الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية والخمسون: فتح همزة: "إن"، وكسرها
لهمزة "إنّ" ثلاثة أحوال، وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الأمرين.
الحالة الأولى:
يجب فتحها فى موضع واحد، هو: أن تقع مع معموليها جزءا من جملة مفتقرة إلى اسم مرفوع، أومنصوب، أومجرور، ولا سبيل للحصول على ذلك الاسم إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها. ففى مثل: شاع أن المعادنَ كثيرةٌ فى بلادنا. سرنى أنك بارٌّ بأهلك - لا نجد فاعلا للفعل: "شاع" ولا للفعل: "سَرَّ" مع حاجة كل فعل للفاعل، ولا وسيلة للوصول إليه إلا بسبك مصدر مؤول من:"أنّ" مع معموليها؛ فيكون التقدير: شاع كثرةُ المعادِن فى بلادنا - سرنى برُّك بأهلك1 وكذلك الفعل: "زاد" فى قول القائل:
لقد زادنى حُبًّا لنفْسِىَ أننى
…
بغيضٌ إلىّ كل امرئٍ غير طائلِ
وفى مثل: عرفت أن المدن مزدحمة - سمعت أن البحار ممتلئةً بالأحياء
…
نجد الفعل: "عرف" محتاجاً لمفعول به، وكذلك الفعل:"سمع". فأين المفعولان؟ لا نتوصل إليهما إلا بسبك مصدر مؤول من: "أن" مع معموليها؛ فيكون التقدير: عرفت ازدحامَ المدنِ - سمعت امتلاءَ البحارِ بالأحياء.
وفى مثل: تألمت من أن الصديقَ مريضٌ - فرحت بأن العربىَّ مخلصٌ للعروبة
…
، نجد حرف الجر:"مِنْ" ليس له مجرور، وكذلك حرف الجر:"الباء" وهذا غيرُ جائز فى العربية. فلا مفر من أن يكون المصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها فى الجملة الأولى هوالمجرور بالحرف: "منْ" وفى الجملة الثانية هوالمجرور "بالباء". والتقدير: تألمت من مرضِ الصديقِ - وفرِحتُ بإخلاص
1 المصدر الذي تقدر به "أن" مع معموليها هو المصدر الصريح المأخوذ إما من خبرها إن كان اسما مشتقا، أو فعلا متصرفا، وإما من الاستقرار والوجود إن كان الخبر ظرفا وجارا مع مجروره، وإما هو الكون المضاف لاسمها إن كان الخبر جامدا. وتفصيل هذا وإيضاحه قد سبق في "ب" من باب: الموصول" ص 414.
2 رجل غير طائل: حقير خسيس.
العربىِّ للعروبة
…
وهكذا كل جملة تتطلب اسماً لها، ولا سبيل لإيجاده إلا من طريق مصدر منسبك من "أنّ" مع معموليها.
ومن الأمثلة غير ما سبق: "حَقا، أنك متعلمٌ رَفْعٌ لقدرك" - "المعروف أن التعلم نافع". فالمصدر المؤول فى الجملة الأولى مبتدأ، والتقدير: تَعَلمُك رفعٌ لقدرك حقا1، أما فى الجملة الثانية فهوخبر، والتقدير: المعروف نَفْعُ التعلم.
ومثله المصدر المؤول بعد: "لولا" حيث يحب فتح همزة "أنّ" نحو: لولا أنك مخلص لقاطعتك. والتقدير: لولا إخلاصك حاصل لقاطعتك.
ومما سبق نعلم أن المصدر المؤول يجئ لإكمال النقص، فيكون فاعلا، أونائبه، أومفعولا به2، أومبتدأ3، أوخبراً4. وقد يكون غير ذلك5. كما نفهم المراد من قول النحاة: يجب فتح همزة: "أن" إذا تحتم تقديرها مع معموليها بمصدر يقع فى محل رفع، أونصب، أوجر6.
1 انظر ما يختص بكلمة: "حقا" في: "د" من ص 647.
2 بشرط أن يكون المفعول به غير محكي بالقول.
3 انظر "الملاحظة" التي في رقم 4 من هامش ص 410 حيث النص على عدم وقوع "أن المصدرية" بنوعيها "المخففة من الثقيلة، والناصبة للمضارع" مع صلتها مبتدأ يستغنى عن الخبر بحال سدت مسده.
4 عن اسم معنى.... "راجع الزيادة والتفصيل رقم 1 في ص 646".
5 مما سيجيء في "جـ" من ص 645 وما بعدها. إلا في اشياء توضيحها هناك.
6 وفيما سبق يقول ابن مالك:
وهمز: "إن" افتح لسد مصدر
…
مسدها، وفي سوء ذاك اكسر
أي: افتح همزة "إن" لسد المصدر مسدها مع معوليها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
ا- "أنّ" - مفتوحة الهمزة، مشددة النون - معناها التوكيد - كما شرحنا - وهى مع اسمها وخبرها تؤول بمصدر معمول لعامل محتاج له، فمن الواجب أن يكون الفعل - وغيره مما هى معمولة له - مطابقاً لها فى المعنى؛ بأن يكون من الألفاظ الدالة على العلم واليقين؛ لكيلا قع التعارض والتناقض بينهما "أى: بين ما يدل عليه العامل، وما يدل عليه المعمول" وهذا هوما جرت عليه الأساليب الفصيحة حيث يتقدمها ما يدل2 على اليقين والقطع: مثل: اعتقدت، علمت، ووثِقْت، تيقتنت، اعتقادى
…
ولا يقع قبلها شئ من ألفاظ الطمع، والإشفاق، والرجاء3
…
مثل: أردت، اشتهيت، وددْتُ
…
وغيرها من الألفاظ التى يجوز أن يوجد ما بعدها أولا يوجد؛ والتى لا يقع بعدها إلا "أنْ" الناصبة للمضارع. وهذه لا تأكيد فيها ولا شبه تأكيد؛ فتقول أرجوأن تحسن إلى الضعيف، وأرغب أن تعاون المحتاج. وكالتى فى الآية الكريمة:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين} . وما ذكرناه فى "أنّ" المشدّدة يسرى على: "أنّ" المفتوحة الهمزة المخففة من الثقيلة؛ فكلاهما فى الحكم سواء، نحوقوله تعالى {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} .
ومن الألفاظ ما لا يدل على اليقين ولا على الطمع والإشفاق ولكن يقع بعده "أنْ" المشددة والمخففة الناسختان كما يقع بعده "أنْ" التى تنصب الفعل المضارع. وذلك النوع من الألفاظ هوما يدل على الظن؛ مثل: ظننت، وحسبت، وخلْت. ومعنى الظن: أن يتعارض الدليلان، ويرجح أحدهما الآخر. وقد يقوى الترجيحُ فيستعمل اللفظ بمعنى اليقين؛ نحوقوله تعالى: {الذين يظنون أنهم مُلاقو ربهم"
1 راجع هذا في رقم 3 من ص 631 ثم التفصيل في "المصدرية" - ص 678- وقد سبقت سبقت الإشارة إلى "أن المصدرية" مع نظائرها من الحروف المصدرية في ص 407.
2 عند المتكلم.
3 سبق بيان المراد من هذه الألفاظ الثلاثة في رقم 3 من هامش ص 635.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد يضعف حتى يصير مشكوكاً فى وجوده: كأفعال الرجاء والطمع وألفاظهما الأخرى
…
ب- لا تكون "أنّ""المفتوحة الهمزة. المشدة النون" مستقلة بنفسها مع معموليها: فلا بد أن تطون معهما جزءاً من جملة أخرى1
…
غير أنه لا يجوز أن يقع المصدر المؤول من: "أن ومعموليها" اسماً لأختها المكسورة الهمزة2. فإذا أريد ذلك وجب الفصل بينهما بالخبر، فيتقدم بشرط أن يكون شبه جملة3 نحو: إن عندى أن التجربة خيرُ مرشد. إن فى الكتب السماوية أن الرسل هداةٌ للناس
…
وقد سبق4 أنه يجوز وقوع "أنّ" مع معموليها اسماً للأحرف الناسخة - ومنها: أن - "أى: أن يكون المصدر المؤول اسماً للحرف الناسخ" بشرط أن يتقدم عليه الخبر شبه الجملة.
حـ - أشرنا5 - فى ص 181 - إلى بعض مواضع المصدر المؤول من "أنّ ومعموليها". وقد يقع فاعلا لفعل ظاهر كما رأينا أومقدر؛ نحو: اسمع ما أنَّ الخطيب يخطب. أى: ما ثبت أن الخطيب يخطب، "مدة ثبوت خطبته" وذلك لأن "ما" المصدرية الظرفية لا تدخل - فى أشهر الآراء - على الجملة الاسمية المبدوءة بحرف مصدرى6. ومثلها العبارة المأثورة: "لا أكلم الظالم ما أنّ فى السماء نجماً. أى: ما ثبت أن فى السماء نجماً
…
".
ومن الفعل المقدر أيضاً أن يقع ذلك المصدر المؤول بع: "لو" الشرطية؛ نحو: لوأنك حضرت لأكرمتك: فالمصدر المؤول فاعل محذوف، والتقدير: لوثبت حضورك
…
لأن "لو" شرطية لا تدخل إلا على الفعل فى الرأى المشهور. والأخذ به أولى من الرأى القائل: إن المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف
1 كما أوضحنا في ص 642.
2 أشرنا لهذا في رقم 3 من هامش ص 631.
3 راجع شرح المفصل جـ 8 ص 71.
ويذكرون في سبب المنع أن كل واحدة منهما تفيد التوكيد وحرف التوكيد لا يدخل مباشرة على نظيره. هذا إلى أن دخول إن المكسورة على أختها قد يوقع في الوهم أن المفتوحة الهمزة أضعف في إفادة التوكيد من المكسورة الهمزة، فجيء بهذه لتجبر الضعف، مع أنهما متساويان. وكل هذا تعليل متكلف ومصنوع، وإنما التعليل الحق هو محاكاة العرب الفصحاء.
4 في رقم 3 من هامش ص 631 ثم انظر رقم 4 من هامش ص 410 بعنوان "ملاحظة"
5 في ص 642.
6 إذ الحرف المصري لا يدخل على نظيره لغير توكيد لفظي. "كما سبق في رقم 5 من هامش ص 412".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجوباً، أومبتدأ لا يحتاج إلى خبر. لأن فيهما تكلفاً وبعداً1.
وقد يقع ذلك المصدر نائب فاعل، نحوقوله تعالى: {قُلْ أوحِيَ إليّ أنَّهُ اسْتَمَع نَفرٌ منَ الجنّ
…
} ، وقد يقع خبراً عن مبتدأ الآن، كالأمثلة السالفة، أوبحسب الأصل: نحو: كان عندى أنك مقيم. لكن يشترط فى المبتدأ الذى يقع خبره هذا المصدر المؤول، ثلاثة شروط:
1-
أن يكون اسم معنى؛ نحو: الإنصاف أنك تُسَوّى بين أصحاب الحقوق؛ فلا يصح: الأسد أنه ملك الوحوش، بفتح الهمزة. بل يجب كسرها - كما سيجئ2-.
2-
وأن يكون غير قول3؛ فلا يجب الفتح فى مثل: قولى: أن البطالة مهلكة.
3-
وأن يكون محتاجاً للخبر المؤول من "أنّ" ومعموليها ليكمل معه المعنى الأساسى للجملة، من غير أن يكون المبتدأ داخلا فى معنى الخبر؛ "أى: من غير أن يكون معنى الخبر صادقاً عليه"، نحو: اعتقادى أنك نزيه. فكلمة: اعتقادى. مبتدأ يحتاج إلى خبر يتمم المعنى الأساسي. فجاء المصدر المؤول ليتممه. والتقدير: "اعتقادى نزاهتك"، فالخبر هنا يختلف فى معناه عن المبتدأ اختلافاً واضحاً. فإن كان المصدر المؤول من: "أن مع معموليها" ليس هومحط الفائدة الأصلية، "أى: ليس المقصود بتكملة المعنى الأساسى؛ كأن يكون معناه منطبقاً على المبتدأ وصادقاً عليه" فإنه لا يعرب خبراً، بل الخبر غيره. كما فى المثال السابق وهو: "اعتقادى أنك نزيه" إذا لم يكن القصد الإخبار بنزاهته والحكم عليها بها، وإنما القصد الإخبار بأن ذلك الاعتقاد حاصل واقع؛ فيكون المصدر المؤول مفعولا به للمبتدأ، والخبر محذوف؛ والتقدير - مثلا - اعتقادى نزاهتَك حاصل أوثابت....، والمصدر المؤول فى هذا المثال ينطبق على المبتدأ، ويصدق عليه؛ لأن النزاهة هنا هى: الاعتقاد، والاعتقاد هوالنزاهة
…
و
…
1 بيان الأسباب في جـ 2 ص 140 م 69 باب: "الاشتغال" - وفي باب: "لو" من الجزء الرابع.
2 في رقم 6 من ص 651.
3 حكم الواقعة بعد قول موضح في رقم 4 من ص 650 و 5 من ص 655.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد يقع المصدر المؤول مفعولا لأجله؛ زرتك أنى أحبك، أومفعولا معه، نحو: يسنرى قعودك هنا، وأنك تحدثنا. أومستثنى؛ نحو: ترضينى أحوالك، إلا أنك تخلفَ الميعادَ. ويقع مضافاً إليه بشرط أن يكون المضاف مما يضاف إلى المفرد، لا إلى الجملة؛ مثل: سرنى عملك غير أن خطك ردئ. أى: غير رداءة خطك. فإن كان المضاف مما يضاف إلى الجملة وحدها وجب كسر الهمزة؛ مثل: حضرت حيث إنك دعوتنى، بكسر همزة:"إن" مراعاة للرأى الذى يحتم إضافة "حيث" للجمل، دون الرأى الآخر الذى يبيح إضافتها لغير الجملة فيبيح فتح همزتها.
ومثل المواضع السابقة ما عطف عليها؛ نحوقوله تعالى: {
…
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ
…
} فالمصدر المؤول وهو"تفضيلى" معطوف على المفعول به: "نعمة"، وكذلك ما أبدل منها؛ نحوقوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُم
…
} ، فالمصدر المؤول، وهو: استقرارها وكونها
…
بدل من إحدى. وهكذا
…
ولا يكون هذا المصدر المؤول مفعولا مطلقاً، ولا ظرفاً، ولا حالا، ولا تمييزاً ولا يسدد مسد "مفعول به" أصله خبر عن ذات1، نحو: ظننت القادم إنه عالم. فلوفتحت الهمزة لكان المصدر المؤول من: "أنه عالم"؛ مفعولا ثانياً للفعل: "ظننت" مع أن أصل هذا المفعول خبر عن كلمة: "القادم" فيكون التقدير "القادم علِمْ" فيقع المعنى خبراً عن الجنة2، وهذا مرفوض هنا إلا بتأويل لا يستساغ مع أنّ.
د- من الأساليب الفصحية: "أحقًّا أنَّ جيرتَنا استَقَلُّوا3.... يريدون، أفى حق أن جيرتنا استقلوا. فكلمة: "حقًّا" ظرف زمان4 - فى الشائع -، والمصدر المنسبك من "أنّ" مع معموليها مبتدأ مؤخر. ولهذا وجب فتح همزة "أن". أى: أفى حق استقلال جيرتنا.
1 جثة.
2 المانع الحق: هو استعمال العرب الفصحاء، وكراهتهم فتح الهمزة في مثل هذا الموضع.
3 بمعنى: أحقا أن جيراننا ارتحلوا. "والجيرة" جمع: جار.
