الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة عشرة: الضمير المفرد، والضمير المركب
الضمير المفرد 1، والضمير المركب:
الغرض من الضمير -كما عرفنا- الدلالة على المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب2، مع الدلالة على الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، والتذكير، أو التأنيث في كل حالة.
أ- غير أن بعض الضمائر يقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه، معتمدًا على تكوينه وصيغته الخاصة به، غير محتاج إلى زيادة تلازمه آخره، لتساعده فى أداء مهمته، فصيغته مفردة "بسيطة" وذلك كالياء، والتاء، والهاء، في نحو: إني أكرمت من أكرمتَِ. فالياء وحدها تدل على المتكلم المفرد مطلقًا3، وكذلك التاء في:"أكرمت" الأولى. أما التاء الثانية فتدل على المخاطب المفرد، المذكر أو المؤنث على حسب ضبطها، وأما الهاء فتدل على المفرد المذكر الغائب.
فكل ضمير من الثلاثة -وأشباهها- كلمة واحدة، انفردت بتحقيق الغرض منها؛ وهو التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة، مع التذكير أو التأنيث، ومع الإفراد، دون الاستعانة بلفظ يلزم آخرها.
ومثلها: "نحن" في: نحن نسارع للخيرات، فإنها لفظة واحدة في تكوينها، وصيغة مستقلة بنفسها في أداء الغرض منها؛ وهو: "التكلم مع الدلالة على الجمع، أو على تعظيم المفرد، ولم يتصل آخرها اتصالًا مباشرًا بما يساعدها على ذلك الغرض.
ب- وبعضًا آخر من الضمائر يقوم بتلك الدلالة؛ ولكن من غير أن يستقل بنفسه في أدائها، بل يحتاج لزيادة لازمة تتصل بآخره: لتساعده على أداء المراد؛ فصيغته مركبة، وتكوينه ليس مقصورًا على كلمة واحدة. وذلك
1 أي: الذي هو كلمة واحدة، وليس كلمتين أو أكثر، ويسمونه:"البسيط".
2 كما عرفنا في ص217.
3 أي: سواء أكان مفردًا مذكرًا، أم مؤنثًا.
مثل الضمير: "إيًا" فإنه لا يدل على شىء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زيادة فى آخره؛ تقول: إياى - إياكَ - إياكما، إياكن
…
ولولا هذه الزيادة ما أدى مهمته، ومثله: أنت، نقول: أنتما، أنتم، أنتن
…
وهكذا.
كيفية إعراب الضمير بنوعيه: المستتر والبارز
قلنا1: إن الضمائر كلها مبنية؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرين:
أولهما: موقع الضمير من الجملة، أهو في محل رفع؛ كأن يكون مبتدأ في مثل: أنت أمين، أم في محل نصب، كأن يكون مفعولًا به في مثل: زاركَ الصديق، أم في محل جر؛ كأن يكون مضافًا إليه في مثل: كتابي مثل كتابكَ؟
ثانيهما: حالة آخر الضمير؛ أساكنة هي؛ مثل: أنا، أم متحركة مثل: التاء في: أحسنْتَ؟.
فإذا عرفنا هذين الأمرين أمكن إعراب الضمير بعد ذلك؛ فإذا كان الضمير مبنيًّا على السكون فقد يكون في محل رفع؛ لأنه مبتدأ في مثل: أنا مسافر، أو لأنه فاعل في مثل:"نا" من "سافرْنا" وقد يكون فى محل نصب؛ لأنه مفعول به. مثل: "نا" فى حامد "أكرَمنا". وقد يكون فى محل جر فى مثل: "نا" من أقبِلْ علينا
…
وهكذا باقى مواضع الرفع، والنصب والجر.
وإذا كان الضمير متحركًا فإنه يبنى على نوع حركة آخره؛ فيبنى على الضم، أوالفتح، أوالكسر، على حسب تلك الحركة. ويكون معها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعه من الجملة - كما سبق -، أهومبتدأ، أم فاعل، أم مفعول، أم مضاف إليه، أم غير ذلك، فكلمة:"نحنُ" فى مثل: نحنُ أصدقاء، مبنية على الضم فى محل رفع؛ لأنها مبتدأ. والكاف فى مثل: أكرمكَ الوالد، مبنية على الفتح فى محل نصب، لأنها مفعول
1 في ص 218.
به1. والهاء في مثل: محمد قصدتُ إليه؛ مبنية على الكسر في محل جر
…
وهكذا يقال في كل ضمير يتكون من لفظة واحدة لا يتصل بآخرها زيادة، كالتي أشرنا إليها من قبل.
فإن كان الضمير غير مقتصر على نفسه بل في آخره تلك الزيادة2 اللاّزمة مثل: "إياكَ، إياكما، إياكم، إياكن، أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن" فإن الأنسب اليوم إدماج الضمير والزيادة الحتمية معًا عند الإعراب، وعدّهما بمنزلة كلمة واحدة، بحيث لا نعتبر أن الضمير في "إياكما" و"أنتما" هو كلمة:"إيا" وحدها، "وأنْ" وحدها
…
وأن الكاف، أو التاء، حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له لمن الإعراب، وما بعدها حرف دال على التثنية، أو على جمع المذكر، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزيء رفضًا قاطعًا، وأن نتبع النحاة الداعين إلى اعتبار كلمة:"إيا" مع ما يصحبها لزومًا هما معًا: "الضمير"، وأنهما في الإعراب كلمة واحدة3. وكذلك:"أنتما" وباقي الفروع.
وهذا الرأي الحسن يناسبنا اليوم؛ لما فيه من تيسير وتخفيف، واختصار، وليس فيه ما يسيء إلى سلامة اللغة وفصاحتها؛ فنقول في كل من: أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن، إياكَِ، إياكما، إياكم، إياكنْ، ونظائرها، إن الكلمة كلها بملحقاتها ضمير مبني على كذا في محل كذا4.
1 انظر ما يتصل بحكم هذا الكاف في رقم 5 من هامش ص217 ثم في ص238.
2 هي الزيادة التي تتصل بآخر الضمير: "إيا". وسبق بيانها في ص227 ومثلها الزيادة التي تتصل بآخر الضمير: "التاء"، وسبق بيانها في رقم3 من هامش ص221.
3 وهذا هو المذهب الكوفي، كما نص عليه "العكبري" في كتابه المسمى:"إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب، والقراءات في جميع القرآن" - جـ1 ص 4-.
4 لهذا نظير في رقم 3 من هامش ص 222.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- وقوع الكاف حرف خطاب منصرف:
قد يتعين أن تكون "الكاف" حرف خطاب مبنيًّا؛ فلا محل له من الإعراب1. أي: أنها لا تكون ضميرًا. وذلك فيما يأتي: وفي هذه الحالة يتعين أن يكون منصرفًا على حسب المخاطب تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا.... وفيما يلي أشهر المواضع غير التي سبقت1.
1-
فى مثل: أرأيتَك الحديقَة، هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أرأيتَك الزراعةَ؛ أتغنى عن الصناعة؟ ومعنى "أرأيتَك": أخِبرْنى، الحديقة
…
أخبرنى الزراعة
…
وإليك الإيضاح:
كاف الخطاب الحرفية قد تتصل بآخر الفعل: "رأى" فيصير "رأيتَ" بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام، وأن يجيء بعد الكاف اسم منصوب، ثم جملة استفهامية2. وهو فعل ماض، فاعله التاء المتصلة بآخره، المبنية على الفتح دائمًا، في محل رفع؛ لأنها فاعل. وتقع بعدها "الكاف" حرف خطاب؛ يتصرف وجوبًا على حسب المخاطَبِين3، ولا تتصرف التاء
…
فنقول للمخاطبة: أرأيتَكِ، وللمثنى بنوعيه: أرأيتَكما"، وللجمع المذكر: أرأيتَكم، وللجمع المؤنث: أرأيتَكن. ومعنى "أرأيتَكَ: أخبرْني"، كما سبق. وهي إما منقولة من: رأيتَ، بمعنى: "عرفتَ" أو بمعنى: أبصرتَ، فتحتاج لمفعول واحد في الحالتين، وإما منقولة من: "رأيت" بمعنى: عَلمْت؛ فتحتاج إلى مفعولين. وسواء أكانت منقولة من هذه أم من تلك فإنها في أصلها جملة خبرية بمعنى ما تقدم، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام
"1و 1" سبقت أنواع من الكاف الحرفية في رقم5 من هامش ص217.
2 كما أشرنا لهذا في: ج2 -رقم 5 من هامش ص وفي ص15.
3 راجع رقم 2 من هامش ص324.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جملة إنشائية. طلبية، لها معنى جديد؛ هو؛ أخْبِرني، أي: طلب الاستخبار، وهو: طلب معرفة الخبر. وعلى أساس هذين الاعتبارين يكون إعراب ما يأتي بعدها؛ فإن لاحظنا أن أصلها: "عرفتَ، أوأبصرت" - كان الاسم المنصوب بعدها مفعولًا به لها، وتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة. وعلى اعتبار أن أصلها:"علمت" يكون ذلك الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول، وتكون جملة الاستفهام التي بعده في محل نصب، تغني عن المفعول الثاني. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة، وأنها الآن جملة إنشائية طلبية؛ بمعنى "أخْبِرني"، ولم نلتفت إلى الأصل الأول، فإن الاسم المنصوب بعدها يكون منصوبًا على نزع الخافض1، والجملة الاستفهامية بعده مستأنفة؛ فكأنك تقول في الأمثلة السابقة وأشباهها: أخبرني عن الحديقة؛ هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أخبرني عن الزراعة؛ أتغني عن الصناعة؟
وجدير بالتنويه أن الاستعمال السابق لا يكون إلا حين نطلب معرفة شيء له حالة عجيبة؛ وأن يكون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب؛ فيبدأ الأسلوب -كما قلنا- بهمزة الاستفهام؛ يتلوها جملة: "رأيتك"؛ فاسم منصوب؛ فجملة استفهامية تبين الحالة العجيبة التى هي موضع الاستخبار. فلا بد أن يشتمل الأسلوب على هذه الأمور الأربعة، مرتبة على حسب ما ذكرنا. غير أن الاستفهام في الجملة المتأخرة قد يكون ظاهرًا كما مثل؛ وقد يكون مقدرًا هو وجملته؛ كما في قوله تعالى:{أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ}
…
إلخ، فالتقدير: "أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ، لِمَ كرمته علي؟.
وقد يحذف الاسم المنصوب الذي بعده: "أرأيتك" إذا كان مفهومًا، نحو قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} . أي: قل أرأيتكم المعارضين إن أتاكم عذاب الله.
هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقي الفعل "رأى" من "رأيت"
1 توضيحه وبيان حكمه في ج2 ص160 م71 "طريقة تعدية الفعل الثلاثي اللازم".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أصله اللغوي الأول بمعنى: "عرفت" أو بمعنى: "أبصرت" أو بمعنى: "علمت" وجاءت قبله همزة الاستفهام في الحالتين فإن التاء اللاحقة به تتصرف، وتعرب فاعلا، وتعرب الكاف المتصلة به ضميرًا مفعولا به، وتتصرف على حسب حال المخاطب؛ فتقول:"أرأيتكَ ذاهبًا، أرأيتكِ ذاهبة" أرأيتكما ذاهبين، أرأيتكم ذاهبين، أرأيتكن ذاهبات - فتكون "الكاف" وحدها، أو هي وما اتصلت به من علامة تثنية أوجمع - ضميرًا مفعولا به أول، والاسم المنصوب بعد ذلك هو المفعول الثاني. هذا إذا كانت. "رأى" بمعنى:"عَلِم" التي تنصب مفعولين. أما إذا كانت "رأى" تنصب مفعولًا واحدًا فالضمير هو مفعولها، والاسم المنصوب بعده حال.
