، وأغنى عن قوله: "هذا" - القصد والإشارة. وكان يقال لرؤبة الشاعر: كيف أصبحت؟ ويقول خير عافاك. الله. فلم يضمر حرف الخفض، ولكنه حذف لكثرة الاستعمال والمسمط: المرسل غير المردود...." أهـ
…
فترى من هذا أنه قد الخبر المحذوف لكثرة الاستعمال جارا ومجرورا، ولم يجعل الحال سادة مسده. ولعل هذا الرأي هو الأفضل، ليسره ووضوحه وخلوه من التكلف والتعقيد، ولا مانع من قبول ما ارتضوه على أن يكون رأيهم في المنزلة الثانية بعد الرأي الذي عرضناه.
ومن تكلفهم وتعقيدهم أنهم يوجبون أن يكون صاحب الحال هو الضمير فاعل الفعل "المحذوف. "كان التامة، أو ما يماثلها" وهذا الضمير عائد على معمول المصدر، فلم لا يكون صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة لأدى ذلك إلى أن تجيء الحال في ترتيبها المكاني بعد ذلك المعمول بأن يكون المصدر متقدما، يليه معمول، وبعدهما الحال، لأن الثلاثة كتلة متماسكة، تلتزم الترتيب السابق، ولا يفصل بينهما فاصل، وهذا الترتيب والتماسك يوجبان- عندهم - أن يجيء الخبر بعدها جميعا.... فكيف تسد الحال مسد خبر ذكرت قبله، ولم يحذف قبل مجيئها ليخلي مكانه لها فتحل به؟ يتعللون بهذا مع أن الضمير ومرجعه بمثابة شيء واحد.
ذلك بعض جدلهم بإيجاز كبير، وهو نوع من الجدل الذي يضيع فيه الوقت والجهد بغير طائل، وقد حل وقت نبذه. ومن شاء أن يلم به فليرجع إلى المطولات التي اشتملت عليه كالهمع "جـ 1 ص 105". ولا علينا أن نعرب الحال في الأمثلة السالفة ونظائرها "حالا" مستقلة بنفسها ليست قائمة مقام الخبر، - كما قلنا - وأن الخبر هو الظرف بمتعلقه، أو: هو لفظ غير الظرف يصلح خبرا، وقد حذف بسبب العلم به، وأن صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة، وليس الضمير العائد على ذلك المعمول. ولا داعي لبذل الجهد الضائع في إخضاع كلام عربي بليغ لضوابط لا تنطبق عليه، ولسيطرة "العامل" فيما لا نفع فيه، على حين يجب أن تخضع الضوابط والعوامل لفصيح الكلام العربي المسموع عنهم في هذا الأسلوب.
1 أصل الكلام، حسبك السكوت يتم الناس. "ومعنى حسبك:"كافيك"، فتكون اسما عاديا معربا، أو بمعنى:"يكفيك" فتكون: اسم فعل مضارع - "وقد تقدم الكلام عليها في الضمير ص 282 وسيجيء البيان الأوضح في جـ3 ص 147 م 95 باب الإضافة"، وفي هذا المثال يصح أن تكون اسما مبتدأ مرفوعا، مضافا، والكاف إليه، مبني على الفتح في محل جر- السكوت خبر مبتدأ.
المبتدأ محذوفاً وجوبا؛ نحو: الطفل إن يتعلم فهونافع، - الصانعُ إن يتقن صناعته يستفدْ مالا وجاهاً.
فدخول "الفاء" على الجملة الاسمية دليل على أن هذه الجملة جواب للشرط، وليست خبراً؛ لكثرة دخول الفاء على الجمْلة الجوابية دون الخبرية.، وجزم المضارع:"يستفدْ" دليل على أنه جواب الشرط وعلى صلاحه لمباشرة الأداة، وأن الجملة المضارعية ليست خبراً1
…
فإن لم يقترن ما بعدهما بالفاء، أولم يصلح لمباشرة الأداة، كان خبرا، والجواب محذوفا؛ نحو: الطفل إن يتعلم هونافع - الصانع إن يهمل صناعته ليس يستفيدُ.
إذ لو كان جوابا للشرط لوجب اقترانه بالفاء.
1 في هامش ص 69 حيث البيان وما فيه من خلاف.
2 راجع حاشتي الصبان والحضري جـ 1 باب: "الكلام وما يتألف منه"، عند بيت ابن مالك.
والأمر- إن لم يك للنون محل
فيه، هواشم، نحو: صه، وحيهل
وقد لخصنا ما فيهما هامش نحو: صه، وحيهل
وقد لخصنا ما فيهما في هامش ص 69.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
لا فرق فى المصدر الواقع مبتدأ بين أن يكون صريحاً كالأمثلة السابقة1 وأن يكون مؤولا؛ مثل: أن اقرأ النشيد مكتوباً. أن أساعد الرجل محتاجاً. وكذلك لا فرق فى الحال بين المفردة كالتى سبقت، والظرف، نحو: قراءتى النشيد مع الكتابة - أكلى الطعام مع النضج -، والجملة الاسمية نحو: قراءتى النشيد وهومكتوب، أو: الفعلية مضارعية وغير مضارعية؛ نحو: مساعدتى الرجل يحتاج، أو: مساعدتى الرجل وقد احتاج.