4 كما في الخضري والتصريح، آخر باب:"الظرف" والظرفية هنا مجازية. وبيان هذا في باب: الظرف" جـ ص 256 "هـ" م 79.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويصح أن تكون كلمة؛ "حقًّا"، مفعولا مطلقاً محذوف تقديره: حَقَّ "بمعنى: ثَبَت" والمصدر المنسبك فاعله، أى: أحق حقًّا استقلال جيرتنا؟ وأحياناً يقولون: "أمَا أنّ جيرتنا استقلوا". فكلمة: "أمَا""بتخفيف الميم"1 بمعنى: حقًّا، ويجب فتح همزة "أن" بعدها.
وخير ما ارتضوه فى إعرابها: أنها مركبة من كلمتين؛ فالهمزة للاستفهام. "ما" ظرف، بمعنى: شئ. ويراد بذلك الشئ: "حق" فالمعنى: "أحقًّا" وكلمة: "إما" مبنية على السكون فى محل نصب، وهى خبر مقدم، والمصدر المؤول مبتدأ مؤخر2.
هـ- قد يَسُدّ المصدر المؤول من أنّ ومعموليها مسد المفعولين إن لم يوجد سواه، نحو: ظننت أن بعض الكواكب صالح للسكنى. وكذلك فى كل موضع تحتاج فيه الجملة إلى ما يكمل نقصها فلا جد غيره، مع عدم مانع يمنع منه
…
و أشرنا من قبل3 إلى وقوع: "أنَّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون - للترجى، فتشارك "لعل" فى تأدية هذا المعنى وتحتاج إلى جملة اسمية بعدها؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ولا بد أ، يكون لها الصدارة فى جملتها. ولا يصح أن تسبك مع ما بها بمصدر مؤول؛ فهي تخالف "أنَّ" المفتوحة الهمزة، المشددة النون التى معناها التوكيد فى أمور: فى المعنى، وفى وجوب الصدارة، وفى منع السبك بمصدر مؤول.
1 إذا كانت "أما" - مخففة الميم- حرف استفتاح وجب كسر همزة: "إن" بعدها.
- كما سيجيء في ص 649 وفي رقم 3 من ص 657 -.
2 الكلام على هذا الأسلوب في جـ2 ص 256 "هـ" م 79.
3 في رقم 5 من ص 504 حيث الإيضاح. وله إشارة في رقم 3 من هامش ص 637.
الحالة الثانية:
يجب كسر همزة: "إن" فى كل موضع لا يصح أن تسبك فيه مع معموليها بمصدر؛ يجب الكسر فيما يأتى:
"1" أن تكون فى أول جملتها حقيقة، نحو:{إنَّا فَتَحْنا لك فتحاً مُبيناً} ، وقول الشاعر يمدح محسناً:
يُخفِى صنائعَه، واللهُ يُظهرها
…
إن الجميل إذا أخفيته ظهرَا
وتعتبر فى أول جملتها حكماً إذا وقعت بعد حرف من حروف الاستفتاح1؛ مثل: ألَا، وأَمَا2، نحو: ألَا إن إنكار المعروف لؤم - أمَا إن الرشوة جريمة من الراشى والمُرتشى. ومثلهما الواوالتى للاستئناف، كقول الشاعر:
وإنى شِقِىٌّ باللئام ولا ترى
…
شَقِيًّا بهم إلا كريمَ الشمائِل
وكذلك كل واوأخرى تقع بعدها جملة تامة.
فإن سبقها شىء من جملتها وجب الفتح، نحو: عندى أن الدّين وقاية من الشرور وهكذا3
…
"2" أن تقع فى جملة الصلة، بحيث لا يسبقها4 شئ منها؛ نحو: أحترم الذى "إنه عزيز النفس عندى."، وكذلك فى أول جملة الصفة التى موصوفها اسم ذات؛ نحو: أحِبُّ رجلا "إنه مفيد". وفى: أول جملة الحال أيضاً؛ نحو: أجِلُّ الرجلَ "إنه يعتمد على نفسه" وأُكْبِرُهُ "وإنه بعيد من الدنايا".
"3" أن تقع فى صدر جملة جواب القسم وفى خبرها اللام؛ سواء أكانت جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمرك إن الحذر لمطلوب، أم كانت فعلية فعلُها
1 حرف يدل على بدء الكلام، وعرض جملة جديدة، والتنبيه على أن هذا الكلام هام ومؤكد عنه المتكلم. "2""انظر رقم 3 من ص 657" ثم "ب" من ص 708 وفي رقم 1 من هامش ص 648.
3 ولصدارتها في الجملة صور أخرى كالتي تجيء في ص 652.
4 فإن وقعت حشوا "كأن سبقها شيء من جملة الصلة" لم تكسر، نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل. ومنه: لا أفعله ما أن في السماء نجما. أي: ما ثبت أن في السماء نجما- وقد سبق بيان هذا في "حـ" من ص 645 -.
مذكور؛ نحو: أحلف بالله إن العدلَ لمحبوب. أوغير مذكور، نحو: والله إن الظلم لوخيم العاقبة".
فإن لم تقع فى خبرها اللام لم يجب1 كسر الهمزة إلا إذا كانت جملة القسم جملة فعلية فعلها محذوف؛ نحو: والله إن السياحة مفيدة.
يتضح مما سلف أن الكسر واجب فى كل الحالات التى تظهر فيها اللام فى خبر "إنّ". وكذلك فى الحالة التى تحذف فيها تلك اللام من الخبر بشرط أن تكون جملة القسم فعلية، قد حذف فعلها.
"4" أن تقع فى صدر جملة محكيَّة بالقول "لأن المحكىّ بالقول لا يكون إلا جملة، - فى الأغلب - بشرط ألا يكون القول بمعنى الظن1". فتكسر وجوباً فى مثل: قال عليه السلام: "إن الدّين يُسْرٌ". ويقول الحكماء: "إن المبالغة فى التشدد مَدْعاةٌ للنفور"، "فقل للمتشددين:"إن الاعتدال خير""، وكذلك فى الشطر الثانى من بيت الشاعر:
تُعَيّرنا أنَّا قليلٌ عَدِيدنا
…
فقلتُ لها: إنّ الكرام قليلُ
فإن وجد القول ولم تكن محكية به بل كانت معمولة لغيره لم تكسر، نحو: أيها العالمُ، أخُصّك القول؛ إنك فاضل؛ أى: لأنك فاضل؛ فالمصدر المؤول معمول للام الجر، لا للقول. وكذلك لا تكسر إن كان القول بمعنى: الظن، بقرينة تدل على هذا المعنى فيعمل عمله فى نصب مفعولين. - نحو: أتقول المراصدُ أن الجوبارد فى الأسبوع المقبل؟ أى: أتظن3 "فتفتح مع أنها مع معموليها معمولة للقول؛ لأن القول هنا بمعنى "الظن" ينصب مفعولين فيكون المصدر المؤول منها ومن معموليها فى محل نصب يسدُّ مسدَّ المفعولين
…
"
1 وإنما يجوز الأمران، طبقا للبيان الذي سيجيء في رقم 2 من مواضع الفتح والكسر ص 653.
2 ولا الاعتقاد أيضا.. فلا بد من أمرين:، أن تكون الجملة معمولة للقول، وأن "القول" ليس بمعنى:"الظن ولا الاعتقاد". ولا بد كذلك ألا يكون مبتدأ داخلا في الحالة الخامسة الآتية في ص 655
3 الدليل على أن القول هنا بمعنى. "الظن" أن المراصد حين تتكهن بما سيقع في المستقبل - ولا سيما المستقبل البعيد - لا تملك الدليل القاطع على صحته، على أنه سيتحقق حتما، فقد يقع أو لا يقع. أما تفصيل الكلام على القول بمعنى الظن وأحكامه. فيجيء في أول جـ 2 باب:"ظن وأخواتها".
"5" أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب1 وقد علِّق عن العمل، بسبب وجود لام الابتداء فى خبرها؛ نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر. فإن لم يكن فى خبرها اللام2 فتحت أوكسرت. نحو: علمت إن الرياءَ بلاءٌ - بفتح الهمزة، أوكسرها3.
"6" أن تقع خبراً عن مبتدأ اسم ذات؛ نحو: الشجرة إنها مثمرة4 وقد يدخل على هذا المبتدأ ناسخ؛ ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا5 وَالصَّابِئِينَ 6 وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ 7 وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ 8 اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 9
…
} .
1 سيجيء في باب: "ظن وأخواتها"، أول الجزء الثاني - تفصيل الكلام على أفعال القلوب التي تنصب مفعولين. والذين يعنينا الآن هو:"الفاعال القلبية. المتصرفة التي يدخلها التعليق، "وهو ترك العمل لفظا دون معنى، لمانع"، فتكون في ظاهرها غير ناصبة المفعولين"، أو لأحدهما، بسبب ذلك المانع ولكنها في الحكم والتقدير ناصبة. نحو:"ظننت لطائر مغرد" فالجملة من: "طائر مغرد" مكونة من مبتدا وخبر، في محل نصب، قد سدت مسد المفعولين للفعل:"ظننت" ولم ينصبهما لفظا، لاعتراض ماله صدر الكلام، وهو هنا:"لام الابتداء".
وأشهر أفعال القلوب التي يلحقها التعليق: "رأي - علم - وجد - دري...." وهذه أفعال تدل على اليقين "وخال - ظن - حسب - زعم - عد - حجا - جعل....." وهذه أفعال تدل على الرجحان.
2 يقول النحاة إن السبب في التعليق هو وجود لام الابتداء، لأن لها الصدارةفي جملتها فتمنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها. وهنا تأخرت اللام وزحلقت عن مكانها، لوجود "إن" التي لها الصدارة أيضا أنظر البيان رقم 2 من هامش ص 659 والعلة الحقيقية في تأخيرها هي السماع عن العرب.
3 كما سيجيء في رقم 3 من ص 354 فالفتح على اعتبار الفعل غير معلق، والكسر على اعتباره معلقا، أداة التعليق هي:"إن" مكسورة الهمزة، إذ لها الصدارة في جملتها، وكل ما له الصدارة يعد من أدوات التعليق - كما عرفنا - راجع الصبان جـ 2 من في هذا الموضع.
4 لوفتحت لكان المصدر المؤول خبرا عن الجثة، والتقدير، "الشجرة إثمارها" وهو غير المعنى المطلوب، ولا يتحقق هنا إلا بتكلف لا داعي له، أو بتخريجه على المجاز ونحوه
…
5 كانوا يهودا.
6 المتنقلين بين الأديان، أو: هـ عبدة النجوك.
7 الذين يبعدون النار.
8 فكلمة "الذين الأولى، أصلها مبتدأ قبل دخول الناسخ: "إن" ثم صارت اسمه. وجملة إن الله يفصل بينهم، "وهي مكونة من إن ومعموليها" - في محل رفع خبر "إن" الأولى.
9 وفي مواضع كسر همزة "إن" يقول ابن مالك:
فاكسر في الابتدا، وفي بدء صلة
…
وحيث "إن" ليمين مكمله
أي: اكسر همزة "إن" إذا وقعت في ابتداء جملتها، أو حيث تكون مكملة لليمين، بأن تقع في صدر جملة جواب القسم - على التفصيل الذي شرحناه - ثم قال:
أو حكيت بالقول، أو حلت محل
…
حال، كزرته، وإني لذو أمل
وكسروا من بعد فعل علقا
…
باللام، كاعلم إنه لذو تقي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
ا- يَعْدّ بعض النحاة مواضع أخرى للكسر، منها: أن تقع "إنَّ" بعد كلمة "كلاّ" التى تفيد الاستفتاح؛ نحو: قوله تعالى: "كلَاّ، إن الإنسان لَيَطْغَى، أنْ رآه اسْتغنى
…
".
أويقع فى خبرها اللام من غير وجود فعل للتعليق؛ نحو: إن ربك لسريع العقاب.
أوتقع بعد "حتى" التى تفيد الابتداء نحو: يتحرك الهواء، حتى إن الغصون تتراقص - تفيض الصحراء بالخير، حتى إنها تجود بالمعادن الكثيرة.
والتوابع لشئ من ذلك؛ نحو: إن النشاط محمود وإن الخمول داء
…
والحق أن هذه المواضع ينطبق عليها الحكم الأول، وهوأنها واقعة فى مصدر جملتها؛ فلا يمنع من الحكم لها بالصدارة أن يكون لجملتها نوع اتصال معنوى - لا إعرابىّ - بجملة قبلها؛ كمثال:"حتى" السابق
…
"وكلَاّ"، فى بعض الأحيان. أما اتصالها الإعرابىّ فيمنع كسرها إن كان ما قبلها محتاجاً إلى المصدر المؤول منها مع معموليها احتياجاً لا مناص منه، كما سبق.
الحالة الثالثة:
جواز الأمرين "أىْ: فتح همزة "إنّ" وكسرها." وذلك فى مواضع، أشهرها:
"1" أن تقع بعد كلمة: "إذا" الدالة على المفاجأة1، نحو: استيقظت فإذا إن الشمس طالعة، وفتحت النافذة، فإذا إن المطر نازل. فالكسر على اعتبار:"إذا" حرف - تبعاً للرأى الأسهل - مع وقوع "إن" فى صدر جملتها الاسمية المصَرّح بطرفيها؛ بأن يُذْكر بعدها اسمها وخبرها. والفتح على اعتبار "إذا" حرف أيضاً والمصدر المؤول من "أنّ" مع معموليها فى محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير: استيقظت فإذا طلوع الشمس حاضر، وفتحت النافذة فإذا نزول المطر حاضر
…
ويجوز اعتبار "إذا" الفجائية ظرف زمان أومكان أيضاً، خبراً مقدماً. والمصدر المنسبك من "أنّ" ومعموليها مبتدأ مؤخر، والتقدير ففى المكان أوفى الوقت طلوع الشمس حاضر، أونزول المطر
…
"2"أن تقع فى صدر جملة القسم، وليس فى خبرها اللام؛ بشرط أن تكون جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمْرك إن الرياء فاضحٌ أهلَه، أوفعلية فعلها مذكور؛ نحو: أقسم بالله أن الباغىَ هالكٌ ببغيه. بفتح الهمزة وكسرها فيهما، "فإن كان فعل القسم محذوفاً فالكسر واجب - كما سبق2 -؛ نحو: بالله إن الزكاة طهارة للنفس". فالكسر بعد جملة القسم الاسمية فى المثال الأول هوعلى اعتبار: "إنّ" فى صدر جملة؛ لأنها مع معموليها جملة الجواب لا محل لها من الإعراب. والفتح هوعلى اعتبار المصدر المؤول منصوب على نزع الخافض3 فهو مجرور بحرف جر محذوف،
1 أي: هجوم الشيء ووقوعه بغتة. والكلام على: "إذا" الفجائية بحرف جر محذوف، من هامش ص 508.
2 في رقم 3 من ص 649.
3 أي: بتقدير حرف جر نزع من مكانه وحذف، فنصب الاسم المجرور بعده - مفعولا به - ليكون نصبه بغير عامل نصب دليلا على المحذوف، هذا تقديرهم الإعرابي الشائع. ولا مانع أن يكون المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف، والجملة جواب القسم مباشرة.
وأصل جواز الفتح والكسر هنا راجع - كما جاء في الهمع - إلى الخلاف في جملة القسم والمقسم عليه، أإحداهما معمولة للأخرى فيكون المقسم عليه مفعولا به، أو بمنزلة المفعول به لفعل القسم، أم لا؟ فمن قال:"نعم" فتح، لأن هذا حكم "إن" إذا وقعت مع معموليها مفعولا به. ومن قال:"لا"، وأن جملة القسم تأكيد القسم عليه من غير عمل فيه، كسر، ومن جوز الأمرين أجاز الوجهين.
