الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: الحرف
1
مِنْ، فى، علَى، لمْ، إنْ، إنّ، حتى، لا، هل
…
لا تدل كلمة من الكلمات السابقة على معنى، أىّ معنى، ما دامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت فى كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل، مثال ذلك:"سافرت "من" القاهرة"
…
فهذه جملة؛ المراد منها: الإخبار بوقوع
1 النحاة يسمون الحروف التي هي قسم من أقسام الكلمة: "أدوات الربط" لأن الكلمة إما أن تدل على ذات، وإما أن تدل على معنى مجرد "أي: حدث"، وإما أن تربط بين الذات والمعنى المجرد منها.
فالاسم يدل على الذات، والفعل يدل على المعنى المجرد منها، والحرف هو الرابط. وهو يختلف اختلافا كاملا عن "الحرف الهجائي" الذي تبني منه صيغة الكلمة، كالباء، والتاء، والجيم.... وغيرها من سائر آحرف الهجاء، وتسمى لهذا أحرف البناء - وقد سبق الكلام عليها في ص 13 -.
وحروف الربط نوعان، نوع يسمى:"حروف المعاني"، لأنه يفيد معنى جديدا يجلبه معه، ونوع ليس للمعاني، وإنما هو زائد أو مكرر، وكلاهما لتوكيد معنى موجود، مثل:"ما" الزائدة، وكذا "الباء"، و"من" وغيرهما من الحروف الزائدة، ومثل: نعم، نعم، أو: لا. لا
…
أو غيرهما من الحروف المكررة لإفادة توكيد المعنى القائم، والذين يعتبرون التوكيد معنى - على الرغم من أنه ليس جديدا يدخلون هذا النوع في حروف المعاني. أما غيرهم فلا يدخله فيها، وهذا هو المشهور. وأكثر الكوفيين يقتصر على تسمية الحروف:"أدوات".
أما تفصيل الكلام على حروف المعاني، وأحكامها، وما يتصل بها، ولا سيما تعلق شبه الجملة بها. ففي موضعه المناسب "كالذي في جـ2 ص 2000 م 78 - حيث "حروف الجر" والإيضاح الجلي الهام الذي سجله صاحب "المفصل" لحروف المعاني، وفي جـ 3 حيث حروف العطف، وحـ 4 حيث النواصب والجوازم". وإذا حروف الربط بنوعيها تخالف مخالفة تامة حروف المباني في المدلول والأثر.
بقي بيان المراد الدقيق الذي يقصدونه حين يقولون. هذا اللفظ - حرفا كان أم غير حرف- "زائد" لقد تباينت آراؤهم في تعريف الزائد. وخير ما يستخلص منها: أنه الذي يمكن الاستغناء عنه، في الغالب، فلا يتأثر المعنى بحذفه، وربما لا يستغنى عنه، فيكون معنى زيادته هو: تركه مهملا لا يؤثر في غيره ولا يتأثر بغيره، سواء كان في أصله مهملا مثل:"لا" النافية الزائدة، أم كان في أصله عاملا، مثل:"كان" الزائدة. وفيما يأتي بعض ما دونته المراجع خاصا بهذا.
1 جاء في المغني عند الكلام على الحرف: "لا ما نصه:
" من أقسام "لا" النافية-: المعترضة بين الخافض والمخفوض، نحو: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء. وعن الكوفيين: أنها اسم، وأن الجار دخل عليها نفسها. وأن ما بعدها خفض بالإضافة أما غيرهم فيراها حرفا، ويسميها: زائدة، كما يسمون: "كان" في نحو: "محمد كان فاضل" =
سفري، وأنه يبتدئ من القاهرة. فكأني أقول: سافرت، وكانت نقطة البدء فى السفر هي:"القاهرة"، فكلمة:"منْ" أفادت الآن معنى جديدًا ظهر على غيرها مما يليها مباشرة1 ما بعدها وهذا المعنى هو: "الابتداء"، لم يُفهم ولم يُحددْ إلا بوضعها فى جملة؛ فلهذه الجملة الفضل فى إظهار معنى:"مِنْ".
ولو قلت: سافرت من القاهرة "إلى" العراق -لصار معنى هذه الجملة: الإخبار بسفرى الذى ابتداؤه القاهرة، ونهايته العراق. فكلمة:"إلى" أفادت معنى ظهر هنا على ما بعدها؛ وهذا المعنى هو "الانتهاء". ولم يظهر وهى منفردة، وإنما ظهر بعد وضعها فى جملة؛ كانت السبب فى إظهاره، كما كانت الجملة سببا في إظهار معنى الابتداء المستفاد من كلمة:"من" والذي ظهر على ما بعدها مباشرة.