وسيجيء في أول الجزء الثاني تفصيل الكلام على الفعل: "رأى" من ناحية معناه وتعديته إلى مفعول أو أكثر.
2-
في اسم الفعل الذى يقوم معنى وعملًا مقام فعل لا ينصب مفعولا به، مثل: حَيَّهَل؛ بمعنى: أقبِلْ. والنَّجاء2. بمعنى: أسْرعْ، ورُوَيدَ، بمعنى تمهلْ
…
؛ فقد ورد عن العرب قولهم: حَيَّهلك، والنَّجاءك، ورُوَيْدك، فالكاف هنا حرف خطاب؛ ولا يصح أن يكون ضميرًا مفعولا لاسم الفعل؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به؛ لأنها تقوم معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون الكاف ضميرًا فى محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، فلا يكون واحد منها مضافاً2.
3-
فى بعض أفعال مسموعة عن العرب يجب الاقتصار عليها؛ مثل: "أَبصرْ" فى: أَبْصِرْك محمدًا، بمعنى: أَبصِرْ محمدًا. ولا يمكن أن تكون الكاف هنا مفعولا به؛ لأن هذا الفعل لا ينصب إلا مفعولا واحدًا؛ وقد نصبه؛ ونَعنى به: "محمدًا" ولأن فعل الأمر لا ينصب ضميرًا للمخاطب الذى يتجه إليه الأمر. ومثل: "ليس" فى لَسْتَك محمدًا مسافرًا.
ومثل: نِعْم وبئس فى: نعمك الرجل محمود، وبِئسك الرجل سليم.....،
1 في باب: "ظن وأخواتها" ص5 م10 مناسبة له، ثم تتمة هامة في ص13 ثم في باب "أعلم وأرى" من ذلك الجزء.
"2 و 2" راجع ما سبق في ص78 وفي رقم5 من هامش ص217.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن كلا من الفعلين وذلك "نِعم""وبئس" لا ينصب مفعولا به 1.
ومثل: حَسِبَ فى قولهم: جئتَ، وما حسبتك أن تجئ؛ لأن الكاف لوأعربت ضميرًا لكانت المفعول الأول "لحسب"، ولكان المفعول الثانى هوالمصدر المؤول "أن تجئ" ويترتب على ذلك أن يكون المصدر المؤول خبرًا عن الكاف، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر "لأن مفعولى: حسب؛ أصلهما المبتدأ والخبر" وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرًا عن الكاف ترتب عليه الإخبار بالمعنى عن الجثة؛ وهوممنوع عندهم فى أغلب الحالات2.
4-
بعض حروف مسموعة يجب الاقتصار عليها؛ مثل: كَلاًّ، بَلَى، تقول: كَلَاّك، أنت لا تخالف الوعد؟. ويسألك سائل: ألستُ صاحب فضل عليك؟ فتجيب: بَلَاك. أى: بلى لك. "أنا موافق لك فى أنك صاحب فضل".
ب- كيف نعرب الضمير الواقع بعد: "لولا" إذا كان من غير ضمائر الرفع؟ وكيف نعرب الضمير الواقع بعد: "عسى" إذا كان من غير ضمائر الرفع أيضًا؟
أشرنا في رقم2 من ص211 إلى أن "ياء" المتكلم، و"كاف" الخطاب، و"هاء" الغائب، ضمائر مشتركة بين محلي النصب والجر، ولا تكون في محل رفع. فما إعراب كل منها إذا وقع بعد كلمة:"لولا" الامتناعية التى لا يقع بعدها إلا المبتدأ؛ مثل: لولاي ما حضرت - لولاك لسافرتُ - الطائرة سريعة؛ لولاها لتأخرتُ، وفضل الطيران عظيم؛ لولاه لاحتملنا مشتقات عظيمة
…
فما إعراب هذا الضمير الواقع بعد: "لولا" فى الأمثلة السابقة وأشباهها؟
نعيد ما سبق3، وهو أن أيسر وأوضح ما يقال في الضمائر الثلاثة أنها - وإن كانت لا تقع فى محل رفع - تصلح بعد "لولا" خاصة أن تقع فى محل رفع، فيعرب كل ضمير منها مبتدأ مبنيًّا على الحركة التى في آخره في محل رفع،
1 سيجيء هذا في بابهما الخاص "ج3 م 110 ص 353".
2 هو ممنوع على سبيل الحقيقة، لا المجاز- وسيجيء البيان في ج2 م 60 ص 12- باب:"ظن وأخواتها".
3 في رقم 3 من هامش ص 222.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وخبره محذوف. وهذا الرأي فوق يسره ووضوحه يؤدي إلى النتيجة التي ترمي إليها الآراء الأخرى، من غير تعقيد - وفي مقدمتها رأي: سيبويه الذي يجعل: "لولا" في هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبيه بالزائد، وما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلا؛ لأنه مبتدأ، ونكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها المرهقة المدونة فى المطولات.
وكذلك قلنا فيما مضى: إذا وقع ضمير من تلك الثلاثة بعد "عسى" التى للرجاء، والتى هى من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو: عساى أن أدرك المراد، أو: عساني، أو: عساك أن توفق فى عمل الخير. وعساه أن يرشد إلى الصواب
…
فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان. وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية1.
حـ- ضمير الفصل:
من أنواع الضمير نوع يسمى: "ضمير الفصل"2. وهو من الضمائر السابقة، ولكن له أحكام خاصة ينفرد بها دون سواه. وإليك أمثلة توضحه.
1-
"الشجاع الناطق بالحق يبغى رضا الله". ما المعنى الأساسي الذي نريده من هذا الكلام، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه؟ أهو: الشجاع يبغي رضا الله؟ فتكون جملة: "يبغي رضا الله" ركنًا أساسيًّا في الكلام؛ لأنها خبر، لا يتحقق المعنى الأصلي إلا بوجودها، وانضمامها إلى المبتدأ، كلمة:"الشجاع" وما عداهما فليس أساسيًّا، وإنما هو زيادة تخدم المعنى الأصلي وتكمله "فتعرب الناطق: صفة"
…
أم المعنى الأساسى هو: "الشجاع، الناطق الحق"؟ فكأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه: الناطق بالحق؛ فتكون كلمة: "
1 انظر ما يتصل بهذا في "د" من ص 626 وفي رقم 2 من هامش ص 628. وما بعده
2 أو: ضمير العماد، أو: الدعامة
…
كما سيجيء البيان في ص 242.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الناطق"، هي الأساسية والضرورية التي يتوقف عليها المعنى المطلوب، لأنها خبر لا يستقيم المعنى الأصلي ولا يتمّ بدونه، وما جاء بعدها فهو زيادة تكميلية؛ تخدم المعنى الأصلي من غير أن يتوقف وجوده عليها، ومن الممكن الاستغناء عنها.
الأمران جائزان، على الرغم من الفارق المعنوي بينهما. ولا سبيل لتفضيل أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود قرينة توجه لهذا دون ذاك.
لكن إذا قلنا: الشجاع -هو- الناطق بالحق، يبغي رضا الله. فإن الأمر يتغير؛ بسبب وجود الضمير:"هو": فيتعين المعنى الثاني وحده، ويمتنع الأول، ويزول الاحتمال الذى كان قائمًا قبل مجيء الضمير.
2-
"إن الزعيم الذي ترفعه أعماله تمجده أمته". ما المعنى الأساسي في هذا الكلام؟ أهو تعريف الزعيم بأنه: "الذى ترفعه أعماله"؟ فيكون هذا التعريف ركنا أصيلا في الكلام، لا يمكن الاستغناء عنه بحال، وما بعده متمم له، وزيادة طارئة عليه، يمكن الاستغناء عنها، وتعرب "الذى" اسم موصول خبر "إن"
…
أم هو القول بأن: "الزعيم تمجده أمته"؟ فتكون هذه الجملة الفعلية هي عصب الكلام، لا يقوم المعنى إلا بها، "لأنها خبر" ولا يتحقق المراد إلا بوجودها مع كلمة الزعيم، وما عداها فزيادة طارئة لا أصيلة "وتعرب كلمة:"الذى" اسم موصول، صفة"؟
الأمران متساويان؛ يصح الأخذ بأحدهما أو بالآخر بغير ترجيح. لكن إذا قلنا: "إن الزعيم -هو- الذى ترفعه أعماله" امتنع الاحتمال الثاني، وتعين المعنى الأول بسبب وجود الضمير الدال على أن ما بعده هو الجزء الأساسي المتمم للكلام، وأن الغرض الأهم هو الإخبار عن الزعيم بأنه: ترفعه أعماله. وما عدا ذلك فزيادة فرعية غير أصيلة في تأدية المراد. "فتكون كلمة: "الذي" هي الخبر وليست صفة".
3-
"ليس المحسن المنافق بإحسانه، يَخْفَى أمره على الناس". فما المعنى الأصيل في هذا الكلام؟ أهو القول بأن المحسن لا يَخفَى أمره على الناس فيكون نفي "الخفاء" هو الغرض الأساسي، وما عداه زيادة عرضية "وتعرب كلمة:"المنافق" صفة"؟
أم القول بأنه: "ليس المحسن، المنافق بإحسانه"؟ فمن كان منافقًا بإحسانه فلن يسمى: محسنًا. فقد نفينا صفة الإحسان عن المنافقين، فتكون كلمة "المنافق"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جزءًا أصيلا في تأدية المعنى؛ "لأنها خبر ليس" وما عداها تكملة طارئة.
الأمران جائزان، إلا إذا قلنا ليس المحسن -هو- المنافق؛ فيتعين المعنى الثاني وحده لوجود الضمير؛ "هو"، القاطع في أن ما بعده هو الأصيل وهو الأساسي؛ لأنه خبر.
4-
يقول النحاة في تعريف الكلام: "الكلام اللفظ المركب المفيد
…
" أتكون كلمة: "اللفظ" أساسية فى المعنى المراد؛ لأنها خبر، أم غير أساسية؛ لأنها بدل من الكلام، وما بعدها هو الأساسي؟ الأمران متساويان. فإذا أتينا بكلمة -هو- تعين أن تكون كلمة "اللفظ" خبرًا لا بدلا1.
فالضمير -هو- وأشباهه يسمى: "ضمير الفصل"؛ لأنه يفصل في الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللبس؛ بسبب دلالته على أن الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التي ليست أصيلة في المعنى الأساسي، كما يدل على أن الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد في الكلام معنى الحصر والتخصيص "أي: القصر المعروف في البلاغة".
تلك هي مهمة ضمير الفصل؛ لكنه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أن يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى:{وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} . وقوله: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم} ، وقوله:{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ففى المثال الأول قد توسط ضمير الفصل "نحن" بين كلمتي "نا" و"الوارثين"، مع أن كلمة:"الوارثين" خبر كان منصوبة بالياء ولا يصح أن تكون صفة2، إذ لا يوجد موصوف غير "نا" التي هي ضمير، والضمير لا يوصف. وفي المثال الثاني توسط ضمير الفصل "أنت" بين "التا" و"الرقيب"، مع أن كلمة:"الرقيب" منصوبة؛ لأنها خبر "كان" ولا تصح أن تكون صفة للتاء2، لأن الضمير لا يوصف
1 ومثل هذا -تمامًا- يصح في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} بنصب كلمة: "الحق" في القراءة المعروفة المعتادة اليوم.