وليس من اللازم أن يكون المبتدأ نفسه هوالمصدر فقد يكون المبتدأ أفعل تفضيل مضافاً إلى المصدر - الصريح، أوالمؤول - الذى وصفناه، نحو: أحسن قراءتى النشيد مكتوباً. أكمل مساعدتى الرجل محتاجاً. أحسن ما أقرأ النشيد مكتوباً - أكمل ما أساعد الرجل محتاجاً.
"ب" من الأساليب الصحيحة محمد والفرس يباريها، أو: محمد وهند تسابقه
…
ونحوهذا من كل أسلوب يشتمل على مبتدأ، بعده معطوف بواوالعطف، ثم يجىء بعد ذلك المعطوف شئ ينسب حصوله للمعطوف، أوالمعطوف عليه، ويقع أثره المعنوى على الآخر الذى لم ينسب له الحصول، ففى المثال الأول نرى المبتدأ هو:"محمد"، وبعده المعطوف بالواوهو:"الفرس"، وبعده الفعل "يبارى" الذى ينسب حصوله للمبتدأ "محمد"، ولكن يقع أثره على الفرس، فكأنك تقول: محمد يبارى الفرس
…
وفى المثال الثانى: المبتدأ هو"محمد" أيضاً، وبعده المعطوف بواوالعطف؛ وهو:"هند" والفعل الذى بعده هو: "تسابق" وينسب حصوله للمعطوف "هند"، ولكن يقع أثره المعنوى على المتبدأ؛ فكأنك تقول: هند تسابق محمداً
…
فأين خبر المبتدأ في المثالين السابقين وأشباههما؟
خير الآراء فى ذلك أن الخبر محذوف، والتقدير والفرس يباريها - مسرعان
…
محمد وهند تسابقه متناسقان
…
ويجوز أن تكون الواوواوالحال والجملة بعدها حال أغنت عن الخبر2
…
1 في رقم 4 من ص 522.
2 هذا الإعراب - المنقول عنهم - يؤدي - كما سيجيء هنا- إلى إهمال الشروط التي اشتراطها، أكثر النحاة في المبتدأ الذي يستغنى بالحال عن خبره. وقد عرفناها في رقم 4 من ص 522.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأول أحسن؛ لاعتبارين؛
"أولهما": مطابقته لقاعدة عامة؛ هى: أن الأصل فى المبتدأ أن يكون له خبر أصيل، لا شئ آخر - كالحال - يسدّ مسدّه، وأن هذا الخبر الأصيل يصح حذفه لدليل.
"ثانيهما": أنه يصلح لكل التراكيب التى تتصل بموضوعنا. ومن هذه التراكيب ما يكون فيه المبتدأ غير مستوف للشروط التى تجعله يستغنى بالحال عن الخبر كالمثالين المعروضين هنا، وأشباههما1
…
1 لم يتعرض ابن مالك في ألفيته لمواضع حذف المبتدأ - وقد ذكرناها من قبل في ص 510 و 515 - واقتصر على مواضع حذف الخبر الواجب حيث يقول:
وبعد "لولا" غالبا- حذف الخبر
…
حتم، وفي نص يمين ذا استقر
فهذا البيت يتضمن موضعين من مواضع حذف الخبر وجوبا، أحدهما: بعد: "لولا" والآخر الخبر الذي يكون مبتدؤه نصا في اليمين. ويريد بقوله: "غالبا" أي في أغلب الآراء وأكثرها، لأن هناك آراء أخرى غير هذا، ففي الآراء الغالبة لكثرة النحاة أن حذفه "حتم" أي: واجب. وهذا الحكم بالوجوب استقر، أي: ثبت في حالة أخرى هي حالة الخبر الذي يكون لمبتدأ نص في اليمين.
ثم قال:
وبعد واو عينت مفهوم مع
…
كمثل: "كل صانع وما صنع".
وقبل حال لا يكون خبرا
…
عن الذي خبره قد أضمرا
يريد بالبيت الأخير: أن الخبر يحذف وجوبا قبل حال لا تصلح أن تكون خبرا للمبتدأ الذي خبره قد أضمر.... أي: قد حذف وقدر، وضرب مثالين لتلك الحال، أحدهما فيه المبتدأ مصدر
…
والآخر فيه المبتدأ أفعل التفضيل المضاف. فيقول:
كضربي العبد مسيئا، وأتم
…
تبييني الحق منوطا بالحكم
أي: أتم.....