وشبه الجملة سَد مَسَد جواب القسم، لا محل له. وليس جوابا أصيلا 1 والتقدير: لعمرك قسمى على فضيحة الرياء أهلَه. وكذلك فى المثال الثانى بعد فعل القسم المذكور، فالكسر على اعتبار "إن" مع معموليها جملة الجواب لا محل لها، والفتح على اعتبار المصدر المؤول مجروراً بحرف جرّ محذوف؛ والتقدير: أقسم بالله على هلاك الباغي ببغيه. ويكون الجار مع المجرور قد سد مسد جملة الجواب؛ وأغْنَى عنه - كما سبق -. وليس جوابا أصيلا1، ولم تقع "أن" في صدره.
"3" أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب، وليس فى خبرها اللام، - طبقاً لما تقدم بيانه2 -؛ نحو: علمت أن الدِّين عاصمٌ من الزلل.
"4" أن تقع بعد فاء الجزاء3، نحو: مَن يرضَ عن الجريمة فإنه شريك فى الإساءة. فكسر الهمزة على اعتبار "إنّ" مع معموليها جملة فى محل جزم جواب أداة الشرط: "منْ". وفتح الهمزة على اعتبار المصدر المؤول من أن ومعموليها فى محل رفع مبتدأ، خبره محذوف، أوخبر مبتدؤه محذوف. والتقدير: من يرض على الجريمة فشركته فى الإساءة حاصلة، أو: فالثابت شركته فى الإساءة
…
"1 و1" إنما سد مسد الجواب ولم يكن الجواب مباشرة لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة، ولن يترتب على الخلاف في التسمية أثر في المعنى أو في صياغة الأسلوب، فهو خلاف شكلى محض.
2 في رقم 5 من ص 651.
3 هي الفاء الواقعة في صدر جواب الشرط وجزائه، "أي: في صدر النتيجة المترتبة على تحقق فعل الشرط".
وليس من اللازم أن تكون هذه الفاء داخلة في جواب أداة شرط، فقد تكون داخلة على شيء يشبه الجواب لأداة تشبه الشرط في "العموم والإبهام"، كاسم الموصول، وغيره مما سبقت له إشارة في رقم 4 من ص 393 أما البيان ففي م1 4ص 535 ومن الأمصلة قوله تعالى: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
…
" فيجوز في أن" الثانية الفتحة أو الكسر. و"ما" موصولة وليست شرطية: لأن الشرطية لها الصدارة فلا تدخل عليها النواسخ، والعائد محذوف، والتقدير: غنمتموه..... فعلى كسر همزة "إن" تكون جملتها هي الخبر، وعلى الفتح يكون المصدر المؤول منها مع معموليها. مبتدأ خبره محذوف، أي: فكون خمسه لله ثابت، أو يكون خبرا لمحذوف، أي: فالواجب كون خمسه لله، والجملة خبر "إن" الأول. "راجع حاشية الخضري في هذا الموضع".
"5" أن تقع1 بعد مبتدأ هوقول، أوفى معنى القول2، وخبرها قول، أوفى معناه أيضاً، والقائل واحد، نحو: قولى: "إنى معترف بالفضل لأصحابه، وكلامى: إنى شاكر صنيع الأصدقاء". فقولى - وهوالمبتدأ - مساوفى مدلوله لخبر "إن" وهو: معترف بالفضل، وخبر "إن" مساوية فى المداول كذلك؛ فهما فى المراد متساويات، وقائلهما واحد، وهو: المتكلم.
كذلك: "كلامى"، مبتدأ؛ معناه معنى خبر "إن":"شاكر صنيع الأصدقاء" وخبر "إن" معناه معنى المبتدأ؛ فالمراد منهما واحد، وقائلهما واحد. وهمزة "إنّ" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" فيهما يجوز كسرها عند قصد الحكاية؛ أى: ترديد الألفاظ ذاتها فتكون "إن" مع معموليها جملة. وقعت خبراً3. ومع أنها محكية بالقول نصا تعرب فى محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز فتح الهمزة ذا لم تُقصَد "الحكاية"؛ وأنما يكون المقصود هوالتعبير عن المعنى المصْدرىّ من غير تقيد مطلقاً بنَصّ العبارة الأولى المعينة، ولا بترديد الجملة السابقة بألفاظها الخاصة فيكون المصدر المؤول من أن مع معموليها فى محل رفع خبر المبتدأ، والتقدير: قولى، اعترافى بالفضل لأصحابه، وكلامى، شكرى صنيع الأصدقاء.
فإن لم يكن المبتدأ قولا أوما فى معناه وجب الفتح، نحو: عملى أنى أزرع الحقل. والمصدر المنسبك خبر المبتدأ. ويجب الكسر إن لم يكن خبر "إن" قولا أوما فى معناه، مثل كلمة:"مستريح4" فى نحو: قولى إنى مستريح. أولم يكن قائل المبتدأ وخبر "إن" واحداً؛ فلا يتساوى مدلول
1 يراعي الفرق بين هذه الصورة والأخرى "رقم4" السابقة في ص 650.
2 الذي في معنى القول هو ما يدل دلالته من غير لفظه، مثل: كلام.....، حديث.... نطق،...... ولا يراد هنا القول" بمعنى:"الظن" وعمله، فقد سبق حكمه في رقم 4 من ص 650 وأنه الفتح.
3 وكأنك قلت في المثالين السالفين عند كسر الهمزة. "قول هذا اللفظ - كلامي هذا اللفظ" أي: هذا النص بحروفه وهنا يقول الصبان: إن المراد: "حكاية لفظ الجملة - أي: الإتيان بها" بلفظها، وليس المراد أنها مقول القول".
4 خير الصور التي توضح هذا الحكم أن يكون خبر "إن" ليس شاملا بمعناه المبتدأ، ولا منطبقا عليه بمدوله، كالاستراحة في المثال المذكور:، فإن معناها لا يشمل القول ولا يتضمنه ولا ينطبق مدلولها عليه ومثل هذا يقال في الحالة الثانية، لأن صاحب الصراخ ليس هو صاحب الكلام الواقع مبتدأ،
4 ومن أمثلتهم لانتفاء القول الثاني: "قولي إني مؤمن" لا يصح الفتح، لأن الإيمان لا يخبر به عن القول، لأن الإيمان مصدره القلب، والقول مصدره اللسان.
المبتدا والخبر، ولا يتوافقان؛ نحو: كلامى إن المريض يصرخ. ففى هاتين الحالتين يجب كسر الهمزة، وتكون "إنّ" مع معموليها جملة فى محل رفع خبر المبتدأ1. ....
1 أنظر بعض المواضع الأخرى في الصفحة الآتية، ثم "الملاحظة" المفيدة التي في ص 658.
ومما سبق نفهم كلام ابن مالك في جواز الأمرين حيث يقول في اختصار:
بعد إذا فجاءة، أو قسم
…
لا لام بعده - بوجهين نمي
"يريد: نعي - أي: نقل عن السابقين، ونسب إليهم - الوجهان، وهما: الفتح والكسر" بعد إذا فجاءة، وبعد قسم لا لام في جملة جوابه، ثم قال:
مع تلو "فا" الجزا، وذا يطرد
…
في نحو: "خير" القول إني أحمد
أي: "ومع تلو فاء الجزاء" فكلمة: "مع" معطوفة على كلمة "بعد"، التي في أول البيت السباق بحرف العطف المحذوف، وهو: الواو: يريد، بعد إذا فجاءة، ومع تلو فاء الجزاء، ثم قال: إن هذا الحكم بجواز الأمرين مطرد في كل أسلوب على شاكلة: "خير القول إني أحمد"، وهذه الحالة الرابعة في كلامه هي الخامسة التي شرحناها. ويلاحظ في مثاله أن المبتدأ كلمة:"خير" ليس قولا، ولكنه مضاف للقول، فهو بمنزلته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
ا- سرد بعض النحاة مواضع أخرى يجوز فيها الأمران، ومن الممكن الاستغناء عن أكثرها؛ لفهمها مما سبق. فمما سردوه.
"1" أن تقع "أنّ" مع معموليها معطوفة على مفرد لا يفسدُ المعنى بالعطف عليه. نحو: سرّنى نبوغك، وإنك عالى المنزلة. فيجوز فتح همزة:"أنّ" فيكون المصدر المؤول معطوفاً على نبوغ، والتقدير: سرنى نبوغك وعلومنزلتك. والمعنى هنا لا يفسد بالعطف. ويجوز كسر الهمزة فتكون "إن" فى صدر جملة مستقلة. ومثال ما يفسد فيه المعنى بالعطف فلا يصح فتح الهمزة: لى بيت، وإن أخى كثير الزروع. فلوفتحت الهمزة لكان المصدر المؤول معطوفاً على "بيت" والتقدير: لى بيت وكثرة زروع أخى، وهومعنى فاسد، لأنه غير المراد إذا كان المتكلم لا يملك شيئاً من تلك الزروع. ومثله ما نقله النحاة:"إن لى مالا. وإن عمْراً ناضل" إذ يترتب عليه أن يكون المعنى: إن لى مالا وفضل عمْرو. وهومعنى غير المقصود.
"2" أن تقع بعد "حتى"، فتكسر بعد "حتى" الابتدائية - كما سبق1 - فى مثل: تتحرك الريح حتى إن الغصون تتراقص
…
لوقوعها فى صدر جملة. وتفتح إذا وقعت بعد "حتى" العاطفة، أوالجارة، نحو: عرفت أمورك حتى أنك مسابق، أى: حتى مسابقتَك، بالنصب على العطف، أوبالجر والأداة فيهما:"حتى".
"3" أن تقع بعد "أمّا""المخففة الميم"، نحو: أمّا إنك فصيح، فتكسر إن كانت "أمَا" حرف استفتاح وتفتح إن كانت بمعنى:"حقًّا" - كما سبق2 -.
"4" أن تقع بعد. لا جرم3، نحو: لا جرم أن الله ينتقمُ للمظلوم4.
1 في ص 652.
2 في "د" من 647 وفي رقم 1 هامش ص 649.
3 لها إشارة عابرة في "د" من ص 709 باب. "لا النافية للجنس" أما البيان ففي رقم 4 التالي.
4 فالفتح على اعتبار "لا" زائدة، أو ليست بزائدة، وإنما هي حرف جواب لنفي المعنى السابق عليها إذا كان المتكلم غير موافق عليه، و "جرم" فعل ماض بمعنى:"وجب". والمصدر المؤول من أن مع معموليها فاعل للفعل: "جرم". وهذا إعراب سيبويه، وعليه اقتصر أما الفراء فيقول: معنى: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"5" أن تقع فى موضع التعليل، نحوقوله:"إنَّا كنَّا ندعوه منْ قبلُ، إنه هوالبر الرحيم" قرئ بفتح الهمزة، على تقدير لام التعليل؛ أى: لأنه هوالبر الرحيم. وقرئ بكسر الهمزة على اعتبار: "إن" فى صدر جملة جديدة. ومثله قوله تعالى: {وصَلِّ عليهم إن صلاتكَ سكن لهم} . فالفتح على تقدير لام التعليل، أى: لأن صلاتك سكن لهم، والكسر على اعتبار:"إنّ" فى صدر جملة جديدة
…
"6" وقوعها بعد "أىْ" المفسرة؛ نحو: سرنى ابتداعك المفيد، أى: أنك تبتكر شيئا جديداً نافعاً.
"7" أن تقع بعد حيث الظرفية، نحو: أزورك حيث إنك مقيم فى بلدك بفتح الهمزة وبكسرها، فالفتح على اعتبار الظرف:"حيث" داخله على الفرد المضاف إليه وهوالمصدر الأول. والكسر على اعتبارها داخلة على المضاف إليه الجملة، وهذا هوالأفصح؛ إذ الأغلب فى "حيث" أن تضاف للجملة.
ملاحظة: سردنا فيما تقدم مواضع الحالة الثالثة التي يجوز فيها فتح همزة "إن" وكسرها. ومن الممكن الاكتفاء بوضع ضابط عام مركز يشملها جميعا، ويغني عنها، كأن يقال:"يجوز فتح همزة "إن" وكسرها في كل موضع يصلح لاعتبار "إن" في صدر جملتها، ولاعتبارها مؤولة مع معموليها بمصدر مسبوك، أي: يصلح للأمرين".
= "لا جرم"، هو:"لا بد " فلا نافية للجنس و "جرم" أسمها، مبني على الفتح في محل نصب، والمصدر المنسبك من "أن" ومعموليها مجرور بحرف جر محذوف، والخبر محذوف أيضا - وهو متعلق الجار ومجروره - والتقدير: لا جرم من أن الله.... إلخ وهو يجيز كسر الهمزة، ويقول في سببه: إن بعض العرب يجريها مجرى العين، بدليل وجود اللام في قولهم:"لا جرم لآتينك". والأحسن في هذه الحالة أن نعرب "لا" نافية للجنس و "جرم" اسمها متضمنة القسم، وجملة:"لآتينك" هي: جواب القسم، وأغنت عن الخبر.
"راجع حاشية الصبان في هذا الموضع من جواز فتح الهمزة وكسرها"، وستجيء الإشارة لهذا والإفاضة في القسم وجوابه - في موضعه المناسب من الجزء الثاني وهو:"باب "حروف الجر" عند الكلام. على: "حروف القسم".
المسألة الثالثة والخمسون: لام الابتداء 1، فائدتها، مواضعها
حين نقول: أصل الماس فحم، أو: بعض الحيوانات بَرِّىٌّ بحْرِىٌّ - قد يشك السامع فى صدق الكلام، أوينكره؛ فنلجأ إلى الوسائل التى ترشد إليها اللغة لتقوية معنى الجملة، وتأكيد مضمونها، وإزالة الشك عنها أوالإنكار. ومن هذه الوسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل تكرار الجملة. لكن التكرار قد تَنفرُ منه النفس أحياناً. فنعدلُ عنه إلى وسائل أخرى لها مزية التكرار فى تأكيد معنى الجملة، كالقسم، أو:"إنّ" فنقول: والله أصل الماس فحم. إن بعض الحيوانات برّى بحْرىّ. أو: لام الابتداء وتدخل على المبتدأ كثيراً "ولهذا سميت: لام الابتداء"، نحو: لرجلٌ فقير يعمل، أنفعُ لبلاده من غنى لا يعمل. ليدٌ كاسبةٌ خيرٌ من يد عاطلة. وتدخل على غيره، كخبر "إنّ"، نحو: إنّ أبطال السلام لخير من أبطال الحرب. وهكذا باقى الوسائل التى تؤكد مضمون الجملة، وتقوى معناها.
وهذه اللام مفتوحة، وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها المثبت؛ ولذلك لا تدخل على حرف النفي، ولا فعل النفي، ولا على المنفي بأحدهما، ولكنها تدخل على الاسم المفيد لمعنى النفي. مثل: إن المنافق لغير مأمون الصداقة وسميت: "لام الابتداء" لأن أكثر دخولها على المبتدأ أو على ما أصله المبتدأ، نحو: لوالدك أشفق الناس عليك، وإن عنده لخبرة ليست لك، فاستعن برأيه.
وإذا دخلت هذه اللام على الخبر فقد يسميها بعض النحاة: "اللام المزحلقة2".
أما آثارها النحوية فأشهرها: الصدارة في جملتها- غالبا- وأنها إذا دخلت على
1 سبقت الإشارة إليها في رقم 22 من ص 490 ولم تعرض هناك ولم تعرض هناك لآثارها وأحكامها الهامة، محاراة الكثير من النحاة أثروا أن يكون تفصيل ذلك كله هنا.