"2 و 2" ولا تابعًا آخر، لأنها منصوبة، والمتبوع هنا "وهو: نا" في محل رفع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما قلنا، وكذلك الشأن في المثال الثالث الذي توسط فيه ضمير الفصل "أنا" بين "الياء"1 وكلمة:"أقل" التي هي المفعول الثاني للفعل: "ترى" ولا يصح أن تكون صفة للياء؛ لأن الضمير لا يوصف. و. و. وهكذا وقع ضمير الفصل قبل مالا يصلح صفة، بل قبل ما لا يصلح صفة، ولا تابعًا من التوابع أو المكملات.
وإذا كان البصريون يسمونه: "ضمير الفصل" فالكوفيون يسمونه بأسماء أخرى تتردد أحيانًا في كتب النحو: فبعضهم يسميه: "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه في الاهتداء إلى الفائدة، وبيان أن الثاني خبر لا تابع. وبعضهم يسميه:"دعامة"؛ لأنه يَدْعَم الأول، أي: يؤكده، ويقويه؛ بتوضيح المراد منه، وتخصيصه وتحقيق أمره بتعيين الخبر له، وإبعاد الصفة، وباقي التوابع وغيرها؛ إذ تعيين الخبر يوضح المبتدأ ويبين أمره؛ لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى.
شروط ضمير الفصل:
يشترط فيه ستة شروط: "اثنان فيه مباشرة. واثنان في الاسم الذي قبله، واثنان في الاسم الذى بعده" فيشترط فيه مباشرة:
1-
أن يكون أحد ضمائر الرفع المنفصلة.
2-
أن يكون مطابقًا للاسم السابق في المعنى، وفي التكلم، والخطاب، والغَيبة، وفي الإفراد، والتثنية والجمع،. وفي التذكير، والتأنيث، كالأمثلة السابقة. ومثل:"العلم هو الكفيل بالرقي، يصعد بالفرد إلى أسمى الدرجات. والأخلاق هي الحارسة من الزلل، تصون المرء من الخطل"، "النَّيران هما المضيئان فوق كوكبنا، يَسْبَحان في الفضاء"، "العلماء هم الأبطال يحتملون في سبيل العلم ما لا يحتمله سواهم"، "الأمهات هن البانيات مجد الوطن يُقِمْنَ الأساس ويرفعن البناء"
…
وهكذا. فلا يجوز: كان محمود أنت الكريم، ولا ظننت محمودًا أنت الكريم: لأن الضمير "أنت" ليس بمعناه معنى الاسم السابق "محمود"، ولا يدل عليه؛ فلا يكون فيه التأكيد المقصود من ضمير
1 هي محذوفة. والأصل: إن ترني
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل، ولا يحقق الغرض. وكذلك لا يجوز كان المحمودان أنت الكريمان. ولا إن هندًا هو المؤدبة، وأمثال هذا مما لا مطابقة فيه
…
ويشترط فى الاسم الذى قبله:
1-
أن يكون معرفة.
2-
وأن يكون مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ؛ كاسم "كان" وأخواتها؛ واسم "إن" وأخواتها، ومعمول "ظننت" وأخواتها. كالأمثلة السابقة، ومثل:"الوالد هو العامل على خير أسرته يراقبها، والأم هي الساهرة على رعاية أفرادها لا تغفُل"، "كان الله هو المنتقم من الطغاة لا يهملهم"، "إن الصناعة هي العماد الأقوى في العصر الحديث تنمو عندنا"، "وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا".
وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس يكثر بين الخبر والصفة؛ لتشابههما في المعنى؛ إذ الخبر صفة في المعنى، بالرغم من اختلاف كل منهما في وظيفته وإعرابه، وأن الخبر أساسي في الجملة دون الصفة. فالإتيان بضمير الفصل يزيل اللبس الواقع على الكلمة، ويجعلها خبرًا، وليست صفة؛ لأن الصفة والموصوف لا يفصل بينهما فاصل إلا نادرًا. نعم قد يقع اللبس بين الخبر وبعض التوابع الأخرى غير الصفة، ولكنه قليل، أما مع الصفة فكثير.
ويشترط في الاسم الذى بعده:
1-
أن يكون خبرًا لمبتدأ، أو لما أصله مبتدأ -كالأمثلة السالفة.
2-
أن يكون معرفة، أو ما يقاربها1 في التعريف "وهو: أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة، وبعده: مِنْ" فلا بد أن يتوسط بين معرفتين، أو بين معرفة وما يقاربها. ومن أمثلة ذلك غير ما تقدم.
1-
العالِمُِ هو العامل بعلمه؛ ينفع نفسه وغيره.
2-
إن الثروة هي المكتسبة بأشرف الوسائل؛ لا تَعرِف دنسًا، ولا تَقْرُب خِسة.
3-
ما زالت الكرامة هي الواقية من الضعة، تدفع صاحبها إلى المحامد، وتجنبه مواقف الذل.
1 في الصفحة الآتية إيضاح هذا، وسببه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن أمثلة توسطه بين معرفة وما يقاربها:
1-
النبيل هوأسرع من غيره لداعى المروءة، يُلبى من ينادي.
2-
الشمس هى أكبر من باقى مجموعتها؛ لا تغيب.
3-
الموت في الحرب أكرم من الاستسلام، والاستسلام هو أقبح من الهزيمة، لا يُمحَى عاره.
فلا يصح كان رجل هو سباقًا؛ لعدم وجوده المعرفتين معًا. ولا كان رجل هو السباق؛ لعدم وجود المعرفة السابقة؛ ولا كان محمد هو سباقًا؛ لعدم وجود المعرفة الثانية، أو ما يقاربها.
أما اشتراط أن يكون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمير الفصل لفظ المعرفة، وفيه تأكيد؛ فوجب أن يكون المدلول السابق الذى يؤكده هذا الضمير معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنه لا يقع بعده -غالبًا- إلا ما يصح وقوعه نعتًا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا يكون إلا معرفة. ولكل ما سبق وجب أن يكون بين معرفتين.
أما ما قارب المعرفة، وهو أفعل التفضيل المشار إليه، فإنه يشابه المعرفة في أنه مع "مِنْ" لا يجوز إضافته، ولا يجوز دخول "أل" عليه؛ فأشبه العلم من نحو: محمد، وصالح، وهند، فى أنه -في الغالب- لا يضاف، ولا تدخل عليه أل. هذا إلى أن وجود "مِنْ" بعده يفيده تخصيصًا، ويكسبه شيئًا من التعيين والتحديد يقربه من المعرفة1.
إعراب ضمير الفصل:
أنسب الآراء وأيسرها هو الرأي الذي يتضمن الأمرين التاليين:
1-
أنه في الحقيقة ليس ضميرًا "بالرغم من دلالته على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة"؛ وإنما هو حرف خالص الحرفية؛ لا يعمل شيئًا؛ فهو مثل "كاف" الخطاب في أسماء الإشارة، وفي بعض كلمات أخرى؛ نحو: ذلك، وتلك، والنجاءك "وقد سبقت الإشارة إليها في هذا الباب"2 فمن الأنسب أيضًا تسميته: "
1 هكذا قالوا، ولا داعي لشيء من التعليل؛ لأن السبب الحقيقي هو استعمال العرب ليس غير، ومجيء كلامهم مشتملا على ضمير الفصل بين المعرفتين، أو بين المعرفة وما شابهها.
2 في رقم5 من هامش ص217، وفي ص238 وما يليها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حرف الفصل"، ولا يحسن تسميته "ضمير الفصل" إلا مجازًا: بمراعاة شكله، وصورته الحالية، وأصله قبل أن يكون لمجرد الفصل.
2-
أن الاسم الذى بعده يعرب على حسب حاجة الجملة قبله، من غير نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود؛ فيجرى الإعراب على ما قبل حرف الفضل وما بعده من غير التفات إليه؛ فكأنه غير موجود؛ لأنه حرف مهمل لا يعمل، والحرف لا يكون مبتدأ ولا خبرًا، ولا غيرهما من أحوال الأسماء. وإذا كان غير عامل لم يؤثر في غيره. تأثيرا إعرابيا، على الرغم من فائدته التي اقتضت وجوده.
لكن هناك حالة واحدة يكون فيها اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: "كان السَّباقُ هو عليّ"1 "برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: عليّ".
لا مفر من اعتبار: "هو" ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح في محل رفع وخبره كلمة: "عَليٌّ" المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر:"كان". وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال في كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثاني بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم أو غيره.
وإن اتباع ذلك الرأي الأنسب والأيسر لا يمنع من اتباع غيره. لكنه يريحنا من تقسيم مرهق، وتفصيل عنيف يردده أصحاب الآراء، والجدل، متمسكين بأنه ضمير، وأنه اسم إلا في حالات قليلة، من غير أن يكون لآرائهم مزية تنفرد بها دون سواها، وسنعرض بعض تفريعاتهم ليأخذ بها من يشاء، ولنستعين بها على فهم الأوجه الإعرابية الواردة في صور قديمة مأثورة مشتملة على ذلك الضمير.
إنهم يقولون إن ضمير الفصل اسم؛ فلا بد له -كباقى الأسماء- من محل إعرابي، إلا إذا تعذر الأمر؛ فيكون اسمًا لا محل له من الإعراب كالحرف، أو هو حرف. ويرتبون على هذا الأصل فروعًا كثيرة معقدة، ويزيدها تعقيدًا كثرة
1 وهذا من الأمثلة التي تخلي فيها الضمير عن مهمة الفصل وتجرد لتقوية الاسم السابق، وتأكيد المعنى، طبقًا لما سبق في ص244.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخلاف فيها، وإليك بعض هذه التفريعات. "ونحن فى غنى عن أوضحها وغير الأوضح بما اقترحناه من التيسير المفيد":
1-
"العقل هو الحارس": إذا كان الاسم الواقع بعد ضمير الفصل مرفوعًا جاز في الضمير أن يكون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه: "الحارس" والجملة منهما معًا خبر المبتدأ الأول "العقل".
ويجوز عندهم إعراب آخر: أن يكون ضمير الفصل اسمًا لا محل له من الإعراب -أوحرفًا- فكأنه غير موجود في الكلام، فيعرب ما بعده على حسب حاجة الجملة من غير اعتبار لوجود ذلك الضمير؛ فتكون كلمة:"حارس" هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم يفضلون الإعراب الأول؛ لكيلا يقع الضمير مهملًا لا محل له من الإعراب من غير ضرورة.
ومثل ذلك يقال مع إن وأخواتها؛ مثل: إن محمدًا هو الحارس؛ لأن الاسم الذي بعد الضمير مرفوع.
2-
"كان محمد هو الحارسَ""ظننت محمدًا هو الحارسَ".
إذا وقع ضمير الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع، وبعده اسم منصوب -لم يجز في الضمير عندهم إلا اعتباره اسمًا مهملًا، لا محل له من الإعراب، كالحرف، أو هو حرف وما بعده خبر كان أو مفعول ثان للفعل:"ظننت" أو أخواتهما. أما إذا كانت كلمة: "الحارس" وأشباههما مرفوعة "لأنه يجوز فيها الرفع" فالضمير عندئذ مبتدأ، وما بعده خبر له، والجملة منهما في محل نصب خبر:"كان"، أو مفعولا ثانيًا للفعل:"ظننت"، أو لأخواتهما1.