= زائدة، وإن كانت مفيدة لمعنى، وهو المضي والانقطاع فعلم أنهم قد يريدون بالزائد المعترض بين شيئين متطالبين، وإن لم يصح المعنى بإسقاطه، كما في مسألة:"لا" في نحو: غضبت من لا شيء، كذلك إذا كان يفوت بفواته معنى، كما في مسألة:"كان"، و"كذلك" "لا" المقترنة بالعاطف في نحو: ما جاءني محمد ولا على، ويسمونها:"الزائدة" وليست بزائدة ألبتة، ألا ترى أنه إذا قيل: ما جاءني محمد وعلى
…
، احتمل أن المراد نفي مجيء كل منهما على كل حال، وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء، فإذا جيء بكلمة:"لا" صار الكلام نصا في المعنى الأول. نعم هي في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} لمجرد التأكيد، وكذا إذا قيل: لا يستوي حامد ولا محمود"" أهـ كلام المعنى.
أي: لأن اللبس غير محتمل في المثالين الأخيرين مطلقا. ولهذا إيضاح في حـ 3 م 118 ص 549 باب: العطف، عند الكلام على ما انفردت به واو العطف.
وجاء في شرح المفصل "جـ 7 ص 150" عند الكلام على: "كان" الزائدة، أن معنى زيادتها هو:"إلغاؤها عن العمل مع إرادة معناها، وهو الدلالة على الزمان، وذلك نحو قولك: ما كان أحسن زيدا، إذا أريدان الحسن كان فيما مضى. فـ "ما" مبتدأ على ما كانت عليه، و "أحسن زيدا" الخبر - و "كان" ملغاة عن العمل، مفيدة للزمان الماضي، كما تقول: من كان ضرب زيدا- تريد: من ضرب زيدا- ومن كان يكلمك، تريد: من يكلمك. فكان تدخل في هذه المواضع وإن ألغيت من الإعراب فمعناها باق. وهي هنا نظيرة: "ظننت" إذا ألغيت، فإنه يبطل عملها ومعنى الظن باق، ذلك أن الزيادة على ضربين، زيادة مبطلة العمل مع بقاء المعنى الزمني، كما سبق وزيادة لا يراد بها أكثر من التأكيد في المعنى، وإن كان العمل باقيا، نحو: ما جاءني من أحد. ومثله قوله: بحسبك محمد، المراد: حسبك، ومثل: "وكفي بالله شهيدا"، والمراد كفى الله...." أهـ.
وستجيء إشارة موضحة لهذا في ص 70 وفي باب "كان وأخواتها" ص 579 والواجب ترك استعمال "كان" الزائدة إذا أوقعت في لبس.
1 انظر الإيضاح في: "أ" من الزيادة والتفصيل، ص 70.
وكذلك: "حضرتُ من البيت إلى النهر"؛ فقد أفادت الجملة كلها الإخبار بحضوري، وأن أول هذا الحضور وابتداءَه:"البيت"، وأن نهايته وآخره:"النهر". فأفادت: "إلى" الانتهاء، وصبَّته على ما بعدها. وهذا الانتهاء لم يفهم منها إلا بسبب التركيب الذى وضعت فيه.
ولو قلت: الطلبة فى الغرفة -لكان المعنى؛ أن الطلبة تحويهم الغرفة؛ كما يحوي الإناء بعض الأشياء، وكما يحوي الظرفُ المظروف، أى: كما يحوي الوعاء أو الغلاف ما يوضع فى داخله. فمعنى كلمة: "فى" هو "الظرف"، أو:"الظرفية"، وهذا المعنى لم يفهم من لفظة:"في" وحدها، وإنما عُرف منها بعد أن احتواها التركيب، فظهر على ما بعدها
…
وهكذا بقية أحرف الجر، وغيرها من أكثر الأنواع الأخرى المختلفة؛ كحروف النفي، والاستفهام، وسواها1
…
فالحرف: "كلمة لا تدل على معنى فى نفسها، وإنما تدل على معنى فى غيرها فقط -بعد وضعها فى جملة- دلالة خالية من الزمن"2.
من كل ما سبق نعلم: أن الاسم وحده -من غير كلمة أخرى معه- يدل على معنى جزئي فى نفسه، دلالة لا تقترن بزمن. وأن الفعل وحده يدل على معنى جزئي مقترن بزمن. وأن الحرف وحده لا يدل على شيء منهما ما دام منفردًا، فإذا دخل جملة دل على معنى فى غيره، ولم يدل على زمن3.