2 يقولون في سبب التسمية: إن مكانها في الأصل الصدارة في الجملة الاسمية. فلما شغل المكان بكلمة: "إن" وهي التي لها الصدارة أيضا، كلام الابتداء والتي تفيد التوكيد مثلها، والتي تمتاز بأنهاعاملة - تقدمت، وزحلقت اللام من مكانها الذي تكثر فيه إلى مكان بعده - في الغالب - هو الخبر. لكن السبب الحق هو استعمال العرب. لهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص 651 -.
المضارع خلصت زمنه للحال، نحو: إن العصفور ليغرد، أي: الآن في وقت الكلام - وهذا إن لم توجد قرينة تدل على غير الحال، كالقرينة الدالة على الاستقبال، في قوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة.... " لأن يوم القيامة لم يجيء بعد، فهي تعين المضارع للحال إن كان مبهما خاليا من قرينة لغير الحال.
مواضع دخولها:
ولها مواضع تدخلها جوازاً، والخلاف فيها شديد، وقد استصفينا منه ما يأتي:
"1" المبتدأ، كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر:
ولَلْبينُ خيرٌ من مُقام على أذًى
…
ولَلمتُ خيرٌ من حياة على ذلِّ
"2" الخبر المتقدم على المبتدأ؛ نحو: لصادقٌ أنت.
"3" خبر إنَّ "المكسورة الهمزة، المشددة النون" - دون أخبار أخواتها فى فى الرأى الأصح؛ نحو: إن الشتاء لفصل النشاط، وإنه لموسم السياحة فى بلادنا وقول الشاعر:
إِنَّا - على البِعادِ والتَّفرُّقِ-
…
لَنلْتَقِى بالفكر إن لم نَلْتقِ
ولكن يشترط فى خبر "إنّ" الذى تتصدره لام الابتداء ما يأتى:
أن يكون متأخراً عن الاسم، فلا يجوز دخولها فى مثل: إن فيك إنصافاً، وإن عندك ميلاً للحق؛ وذلك لتقدم الخبر2.
وأن يكون مثبتاً؛ فلا يصح: إن العمل لَمَا طال بالأمس. أو: إن العمل لَمَا نفعُهُ قليل. بل يجب حذفها قبل "ما" النافية وغيرها من أدوات النفى الداخلة على خبر "إن". ....3
1 وقد أشار ابن مالك إلى هذه الموضع بقوله:
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر
…
لام الابتداء، نحو: إني لوزر
يريد "بذات الكسر،" صاحبة الكسر، وهي:"إن" المكسورة الهمزة. و "وزر" أي: ناصر وملجأ لمن يستعين بي.
2 عرفنا "في ص 638" أن الخبر في هذا الباب لا يتقدم على الاسم إلا إن كان شبه جملة.
3 مثل: "لم، لن، لا، لما.... فدخول لام الابتداء عليه غير مسموع. وهذا هو التعليل الصحيح. فوق أن دخولها على هذه الأدوات المبدوءة باللام يثقل النطق بها.
ألا يكون جملة1 فعلية فعلها ماض، متصرف. غير مقرون بكلمة:"قَدْ"؛ فلا يصح: "إن الطيارة لأسرعتْ
…
2" بل يجب حذف لام الابتداء. فإن كان الخبر جملة فعلية فعلها ماض غير متصرف جاز - فى غير ليس - دخول اللام وعدم دخولها؛ نحو: إن القطار لنعم وسيلةُ السفر، أونعم وسيلةُ السفر
…
وإن إسراع السائق لبِئْس العملُ، أوبئس العملُ. بإدخال اللام على "نعم"، و"بئس" أوعدم إدخالها
…
وكذلك يجوز إن كان الفعل ماضياً متصرفاً، ولكنه مقرون بكلمة:"قد"3 فتصحبها اللام أولا تصحبها؛ نحو: إن العلم لقد رَفع صاحبه، أو: رفع
…
د- ألا تكون الجملة الفعلية شرطية، لأن لام الابتداء لا تدخل على أداة الشرط، ولا على فعله ولا على جوابه.
1 المشهور بين النحاة أن "لام الابتداء" لا تدخل على جملة فعلية "ماضوية أو مضارعية" إلا إذا كانت هذه الجملة خبر إن "مكسورة الهمزة، مشددة النون" دون غيرها من أخواتها، ودون الجمل الفعلية الأخرى التي ليست خبرا، إذ تكون اللام فيها القسم، أو زائدة، أو غير ذلك، "أنظر رقم 2 التالي".
2 في هذا المثال: "إن الطيارة لأسرعت" يجب حذف اللام على اعتبارها للابتداء - كما سبق في رقم 1 - ويجوز إبقاؤها على أنها في جواب قسم، ويجب أن تقوم قرينة دالة على هذا أو ذاك، لأن بين المعنيين اختلافا واضحا، وإلا كان صياغة الأسلوب غير مسايرة للمعنى، فيقع من الفساد في التعبير ما يجب توقيه.
ويقول النحاة في التفرقة بين اللامين: إذا جاءت "إن" وبعدها اللام المصاحبة لمضارع مؤكد بنون التوكيد أو الداخلة على الماضي المتصرف الحالي من: "قد" فإن هذا الكلام تكون لام قسم مقدر، داخلة على جوابه، وليست لام ابتداء، مثل: إن الحازم ليبتعدن عن المساوي - إن الكفء لنال جزاءه. والسبب في الحالة الأولى منع التعارض بين لام الابتداء التي تخلص زمن المضارع للحال ونون التوكيد التي تخلصه للمستقبل. والسبب في الحالة الثانية: أن لام الابتداء - والزمن معها للحال - لا تدخل على الماضي المنصرف الخالي من "قد"، منعا لتعارض الزمنين بينهما. أما المقترن "بقد" فإنها تقرب زمنه من الحال - كما عرفنا في ص 52 - فلا يتعارض مع اللام الابتداء. وهاتان الصورتان يمتنع فيهما كسر همزة:"إن" إذا تقدم عليها عامل يطلب العمل في موضعهما مع معموليها، تقول: علمت أن الحازم ليبتعد عن المساوي. وعلمت أن الكفء لنال جزاءه. لأن هذه اللام - كما سبق القسم وليست للابتداء، فهي في موضعها المتأخر المناسب لها، غير ملحوظ فيها التقديم قبل مجيء:"إن" ذلك التقديم الذي هو أصلها. بخلافها في مثل: علمت أن الحازم لمبتعد عن المساوي، فإنها تكسر معها، لأن هذه اللام للابتداء، وهي من الأدوات التي لها الصدارة، فتعلق الفعل وتوجب كسر همزة "إن" كشأن ماله الصدارة. وهي مقدمة في الأصل والنية، وإنما تأخرت للعلة السابقة، وهي: أنها تفيد توكيد الجملة، و "إن" كذلك، فبقيت هذه، لأصالتها وقوتها بالعمل، وتأخرت تلك، كما يقال، وستأتي هنا فروق أخرى بين اللامين.
3 لأن "قد" تقرب - أحيانا - الماضي من الحال، كما تقرب المستقبل من الحال أيضا.
أما إن كان الخبر جملة فعلية فعلها مضارع مثبت1 فيجوز دخول اللام على المضارع المثبت سواء أكان متصرفاً أم غير متصرف تصرفاً2 كاملا، إلا فى حالة واحدة وقع فيها الخلاف؛ هى التى يكون فيها مبدوءاً بالسين، أوسوف. فلا يصح - فى الرأى الأحق - أن تقول:"إن الطائرة لستحضر، أو: لسوف تحضر" بل يجب حذف اللام من هذا المضارع 4المبدوء بالسين، أوسوف ومن أمثلة دخولها قوله تعالى فى أهل الديانات المختلفة:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، وقوله عليه السلام:"إن الُعجْبَ5 ليَأكل الحسنات كما تَأكلُ النارُ الحطب".، وقول الشاعر:
إن الكريم6 ليخفي عنك عسرته7
…
حتى تراه غنيا. وهو مجهود8
1 أما المنفي فالأكثر والأفصح الذي يجب الاقتصار عليه هو عدم دخولها عليه. كقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين} .
2 غير متصرف تصرفا كاملا مثل الفعل: يدع ويذر، على الرأي القائل: بأنه لا ماضي لهما، ولا مصدر. أما المضارع الذي لا يتصرف مطلقا فلا وجود له.
3 لو دخلت عليه لوقع تعارض واضح، لأن لام الابتداء تجعل زمن المضارع للحال. أما "السين" أو "سوف" فتجعل زمنه للمستقبل، فلو اجتمعنا في أول المضارع لا جتمع فيه علامتان متعارضتان، إحداهما تدل على أن زمنه للحال، والأخرى تدل - في الوقت نفسه - على أن زمنه للمستقبل. لكن قد يصح تلاقيهما معا أو لسوف تحضر.... يكون المعنى: إن الطائرة والله لستحضر، أو لسوف تحضر. فاللام لا تجعل زمن المضارع هنا للحال، وإنما تجعله للمستقبل بقرينة السياق، فلا تعارض بينها وبين السين أو سوف- وهذا فرق آخر بين اللامين غير ما في آخر الصفحة السابقة. ومن المهم إدراك الفرق بين الأسلوبين، فلكل منهما معنى يخالف الآخر، فليس الأمر مجرد احتيال لإدخال اللام أو عدم إدخالها، وإنما الأمر الذي له الاعتبار الأول هو المعنى وحده، فإن اقتضى أن يتضمن الكلام قسما جاز مع القرينة - إدخال اللام على الجملة المضارعة المبدوءة بالسين أو سوف، الواقعة جوابا، وإن لم يقتض قسما لم يجز إدخال اللام على تلك الجملة، وإلا كانت اللغة عبثا.
وفي شروط الموضع الثالث من مواضع "لام الابتداء" يقول ابن مالك باختصار:
ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا
…
ولا من الأفعال ما كر ضيا
أي: لا يقع بعد هذه اللام الخبر المنفي، سواء أكان جملة فعلية أم اسمية كما مثلنا. وكذلك لا يليها الخبر إذا كان جملة فعلية، فعلها ماض، مثل:"رضي" في أنه ماض، مثبت، متصرف، غير مقرون بكملة:"قد" فإن كان مقرونا بكلمة: "قد" جاز أن يليها، مثل: إن ذا لقد سما على العدا مستحوذا، أي: غالبا، مستوليا على ما يريد.
4 أشرنا في رقم 1 من هامش ص 659 إلى أنه قد سبقت لمحة عابرة عن "لام الابتداء" "في رقم 22 من ص 490.
5 الكبر والاختيال.
6 الشريف الأصل.
7 فقره واحتياجه.
8 يقاسي تعب الفقر. ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر:
وإني لأستحيي - وفي الحق مسمح
…
إذا جاء باغي الخير أن أتعذرا
مسمح: متسع ومندوحة عن الباطل. أتعذر: أعتذر - عن إجابته.....
وإن كان الخبر جملة اسمية جاز دخول اللام على مبتدئها - وهوالأنسب - أوعلى خبره؛ نحو: إنّ الكهرَبا لأثرُها عميق فى حياتنا
…
أو: إنّ الكهرَبا أثرُها لعميقٌ فى حياتنا.
وإن كان الخبر شبه جملة دخلت عليه أيضا، نحو: إن الذخائر الأدمية لعندك، وإن نفائسها لفي بيتك.
"4" معمول خبر "إنّ" بشرطين: أن يكون هذا المعمول متوسطاً بين اسمها وخبرها4 أوغيرهما من الكلمات الأخرى التى دخلت عليها "إنّ"، وأن يكون الخبر خالياً من لام الابتداء، ولكنه صالح لقبولها. ففى مثل: إن الشدائد مُظهرةٌ أبطالا، وإن المحن صاقلةٌ نفوساً، يصح تقديم معمول الخبر مقروناً بلام الابتداء؛ فنقول: إن الشدائدَ - لأبطالا- مظهرةٌ، وإن المحن - لنفوساً - صاقلةٌ. فإن تأخر المعمول لم يجز إدخال اللام عليه؛ كما فى المثالين السابقين قبل تقديمه.
وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر مشتملا عليها، ففى مثل: إن العزيزَ ليرْفُضُ هواناً - لا يصح: إنّ العزيزّ لهواناً ليرفضُ2.
وكذلك لا يجوز إدخالها عليه إن كان الخبر الحالى منها غير صالح لها؛ كأن يكون جملة فعلية، فعلها ماض، متصرف، غير مقورن بكلمة "قد"؛ ففى مثل: إنّ الحرَّ رَضِىَ كفاحاً - لا يصح أن نقول: إن الحُرَّ لَكِفَاحاً رَضِىَ.
"5" ضمير الفصل3؛ نحو: إن العظمة لهى الترفع عن الدنايا، وإن
1 سواء أتقدم الاسم كالأمثلة المذكورة، أم تقدم الخبر شبه الجملة نحو: إن عندي لفي البيت ضيوفا. ويجوز أن يتقدم على المعمول المقرون باللام معمول آخر خال منها، نحو:"إن عندي لفي الحديقة ضيفا قاعد". فالمراد: أن يتوسط المعمول المقترن باللام بين الألفاظ الواقعة بعد "إن".
2 ولا يجوز دخولها أيضا على المعمول المتقدم إن كان "حالا"، ففي مثل: إن السائح عاد إلى بلده مسرورا، لا يصح: إن السائح لمسرورا عاد إلى بلده، ومثله، التمييز، والمستثنى، والمفعول معه، دون باقي المعمولات. وكل هذا هو أنسب الآراء.
3 سبق تفصيل الكلام على معناه وحكمه وكل ما يتصل به في "242" باب: "الضمير" وهو هنا يتوسط بين اسم "إن" وخبرها.
العظيم لهوالبعيد عن الأدناس. وإذا دخلت على ضمير الفصل لم تدخل على الخبر.
"6" اسم "إن" بشرط أن يتأخر ويتقدم عليه الخبر1 شبه الجملة؛ مثل: إن أمامك لمستقبلا سعيدا، وإن فى العمل الحرّ لمجالا واسعاً، وقول الشاعر يخاطب زوجته:
إن من شيمتى لَبذلَ تِلادِى2
…
دون عِرضى. فإن رضيتِ فكونى3
وإذا دخلت على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر4.
1 وقد يبقى الخبر متأخرا ولكن يتقدم معموله على الاسم، نحو: إن في الدار لضيفا منتظر.
2 مالي الأصيل الذي ليس طارئا.
3 فداومي على حياتك معي.
4 وقد أشار ابن مالك إلى الموضع الرابع والخامس والسادس بقوله:
وتصحب الواسط: معمول الخبر
…
والفصل، واسما حل قبله الخبر
يريد: أن لام الابتداء تدخل على الواسط، أي: المتوسط. إذا كان معمولا لخبر "إن" وبعبارة أخرى: تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا كان المعمول متوسطا بين اسم إن وخبرها، وأو بين غيرهما مما يقع بعدها. وكذلك تدخل الفصل أي: ضمير الفصل
…
وتدخل اسم "إن " بشرط أن يحل الخبر قبله، بمعنى: يتقدم عليه. ثم أشار بعد ذلك إلى بيت سبق شرحه في مكان أنسب "ص 636" هو:
ووصل: "ما" بذي الحروف مبطل
…
إعمالها. وقد يبقي العمل
يريد: أن اتصال: "ما" التي هي حرف زائد - بهذه الحروف الناسخة، - غير الحرف: ليت - يبطل عملها فقط دون معناها، ومتى بطل عملها صارت غير مختصة بالدخول على الجمل اللاسمية، فتصلح للدخول عليها وعلى الجمل الفعلية أيضا."ولا بد من وصلها في الكتابة بالحرف الذي قبلها". ولكن العمل قد يبقي في:"ليت" وحدها، على القول الأرجح الذي يسحن الاقتصار عليه، فيجوز في "ليت" التي بعدها "ما" الحرفية الزائدة - أن تكون عاملة، وأن تكون مهملة. وهي في الحالتين لا تدخل إلا على الجملة الاسمية - كما سبق - و"ما" الزائدة هذه تسمى "ما" الكافة - لأنها كفت - أي: منعت - تلك الحروف عن العمل. ولا تقع بعد "لا" التي للجنس، ولا "عسى" التي بمعنى: لعل.