3-
"كنت أنت المخلصَ". إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب -جاز في ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز في ضمير الفصل أن
1 يقول سيبويه إن كثيرًا من العرب يجعلون "هو" وأخواته في هذا الباب اسمًا مبتدأ، وما بعده مبنيًّا على "أي: خبره" وحكى عن "رؤبة" أنه كان يقول: أظن زيدًا هو خير منك. وحكى أنه كثيرًا من العرب كانوا يقولون، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون، "راجع كتاب سيبويه، ج1 ص 395".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء "لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق" وتكون كلمة: "المخلص" خبرًا لكان منصوبًا.
4-
إذا كانت كلمة "المخلص" فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: "المخلص"، والجملة منهما فى محل نصب خبر "كان". ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة.
وهناك فروع وأحوال أخرى متعددة، نكتفي بالإشارة إليها، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأيًّا سهلًا يريحنا من عنائها. فمن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها في المطولات1.
د- ضمير الشأن، أو: ضمير القصة، أو ضمير الأمر، أو ضمير الحديث
…
أو ضمير2 المجهول
…
من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة، وأحكام محدودة؛ والاسم الأول أشهر فالذى يليه. وبيانه:
كان العرب الفصحاء -ومن يحاكيهم اليوم- إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسمية، أو فعلية، تشتمل على معنى هام، أو غرض فخم؛ يستحق توجيه الأسماع والنفوس إليه -لم يذكروها مباشرة، خالية مما يدل على تلك الأهمية والمكانة؛ وإنما يقدمون لها بضمير يسبقها؛ ليكون الضمير- بما فيه من إبهام3 وتركيز، وبخاصة إذا لم يسبقه مرجعه، مُشيرًا للشوق، والتطلع إلى ما يزيل إبهامه، باعثًا للرغبة فيما يبسط تركيزه؛ فتجيء الجملة بعده؛ والنفس متشوقة لها، مقبلة عليها، في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلا تمهيدًا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمن معناها تمامًا، ومدلوله هو مدلولها؛ فهو بمثابة رمز لها، ولمحة أو إشارة مُوَجّهة إليها.
1 كشرح المفصل ج5 ص109، وكالهمع ص68، مبحث:"ضمير الفصل"، وكالمغني: ج2 ص96 مبحث: "شرح حال الضمير المسمى: فصلًا وعمادًا"....
2 في ص252 بيان السبب في كل تسمية. وفي رقم4 من هامش ص259 بيان المراد من "المجهول".
3 معنى الإبهام موضح في رقم3 من هامش ص255.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن أمثلة ذلك:
1-
أن يتحدث فريق من الأصدقاء عن غني افتقر، فيقول أحدهم: وارحمتاه!! لم يبق من ماله شيء؛ فيقول الثاني: حسبه أن أنفقه في سبيل الخير. ويقول الثالث: من كان يظن أن هذه القناطير تَنْفَد من غير أن يدخر منها شيئًا يصونه من ذل الفاقة، وجحيم البؤس؟ فيقول الرابع متأوهًا: يا رفاقي، "هو: الزمان غدار، وهي: الأيام خائنة".
فالغرض الذي يرمى إليه الرابع من كلامه: بيان غدر الزمان، وخيانة الأيام. أو: تقلب الزمان. وهو غرض هام؛ لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدل على أهميته، ويوجه النفس إليها؛ فمهد له بالضمير؛ "هو" و"هي" من غير أن يسبقه شيء يصلح مرجعاً؛ فيثير الضمير بإيهامه هذا، وغموضه، شوق النفس، وتطلعها إلى ما يجيء بعده. وتتجه بشغف إلى ما سيذكر. ولن يزيل غموض الضمير ويوضح المراد منه إلا الجملة التي بعده؛ فهي التي تفسره؛ وتجليه. فهو رمز لها؛ أو كناية عنها، وهي المفسرة للرمز، المبينة لمدلول الكناية.
والرمز ومفسره، والكناية ومدلولها -من حيث المعنى شيء واحد "ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ، وتعرب الجملة خبرًا عنه من غير رابط؛ لاتحادهما في المعنى". ومثل ما سبق نقول في بيت الشاعر:
هو: الدّهرُ ميلادٌ، فشُغْلٌ، فمأتمٌ
…
فذِكْرٌ كما أبقَى الصَّدَى ذاهبَ الصوْتِ
2-
أن تسير في حديقة، فاتنة، بهيجة؛ فتستهويك؛ فتقول:"إنه -الزهر ساحر""إنها- الرياحين رائعة"، أو:"إنه -يسحرني الزهر""إنها- تروعني الرياحين". فقد كان في نفسك معنى هام، وخاطر جليل -هو:"سحر الزهر"، أو:"روعة الرياحين". فأردت التعبير عنه بجملة اسمية أو فعلية، ولكنك لم تذكر الجملة إلا بعد أن قامت لها بالضمير "إنه
…
إنها
…
" لما في الضمير -ولا سيما الذي لم يسبقه مرجعه- من إبهام وإيحاء مُركزين؛ يثيران في النفس شوقًا وتطلعًا إلى استيضاح المبهم، وتفصيل المَركَّز. وهذا عمل الجملة بعده، فإنها تزيل إبهامه، وتفسر إيحاءه، وتبسُط تركيزه: فتقبل عليها النفس، متشوقة، متفتحة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3-
يشتد البرد في إحدى الليالي، وتعصف الريح؛ فيقول أحد الناس: هذا برد قارس، لم أشهده قبل اليوم في بلادنا، فيقول آخر: لقد شهدت مثله كثيرًا، ولكن عصف الريح لم أشهده. ويجادلهما ثالث، فيقول:"هو: نظام الكون ثابت" و"إنه؛ الجو خاضع لقوانين الطبيعة" و"إنها؛ الطبيعة ثابتة القوانين" فالضمير "هو
…
والهاء
…
وها" رمز وإيحاء إلى الجملة الهامة التالية التي هي المدلول الذى يرمي إليه، والغرض الذي يتضمنه. فكلاهما في المعنى سواء.
فكل ضمير من الضمائر التى مرت في الأمثلة السابقة -ونظائرها- يسمى: "ضمير الشأن" عند البصريين؛ ويسميه الكوفيون: "الضمير المجهول": لأنه لم يتقدمه مرجع يعود إليه. وهو: "ضمير يكون في صدر جملة بعده تفسره دلالته، وتوضح المراد منه، ومعناها معناه".
وإنما سمي ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، أي: للحال المراد الكلام عنها، والتي سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهر تسمياته، كما يسمى:"ضمير القصة"، لأنه يشير إلى القصة "أي: المسألة التي سيتناولها الكلام. " ويسمى أيضًا: ضمير الأمر، وضمير الحديث؛ لأنه يرمز إلى الأمر الهام الذى يجيء بعده، والذى هو موضوع الكلام والحديث المتأخر عنه.
ولهذا الضمير أحكام، أهمها ستة، وهي احكام يخالف بها القواعد والأصول العامة؛ ولذلك لا يلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره في سياق جملته نوعًا آخر من الضمير1.
أولها: أنه لا بد أن يكون مبتدأ، أو أصله مبتدأ، ثم دخل عليه ناسخ، كالأمثلة السابقة. ومثل:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،} ، فقد وقع في الآية مبتدأ.
1 راجع المغنى ج2 في المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر. وشرح المفصل ج2 ص114 وكذلك حاشية الصبان في باب: "كان" عند الكلام على قول ابن مالك.
ومضمر الشان اسما انو إن وقع
…
موهم ما استبان أنه امتنع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو مثل قول الشاعر:
وما هو من يَأسو الكُلُوم1 ويُتَّقَي
…
به نائباتُ الدهر، كالدائم البُخْل
فقد وقع اسمًا لـ"ما" الحجازية. ومثل قول الشاعر:
عَلمْتُه "الحقُّ لا يخفى على أحد"
…
فكُنْ مُحِقًّا تَنَلْ مَا شِئْتَ مِن ظَفَرِ
ثانيا: أن يكون صيغته للمفرد؛ فلا يكون للمثنى، ولا للجمع مطلقًا. والكثير فيه أن يكون للمفرد المذكر، مرادًا به الشأن، أو: الحال، أو: الأمر. ويجوز أن يكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة، أو: المسألة؛ وخاصة إذا كان فى الجملة بعده مؤنث عمدة2؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ 3 أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وكقوله تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . ومثل: "هي؛ الأعمال بالنيات" و"هي؛ الأم مدرسة".
ثالثها: أنه لا بد له من جملة تفسره، وتوضح مدلوله، وتكون خبرًا له -الآن أو بحسب أصله4- مع التصريح بجزأيها؛ فلا يصح تفسيره بمفرد، وبخلاف غيره من الضمائر، ولا يصح حذف أحد طرفي الجملة، أو تقديره.
رابعها: أن تكون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبًا ومرجعه يعود على مضمونها5 فلا يجوز تقديمها كلها، ولا شيء منها عليه؛ لأن المفسِّر لا يجيء قبل المفسَّر "أي: أن المفسِّر لا يجيء قبل الشيء الذى يحتاج إلى التفسير".
خامسها: أنه لا يكون له تابع؛ من عطف، أو توكيد، أو بدل، أما النعت
1 الكلوم: الجروح. المفرد: كلم.
2 وقد اشترط -بحق- أكثر البصريين هذا الشرط لتأنيثه، والعمدة -كما عرفنا: جزء أساسي في الجملة لا يمكن الاستغناء عنه، كالمبتدأ، وكالخبر، أو: ما أصله المبتدأ أو الخبر. وكالفاعل ونائبه.
3 متجهة في الفضاء ممتدة، لا تتحرك ولا تتغير.
4 كأن يسبقها ناسخ. ومن هذه النواسخ. "أن" المخففة من الثقيلة، و "كأن" المخففة كذلك- كما سيجيء في ص 673 و 681 - في باب "إن".
5 من هنا نعلم أن: "ضمير الشأن" لا يكون له مرجع متقدم يوضحه، وإنما مرجعه يجيء بعده وهو مضمون الجملة التي تليه، فهي التي توضحه وتفسره. فلو كان الذي يفسره مفردا لم يكن ضمير الشأن. ففي مثل عرفته عليا، أو: ربه طالبا- لا يكون الضمير هنا للشأن، وإنما هو ضمير يعود على متأخر. وعودة ضمير الشأن على متأخر إحدى المسائل التي يصح فيها إرجاع الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وسيجيء بيانها، في "و" ص 258 ومنها:"ضمير الشأن" في ص 261.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهو فيه كغيره من أنواع الضمير؛ لا يكون لها نعت، ولا تكون نعتًا لغيرها.
سادسها: أنه إذا كان منصوبًا -بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر- وجب إبرازه واتصاله بعامله؛ مثل: ظننته؛ "الصديقُ نافعٌ" -حسبته "قام أخوك"، فالهاء ضمير الشأن، في موضع نصب؛ لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها في محل نصب، هي المفعول الثاني له.