1 الإيضاح في: "أ" من الزيادة والتفصيل ص 70.
2 هذا التعريف في اصطلاح النحاة. لكن يجري في استعمال بعض المراجع اللغوية والقدماء إطلاق الحرف أحيانا على: "الكلمة، مهما كان نوعها. أما ظهور معناه على ما بعده ففيه تفصيل يجيء في ص 70 - كما ألمحنا في رقم 1.
3 أشار ابن مالك إلى علامات الفعل والحرف بقوله:
"بتا" فعلت، وأتت، "ويا" افعلي
…
"ونون" أقبلن - فعل ينجلي
سواهما الحرف، كهل، وفي، ولم
…
عل مضارع يلي لم: كيشم
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
=
وماضي الأفعال بالتا- مز. وسم
…
بالنون فعل الأمر، إن أمر فهم
والأمر إن لم يك للنون محل
…
فيه هو اسم، نحو: صه، وحيهل
أ- يريد: أن الفعل ينجلي "أي: ينكشف" ويتميز من غيره بإحدى العلامات الآتية، وهي تاء الفاعل، أو تاء التأنيث الساكنة، أو ياء المخاطبة، أو نون التوكيد. وهذه العلامات موزعة بين أنواع الفعل لكل نوع بعض منها في آخره دون بعض.
ب- وأن علامة الحرف "كهل، وفي، ولم" هي عدم قبوله علامة من علامات الأسماء، أو: الأفعال:
حـ- وأن علامة المضارع صلاحه للمجيء بعد "لم الجازمة، أو إحدى أخواتها.
د- وأن الماضي يختص من تلك العلامات بقبوله التاء المتحركة، للفاعل، أو الساكنة للتأنيث، وكلتاهما تكون في آخره. ومعنى:"مز": ميز، و "صه" بمعنى اسكت، و "حيهل" بمعنى: أقبل و "يشم" مضارع شم، من باب: فرح".
هـ- وأن فعل الأمر يوسم "أي: يعلم ويعرف" بقبوله نون التوكيد، مع دلالته على الطلب. فإن لم يدل على الطلب ولم يقبلها فهو اسم فعل أمر.
هذا، وكلمة:"الأمر" مبتدأ، خبره الجملة الاسمية:"هو اسم". أما جواب "إن" الشرطية فحذوف يدل عليه الخبر المذكور، والتقدير: فهو اسم.
والقاعدة: "أنه متى تقدم المبتدأ على أداة الشرط فإن اقترن ما بعدهما بالفاء، أو صلح لمباشرة الأداة الشرطية- كان جوابا، والخبر محذوفا، إذ الأغلب وقوع الفاء في جواب الشرط، لا في خبر المبتدأ. وإلا كان خبرا والجواب محذوفا، كما هنا" هذا هو الرأي المختار، على رغم ما حوله من خلاف "راجع حاشيتي الخضري والصبان في هذا الموضوع من الباب، وستذكر هذه القاعدة في مواضع، منها موضع حذ الخبر - "ص 519 م 524" م 39 وفي جـ 4 ص 157 - ورقم 5 من هامش ص 418".
ومما تنطبق عليه القاعدة السالفة قول الشاعر المخضرم عامر بن الطفيل:
وإني - وإن كنت ابن سيد عامر
…
وفي السر منها والصريح المهذب
فما سودتني عامر عن وراثة
…
أبي الله أن أسمو بأم ولا أب
فما دخلت عليه الفاء وهو الجواب، وخبر "إن" محذوف. ومثال ذكر الخبر لا الجواب قول الشاعر:
وإني- وإن صرفت في الشعر منطقي
…
لأنصف فيما قلت فيه، وأعدل
فجملة: "أنصف" خبر "إن" وليست جوابا للشرط إذ الأغلب دخول اللام على الخبر، لا على الجملة الواقعة جوابا للشرط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
"أ" عندما ينكشف معنى الحرف الأصلي بسبب وضعه في جملة، ويظهر المراد منه، فإن ذلك المعنى ينصب على ما بعد الحرف، ويتركز فيه؛ سواء أكان ما بعد الحرف الأصلي مفردًا أم جملة، فالابتداء في:"من"، والانتهاء في:"إلى"، يتحقق فى الكلمة التي جاءت بعد كل منهما، وكذلك الظرفية، والاستعلاء
…
وإذا قلنا: ما جاء أحد
…
-هل غاب أحد؟ فإن النفي والاستفهام ينصبّان على كل مضمون الجملة التى بعده
…
وهكذا
…
أمّا الحروف الزائدة -ومنها بعض حروف الجر؛ كالباء- فإنها تفيد توكيد المعنى فى الجملة كلها؛ لأن زيادة الحرف تعتبَرُ بمنزلة إعادة الجملة كلها، وتفيد ما يفيده تكرارها بدونه1 سواء أكان الحرف الزائد فى أولها، أم في وسطها، أم في آخرها؛ مثل: بحسبك الأدب، وأصلها: حسبُك الأدب، أي: يكفيك، أو: كافيك، فالباء داخلة على المبتدأ، كدخولها عليه وهو ضمير في نحو: كيف بك؟ "وأصلها
…
كيف أنت؟ "2 وكدخولها عليه بعد "إذا الفجائية" في نحو: رجع المسافر؛ فإذا بالأصدقاء فى استقباله.