"كما سبق في رقم 2 من هامش ص 622 ورقم 3 من هامش 628".
المسألة الرابعة والخمسون: حكم المعطوف بعد خبر "إن" وأخواتها 1، وحكمه إذا توسط بين المعمولين
إن الأقمارَ دائراتٌ فى الفضاء، والشموسَ.
إنّ الشعر محمودٌ فى مواطنَ - والنثرَ.
إنّ الإهمال مفسدٌ للأعمال - والجهلَ.ُ
إنّ الحديد دِعامة الصناعة - والنِّفْطَ.
كيف نضبط الأسماء التى تحتها خط، وهى:"الشموس - النثر - الجهل - النِّفْط...." وأشباهها من كل اسم تأخر عن "إن" ومعموليها، وكان معطوفاً على اسمها2.....؟
يجوز أمران، النصب والرفع. ويكفى معرفةُ هذا الحكم من غير تعليل3. وبالرغم من جواز الأمرين فالنصب هوالأوضح والأنسب4؛ لموافقته الظاهرية لاسم "إنّ"، أى: للمعطوف عليه؛ فلا عناء معه ولا شبهة.
فإن تأخر خبر "إنّ" وتوسط ذلك المعطوف بينه وبين اسمها - فالأحسن اتباع الرأى القائل بجواز الأمرين أيضاً، وبعدم وجوب النصب. ومع عدم وجوبه وأن النصب غير واجب5 مع أنه الأوضح والأنسب؛ كما سبق.
1 لا تسري الأحكام التالية على "لا" النافية للجنس، فلها أحكام خاصة تجيء في ص 697 و 701 كما سنعرف.
2 قد يكون العطف على غير اسمها مع بقاء الحكم الآتي، وهو، جواز النصب والرفع - كما سنعرف -
3 لا داعي للاهتمام بتعليله، وبمعرفة الآراء المختلفة في سبب النصب والرفع، إذ المقصود الأول من النحو ضبط الألفاظ ضبطا صحيحا يوافق المعنى. وهذا الغرض يتحقق هنا بمعرفة الحكم السالف، والاكتفاء به، لأنه مستنبط من الكلام العربي الأصيل. وحسب المتعلمين هذا.
4 وحبذا الاقتصار عليه فيما ننشيء من أساليب، فتساير الضبط الأوضح، الذي يسهل إدراك سببه وتوجيهه. وما يقال في عطف النسق من جواز الأمرين وإيثار النصب، يقال في بقية التوابع "النعت، وعطف البيان، والتوكيد والبدل"، مثل: إن محمودا قائم، الفاضل - أو: إن محمودا قائم أبو البركات، أو: أبا البركات، أو إن محمودا قائم، نفسه، أو: إن الرايتين قد استحسنتهما، ألوانهما - بالنصب والرف في كل التوابع السالفة، متابعة للرأي الأحسن.
5 وقد تعرض ابن مالك للحالة الأولى وحدها، وفي حالة العطف بعد مجيء الخبر، فقال:
وجائز رفعك معطوفا علي
…
منصوب "أن" بعد أن تستكملا
أي: إذا استكملت "إن" معمولها جاز العطف على اسمها - إن اقتضى المعنى ذلك- ويصح في هذا المعطوف إن يكون منصوبا، أو مرفوعا، أما سبب النصب والرفج فيجيء الكلام عليه في هامش الصفحة التالية.
وفيما يلي بعض الأمثلة لتأخر الخبر، وتوسط المعطوف:
إن القاهرةَ ودِمَشقَ ُ حاضرتان عظيمتان
إن مكة والمدينةَ ُ مكرَّمان
إنّ العدالة والنصَفَةَ ُ كفيلتان بالأمن والرخاء
إن الظلمَ والاستبدادَ ُ مؤذنان بخراب العُمران
من التيسير الحسن إجازة النصب والرفع فى كل كلمة من: "دمشق - المدينة - النصفة - الاستبداد
…
" وأشباهها، مع الانتصار، على معرفة هذا الحكم دون تعليله. فيكون الحكم فى الحالتين واحداً والقاعدة مطردة، سواء أكان المعطوف متقدماً على الخبر متوسطا بينه وبين الاسم، كهذه الأمثلة، أم متأخراً عنهما معا، كالأمثلة الأولى.
1 فتنطبق - في يسر ووضوح- على الحالتين السالفتين، وعلى أحوال أخرى أتعبت كثرة النحاة في توجيهها، لعدم أخذهم بهذه القاعدة السليمة، فلو أن هذه الكثرة لم تتشدد بغير داع لاستراحت وأراحتنا من التعقيد المتعب. لم يختلف النحاة في حكم الحالة الأولى التي يقع فيها المعطوف متأخرا عن:"إن" ومعموليها، وإنما اختلفوا في تعليل النصب والرفع، وفي توجيه كل مهما، وهو خلاف تشعبت الأدلة فيه، ولما كانت الغاية المقصودة هي - كما قلنا - معرفة الحكم نفسه مع سلامة المعنى المراد، وقد عرفناه، فلا حاجة بعده لاحتمال مشقة التعليل. وبالرغم من هذا نلخصه في وضوح ودقة للمتخصصين:
أ- تعليل النصب عند تأخر المعطوف عل الخبر والاسم معا:
في المثال الأول: "إن الأقمار دائرات في الفضاء، والشموس" يجوز أن تكون "الشموس" بالنصب معطوفة على "الأقمار" منصوبة مثلها. و "دائرات" خبر على المعطوف مع المعطوف عليه، فأصل الكلام "إن الأقمار والشموس دائرا في الفضاء" فالعطف من نوع عطف الكلمة الواحدة على الكملة الواحدة، ويسمونه:"عطف المفرد على المفرد" كما في نحو،:"إن الرسم والتصوير لغتان عالميتان" بعطف كلمة: "التصوير" على كلمة الرسم.
ويجوز أن يكون أصل الكلام "إن الأقمار دائرات، في الفضاء، وإن الشموس دائرات.... فحذفت "إن" الثانية مع خبرها لدلالة ما قبلها عليها "وقد سبق في ص 641 الإشارة إلى هذا الحذف وصوره وأحواله" وكلمة: "الشموس" اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، فتكون الجملة الاسمية الثانية المكونة من "إن" المحذوفة ومن اسمها وخبرها، معطوفة على الجملة الاسمية الأولى المكونة من "إن" المذكورة ومعموليها. والعطف هنا عطف جملة اسمية على جملة اسمية "راجع ص 67 من الجزء الثاني من شرح المفصل".
وفي المثال الثاني: "إن الشعر محمود في مواطن، والنثر" - يجوز في كلمة: "النثر" النصب ولكن على اعتبار أنها اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، فأصل الكلام، إن الشعر محمود في مواطن وإن النثر محمود في مواطن.
…
فحذفت "إن" الثانية مع خبرها، والعطف هنا عطف جملة اسمية "مكونة من "إن" الثانية ومعموليها" على الجملة الاسمية السابقة المكونة من "إن" المذكورة ومعموليها. ولا يصح في هذا المثال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= ما صح في سابقه من عطف المفرد على المفرد "بعطف كلمة: "النثر" على كلمة: "الشعر" التي هي اسم "إن"، لأن العطف على اسم "إن" مباشرة يؤدي هنا إلى تقرير مرفوض، إذ يجعل أصل الكلام، إن الشعر والنثر محمود في مواطن، فيقع الخبر غير مطابق، لأنه مفرد، واسم إن مع ما عطف عليه بالواو متعدد في حكم المثنى، فتضيع المطابقة اللفظية الواجبة بين المبتدأ والخبر، أو: بين ما أصله المبتدأ والخبر، إذ لا يصح أن يقال: "إن الهواء والماء ضروري للحياة بإعراب كلمة: "الماء" معطوفة على: "الهواء" عطف مفردات.... وهذا يقال أيضا في المثال الثالث: "إن الإهمال مفسد للأعمال والجهل" فالنصب جائز على اعتبار عطف الجملة، فيكون التقدير: إن الإهمال مفسد للأعمال وإن الجهل مفسد.... ولا يصح أن يكون عطف مفرد بالواو على مفرد، كي لا يؤد إلى عدم المطابقة اللفظية، يجعل التقدير: إن الإهمال والجهل مفسد للأعمال.....
وهكذا كل أسلوب آخر يشبه هذا الأسلوب
…
أما حيث لا مانع من عطف المفردات فيجوز مراعاته، أو مراعاة عطف الجمل كما في المثال الأول....
ب- تعليل الرفع عند تأخر المعطوف أيضا عن الخبر والاسم معا.
يرى بعضهم: أن سبب الرفع في كلمة: "الشموس - النثر - الجهل - النفط" وأشباهها - هو اعتبار كل واحدة منها، مبتدأ خبره محذوف، يفسره خبر "إن" والجملة الاسمية، المكونة من هذا المبتدأ، وخبره المحذوف معطوفة على الجملة الاسمية الأولى المكونة من "إن" ومعمولها. فأصل الكلام إن الأقمار دائرات "والشموس دائرات"- إن الشعر محمود في مواطن "والنثر محمود في مواطن...." وهكذا.... فالعطف عطف جملة اسمية على جملة اسمية.
ويرى آخرون: أن هذه الكلمات المرفوعة معطوفة على الضمير المستتر في خير" "إن" وخاصة إن كان الخبر مشتقا وبينه وبين المعطوف فاصل، لأن الخبر المشتق يحوي الضمير المستتر بغير تأويل، ولأن وجود الفاصل يرضي، القائلين بأنه: "لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل- ومنه المستتر - إلا مع فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه "الذي هو: الضمير". فكلمة. "الشموس" يجوز رفعها، لأنها معطوفة على الضمير المستتر في "دائرات" وتقدير الضمير:"هي". والفاصل بينهما موجود. وكلمة "النثر" يجوز رفعها باعتبارها معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "محمود، وتقديره: "هو". والفاصل موجود أيضا. وكلمة: "الجهل" معطوفة على الضمير المستتر في كلمة: "مفسد" وتقديره: "هو"، والفاصل موجود، وهكذا..... فالعطف عطف مفردات.
ويرى فريق ثالث: أن العطف إنما هو على اسم "إن" مباشرة، باعتباره في الأصل مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، فيجوز الرفع مراعاة لذلك الأصل بشرط ألا يتعارض مع المطابقة المطلوبة بين معمولي:"إن".
ولكل فريق من الثلاثة - وغيرهم - أدلة في تأييد مذهبه، وفي الرد على معارضيه. لكن الحق أن كثيرا من تلك الأدلة جد لي، وأن كثيرا من الأساليب العربية الفصيحة ينطبق عليها بعض الآراء دون بعض.
ننتقل بعد ذلك إلى الحالة الثانية التي يتأخر فيها الخبر ويتقدم عليه المعطوف، فيتوسط بينه وبين اسم "إن" وقد قلنا: "إنه يجوز فيها الرفع النصب أيضا. ولو لم نأخذ بهذا الرأي لوقعنا في لجة غامرة من التمحل والجدل، والتأويل الذي لا خير فيه، والذي يمتد إلى القرآن الكريم، والكلام الفصيح من غير داع مستساغ. وتوجيه النصب هنا يحتاج لمزيد من اليقظة والإدراك، كما سيتبين مما يأتي:
1-
تعليل النصب: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= في مثل: "إن القاهرة ودمشق حاضرتان...." يجوز نصب "دمشق" على اعتبار واحد، هو أنها معطوفة على اسم "إن" المنصوب، والخبر هو:"حاضرتان"، فالعطف عطف مفرد على مفرد، ولا يجوز أن يكون عطف جملة على جملة بإعراب "دمشق" منصوبة، اسم "إن" المحذوفة مع خبرها الذي يدل عليه خبر "إن" الموجودة، إذ يكون التقدير: إن القاهرة حاضرتان - وإن دمشق حاضرة - فتختل المطابقة اللفظية. هذا إلى أننا سنعطف جملة على جملة لم تكل ولم تتم. والأمران ممنوعان.
ولو أعربنا كلمة "حاضرتان" خبر "إن" المحذوفة، وخبر المذكورة محذوف لكان التقدير إن القاهرة حاضرة وإن دمشق حاضرتان" وهو فاسد، لاختلال المطابقة اللفظية، كفساده في مثل: محمود وصالح غائبان، على اعتبار كلمة. "صالح" مبتدأ خبره محذوف فيكون التقدير: محمود - وصالح غائب - غائبان.... والفساد واضح هنا، كوضوحه لو أعربنا كلمة: "صالح" مبتدأ، خبره كلمة: "غائبان" والتقدير: محمود غالب وصالح غائبان.
والأمر بالعكس لو قلنا: إن القاهرة ودمشق حاضرة، إذ يصح أن يكون "دمشق" منصوبة إما: على اعتبارها اسم "إن" المحذوفة، وحدها، وكلمة:"حاضرة" المذكورة خبرها. ويكون خبر "إن" المذكورة محذوفة تقديره. عاصمة. مثلا - فالأصل: إن القاهرة عاصمة.... وإن دمشق حاضرة، فالجملة الاسمية الثانية معطوفة على الجملة الاسمية الأولى. والعطف عطف جمل، ولا يصح أن يكون عطف مفردات، لما يترتب عليه من تقدير يجعل أصل الجملة:"إن القاهرة ودمشق حاضرة" فتختل المطابقة اللفظية - كما تختل في مثل: حامد وأمين قائم - بعطف "أمين" مباشرة - على: "حامد" فيقع المفرد خبرا عن المثنى أو ما في حكمه، وهذا ممنوع.
وإما على اعتبارها اسم "إن" المحذوفة - أيضا - مع خبرها. وأصل الكلام: إن القاهرة حاضرة وإن دمشق "حاضرة" فتقدمت الجملة الثانية، واعترضت بين اسم "إن" الأولى وخبرها، فهي جملة معترضة، وليست معطوفة، إذ لا يصح عطف جملة إلا بعد أن تم الجملة الأولى، وهي المعطوف عليها - كما تقدم.
ومما سبق نعرف أن النزول على حكم المطابقة اللفظية أمر محتوم، فحيث تحققت وتحكمت - كالمثال الأول - وجب اعتبار العطف عطف مفردات - وحيث اختلفت - كالمثال الثاني - وجب اعتباره عطف جمل، أو اعتبار الجملة الثانية غير معطوفة، وإنما هي جملة معترضة تقدمت من تأخير تفصلت بين اسم إن وخبرها. وقد تكون مستأنفة إن اقتضى المعنى ذلك.
ب- تعليل الرفع:
في المثال الأول ونظائره من نحو: إن العالة والنصفة كفيلتان بالأمن والرخاء، يجوز رفع كلمة:"النصفة" على أنها معطوفة على اسم "إن" باعتبار أصله مبتدأ مرفوعا قبل مجيء الناسخ، والخبر هو كلمة:"كفيلتان" فالعطف عطف مفردات، لمطابقة الخبر لاسم "إن" مع المعطوف، ولا يصح أن يكون عطف جمل، بإعراب كلمة:"النصفة" مبتدأ خبره محذوف، لما يلزم عليه من فساد الأسلوب لفساد المطابقة، كما شرحنا.... ولما يلزم عليه أيضا من عطف جملة على جملة أخرى لم تكمل.