أما إذا كان مرفوعًا متصلًا فإنه يستتر في الفعل، ويَسْتكِنّ فيه؛ مثل: ليس خَلَقَ الله مثله. ففي "ليس" ضمير مستتر حتمًا؛ لأنَ "ليس" و"خلق" فعلان من نوع واحد، لأنهما ماضيان. وقوع الفعل معمولًا تاليا مباشرة1 لعامله الفعل الذي من نوعه، قليل جدًّا في فصيح الكلام
…
فلا بد من اسم يرتفع بالفعل ليس2 فلذلك كان اسمها ضميرًا مستترا فيها3. ومثله قولهم: كان علي عادل. وكان أنت خير من محمد، ففي "كان" في الحالتين ضمير مستتر تقديره:"هو"، أي: الحال والشأن ويعرب اسما لها، والجملة بعدها خبر، ومفسرة له. وهكذا غير من المأثور، أو مما يجاريه،
…
ومنه قول الشاعر:
إذا مِتُّ كان الناسُ صنفان؛ شامتٌ
…
وآخرُ مُثنٍ4 بالذى كنتُ أصنعُ
ومثله:
هى الشفاءُ لدائى لوظفرتُ بها
…
وليس منها "شفاءُ الداء مبذولُ"
ففي "كان" و"ليس" ضمير الشأن، تقديره:"هو"، يفسره
1 أي: بغير فاصل بينهما.
2 إلا على اعتبارها حرف نفي لا يعمل، وهو هنا حسن. ولهذا الأسلوب صلة بما يجيء عن الأخبار في ص 497 ومزيد إيضاح هام يجيء في باب:"كان" حيث الكلام على الفعل: "ليس" - ص 559.
3 ومن هذا ما مثل به "المبرد" من قولهم: "ليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب. ولكن يعطي كل ما يستحقه""والمراد بقدم العهد: كبر السن. ومعنى يهتضم: يظلم".
4 مادح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواقعة بعده خبرًا للناسخ، وهي:"الناس صنفان" و "شفاء الداء مبذول"1.
ومما يجب التنبه له أن الأساليب السالفة -ونظائرها- لا تكون صحيحة معدودة من الأساليب المشتملة على ضمير الشأن إلا إذا كانت صادرة من خبير بأصول اللغة، مدرك للفروق بين التراكيب، ولأثرها في المعاني المختلفة، وأنه صاغ هذا الأسلوب المشتمل على ضمير الشأن صياغة مقصودة لتحقيق الغرض المعنوي الذي يؤديه.
ولولا هذا لصارت اللغة عبثًا في تراكيبها، ينتهي إلى فساد في معانيها. ولا شك أن حسن استخدام هذا الضمير، وتمييزه من غيره لا يخلو من عسر كبير.
هـ- مرجع الضمير2:
الضمائر كلها لا تخلو من إبهام3 وغموض -كما عرفنا4- سواء أكانت للمتكلم، أم للمخاطب، أم للغائب؛ فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها، ويفسر غموضها. فأما ضمير المتكلم والمخاطب فيفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام؛ فهوحاضر يتكلم بنفسه، أوحاضر يكلمه غيره مباشرة. وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ لأنه غير حاضر ولا مشاهد؛ فلا بد لهذا الضمير من شيء يفسره، ويوضح المراد منه. والأصل في هذا الشيء المفسِّر الموضِّح أن يكون
1 رفع كلمة: "صنفان" وكلمة: "مبذول" وعدم نصبهما -في كلام العربي الفصيح، ومن يحاكيه- دليل على أنهما خبرًا المبتدأ، والجملة في محل نصب خبر كان، واسمها ضمير الشأن، المستتر في الناسخ.
2 قد يكون المرجع متعددًا -كما سيجيء في ص 261.
3 المراد بالإبهام هنا: معناه اللغوي، وهو: الخفاء والغموض، فإن من يسمع:"نحن" -مثلا- لا يدري المدلول كاملًا، أهو: نحن العرب، أم نحن الأدباء، أم نحن الزراع.... وبسبب هذه الشائبة من الغموض، ولا سيما إذا كان الضمير للغائب، ولم يوجد ما يوضحه، وجب الاختصاص -أو غيره- لإزالتها، وللاختصاص باب مستقل يجيء في ج4.
أما النحاة فيطلقون "الإبهام" على نوعين من الأسماء دون غيرهما، هما: أسماء الإشارة، وأسماء الموصول وله معنى خاص فيهما. وهم يفرقون بين الضمير والمبهم، على الوجه الذي سنبينه في "ج" من ص338 ورقم 3 من هامش ص340.
4 في "د" من ص250.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
- فى غير ضمير الشأن1 -متقدمًا على الضمير، ومذكورًا قبله2 ليبين معناه أولًا، ويكشف المقصود منه، ثم يجيء بعده الضمير مطابقًا3 له.
- فيما يحتاج إلى مطابقة؛ كالتأنيث والإفراد وفروعهما.. -فيكون خاليًا من الإبهام والغموض. ويسمى ذلك المفسر الموضّح: "مَرْجع الضمير".
فالأصل فى مرجع الضمير أن يكون سابقًا على الضمير وجوبًا. وقد يُهْمل هذا الأصل لحكمة بلاغية ستجيء4. ولهذا التقدم صورتان.
1 أما ضمير الشأن فمرجعه إلى مضمون الجملة المفسرة له، المتأخرة عنه -طبقا لما سلف في ص253، ولما يجيء في رقم6 من ص261.
2 الغالب أن يكون المتقدم المذكور هو -في مكانه- أقرب شيء للضمير يصلح مرجعًا، ولذا يقولون إن الضمير يعود على أقرب مذكور، إلا إن كان قبله متضايفان، والمضاف ليس كلمة "كل" ولا "جميع" فالأكثر رجوعه إلى المضاف دون المضاف إليه "راجع الصبان جـ1، باب المعرب والمبني، عند الكلام على: "كلا وكلتا".
فإن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالغالب عودته على المضاف إليه، "كما نص عليه الصبان عقب الموضع السالف- وسيجيء في:"ز" من ص 261- وله أمثلة أخرى في رقم 2 من هامش ص 464".
ويشترط لعودته على أقرب مذكور ألا تقوم قرينة تدل على أن المرجع هو لغير الأقرب، فإن وجدت وجب النزول على ما تقتضيه، كالشأن معها في كل الحالات، إذ عليها وحدها المعول، ولها الأفضلية، ففي مثل: عاونت فتاة من أسرة تاريخها مجيد، يعود الضمير على:"أسرة"، لأنها أقرب مرجع للضمير، ولا يصح بمقتضى الأصل السالف عودته إلى:"فتاة" بخلاف: عاونت فتاة من أسرة مجاهدة، فقدت عائلها وهي طفلة، فالضمائر عائدة على: فتاة. مراعاة لما يقتضيه المعنى.
ومثل: اعتنيت بغلاف كتاب تخيرته. فالضمير عائد على المضاف، مراعاة للأكثر، بخلاف: تخيرت غلاف كتاب صفحاته كثيرة، لقيام القرينة الدالة على عودته إلى:"فتاة" بخلاف: عاونت فتاة من أسرة مجاهدة، فقدت عائلها وهي طفلة، فالضمائر عائدة على: فتاة. مراعاة لما يقتضيه المعنى.
ومثل: اعتنيت بغلاف كتاب تخيرته. فالضمير عائد على المضاف، مراعاة للأكثر، بخلاف: تخيرت غلاف كتاب صفحاته كثيرة، لقيام القرينة الدالة على عودته للمضاف إليه
…
"وستجيء إشارة الحكم السالف في مناسبة أخرى من ص261 عند الكلام على تعدد المراجع.
وإذا حذف المضاف الذي يصح حذفه، جاز، وهو الأكثر -عدم الالتفات إليه عند عودة الضمائر ونحوها مما يقتضي المطابقة، فكأنه لم يوجد، ويجري الكلام على هذا الاعتبار، وجاز مراعاته كأنه موجودة، مع أنه محذوف، وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، والأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير:"ها" مؤنثا إلى "القرية"، ورجع الضمير:"هم مذكرًا، لاعتبار المحذوف وملاحظته. ولا تناقض بين الاثنين؛ لأن الوقت مختلف. "وتفصيل هذا الحكم مع عرض أمثلته المختلة مدون في باب الإضافة ج3 ص160 م 96".
3 لهذه المطابقة ضوابط مفصلة في "ح" من ص262 وهي ضوابط هامة، تدل على أن المطابقة قد يلاحظ فيها شيء يتصل بالمرجع أحيانًا كما يتبين من الضابط "7" من 265.... و..........
4 في "و" من ص 258.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأول: التقدم اللفظي أو الحقيقي؛ وذلك بأن يكون متقدمًا بلفظه وبرتبته1 معًا؛ مثل: الكتابُ قرأته، واستوعبت مسائله. والأخرى: التقدم المعنوي ويشمل عدة صور؛ منها:
1-
أن يكون متقدمًا برتبته مع تأخير لفظه الصريح، مثل نسق حديقتَه المهندسُ. فالحديقة مفعول به، وفى آخرها الضمير، وقد تقدمت ومعها الضمير على الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق. ومثل قول المتنبي يتغزل:
كأنها الشمس يعي كف قابضه
…
شعاعها، ويراه الطرف مقتربا
والأصل: يعي شعاعها كف قابضه. فالضمير عائد على الفاعل المتأخر لفظًا لا رتبة.
2-
أن يكون متقدمًا بلفظه ضمنًا، لا صراحة، ويتحقق ذلك بوجود لفظ آخر يتضمن معنى المرجع الصريح، ويرشد إليه؛ ويشترك معه في ناحية من نواحي مادة الاشتقاق. مثل قوله تعالى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فإن مرجع الضمير: "هو" مفهوم من "اعدلوا"؛ لأن الفعل يتضمنه، ويحتويه، ويدل عليه، ولكن من غير تصريح كامل بلفظه؛ إنه "العدل" المفهوم ضمنًا من قوله:{اعْدِلُوا} واللفظان: {اعْدِلُوا} و"العدل" مشتركان في المعنى العام. وفي ناحية من أصل الاشتقاق.
ومثل هذا: "من صدق فهو خير له، ومن كذَب فهو شر عليه" فمرجع الضمير في الجملة الأولى "الصدق"، وهذا المرجع مفهوم من الفعل:"صَدَق". كما أن مرجع الضمير في الجملة الثانية هو: "الكذب"، وهو مفهوم من الفعل:"كَذَب" وكلا الفعلين قد اشتمل على المرجع ضمنًا لا صراحة، لاشتراكهما مع المرجع الصريح في معناه وفي ناحية من أصل الاشتقاق
…
ومن ذلك أن تقول للصانع: أتقنْ؛ فهو سبب الخير والشهرة. أي: الإتقان، وتقول للجندي: اصبِرْ؛ فهو سبب النصر، أي: الصبر2.
1 التقدم اللفظي أن يكون المرجع مذكورًا نصًّا قبل الضمير، مثل: الوالد فضله عميم. والتقدم في الرتبة أن يكون ترتيب المرجع في تكوين الجملة متقدمًا على الضمير، وسابقًا عليه، بحسب الأصول والقواعد العربية، فرتبة الفاعل متقدمة على المفعول، ورتبة المبتدأ سابقة على الخبر، ورتبة المضاف قبل المضاف إليه.... وهكذا....
2 ومن ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} . فالضمير في: "إنها" راجع إلى الاستعانة المفهومة من "استعينوا" عند من يرى ذلك. ومنه قول الشاعر:
إذا نهى السفيه جرى إليه
…
وخالف، والسفيه إلى خلاف
أي: جرى إلى السفه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3-
أن يسبقه لفظ ليس مرجعًا بنفسه ولكن نظير للمرجع "أي: مثيله وشريكه فيما يدور بشأنه الكلام"، مثل: لا ينجح الطالب إلا بعمله، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالى:{وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ، أي: من عمر مَعَمَّر آخر.