وكدخولها على الفاعل فى مثل: كفى بالله شهيدًا، وأصلها: كفى اللهُ شهيدًا. وعلى الخبر فى مثل: الأدب بحسبك
…
فالباء مع تقدمها أو توسطها أو تأخرها قد أكدت معنى الجملة كلها3.
هذا، والحرف الزائد قد يعمل؛ كباء الجر، أو لا يعمل مثل:"ما" الزائدة، فى مثل: إذا ما المجُد نادانا أجَبْنا4
…
ولا يصح اعتبار اللفظ "سواء أكان حرفا أم غير حرف" زائدًا إن أمكن
1 راجع شرح التصريح جـ2 باب: "حروف الجر" عند الكلام على زيادة: "الكاف".
2 راجع هذا الأصل في أول باب المبتدأ م33 ص448.
3 سيجيء تفصيل الكلام على زيادة "الباء" الجارة في الموضع المناسب- باب: حروف الجر، ج2 م90.
4 يتحتم إعتبار "ما" زائدة عند وقوعها بعد كلمة: "إذا" كالمثال السالف، ثم انظر رقم1 من هامش ص66.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اعتباره أصليا؛ لأن اعتبار الأصالة مقدم على اعتبار الزيادة- "كما سبق في رقم1 من هامش ص47- "ويجيء في ص489، 581".
وهناك الشبيه بالزائد يعمل، وينحصر فى بعض حروف الجر؛ كُربّ، ولعلّ، الجارتين
…
و"لولا" على اعتبارها جارّة.
وحرف الجر الزائد والشبيه به لا يتعلقان1، إلا أن الزائد "كالباء" يزاد لتوكيد المعنى الموجود. أمَّا "رب" فتفيد معنى التقليل أو التكثير، "ولعل" تفيد الرجاء
…
فهما -كغيرهما من الشبيه بالزائد- يفيدان معنى جديدًا يطرأ على الجملة؛ لا تقوية المعنى الموجود قبل مجيئهما. وكذا "لولا" فإنها تفيد الامتناع؛ وهو معنى جديد يطرأ على الجملة.
"ب" الحروف نوعان، نوع يسمى "العامل"؛ لأنه يعمل الجر، أوالنصب، أوالجزم غير ذلك2، كحروف الجر، وحروف النصب، وحروف الجزم أو، والحروف الناسخة2، ونوع آخر يسمى:"المهمَل"؛ لأنه لا يعمل شيئًا مما سبق، مثل بعض أدوات الاستفهام والجواب.، ومنها: هل، نعم، لا
…
ومثل: التنوين3.
وبعض النحاة يسمي حروف الجر: "حروف الإضاءة" لأنها تضيف إلى الأسماء معاني4 الأفعال وشبهها من كل ما تتعلق به تلك الحروف.
"حـ" الحروف إما آحادية، أو ثنائية، أو ثلاثية؛ كبعض حروف الجرّ "الباء، فى، إلى
…
"
وإما رباعية؛ مثل: "لعلَّ" ولا تزيد على خمسة؛ مثل: "لكنَّ" فى الرأي الأصح الذى يعتبرها غير مركبة، وأنها مشددة النون، ثابته الألف بعد اللام نطقاً -كما سبق5.
1 تفصيل هذا في الباب الخاص بحروف الجر "جـ2".
2، 2" مثل:"ما، الحجازية" وتعمل عمل "كان" الناسخة. ومثل: "لا" النافية للجنس.
وتعمل عمل "إن".
3 راجع رقم3 من هامش ص27.
4 انظر رقم1 من هامش ص66.
5 انظر رقم2 من هامش ص13