فلو قلنا: إن العدالة والنصفة كفيلة بالأمن والرخاء، لجاز الرفع على اعتبار كلمة:"النصفة" مبتدأ خبره، كلمة:"كفيلة" الموجودة، وخبر "إن" محذوف. - بعد اسمها - تقديره: كفيلة أو ضامنة.... أو....، وتقدير الكلام: إن العدالة كفيلة بالأمن، والنصفة كفيلة بالأمن. فيكون الكلام عطف جملة اسمية لاحقة على نظيرتها السابقة، كما يجوز إعراب كلمة:"كفيلة" الموجودة خبر "إن". أما خبر المبتدأ فمحذوف تقديره: كفيلة - مثلا- فتكون الجملة المكونة من المبتدأ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= والخبر جملة اعتراضية بين اسم "إن" خبرها، ولا يجوز أن تكون معطوفة، لما سبق من أنه لا يجوز عطف جملة على جملة إلا بعد أن تتم الأولى وهي التي عطف عليها.
ولا اعتداد برأي من يرفض الرفع في الصورة التي لا مطابقة فيها - وغيرها فيمنع أن يقال: إن العدالة والنصفة كفيلة.... كما يمنع أن يقال: إن محمدا وعلى قائم. فلو أخذنا برأيه لاعترضتنا أمثلة ناصعة الفصاحة من القرآن الكريم. والكلام العربي الصحيح، ولم نجد بدا من التمحل الملعيب، والتأويل البغيض. وكيف يوجب كثير من النحاة النصب. وحده - عند العطف بعد الاسم وقبل مجيء خبر "إن" مع مجيء الرفع في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى
…
} من آمن بالله...."؟ فكلمة: "الصابئون" وقعت مرفوعة بعد العاطف وقبل مجيء خبر "إن" واسم" إن" هو كلمة: "الذين ومثلها قراءة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ
…
} برفع كلمة "ملائكة" بعد العاطف وقيل خبر "إن" وكذلك قول الشاعر:
فمن يك أمسى في المدينة رحله
…
فإني وقيار بها لغريب
وكلمة "قيار""وهي اسم حصان الشاعر" مرفوعة: بعد العاطف وقبل خبر "إن" ومثل قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
…
بغاة ما بقينا في شقاق
فالضمير "أنتم" ضمير رفع. وغير هذا من الشواهد المتعددة. كيف يقبلون أن تؤول الآية - بغير داع لتطابق القاعدة ولا يتصرفون في القاعدة تصرفا صريحا يساير الآية، مع اعتقادهم أن القرآن أفصح كلام عربي وأعلاه؟ ولم التمحل في الأمثلة العربية الأخرى - وهي كثيرة - وترك القاعدة بغير إصلاح؟ وهل يصير الأسلوب الفاسد صالحا بمجرد التأويل والنية الخفية من غير تغيير يطرأ على ظاهره؟
ثم هم لا يبيحون التأويل إلا في الأمثلة المسموعة التي تخالف قاعدتهم، أما الأمثلة التي هي من كلام المحدثين ففاسدة - في رأيهم - فسادا ذاتيا، فلا يجوز قبولها، ولا التماس التأويل فيها. وهم يؤولون المرفوع في الأمثلة السالفة وأشباهها بما نعتبره حكما عاما صحيحا في ذاته، لا يحتاج لتأويل - وغير مقصور على الوارد المسموع، فيؤولون المرفوع في الآية الأولى وفي البيت بأنه مبتدأ - خبره محذوف، والجملة معترضة - بين اسم إن وخبرها، لتقدم المبتدأ وخبره عن مكانهما، وتوسطهما بين اسم "إن" وخبرها. فأصل الآية - عندهم {إن الذين آمنوا - والصابئون كذلك - من آمن منهم} - وأصل البيت. فإني - وقيار غريب - لغريب، ويفضلون أن تكون الجملة في المثالين اعتراضية لا معطوفة، فرارا من العطف قبل تمام الجملة المعطوف عليها، إن جعل من عطف الجمل، وفرارا من تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير المستتر في الخبر فهم يؤولون البيت بتأويل الآية الأولى وحدها فيجعلون كلمة:"غريب" المشتملة على لام الابتداء خبر "إن" ولا يجعلونها خبرا لكلمة "قيار" لأن دخوول لام الابتداء على خبر المبتدأ ضعيف. فخبره هنا محذوف، والتقدير "قيار غريب" أو "وقيار مثل" والجملة منهما اعتراضية. وكل هذا مقبول، ولكن على أساس أنه حكم عام غير مقصور على السماع - كما تقدم وأنه صحيح ذاتيا.
أما في الآية الثانية: "إن الله وملائكته..... فيلتمسون تأويلا آخر، فيجعلون خبر "إن" هو المحذوف، ويجعلون الاسم المرفوع مبتدأ خبره المذكور بعده، والتقدير عندهم: إن الله يصلي على النبي، وملائكته يصلون على النبي، إذ لا يصلح في هذه الآية التقدير الأول الذي صلح لسابقتها، لما يترتب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= عليه من أن يكون التقدير، إن الله يصلون على النبي، فتختل المطابقة اللفظية بين اسم "إن" وخبرها، وهي لازمة كما قلنا، فإن لم يوجد ما يعين أحد التأويلين فهما - عندهم - جائزان.
كل هذا وما سبقه من تأويل عندهم، عناء لا مسوغ لاحتماله، يريحنا منه الأخذ بالرأي الذي يبيح الأمرين: الرفع والنصب بالتوجيه الذي شرحناه، فوق ما فيه من راحة أخرى، إذ يحمل القاعدة، واحدة مطردة، فيسوي بين العطف بعد مجيء خبر "أن" وقبل مجيئه.
على أننا نقول: حسب الناس في الصور السابقة كلها أن يحاكوا أساليب القرآن، والكلام العربي الفصيح، فلا نرهقهم بالتأويلات المختلفة، وفهمها، ومن شاء أن يؤول كلامهم بعد قبوله كما أول القرآن، فليفعل، وعلى ضوء ما يق يمكن الوصول إلى حكمين:
أولهما: فساد التركيب في مثل: "إن محمدا وإن عليا منطلقان، لاشتماله على خبر واحد لمتعاطفين تكررت فيهما "إن" فيكون معمولا واحدا لعاملين، هما: "إن" الأولى و "إن" الثانية وهو بهذه الصورة غير جائز، لأن كل عامل منهما يحتاج وحده إلى معمول خاص به "راجع الهمع جـ1 ص 135"
ثانيهما: توجيه الأساليب الآتية: تطبقا على ما سبق -:
"إن رجلا وغلاما حاضران". فكلمة "غلاما" منصوبة على أنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" المنصوب لفظهه. ولو قلنا: إن رجلا وغلام حاضران، لكانت كلمة غلام " مرفوعة، لأنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" باعتبار أصله المبتدأ قبل أن يصير اسم "إن" وكلمة: "حاضران" هي الخبر في الحالتين، لأنها مثنى، فهي مطابقة للمعطوف والمعطوف عليه معا.
أما إذا لم تطابق في مثل: إن رجلا وغلاما حاضر. تريد: إن رجلا حاضر، وإن غلاما حاضر، مع قيام قرينة تدل على هذا المراد- فالأصول اللغوية العامة لا تنع هذا الأسلوب، فيصح أن تكون كلمة. "حاضر" خبر "إن" المذكورة. وكلمة "غلاما" اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، وهذه الجملة معترضة، ولا تصلح أن تكون معطوفة، لما سبق توضيحه - في الرأي الراجح.
وكذلك إ ن لم يتطابق في مثل: إن رجل وغلام حاضر. فكلمة "حاضر" خبر "إن" المذكورة "وغلام" مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: إن رجلا حاضر، وغلام حاضر، وتكون الجملة الثانية معترضة أيضا - بين اسم إن وخبرها.
ويجوز في المثال الأول: "إن رجلا وغلاما حاضر" اعتبار كلمة "حاضر" خبر "إن" محذوفة وحدها. وخبر المذكورة محذوفة أيضا، والجملة الثانية معطوفة على الأولى عطف جمل.... وهكذا
ملاحظة: مما يجب التفطن له أن كل واحد من هذه الاعتبارات - وأشباهها- لا يصح الالتجاء إليه بداعي التمحل المحض في تصحيح كلمة لم يتضح في السياق مرماها المعنوي السليم ولا مهمتها في توضيح المراد، ولا يصح تلمس التصويب لمن نطق بها عفوا على غير هدى لغوي يؤدي إلى المعنى المقصود، وإلا صارت اللغة لعبا ولهوا. وإنما نلجأ إلى التأويل حين يكون هو الوسيلة لتحقيق المعنى المراد الصادر عن قصد، لقيام قرينة تفرضه وتأتي سواه.
وبالرغم من الاعتبارات السالفة تقضي الحكمة ألا نلجأ إلى استعمال تلك الأساليب ما وجدنا مندوحة للبعد عنها. ومن الخير أن أن نكتفي في العطف على اسم "إن" بضبط المعطوف منصوبا فقط، سواء. أكان العطق قبل مجيء الخبر أم بعده، لأن هذا هو المسلك الظاهر، المتفق عليه، والنهج الواضح الذي يعد اتباعه عن أهم مقاصد البلغاء. ما لم يوجد مقصد أسمى يدعو للعدول المحتم عنه، كاقتضاء المقام أن يكون العطف عطف جمل، لا عطف مفردات، لأن الأولى يؤدي غرضا غير الذي يؤديه الثاني.
حكم المعطوف مع أخوات "إن"1.
وكل ما قيل فى حكم المعطوف بعد استكمال "إن" خبرها، وقبل استكمالها - يقال أيضاً بعد حرفين من أخواتها، هما: أنّ "المفتوحة الهمزة، المشددة النون" و"لكنّ" المشددة النون، سواء أكان العطف قبل استكمالهما الخبر أم بعده، فالحروف الثلاثة الناسخة:"إنّ - أنّ - لكنّ" مشتركة فى الحكم السالف. تقول: علمت أنّ طائرة مسافرةٌ وسيارةً ٌ، أوعلمت أن طائرةً وسيارةً ٌمسافرتان، ينصب كلمة:"سيارة" ورفعها، مع تقدمها على الخبر وحده، أوتأخرها عنه. كما تقول الفواكه كثيرة فى بلادنا، لكنّ التفاحَ قليل. والبُرقوقَ ُ. أولكنّ التفاح والبُرقوقَ ُ قليلان، بنصب كلمة:"البرقوق" أورفعهما مع التقدم على الخبر وحده أوالتأخر عنه.
أما "ليت" و"لعل" و"كأن" فلا يجوز معها فى المعطوف إلا النصب؛ سواء أوقع بعد استكمالها الخبر أم قبل استكمالها. مثل: ليت الأخ حاضر والصديقَ، أوليت الأخَ والصديقَ حاضرِان؛ بنصب كلمة:"الصديق" فى الحالتين. ومثل: لعل العلاجَ مفيدٌ والدواءَ، أو: لعل العلاجَ والدواءَ مفيدان. بنصب كلمة: "الدواء" فيهما. ومثل: ليت الصحة دائمة والثروةَ، أو: ليت الصحة "والثروةَ" دائمتان. بنصب كلمة: الثروة فيهما. وهكذا.....2
ونستخلص مما تقدم:
ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقاً، "أىْ: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته؛ وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه" إلا "لا" النافية للجنس"3 فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجئ فى بابها4.
1 في المسألة التالية ما في سابقتها من كثرة الخلاف، والتشعيب، بحيث يصعب استخلاص حكم يساير أصفى الأساليب الفصيحة، وأدق الأحكام اللغوية العامة، وقد أثبتنا في المسألتين ما استصفيناه
2 وفيما سبق يقول ابن مالك:
وألحقت بإن "لكن"، و "أن"
…
من دون "ليت" و "لعل" وكأن
أي: ألحق "بإن" في الحكم السابق الخاص بالعطف - حرفان من أخاتهما، وهما:"أن""المفتوحة الهمزة، المشددة النون"، و "لكن"، بتشديد النون، وخالفها ثلاثة أخرى، هي:"ليت" و "لعل"، و "كأن" وقد فصلنا ذلك الحكم. ويزاد على هذه الثلاثة "لا الجنسية" لما قررناه من انفرادهما بأحكام خاصة وفي بيت ابن مالك خففت النون في "أن" و "كأن" لضرورة الشعر التي جعلت النون ساكنة فيهما.
3 وهي من أخوات "إن".
4 في ص 697و 701.
ونستخلص من كل ما تقدم أمرين:
ا- أن المعطوف على اسم من أسماء هذه الحروف الناسخة يجوز فيه النصب مطلقا، "أي: سواء أكان الحرف الناسخ هو: "إن" أم غيره من أخواته، وسواء أكان العطف بعد استكماله الخبر أم قبل استكماله ومجيئه" إلا "لا" الجنسية، فللعطف على اسمها أحكام خاصة تجيء في بابها1.
ب- امتياز: إنّ، وأنّ، ولكنّ - دون أخواتها - بجواز شىء آخر هوصحة رفع المعطوف على اسمها؛ سواء أكان المعطوف متوسطاً بين الاسم والخبر أم متأخراً عن الخبر.
1 ص 697 و 701 - كما سبقت الإشارة في رقم 1 من هامش ص 665 -
المسألة الخامسة والخمسون: تخفيف "النون" فى هذه الأحرف الناسخة 1 "إن، أن، كأن، لكن"
فأما "إنَّ""المكسورة الهمزة، المشددة النون" فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة. وعندئذ تصلح "إنْ" للدخول على الجمل الاسمية والفعلية، بعد أن كانت مع التشديد مختصة بالنوع الأول.
"ا" فإن خففت ودخلت على جملة اسمية جاز إبقاء معناها وعملها وسائر أحكامها التى كانت لها قبل التخفيف2، وجاز إبقاء معناها دون عملها فتصير مهملة ملغاة. مثل: إنْ جريراً لشاعرٌ أمَوِىٌّ كبير، أو: إنْ جريرٌ لشاعر أموى كبير. مثل: إنْ أبا حنيفة لإمام عظيم، أو: إنْ أبوحنيفة لإمام عظيم. بنصب كلمتى. جريراً و"أبا" على الإعمال، وبرفعهما على الإهمال
…
وإهمالها أكثر فى كلام العرب، ويحسن - اليوم - الاقتصار عليه.
وإذا أهملت - مع دخولها على جملة اسمية - وجب مراعاة ما يأتى: "ا" أن يكون اسمها قبل أهمالها - اسماً ظاهراً لا ضميراً؛ مثل: إنْ بَغدادُ لبلد تاريخى مشهور.
"2" أن تشتمل الجملة التى بعدها على لام الابتداء3؛ لتكون رمزاً للتخفيف، ودالة على أنها ليست النافية، ولذا قد تسمى: اللام الفارقة4؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية؛ مثل: إنْ تونُسُ لَرِجالُها عرب. ويجوز تركها والاستغناء عنها متى وجدت قرينة واضحة تقوم مقامها فى تبيين نوع "إنْ"، وأنها المخففة،
1 هذا هو البحث الذي أشرنا إليه في رقم 3 من هامش ص 630.
2 إلا العمل في الضمير، فإن العمل فيه مقصور على المشددة، تقول: إنك عدو الطغيان بتشديد "إن" ولا يجوز التخفيف في اللغة المستحسنة التي هي حسبنا اليوم.