4-
أن يسبقه شيء معنوي "أي: شيء غير لفظي" يدل عليه، كأن تجلس في قطار، ومعك أمتعة السفر، ثم تقول: يجب أن يتحرك في ميعاده. فالضمير "هو" -فاعل المضارع: يجب- والضمير "الهاء" لم يسبقهما مرجع لفظي، وإنما سبقهما في النفس ما يدل على أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحيطة بك، المناسبة لكلامك، وهذه الحالة التي تدل على المرجع من غير ألفاظ تسمى:"القرينة المعنوية" أو "المقام"1.
ومثل هذا أيضًا أن تقول لمن ينظر إلى مجلة حسنة الشكل: إنها جميلة وقراءتها نافعة. فالضمير "ها" راجع إلى المجلة، مع أن هذا المرجع لم يذكر بلفظ صريح، أو ضمني، أو غيرهما من الألفاظ، ولكنه عرف من القرينة الدالة عليه. ومثله أن تتجه إلى الشرق صباحًا فتقول: أشرقتْ، أو تتجه إلى الغرب آخر النهار فتقول: غَرَبتْ، أو: تَوارتْ بالحِجاب، تريد الشمس في الحالتين، من غير أن تذكر لفظًا يدل عليها. ومثله: أن تقف أمام آثار مصرية فاتنة، فتقول: ما أبرعهم في الفنون. تريد قدماء المصريين
…
وهكذا.
و عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة:
عرفنا المواضع التى يكون مرجع الضمير فيها لفظًا متقدمًا تقدمًا لفظيًّا "أي:
1 ومنها قول حاتم لامرأته ماوية التي تلومه على الكرم خوف الفقر:
أماوي، لا يغني الثراء عن الفتى
…
إذا حشرجت يوما، وضاق بها الصدر
أي: حشرجت النفس، بمعنى حلول الوقت الذي تخرج فيه الروح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غير أن هناك حالات يجب فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ لحكمة بلاغية1. وتسمى: "مواضع التقدم الحكمي"2 وأهمها ستة:
1-
فاعل نعم وبئس وأخواتهما، إذا كان ضميرًا، مستتراً، مفردًا، بعده نكرة تفسره؛ أي: تزيل إبهامه، وتبين المراد منه؛ "لأنه لم يسبق له مرجع ولذا تعرَب تمييزًا"؛ نحو: نعم رجلًا صديقنا. فنعم فعل ماض، فاعله ضمير مستتر تقديره؛ هو يعود على "رجلًا"3.
2-
الضمير المجرور بلفظة: "رُبَّ". ولا بد أن يكون مفردًا، مذكرًا، وبعدهُ نكرة تفسره "أي: تزيل إبهامه الناشئ4 من عدم تقدم مرجع له، وتوضح المقصود منه، ولذا تعرب تمييزًا" نحو: ربه صديقًا؛ يعين على الشدائد. فالضمير "الهاء" عائد على "صديق". وإنما دخلت "ربّ" على هذا الضمير -مع أنها لا تدخل إلا على النكرات- لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتياجه إلى ما يفسره ويبينه، جعله شبيهًا بالنكرة5.....
1 أهمها: الإجمال ثم التفصيل بعده، بقصد التفخيم بذكر الشيء أولًا مبهما، ثم تفسيره بعد ذلك، فيكون شوق النفس إليه أشد، وتطلعها إلى التفسير أقوى، فيكون إدراكه وفهمه أوضح، بسبب ذكره مرتين، مجملًا مفصلًا، "أو: مبهمًا فمفسرًا".
2 لأن المرجع فيها تأخر لنكتة بلاغية، فهو في حكم المتقدم. وهذه المواضع يذكرها بعض النحاة في باب:"الفاعل"، ولكن الأنسب ذكرها هنا في باب: الضمير" حيث الكلام على الضمير وكل ما يتصل به.
3 إنما يكون هذا حيث لا يوجد مرجع سابق، فلو وجد مرجع "مثل: الأمين نعم رجلًا" وجب أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا "وجوبًا أو جوازًا، طبقًا لما سبق في رقم3 من هامش ص259".
يعود على السابق وهو: "الأمين" في المثال.
4 وبسبب إبهامه الناشئ من عدم مرجع له قد يسمى: "الضمير المجهول""كما سيجيء في ج2 ص483م90 عند الكلام على الحرف "ربَّ" في باب حروف الجر"، وانظر هذا الاسم في "د" من ص250 و 252.
5 هذا قول النحاة: والتعليل الحقيقي هو السماع من أفواه العرب. وفي إعراب المثال المذكور أقوال أيسرها. أن "ربّ"، حرف جر شبيه بالزائد، و "الهاء" مجرورة مبنية، وعلامة جرها كسرة مقدرة منع من ظهورها الضمة التي هي حركة البناء الأصلي. في محل رفع مبتدأ! "لأن "الهاء" ضمير جر ينوب في هذا الموضع "بعد ربَّ" عن ضمير رفع، مثل: هو""صديقًا" تمييز، "يعين على الشدائد"، الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، أما بقية الآراء في هذا المثال وأشباهه وفي مجرور "رب" فمفصلة بوضوح في آخر الجزء الثاني عند الكلام على "رب" وأحكامها. "م 90 ص 482".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3-
الضمير المرفوع بأول المتنازعين؛ مثل: يحاربون ولا يَجْبُنَ العرب. فالضمير في: "يحاربون""وهو الواو" عائد على متأخر "وهو العرب". "وأصل الكلام: يحارب ولا يجبن العرب": فكل من الفعلين يحتاج إلى كلمة: "العرب" لتكون فاعلًا له وحده، ولا يمكن أن يكون الفاعل الظاهر مشتركًا بين فعلين. فجعلناه فاعلًا للثاني، وجعلنا ضميره فاعلًا للأول1.
4-
الضمير الذي يبدل منه اسم ظاهر ليفسره؛ مثل: سأكرّمه
…
السَّبّاقَ فكلمة: "السَّبّاق" -بدل من الهاء، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل: احتفلنا بقدومه
…
الغائبِ. فالغائب بدل من الهاء؛ لتوضحها.
5-
الضمير الواقع مبتدأ، وخبره اسم ظاهر بمعناه، يوضحه، ويفسر حقيقته؛ فكأنهما شيء واحد من حيث المعنى. مثل: هو النجم القطبي2؛ أتعرف فائدته؛ فكلمة "هو" مبتدأ، خبره كلمة النجم المتأخره عنه3.
1 راجع هذا الحكم ج2 من ص8 م73 باب: "التنازع".... أحكامه.
2 ومثله قول الشاعر:
وقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها
…
قريب، ولكن في تناولها بعد
وقول المتنبي:
هو الحظ، حتى تفضل العين أختها
…
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
وقوله أيضًا:
هو البين، حتى ما تأنى الحزائق
…
ويا قلب، حتى أنت ممن أفارق
"ما تأنى الحزائق: ما تتمهل الجماعات المرتحلة".
3 ويصح أن يعرب الضمير في هذا المثال -ونظائره- مبتدأ مع إعراب الاسم الظاهر الذي يفسره "بدلًا أو عطف بيان" وفي هذه الحالة يكون الخبر مذكورًا بعدهما أو محذوفها على حسب السياق، ولا مانع أن يكون الخبر مفردًا، أو جملة، أو: شبهها
…
ويصح كذلك أن يكون الضمير المبتدأ هو ضمير الشأن أو القصة.... "وقد سبق الكلام عليه في ص250 "د".... وفي هذه الصورة يكون خبر المبتدأ جملة بعده
…
"راجع الصبان، ج1- باب الضمير عند الكلام على بيت ابن مالك:
فما الذي غيبة أو حضور.... إلخ.
كذلك شرح العكبري لديوان المتنبي ج3 - القصيدة التي مطلعها:
هو البين حتى ما تأنى الحزائق
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
6-
ضمير الشأن1، والقصة، مثل: إنه؛ المجد أمنية العظماء -إنها رابطة العروبة قوية لا تنفصم. فالضمير في "إنه" و"إنها" ضمير الشأن أو القصة
…
ومن كل ما سبق نعلم أن ضمير الغائب لا بد أن يكون له مرجع؛ وهذا المرجع -إن كان لفظيًّا أومعنويًّا -يتقدم عليه وجوبًا. وإن كان حكميًّا يتأخر عنه وجوبًا2.....
ز- تعدد مرجع الضمير:
الأصل في مرجع ضمير الغائب "أي: مفسِّره" أن يكون مرجعًا واحدًا، فإن تعدد الأصل في ما يصلح لذلك، واقتضى المقام الاقتصار على واحد تعين أن يكون المرجع الواحد هو: الأقرب في الكلام إلى الضمير. نحو: حضر محمد وضيف؛ فأكرمته. فمرجع الضمير هو "الضيف"؛ لأنه الأقرب في الكلام إليه، ولا يمكن عودته على المرجعين السابقين معًا؛ لأنه مفرد، وهما في حكم المثنى؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة -وسيجيء الكلام عليها- ونحو: قرأت المجلة ورسالة؛ بعثت بها إلى صديق. فمرجع الضمير هو: "الرسالة"، لأنها الأقرب، وللسبب السالف أيضًا، وهو: فقْد المطابقة.
وإنما يعود الضمير على الأقرب فى غير صورتين؛ إحداهما: أن يوجد دليل يدل على أن المرجع ليس هو الأقرب؛ مثل: حضرت سعاد وضيفت فأكرمتها3. ....
والثانية: أن يكون لأقرب مضافًا إليه؛ فيعود الضمير على المضاف4،
1 سبق شرحه في ص250....
2 ولا يجوز في غير ما سبق عود الضمير على مرجع متأخر. ومن المسموع الشاذ الذي لا يقاس عليه قول حسان بن ثابت في رثاء مطعم بن عدي:
ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا
…
من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
وقول الآخر:
وما نفعت أعماله المرء راجيا
…
جزاء عليها من سوى من له الأمر
3 يجب التنبيه إلى المشابهة والمخالفة بين هذه الصورة والصورة الأخرى تحت عنوان "ملاحظة" في ص 269.
4 لأن المضاف إليه ليس إلا مجرد قيد في المضاف -غالبًا-.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بشرط ألا يكون كلمة "كُلّ"، أو "جميع"، مثل: زارني والد الصديق فأكرمته. أي: أكرمت الوالد. إلا إن وجد دليل يدل على أن المقصود بالضمير هو المضاف إليه لا المضاف؛ فيجب الأخذ بالدليل؛ مثل: عرفت مضمون الرسالة ثم طويتها؛ لأن تأنيث الضمير دليل على أن مرجعه هو المضاف إليه المؤنث، لا المضاف، ومثله قرأت عنوان الكتاب ثم طويته، أي:"الكتاب"؛ لأنه الذى يُطوَى. وحصدت قمح الحقل ثم سقيته؛ لأن الحقل هو الذى يُسقى، لا القمح المحصود. وأقبل خادم أخي فأمره بالرجوع إلى السوق؛ لشراء بعض الحاجات؛ لأن الخادم لا يأَمر، وإنما يُؤمر. وكذلك إن كان المضاف هو كلمة:"كل" أو "جميع" فالأغلب عودته على المضاف إليه1.
وإذا تعدد المرجع من غير تفاوت في القوة -وهو التفاوت الذي يكون بين المعارف في درجة التعريف، وشهرته -وأمكن عود الضمير إلى مرجع واحد فقط، وإلى أكثر؛ من غير أن يقتضي الأمر الاقتصار على واحد، نحو: جاء الأقارب والأصدقاء وأكرمتهم -فالأحسن عود الضمير على الجميع، لا على الأقرب وحده.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع -وفي غيره، من سائر مسائل اللغة- أن الذي يجب الأخذ به أوّلًا، والاعتماد عليه؛ إنما هو الدليل الذي يعين مرجع الضمير ويحدده؛ فالدليل -أي: القرينة- لها وحدها القول الفصل في الإيضاح هنا، وفي جميع المواضع اللغوية الأخرى.