3 تفصيل الكلام عليها في ص 659.
4 هذه لام الابتداء في الرأي الراجح، وتجيء عند التخفيف. ولكن مكانها يختلف باختلاف التراكيب على الوجه التالي:
أ- فعند دخول "إن" المخففة على جملة اسمية فإن اللام تدخل على الخبر عند الإهمال.
ب- وعند دخول "إن" المخففة على جملة فعلية فإن الإهمال واجب في الأرجح - ويكون =
وليست النافية، لكن عدم تركها أفضل1. ولا فرق فى القرينة بين أن تكون لفظية فى أومعنوية، والمعنوية أقوى. ومن القرائن الفظية أن يكون الخبر فيها منفيًّا مثل: إنْ المجاملةُ لن تضرَّ صاحبها. فكلمة "إنْ" مخففة، وليست نافية؛ لأن إدخال النفى على النفى لإبطال الأول قليل فى الكلام الفصيح: إذ يمكن مجئ الكلام مثبتاً من أول الأمر، من غير حاجة إلى نفى النفى المؤدى للإثبات بعد تطويل. ومثال القرينة المعنوية: إنْ العاقلُ يتبع سبيل الرشاد. إنْ المحسنُ يكون محبوباً. إنّ الاستقامةُ تجلب الغِنى؛ إذ المعنى يفسد على اعتبار "إنْ" للنفى فى هذه الأمثلة
…
ومن هذا النوع قول الشاعر:
أنا بانُ أبَاةِ الضَّيْمِ من آلِ مالكٍ
…
وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادنِ
فلوكانت "إنْ" للنفى لكان عجز البيت ذمًّا فى قبيلة مالك، مع أن صدرهُ لمدحها2.
= الفعل بعدها ناسخا - كما سيجيء في ب من ص 675 وتدخل اللام على خبره الحالي، أو على خبره بحسب الأصل، فالأول نحو: إن كنت لناصرا المظلوم. والثاني: إن ظننتك لطموحا
…
فإن كان غير ناسخ - وهذا قليل لا يصح القياس عليه اليوم - دخلت على فاعله إن كان اسما ظاهرا أو ضميرا بارزا، نحو: إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه، فكلمة:"نفس" اسم ظاهر، فاعل الفعل:"يزين" وكلمة: "هي" ضمير بارز فاعل للفعل: يشين، والهاء التي في آخر الضمير هاء للسكت. والمراد: إ ن نفسك هي اتي تزينك، وهي التي تشينك، أي: تعيبك - انظر "أ" من ص 676.
فإن اجتمع الفاعل والمفعول به دخلت على السابق منهما، نحو: إن أحسن لكاتب عمله. أو: إن أحسن لعمله كاتب. وإنما تدخل على السابق منهما، نحو: إ ن أحسن لكاتب عمله. أو: إن أحسن لعمله كاتب. وإنما تدخل على السابق منهما بشرط ألا يكون ضميرا متصلا "ظاهرا أو مستترا" فإن كان ضميرا متصلا لم تدخل عليه اللام ودخلت على المتأخر: مثل: إن عظمت لعالما نافعا، وإن مدحت لإياه، والعاقل إن مدح لعظيما "فقد دخلت اللام على المفعول به مع تأخره" لأن الفاعل في المثالين الأولين ضمير متصل بارز، وفي الأخير ضمير متصل مستتر.
1 إلا لمانع يمنع، كدخولها على حرف نفي.
2 حذف اللا م هنا لعدم الحاجة إليها، لأن المقام للمدح، وهو يقتضي الإثبات لا نفي. وفي هذه الحالة يجوز حذفها وإثباتها.
ومما يلاحظ أنا لو أردنا إدخالها في المثال السالف لكان الأنسب إدخالها على كلمة: "كرام" دون الفعل: "كان"، لأنها لا تدخل على ماض، متصرف، خال من طقد" كما سبق - في ص 661 - سواء أكانت "إن" عاملة أم غير عاملة.
هذا، وكلمة:"أباة" جمع "آب" بمعنى: كاره. و "ماليك" اسم قبيلة عربية، سميت باسم زعيمها، والشاعر يتباهى في صدر البيت بأنه من أسرة ذلك الزعيم، وأنها تكره الضم، "أي: الذل" وأنها قبيلة كريمة الأصول. فكلمة "مالك" الأولى اسم للزعيم، والثانية اسم القبيلة، ولهذا أنث الفعل معها.
"3" أن يكون الخبر من النوع الذى يصلح لدخول اللام عليه وقد سبق بيانه1.
"ب" وإن خُفِّفت ودخلت على جملة فعلية وجب الإهمال2، وأن يكون الفعل بعدها ناسخا3؛ مثل: الحريةُ عزةٌ، وإنْ كانت لأمنيةَ النفوس الكبيرة، وقول أعرابيّ لأحد الفتيان: رَحِم الله أباك، وإنْ كان ليملأ العين جمالا، والأذن بيانا، ومثل: إن يكادُ الذليلُ ليألفُ الهوان. ومثل: إنْ وجدْنا المنافق لأبْعَدَ من إكبار الناس وتقديرهم4.
1 راجع ص 660.
2 ولا داعي للأخذ بالرأي القائل بأعمالها، واعتبار اسمها ضمير الشأن المحذوف. وهو رأي مقبول أيضا.
3 مثل كان وأخواتها. "ومن أخواتها: أفعال المقاربة، وما يتصل بها...." ومثل: ظن وأخواتها - ويشترط في هذا الفعل الناسخ ألا يكون نافيا، مثل:"ليس"، ولا منفيا، مثل ما كان، ما زال، ما برح، لن أبرح، لن أفتأ.... وأن يكون غير داخل، في صلة، مثل: ما دام، وتجيء اللام في خبر الناسخ الحالي، أو خبره بحسب الأصل "كما سبق في ب هامش ص 673".
4 وفيما سبق يقول ابن مالك:
وخففت: "إن" فقل العمل
…
وتلزم اللام إذا ما تهمل
وربما استغنى عنها إن بدا
…
ما ناطق أراده معتمدا
أي: إذا خففت "إن" قل إعمالها. وإذا أهملت لزم مجيء اللام بعدها، وقد شرحنا ما يتعلق بمجيئها.
ثم أوضح في البيت الثاني أن هذه اللام قد يمكن تركها، والاستغناء عنها إن بدا. "أي: ظهر" المراد الذي أراده المتكلم، معتمدا، في ظهوره على قرينة توضحه - ومعنى "بدا ما ناطق أراده" ظهر الذي أراده الناطق - ثم قال:
والفعل إن لم يك ناسخا فلا
…
تلقيه - غالبا - بإن ذي موصلا
"ذي" بمعنى: هذه يريد: أن الفعل إن لم يكن من الأفعال الناسخة فإنك - غالبا - لا تلفيه "أي: لا تجده" في الكلام الفصيح متصلا بـ "إن" المخففة، فلا يقع بعدها مباشرة "وكلمة:"غالبا" تعرب ظرف زمان أو مكان. فالمعنى: انتفى في غالب الأزمنة، أو في غالب التراكيب وجود الفعل غير الناسخ متصلا مباشرة بالحرف "إن" المخففة".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
ا- من الأمثلة العربية المسموعة: إنْ يَزينُك لَنَفسُك، وإنْ يَشينُك لَهِيَهْ. وقد سبق1، ومنها إنْ قَنَّعتَ كاتبك لسَوْطاً2. وقول الشاعر:
شَلَّتْ3 يمينُكَ إنْ قتلت لمُسلماً
…
حَلَّتْ عليك عقوبةُ المتعمد
وهى أمثلة يستشهد بها النحاة على وقوع الأفعال غير الناسخة بعد "إنَّ" إذا خففت. ولا داعى لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة. وحسبنا أن نتبين معناها، والغرض الذى نستعملها فيه، دون القياس عليها من هذه الناحية.
ب- بمناسبة تخفيف "إنّ" يعرض النحاة للقراءات التى فى قوله تعالى: {وإنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِينَّهم رَبُّك أعمالَهم} ، وتوجيه كل قراءة. وإليك بعض ذلك.
"1""وإنَّ كلاً لَمَا ليُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم" بتشديد النون، وتخفيف "ما"، فيكون الإعراب:"كلاًّ" اسم إن. "لما"؛ اللام لام ابتداء، "ما" زائدة؛ لتفصل بين اللامين. "ليوفينهم" اللام للابتداء؛ لتوكيد الأولى، والجملة بعدها خبر "إنّ".
ويصح إعراب آخر: "كُلاًّ" اسم إن المشددة. "لَمَا" اللام لام الابتداء، "ما": اسم موصول خبر "إنّ" مبنى على السكون فى محل رفع. "لَيُوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب جواب قسم محذوف؛ وجملة القسم وجوابه صلة "ما"، والتقدير:"لَمَا والله لَنوفَّينَّهم4". وجملة القسم وإن كانت إنشائية - هى لمجرد التأكيد. والصلة فى الحقيقة جوابه. أى: "وإنّ كلا لَلّذين والله ليوفينهم" لهذا لا يقال إن جملة القسم هنا إنشائية مع أن جملة الصلة لا تكون إلا خبرية"5.
1 في "ب" من هامش ص 673.
2 أي: إنك قنعت كاتبك سوطا، بمعنى: ضربته على رأسه بالسوط، فأحاط به إحاطة القناع برأس المرأة.
3 يدعو عليه بشلل يمينه، فالجملة دعائية.
4 انظر ص 378 حيث الأشياء التي يجوز الفصل بأحدها بين الموصول وصلته.
5 راجع الصبان في هذا الموضع، ثم ما يتصل بهذا في ص ص 374 و 378 السابقتين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"2""وإنْ كُلاًّ لَمَا ليوفنيهمْ ربك أعمالهم" بتخفيف "إنْ" و"ما" مع إعمال "إنْ" كأصلها. والإعراب لا يختلف عما سبق؛ فيصح هنا ما صح هناك.
"3""وإنْ كُلٌّ لَمَا لَيُوَفِّينَّهم...." بتخفيف "إنْ" و"ما". فكلمة "إنْ" مهملة. كل: مبتدأ. وما بعد ذلك يصح فيه الأوجه السالفة فى الصورة الأولى مع ملاحظة أن الأخبار هنا تكون للمبتدأ.
"4""وإنْ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم" بتخفيف "إنْ" وتشديد "لمَّا" والإعراب يجرى على اعتبار "إنْ" حرف نفى، و"لما" أداة استثناء بمعنى:"إلا" و"كلاًّ" مفعول به لفعل تقديره: أرى - مثلاً - محذوف، و"ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة، بعدها جوابه؛ أى: ما أرى كلاًّ إلى والله ليوفينهم.
"5""وإنَّ كلاًّ لمَّا ليوفينَّهم ربك أعمالهم" بتشديد "إنّ" و"لمَّا" والأحسن اعتبار "لما" حرف جزم، والمجزوم محذوف، والتقدير:"وإنّ كلاًّ لمَّا يُوَفَّوْا أعمالهم"
…
"ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة بعدها جوابه، والقسم وجوابه كلام مستأنف.
وعلى ضوء ما تقدم نعرب قوله تعالى: "وإنْ كلٌّ لمَّا جميعٌ لديْنا مُحْضَرون" فعند تشديد "لما" تكون بمعنى "إلا"، و"إنْ" المخففة حرف نفى. "كل" مبتدأ، جميع: خبره، "محضرون" نعت للخبر، مرفوع بالواو، "لدى" ظرف متعلق به، مضاف، "نا" مضاف إليه مبنى على السكون فى محل جر.
وعند تخفيف "ما" يكون الإعراب، كما يأتى:
"إنْ" مهملة "كُلّ" مبتدأ. "لمَا" اللام لام الابتداء، "ما" زائدة، "جميع" مبتدأ ثان1 "محضرون" خبر الثانى، والثانى وخبره خبر الأول. "لدينا""لدى" ظرف متعلق بكلمة "محضرون". "نا" مضاف إلى الظرف. ويجوز فى هذه الآية وسابقتها إعرابات وتوجيهات أخرى2.
1 وإعرابها هنا مبتدأ أحسن من إعرابها خبرا، لكيلا تدخل "لام الابتداء" على الخبر، مع صحته - لأن دخولها على المبتدأ هو الأكثر.
2 سجلها الصبان والتصريح والخضري في آخر باب "إن" وأخواتها عند الكلام على تخفيف "إن".
الحرف الثاني: أن
وأما "أنّ""مفتوحة الهمزة، مشددة النون" فيجوز فيها التخفيف بحذف النون الثانية المفتوحة، وترك الأولى ساكنة؛ نحو: أيقنت أنْ" "علىٌّ شجاعٌ".
ويتحتم اعتبار "أنْ" مخفَّفة من الثقيلة متى وجدت علامة مما يأتى:
1-
أن تقع بعد ما يدل على اليقين1 والقطع، مثل: أيقَن، تيقَّن، جزَم، عَلِم، اعتَرف التى بمعنى: عَلِمَ، أو: أقَرَّ، اعتقادى، لا شَكَّ. وغيرها من الأفعال أوالألفاظ التى تفيد اليقين2؛ نحو: أيقنت أنْ عدلٌ من الله كلُّ جزائه. وقول الشاعر:
أأنت أخى ما لم تكنْ لى حاجةٌ؟
…
فإن عرَضتْ أيقنت أنْ لا أخا ليا
2-
أن تدْخل على فعل جامد، أورُبّ، أوحرف تنفيس3؛ نحو: اعتقادى أنْ ليس لشفقة الوالدين مثيل؛ وقول الشاعر:
وإنى رأيت الشمسَ زادت محبةً
…
إلى الناس أن ليْسَتْ عليهم بسَرْمَدِ
ومثل:
أجِدَّكِ ما تَدرينَ أنْ رُبَّ ليلةٍ
…
كأن دُجَاها من قُرونِكِ يُنْشَرُ
وقول الناصح لسامعيه:
فإنْ عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا
…
أنْ سوف تَلْقَوْن خِزْيًا ظاهر العار
3-
أن يقع بعدها فعل دعاء، نحوأطال الله عمرك، وأن هيَّأ لك المستقبل السعيد.
1 انظر ص 644 ومما يدل على اليقين عند سيبويه، ومن معه - الألفاظ الدالة على الخوف والحذر إذا كان أمرهما متيقنا- كما في الصفحة المشار إليها.
2 أما التي تقع بعد ما يدل على الظن "مثل، زعم، خال،.... والظن معناه: ترجيح أحد الأمرين" فإنها صالحة لأن تكون مخففة، وأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع بعدها. ويعينها لأحدهما وجود قرينة لفظية تقضي بالتعيين. فوجود الفاصل، أو رفع المضارع بعدها- قرينة لفظية على أنها المخففة. ونصب المضارع بعدها قرينة لفظية على أنها المصدرية الناصبة له. فإن لم تكن مسبوقة بما يدل على اليقين أو الظن فهي المصدرية الناصبة للمضارع حتما، كالتي تقع بعد ما يفيد الرغبة أو الإشفاق، أو الطمع أو التوقع "وقد سبق بيان المراد من هذه الألفاظ في رقم 3 من هامش ص 635، نحو: أود أن أشارك في كل عمل نافع - أخشى أن يشتد البرد - أرجو أن أهنيء الزملاء بما يسرهم - يسرني أن يزورني العلماء. "انظر "أوب" من ص 408 وما بعدها و 644، وستجيء الأنواع "أن" المختلفة بيان شامل في باب النواصب "جـ 4 ص 265 و 273 م 148".
3 هو السين، أو: سوف، وقد سبق الكلام على معناهما، والفرق بينهما في ص 60 -.