وإذا كان للضّمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت في القوة -وجب أن يعود على الأقوى، طبقًا للبيان المفضّل الذي سيجيء فى رقم9 من ص268.
ح- التطابق2 بين الضمير ومرجعه:
عرفنا3 أن ضمير الغائب لا بد له من مرجع. وبقي أن نعرف أن التطابق
1 سبقت الإشارة -مفصلة- للحكم السالف في رقم2 من هامش ص256. وله أمثلة أخرى في رقم2 من هامش ص464.
2 التطابق أنواع مختلفة، منها ما يكون بين الضمير ومرجعه، كالذي سيذكر هنا، ومنها ما يكون بين المبتدأ وخبره، وسيجيء في بابهما -ص 452 وما بعدها- ومنها ما يكون بين النعت ومنعوته وسيذكر في بابه أيضًا ج3- م114 ص428، وهكذا يذكر كل في بابه.
3 في ص 255.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واجب بين ضمير الغائب ومرجعه. على الوجه الآتي: وهذا يراعى في التطابق المطلوب في صور كثيرة؛ كالتي بين المبتدأ وخبره1، والنعت ومنعوته، والحال وصاحبها
…
ونحو هذا مما يقتضي المطابقة.
1-
إن كان المرجع مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا وجب -في الرأي الأصح- أن يكون ضمير الغائب مطابقًا له فى ذلك، نحو: النائم تيقظَ، أي:"هو". والغائب حضر أبوه، كذلك. والغريبة عادت سالمة، أي:"هي". والطالبة أقبل والدها
…
فضمير الغائب قد طابق مرجعه فى الأمثلة السابقة؛ إفرادًا وتذكيرًا وتأنيثًا.
وكذلك إن كان المرجع مثنى في الحالتين. تقول في الأمثلة السالفة2: "النائمان تيقظا، والمسافران حضر أبوهما3. والغريبتان عادتا2 سالمتين. والطالبتان أقبل والدهما3" وقد يعود الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران، أحدهما مذكر -طبقًا للبيان الآتي في ص269 تحت عنوان "ملاحظة".
2-
إن كان المرجع جمع مذكر سالم وجب -في الرأي الأغلب- أن يكون ضميره واو جماعة؛ مثل: المخلصون انتصروا. ولا يصح أن يكون غير ذلك، كما لا يصح -في الأفصح- أن يتصل بالفعل وشبهه علامة تأنيث؛ فلا يقال المخلصون فازت، ولا المخلصون تفوز، ولا فائزة، أي:"هي"؛ بضمير المفردة المؤنثة على إرادة معنى: "الجماعة" من المخلصين. فكل هذا غير جائز في الرأي الأعلى. الذى يحسن الاقتصار عليه اليوم.
3-
إن كان المرجع جمع مؤنث سالم لا يَعْقِل فالأفضل أن يكون ضميره مفردًا مؤنثًا؛ مثل: الشجرات ارتفعت. أي: "هي". والشجرات سقيتها
…
وهذا أولى من قولنا: الشجرات ارتفعن، والشجرات سقيتهن، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجيئها.
فمجيء واحد من الضميرين يفي بالغرض. ولكن أحدهما أفضل من الآخر.
1 في هامش ص349 مواضع يجوز فيها تأنيث الضمير، وتذكيره، مراعاة للفظ الموصول أو معناه. وكذلك تجيء أنواع هامة من المطابقة بين المبتدأ والخبر في الباب الخاص بهما -كما أشرنا- ص452 م 34- وما بعدها في الزيادة والتفصيل.
"2 و 2" الضمير هو ألف الاثنين في آخر الفعل. وهو صالح للمثنى المذكر والمؤنث وللغائب والحاضر.
"3 و 3" الضمير "هما" صالح للمثنى بنوعيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن يكون ضميره نون جمع المؤنث "أي: نون النسوة" في جميع حالاته "أي: سواء أكان المرجع جمع مؤنث سالمًا مثل: الطالبات حضرن، وأكرمهن العلماءُ، أم جمع تكسير للمؤنث؛ مثل: الغوانى تعلمن؛ فزادهن العلم جلالا"1 وكل هذا أولى من قولنا: الطالبات حضرتْ، وأكرمها العلماء، والغوانى تعلمتْ؛ وزادها العلم جلالا. حيث يكون الضمير مفردًا مؤنثًا، مع صحة مجيئه بدلا من نون النسوة2.
4-
إن كان المرجع جمع تكسير مفرده مذكر عاقل - جاز أن يكون ضميره واوجماعة؛ مراعاة للفظ الجمع، وأن يكون مفردًا مؤنثًا، مع وجود تاء التأنيث فى الفعل وشبهه؛ نحو: الرجال حضروا، أو: الرجال حضرت، أوالرجال حاضرة. ويكون التأنيث على إرادة معنى الجماعة. ومع جواز الأمرين يستحسن ضمير التأنيث إن كان عامل الفاعل قد اتصلت به علامة تأنيث، كما يستحسن ضمير التذكير إن لم توجد في عامله علامة التأنيث نحو جاءت الرجال كلها، وحضر الأبطال كلهم3.
فإن كان مفرده مذكرًا غير عاقل، أومؤنثًا غير عاقل، جاز فى الضمير أن
1 ذلك أن جمع المؤنث منه ما يكون سالما "أي: لم يتغير مفرده عند جمعه" ويسمى: "جمع المؤنث السالم"، ويكون في آخره الألف والتاء الزائدتان، ومنه ما يتغير مفرده عند الجمع، فيكون جمع تكسير للمؤنث ولا يكون في آخره الألف والتاء، الزائدتان. وبسبب ما تقدم اختلف النحاة في مثل كلمة:"بنات" أهي جمع تكسير، لأن مفردها، وهو "بنت" يتغير فيه حركة أوله عند جمعه السالف- أم هو جمع مؤنث سالم، لوجود الألف والتاء الزائدتين في آخره؟ . رأيان، تفصيل الكلام عليهما في جـ 3 باب الفاعل
…
2 جاء في تفسير البيضاوي -وكذا الكشاف"- سورة البقرة" عند تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} ، ما نصه:"قرئ: "مطهرات" وهما لغتان فصيحتان، يقال: النساء فعلت وفعلن. وهن فاعلة وفواعل، قال الشاعر، سلمى بن ربيعة من شعراء الحماسة:
وإذا العذاري بالدخان تقنعت
…
واستعجلت نصب القدور فملت
انتهى تفسير البيضاوي.
ثم جاء في حاشية الشهاب على البيضاوي ما نصه:
"قوله: "وهما لغتان فصيحتان" يعني أن صفة جمع المؤنث السالم والضمير العائد إليه مع الفعل يجوز أن يكون مفردا مؤنثًا ومجموعًا مؤنثًا، فتقول: النساء فعلت، والنساء فعلن، ونساء قانتات وقانتة. اهـ.
3 راجع الصبان، ج2 باب الفاعل عند الكلام على تأنيث فعله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يكون مفردًا مؤنثًا، وأن يكون "نون النسوة" الدالة على جمع الإناث. نحو:"الكتُب نفعت" أو: نفعْن، والزروع أثمرت، أو: أثمرْن، والليالى ذهبتْ؛ أو: ذهبْن.
ومع أن الأمرين - فى صورتى المفرد غير العاقل - جائزان فإن الأساليب الفصحى تؤْثر الضمير المفرد المؤنث إذا كان جمع تكسير دالاّ على الكثرة وتأتى بنون النسوة إذا كان دالاّ على القلة1؛ فيقال: قضيت بالقاهرة أيامًا خلت؛ من شهرنا. إذا كان المنقضى هو: الأكثر. أو: خَلَوْنَ، إذا كان المنقضى هوالأقل. ويقولون: هذه أقلام تكسرت، وعندى أقلام سَلِمن إذا كان عدد المكسور هوالأكثر.
5-
إن كان المرجع اسم جمع2 غير خاص بالنساء؛ مثل: "رَكْب وقوْم" جاز أن يكون ضميره واوالجماعة؛ وأن يكون مفردًا مذكرًا. تقول: الركب سافروا، أو: الركب سافر، أو: الركب مسافر - القوم غابوا، أو: القوم غاب، أو: القوم غائب. فإن كان خاصًّا بالنساء - مثل: نسوة، نساء - جرى عليه حكم المرجع حين يكون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فى رقم 3 -
6-
وإن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز فى ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أومؤنثًا، نحوقوله تعالى:{أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} أى: "هو". وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} ، أى: هى.
7-
إن كان مرجع الضمير متقدمًا، ولكنه يختلف فى التذكير أوالتأنيث مع ما بعده مما يتصل به اتصالا إعرابيًّا وثيقًا - جاز فى الضمير التذكير أو
1 ومثل جمع القلة العدد الذي يدل عليها، وكذلك مثل جمع الكثرة العدد الذي يدل عليها أيضًا "أنظر رقم 1 من هامش ص 219""أما إيضاح هذا وبيان سببه، ففي ج4 ص524 م167 آخر باب العدد -وراجع الصبان ج4 في آخر باب "العدد"".
2 وهو -كما سبق في ص 148: كلمة معناها معنى الجمع، ولكن ليس لها مفرد من لفظها. ومعناها معا. وليست على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه، مثل: ركب، رهط- قوم- نساء- جماعة- وفي هذا الحكم الآتي خلاف قوي ذكره "الصبان" في باب العدد ح4.
3 وقد سبقت إشارة وافية لهذا، وبيان مفيد لا غني عنه- مع بعض اختلاف-، وذلك عند الكلام على اسم الجنس الجمعي ص 21 وفي هذا الحكم- كسابقه- خلاف قوي أشار إليه "الصبان" في باب العدد جـ 4. وقد تخيرنا أقوى الأوجه وأنسبها في ص 21 وفي باب العدد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التأنيث، مراعاة للمتقدم أوللمتأخر1، مثل: الحديقة ناضرة الزرع، وهى منظر فاتن، أو: وهومنظر فاتن، ومثل: الزرع رعايته مفيدة، وهوباب من أبواب الغنى، أو: وهى باب من أبواب الغنى. وأسماء الإشارة تشارك الضمير فى هذا الحكم2 "كما سيجئ فى بابها3، وفى باب4 المبتدأ
…
" نحو: الصناعة غنى وهذه مطلب حَيَوىّ أصيل، أو: وهذا
…
8-
إذا كان المرجع: "كم" جاز أن يرجع إليها الضمير مراعى فيه لفظها، أومراعى فيه معناها5.
بيان ذلك: أن لفظ: "كم" اسم مفرد مذكر، ولكن يعبَّر به عن العدد الكثير، أوالقليل، المذكر، أوالمؤنث: فلفظها من ناحية أنه مفرد مذكر - قد يخالف أحيانًا معناها الذى يكون مثنى مؤنثًا، أومذكرًا، وجمعًا كذلك بحالتيه. فإذا عاد الضمير إلى:"كم" من جملة بعدها جاز أن يراعى فيه ناحيتها اللفظية؛ فيكون مثلها مفردًا مذكرًا، وجاز أن يراعى فيه ناحيتها المعنوية إن دلَّت على غير المفرد المذكر؛ فيكون مثنى، أوجمعًا، مؤنثًا، أومذكرًا فيهما. تقول: كم صديق قدِم للزيارة! بإفراد الضمير وتذكيره، مراعاة اللفظ "كم". وتقول؛ كم صديق قَدِمًا، أو: قدِموا؛ بتثنية الضمير، أوجمعه؛ مراعاة لما يقتضيه المعنى. وكذلك تقول: كم طالبة نجح، بمراعاة لفظ:"كم"، أو: كم طالبة نجحت ونجحتا، ونجحن؛ بمراعاة المعنى.