4-
أن تكون داخلة على جملة اسمية مسبوقة بجزء أساسى من جملة - لا بجملة كاملة - بحيث يكون المصدر المؤول من: "أنْ" المخففة والجملة الاسمية التى دخلت عليها - مكملاً أساسياً للجزء السابق. كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . فالمصدر المؤول خبر المبتدأ. "أخِر"1. وقول الشاعر:
كفى حزَنًا أنْ لا حياةَ هنيئةٌ
…
ولا عملٌ يرضَى به اللهُ - صالحُ
فالمصدر المؤول فاعل: "كفى"2.
ويترتب على التخفيف أربعة3 أحكام، يوجب أكثر النحاة مراعاتها:
أولها: إبقاء معنى: "أنّ" وعملها على حالهما الذى كان قبل التخفيف.
ثانيهما: أن يكون اسمها ضميراً4 محذوفاً، ويغلب أن يكون ضمير شأن5 محذوف كالمثال السابق؛ وهو: أيقنت أنْ "علىٌّ شجاعٌ"6.
ثالثها: أن يكون خبرها جملة؛ سواء أكانت اسمية أم فعلية؛ نحو: علمتُ أنْ حاتمٌ أشهرُ كرام العرب، وأيقنت أن قد أشْبَههُ كثيرون.
رابعها: وجود فاصل - فى الأغلب - بينها وبين خبرها إذا كان جملة فعلية7، فعلها متصرف، لا يقصد به الدعاء. والفاصل أنواع.
"ا" إما "قد"8 نحو: ثبت أنْ قد ازدهرت الصناعة فى بلادنا، ونحوقول الشاعر:
شَهِدْتُ بأنْ قدْ خُطَّ ما هوكائنٌ
…
وأنَّكَ تَمْحُوما تَشَاءُ وتُثْبِتُ
"ب" وإما أحد حرفي التنفيس9 مثل: أنت تعلم أن سأكونُ نصير الحق،
1 سيجيء للآية مناسبة أخرى في: "أ" ص 680.
2 راجع ما سبق في ص 644.
3 في رقم 4 من هامش ص 410 بعض أحكام أخرى تقتضي الرجوع إليها.
4 سواء أكان المتكلم، أم مخاطب، أم غائب، ومن الأمثلة قوله تعالى:{أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} التقدير عند سيبويه: أنك يا إبراهيم.
5 سبق الكلام على ضمير الشأن تفصيلا في ص 250 وما بعدها.
6 اسم "أن" ضمير محذوف تقديره "هو" أي: الحال والشأن - والجملة الاسمية بعده في محل رفع، خبر:"أن" المخففة.
7 هذا الفاصل قد يزيد في توضيح نوعها، ويؤكد أنها المخففة من الثقيلة، وليست المصدرية الناصبة للمضارع.
8 تدخل هنا على الماضي فقط.
9 وهما: "السين" و "سوف" ويدخلان على المضارع المثبت فقط. "وقد سبق الكلام عليهما في ص 60".
قول الشاعر:
وإذا رأيتَ من الهلال نُمُوّهُ
…
أيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملا
وقول الآخر:
واعلمْ - فَعلُم المرءِ يَنْفَعُهُ -
…
أنْ سَوْفَ يأتِى كُل ما قُدِرَا
"حـ" وإما حرف نفى من الحروف الثالثة التى استعملها العرب فى هذا الموضع؛ وهى2: "لا - لن - لم". نحو: أيقنت أنْ لا3 يَغْدِرُ الشريفُ، وأنْ لن يحيد عن الحق. ووثقت أنْ لم ينصر الله المبطلين.
ومن الأمثلة قوله تعالى: "وحسبوا4 أنْ لا تكونُ فتنةُ" فى قراءة من رفع "تكونُ". وقوله: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد} ، وقوله تعالى:{أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} .
"د" وإما "لو" والنص عليها فى كتب النحاة قليل مع أنها كثيرة فى المسموع؛ نحو: أوقن أنْ لوأخلصنا لبلادنا لم يطمع الأعداء فينا.
ومما تقدم5 نعلم أن الفصل غير واجب6 في الحالات الآخرى التي منها:
"ا" أن يكون الخبر جملة اسمية نحوقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ7 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ونحو:"الثابت أنْ انتقامٌ من الله يحلّ بالباغى". إلا
1 وفي بعض الروايات: إن الهلال إذا رأيت نموه....
2 وتدخل "لا" على الماضي والمضارع، وتختص "لم" و "لن" بالمضارع. وزاد الرضى "ما" وجعلها مثل "لا".
3 في هذه الصورة - وأشباههما - يجب فصل "أن"، وإظهار النون قبل "لا" في الكتابة دون النطق وضابط إبرازها خطا لا نطقا ينحصر في أن تكون غير ناصبة للمضارع، سواء أكان بعدها فعل أم اسم، نحو: تيقنت أن لا ينتصر ضعيف ونحو: أشهد أن لا إله إلا الله.
4 بشرط أن تكون بمعنى: اعتقدوا.
5 لخص بعض النحاة الفواصل السابقة ومواضعها فقال: "الفعل إما مثبت وإما منفي، وكل منها إما ماض، وإما مضارع. فالمثبت إن كان ماضيا ففاصله: "قد" وإن كان مضارعا ففاصله أحد حرفي التنفيس. والمنفي: إن كان ماضيا ففاصله: "لا" فقط، وإن كان مضارعا ففاصله أحد حرفي التنفيس. والمنفي: إن كان ماضيا ففاصله: "لا" فقط، وإن كان مضارعا ففاصله: "لا"، أو: "لن" أو: "لم" وأما "لو" فإنها في الامتناع شبيهة بالنفي فتدخل على الماضي والمضارع" اهـ. وقد سبق في رقم 2 من هذا الهامش أن: "الرضى" جعل "ما" مثل "لا".
6 وإنما هو جائز في الأنواع التي ستذكر: إن لم يوجد مانع، إذ لا تدخل "أن" المصدرية الناصبة للمضارع على هذه الأنواع، فلا مجال لخوف اللبس بينها وبين المخففة، ومتى أمن اللبس كان الفصل جائزا لا واجبا.
7 على اعتبارها مخففة، لا مفسرة. وقد سبقت مناسبة أخرى للآية في أول الصفحة السالفة.
عند إرادة النفى نحوَ: عقيدتى أنْ لا كاذبَ محترم؛ ومنه: أشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ.
"ب" أن يكون الخبر جملة فعلية جامد؛ نحوقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . وثقت أنْ ليس للكرامة مكان فى نفوس الأدنياء.
"حـ" أن يكون الخبر جملة فعلية؛ فعلها متصرف، ولكن قصد به الدعاء1 كالذى رواه أعرابى عن أخيه الواقف يدعو: أسأل ربى التوفيق لما يرضيه، ودوام العافية علىّ - ونظر إلىّ وصاح -: وأنْ كتب الله لك الأمن والسلامة ما حييت، وأن أسبْغَ عليك نِعَمه ظاهرة وباطنة فى قابل أيامك، وأنْ أهْلَك كلَّ باغٍ يَتَصَدّى لإيذائكَ.
وفى الرسم التالى بيان للصور السالفة:
1 سواء أكان بخير أم شر، كما يتبين من المثال بعد.
2 وفي أحكام "أن" المخففة من الثقيلة يقول ابن مالك.
وإن تخفف "أن" فاسمها استكن
…
والخبر اجعل جملة من بعد "أن"
تضمن هذا البيت حكمين من أحكامها الأربعة التي تترتب على التخفيف:
أولهما: أن لها اسما استكن، أي: استتر واختفى، لأنه لا يظهر في الكلام، وإنما يكون ضمير محذوفا. ولم يذكر أنه ضمير، لضيق الشعر. كما أنه خفف نون الفعل:"استكن" للضرورة. وثانيهما: أن خبرها يكون جملة، وأوضح بعد ذلك ما يكون في الجملة الفعلية الواقعة خبرا، حيث تكلم عن فعلها قائلا:
وإن يكن فعلا ولم يكن دعا
…
ولم يكن تصريفه ممتنعا
فالأحسن الفصل بقد، أو: نفي، أو
…
تنفيس، أو: لو. وقليل ذكر "لو"
أي: إن يكن صدر الجملة فعلا، لا يراد منها الدعاء، ولم يكن جامدا، فالأحسن الفصل بينه وبين "أن" المخففة بفاصل من الفواصل التي سردها في البيت الآخير.
"إن يكن فعلا.... يريد: إن يكن الخبر فعلا.... والفعل وحده لا يكون الخبر، وإنما الخبر الجملة المكونة من الفعل والفاعل معا. ففي التعبير تساهل. أو: المراد: إن يكن صدر الجملة فعلا".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
ورد فى بعض النصوص القديمة - اسم "أنْ" المخففة من الثقيلة ضميراً بارزاً، لا ضميراً محذوفاً. ومعه الخبر جملة فعلية أومفرد. من ذلك قول الشاعر يخاطب زوجته:
فلوأنْكِ فى يوم الرَّخاءِ سألتِْنى
…
طلاقَكِ، لم أبخَلْ وأنتِ صَديقُ
فقد وقعت "الكاف" اسم: "أنْ" وخبرها جملة: سألتنى. ومثل قول الآخر:
لقد علمَ الضيفُ والمرْمِلون1
…
إذا اغبرَّ أفق2 هُناكَ تكون الشِّمالا3
بلأتم ربيع4 وغيث مريع
…
وأنك هناك تكون الشمالا5
ففى البيت الثانى تكررت "أنْ" المخففة مرتين، واسمها ضمير "بارز" فيهما، وخبر الأولى مفرد، وهوكلمة:"ربيع"، وخبر الثانية جملة فعلية هى:"تكون الثمال". وقد وصفت هذه الأمثلة الشعرية بأنها شاذة، أوبأنها لضرورة الشعر، كما وُصفت نظائرها النثرية بأنها شاذة. فالواجب أن نقتصر على الكثير الشائع الذى سردنا قواعده وضوابطه، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، منعاً للاضطراب فى التعبير، دون محاكاة هذه الشواهد التى تخالفها، والتى نقلناها، ليعرفها المتخصصون فيستعينوا بها على فهم ما قد يكون لها من نظائرها قديمة. دون أن يحاكوها.
1 الفقراء. المفرد: مرمل.
2 المراد: أسودت الدنيا في عين الإنسان: من شدة بؤسه وحاجته.
3 أي: هبت الريح شمالا. فكلمة: "شمالا" حال منصوبة. وصاحب الحال هو الضمير المستتر، فاعل الفعل:"هب" وهبوب الشمال الباردة العاصفة في بعض المواسم والبقاع قد يكون باعث فزع، ودليل قحط.
4 كالربيع موسم النضرة، والفواكه، ونمو الزروع، ونضجها، فأنت مثله - محبوب نافع:"مربع" خصيب. والغيث الخصيب، هو: المطر الغزير الذي يكون من آثاره إنبات الزرع، والخصب الكثير.
5 الشمال: الذي يغيث المحتاج، ويعين من يستعين به.
الحرف الثالث: كأن
وأما "كأنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة "بحذف الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة" ويترتب على التخفيف أمور؛ منها:
"ا" أن معناها لا يتغير، وإعمالها واجب.
"ب" أن اسمها - فى الأغلب - يكون ضميراً للشأن. أولغير الشأن؛ فمثال الأول. كأنْ عصفورٌ سهمٌ فى السرعة1، أى: كأنه "الحال والشأن" عصفورٌ سهمٌ. ومثال الثانى: يَدُقُّ البَرَدُ النافذةَ، وكأنْ حجرٌ، أى: كأنه حجر. ولوقلنا: يَدُق البرَدُ2 النافذة وكأنْ "حجر"3 صغير يَدُق - لجاز الاعتباران4.
وقد اجتمعت المشددة والمخففة فى قوله تعالى يصف المُضَلِّل عن سبيله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} 5.
"حـ" أن خبرها لا بد أن يكون جملة إذا وقع اسمها ضمير شأن6. فإن كانت اسمية فلا حاجة لفاصل بينها وبين "كأن" مثل: كأنْ سبَّاحٌ فى سباحته سمكة فى انسيابها. وإن كانت فعلية7، فالأحسن الفصل8 بالحرف
1 فاسم "كأن" ضمير الحال والشأن المحذوف. وخبرها الجملة الاسمية بعدها. ولا يصح هنا أن يكون اسما ضميرا لغير الحال والشأن، لعدم وجود مرجع سابق يعود عليه. "وتفصيل الكلام على ضمير الشأن في ص 250....".
2 ما جمد من قطرات المطر، وصار قطعا ثلجية صغيرة.
3 فاسم "كأن" ضمير محذوف ليس ضمير شأن، لعدم وجود جملة بعده تفسره، وهي جملة لازمة له كما سبق في شرحه - ص 250 وما بعدها - وكما سيجيء في رقم 6 من هذا الهامش.
4 أي: يجوز اعتبار الضمير للشأن، لوجود جملة بعده تفسره، وعدم اعتباره للشأن، لوجود ما يصلح قبله أن يكون مرجعا له.
5 الوقر هنا: ثقل السمع، أو: الصمم. وأول الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا.....}
6 لأن ضمير الشأن - كما قلنا - لا بد له من جملة بعده تفسره. وهذه الحالة وحدها هي التي يجب فيها وقوع خبر: "كأن" المخففة جملة. أما باقي الحالات فيحوز أن يكون جملة أو غير جملة وفي بعض أمثلة مسموعة جاء اسم "كأن" المخففة اسما ظاهرا كقول الشاعر:
وصدر مشرق النحر
…
كأن ثدييه حقان
ولا يقاس على هذا.
7 فعلها غير جامد، وغير دعائي "كما في الصبان".
8 لأن هذا الفصل هو الذي يفرق بين "كان المخففة من الثقيلة "وأن المصدرية" الناصبة المضارع، المسبوقة بحرف الجر الكاف.
"قد" قبل الماضى المثبت، وبالحرف:"لم" قبل المضارع المنفى، نحو: كأنْ قد هَوَى الغريقُ فى البحر؛ كصخرة هَوَتْ فى الماء، وكأنْ لم يكن بين الغرق والنجاة وسيلة للإنقاذ.
الحرف الرابع: لكن
وأما "لكنّ" فيجوز تخفيف نونها المشددة "فتحذف الثانية المفتوحة، وتبقى الأولى ساكنة".
ويترتب على التخفيف وجوب إهمالها، وزوال اختصاصها بالجملة الاسمية؛ فتدخل على الاسمية، وعلى الفعلية، وعلى المفرد، ويبقى لها معناها بعد التخفيف وهو: الاستدراك1. ومن الأمثلة قول الشاعر:
ولستُ أجازِى المعتدِى باعتدائه
…
ولكنْ بصفح2 القادر المتَحِلِم
وأما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها المشددة.
....................... 3
1 قد سبق شرح معناه في رقم 1 من هامش ص 632.
2 الجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: "أجازي" أو "أصافح" فتكون "لكن" داخلة على جملة فعلية. ويصح تعلقهما بمصدر محذوف تقديره: مجازاة - أي: ولكن مجازاته بصفح.... فتكون داخلة على جملة اسمية. والأول أوضح.
3 وفي الأحكام السالفة كلها يقول ابن مالك:
وخففت "كأن" فنوي
…
مصنوبها وثابتا أيضا روى
فقد اقتصر على الإشارة إلى تخفيفها وإلى أن اسمها ينوي، أي:"يطوي في النفس، فيكون ضميرا، ولا يكون ظاهرا - نوي ينوي: طوي يطوي" وقد روى ظاهرا ثابتا في الكلام. وهذا قليل، سبق مثاله.