وهناك كلمات أخرى تشبه "كم" فى الحكم السابق، منها:"كِلَا" و"كلتا". وقد سبق الكلام عليهما من هذه الناحية6. ومنها "منْ"7، و"ما"8 و"كلٌّ"9 و"أىّ". وكذلك كلمة: "بعض"9 فى صور
1 وهذا في غير المتضايفين. وقد سبق حكم الضمير العائد على أحدهما في رقم 2 من هامش ص 256 وفي "ز" من 261.
2 انظر رقم 1 من هامش ص 22 ثم انظر رقم 6 من هامش ص 321 وص 456 وما بعدها.
3 رقم 6 من هامش ص 321.
4 ص 456.
5 راجع الجزء الرابع من المفصل ص 132.
6 ص 124 وما بعدها.
7 انظر ما يختص بها في 349.
8 ولها بيان في رقم 2 من هامش ص 351.
"9و9" سبقت الإشارة في ص 40 لنوع التنوين الذي في كلمتي: "كل وبعض".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معينة. تقول: من سافر فإنه يفرح، ومن سافرا
…
، ومن سافروا
…
، ومن سافرت، ومن سافرتا
…
ومن سافرْن
…
وكذلك: ما تفعلْ مِن خير يصادفْك جزاؤه -
…
ما تفعلا
…
ما تفعلوا
…
ما تفعلى
…
ما تفعلْن
…
كل رجل سافَر، كل رجلين سافَر، أو: سافرا، كل الرجال سافَر، أو: سافروا. كل متعلمة سافَرتْ، أو: سافَر، كل متعلمتين سافَر، أو: سافرتا. كل المتعلمات سافَر، أو: سافَرْن. ومن مراعاة الجمع قول جرير:
وكلُّ قومٍ لهم رأىٌ ومختبرٌ
…
وليس فى تَغْلِبٍ رأى ولا خبرُ
لكن الأغلب -وقيل الواجب- إذا وقعت كلمة: "كل" مبتدأ وأضيفت إلى نكرة مراعاة معنى النكرة في خبر المبتدأ: "كل" كقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} ، وقول جرير السابق. فإن أضيفت لمعرفة صج اعتبار معنى المعرفة، أو اعتبار لفظ:"كل" المفرد المذكر. كقوله عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، ومثل:"كلكم هداة للخير وكلكم داعون إليه"، وقول الشاعر:
كل المصائب قد تمر على الفتى
…
وتهون، غير شماتة الحساد1
أيّ رجل حضر. أيّ رجلين حضر، أو: حضرا
…
أيّ الرجال حضر، أو: حضروا، أيّ كاتبة حضر، أو حضرت، أيّ كاتبتين حضر، أو حضرتا، أيّ الكاتبات حضر، أو: حضرن.
بعض الناس غاب، في الصور المختلفة، مراعاة للفظ "بعض". ويصح مراعاة المعنى، فيقال: بعض الناس أو: غابت، أو، غابا، أوغابتا، أو: غابوا، أو: غبْن. وهكذا باقى الصور الأخرى التى تدخل تحت الحكم السالف وينطبق عليها2.
1 سيجيء الكلام على إضافة "كل" وما يترتب على الإضافة ج3 في باب الإضافة م 94 ص71.
2 كما يراعي اللفظ أو المعنى في الضمير يراعي أيضا في كل ما يحتاج للمطابقة أحيانا، مثل: الخبر، والصفة ونحوهما -كما أشرنا في الصفحة الماضية- وكما يجيء في باب التوكيد ج3 م116 ص415.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك يجوز اعتبار اللفظ أو المعنى في المحكيّ بالقول، ففي حكاية من قال:"أنا قائم" يصح: قال محمود أنا قائم، رعاية اللفظ المحكي، كما يصحّ:"قال: محمود هو قائم"؛ رعاية للمعنى وحال الحكاية؛ لأن محمودًا غائب وقت الحكاية. وكذا لو خاطبْنا شخصًا بمثل: أنت بطل، وأردنا الحكاية فيصح:"قلنا لفلان أنت بطل"، كما يصح:"قلنا لفلان هو بطل"1.
ومع أن مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه جائزة، وقياسية فى الحالات السابقة -فإن السياق أو المقام قد يجعل أحدهما أنسب من الآخر أحيانًا. والأمر في هذا متروك لتقديم المتكلم الخبير، وحسن تصرفه على حسب المناسبات التى قد تدعوه لإيثار اللفظ أو المعنى عند المطابقة على الرغم من صحة الآخر.
"ملاحظة": بمناسبة الكلام على مطابقة الضمير للفظ المرجع أولمعناه، نشير إلى ما سيجئ فى ص 314 وهامشها من صور هامة - غير التى سبقت - يجوز فيها الأمران، أويتعين أحدهما دون الآخر
…
أو
…
أما المطابقة بين المبتدأ وخبره فتجئ فى ص 452 م 34- كما أشرنا فى رقم 1 من هامش ص 262 -.
9-
إذا كان للضمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت فى القوة2، عاد على الأقوى3. والمرد بالتفاوت فى القوة التفاوتُ الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف وشهرته؛ وهى التى أشرنا إليها عند بدء الكلام على المعرفة والنكرة. فالضمير أعرفُ4 من العلم، والعلم أعرف من الإشارة
…
وهكذا5. بل إن الضمائر متفاوتة أيضًا؛ فضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب
…
فإذا صلح للضمير مرجعان؛ أحدهما ضمير متكلم، والآخر ضمير مخاطب
1 راجع الصبان ج2 باب حروف الجر عند الكلام على "اللام".
2 أما عند عدم التفاوت فقد سبق الحكم في ص262.
3 وهذا ما سبقت الإشارة إليه في ص 262 آخر "ز".
4 أي: أقوى درجة في التعريف.
5 راجع رقم 1 من هامش ص 212.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
- قُدِّم المتكلم -في الرّأي الأصح؛ مثل: أنا وأنت سافرنا؛ ولا يقال: أنا وأنت سافرتما؛ إلا قليلا، لا يحسن الالتجاء إليه في عصرنا. وإذا كان أحد المرجعين للمخاطب والآخر للغائب قُدِّم المخاطب، نحو: أنت وهو ذهبتما؛ ولا يقال: أنت وهو ذهبا، إلا قليلا يحسن البعد عنه.
وإذا كان أحدهما ضميرًا والآخر علمًا أومعرفة أخرى روعي الضمير، نحو: أنا وعلي أكلنا؛ ولا يقال -في الرأي الأفضل- أكلَا، وتقول: أنا الذى سافرت....، وهو أفضل من: أنا الذي سافر
…
وتتجه إلى الله فتقول: أنت الذي في رحمتك أطمع، وهو أفضل من: أنت الذي فى رحمته أطمع، وهكذا. ولا داعي لترك الأفضل إلى غيره وإن كان جائزًا هنا؛ لأن الأفضل متفق عليه؛ وفي الأخذ به مزية التعبير الموحَّد الذى نحرص عليه لمزاياه، إلا إن اقتضى غيره داع قويّ......
10-
إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: "الروح" جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم
…
أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز2 أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته.
11-
الغالب -وقيل الواجب- فى الضمير بعد: "أو" التى للشك أوللإبهام أن يكون مفردًا؛ مثل: شاهدت المرّيخ أوالقمر يتحرك. أما بعد "أو" التنويعية "التى لبيان الأنواع والأقسام"، فالمطَابقة، كقوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا 3} .
وبهذه المناسبة نذكر أن للضمير العائد على المعطوف والمعطوف عليه معا، أوعلى أحدهما، أحكامًا هامَّة لا يمكن الاستغناء عن معرفتها، وكلها مختص بالمطابقة
1 لهذه الصورة الخاصة بالموصول إيضاح مفيد، وتفصيل هام يجيء في بابه وفي 380 "ب".
2 سيجيء بيان هذا في باب "العطف" جـ 3 ص 489 م 118 عند الكلام على: "أو" وقد سبقت له الإشارة في رقم 4 و 3 من هامش صفحتي 217و 231.
3 راجع الصبان جـ2 عند قول ابن مالك في باب الفاعل "والحذف قد يأتي بلا فصل
…
" إلخ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعدمها، وهي موضحة تفصيلًا في باب العطف "ج3 ص525 م 122".
"ملاحظة"1.
فقد عاد الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران أحدهما مذكر، وهو الذهب، والآخر مؤنث، وهو الفضة.
ويقول أحد النحاة2 ما نصه: "أعاد الضمير على الفضة؛ لأنها أقرب المذكورين، أو لأنها أكثر وجودًا في أيدي الناس فيكون كنزها أكثر. ونظيره قوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} 3.
"أو أنه أعاد الضمير على المعنى؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ لأن كل طائفة مشتملة على عدد كبير. وكذا قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم} يعني المؤمنين والكافرين.
"أو أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما: استغناء بذكره عن ذكر الآخر؛ لمعرفة السامع باشتراكهما في المعنى ومنه قول حسان:
إن شرخ الشباب والشعر الأسـ
…
ـود ما لم يُعَاص كان جنونًا
ولم يقل ما لم يُعَاصِيَا
…
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه
1 من المفيد استبانة المشابهة والمخالفة بين ما تتضمنه هذه الملاحظة وما سبق في رقم "ز" من ص261.
2 هو أبو بكر الرازي في كتابه غرائب التنزيل المدون على هامش كتاب "إعراب ما من به الرحمن
…
" العكبري ج1 ص111.
3 فقد جعل الضمير "في: أنها" عائد على الصلاة. وهذا أحد الآراء. وهناك رأي آخر يقول إن الضمير راجع إلى: "الاستعانة" المفهومة من قوله: "استعينوا" طبقًا لما سبق في رقم2 من هامش 257.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ، قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}
ط- اختلاف نوع الضمير مع مرجعه:
قد يختلف نوع الضمير مع مرجعه في مثل: أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي:"عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" فما مرجعه؟
يجيب النحاة: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره، فالضمير للغائب وهوعائد هنا على محذوف حتمًا، ولا يصح عودته على الضمير "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره:"أنا" بدلاً من: "هو"؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب1، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغائب أيضًا.
وقد يختلف الضمير مع مرجعه إذا كان الضمير هو العائد في الجملة الواقعة صلة. طبقًا للتفصيل الذي سيجيء في باب اسم الموصول ولا سيما الذي في "ب" ص443.
وهو تفصيل يقتضي التنبه للفرق بين الصور المعروضة هناك والصورة التي هنا، وفي رقم 9 من ص 268.
1 راجع حاشية الخضري ج1 باب: "ظن وأخواتها" عند الكلام على أحكام: "التعليق" وقد أشرنا لهذا "في رقم4 من هامش ص217 ومن هامش21 م21 ج2"، "في م 102 ص243. ح3 باب اسم الفاعل".
والظاهر أن هذا الحكم ليس مقصورًا على اسم الفاعل بل يسري على غيره من باقي المشتقات المتحملة ضميرًا مستترًا. فيجب أن يكون للغائب، ويعود على غائب.