الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية والعشرون: العلم
أ- "محمود - إبراهيم""فاطمة - أمينة""مكة - بيروت""بَرَدَى1 - دِجْلة"2.
ب- رجل - شجرة - إنسان - حيوان - معدن
…
ج- أسامة "للأسد". ثُعالة "للثعلب". شَيْوَة "للعقرب" ذُؤَالة "للذئب"
…
كل كلمة فى القسم الأول: "ا" تدل بنفسها مباشرة3 على شىء واحد، معيَّن بشكله الخاص، وأوصافه المحسوسة التى ينفرد بها، وتميزه من باقى أفراد نوعه. فكلمة:"محمود" تدل بذاتها3 على فرد واحد له صورة معينة، ووصف حسّى ينطبق عليه واحده دون غيره من أفراد النوع الإنساني. وكذلك إبراهيم، وفاطمة وأمينة، وغيرها.
وكلمة: مكة، أو: بيروت، أو: أشباههما من البلاد - تدل على شيء واحد محسوس؛ هو: بلد معين، له خصائصه، وأوصافه الحسية التى لا تنطبق على سواه، ولا تحمل إلى الذهن صورة غيره. وكذلك الشأن فى بَرَدى، ودِجلة وغيرهما من الأنهار المعينة.
فكل كلمة من الكلمات السالفة إنما تدل بلفظها وبحروفها الخاصة بها على معنى واحد، معين، ينطبق على فرد واحد "أى: تدل على مسمى بعينه" وهي لا تحتاج في دلالتها عليه إلى معونة لفظية أومعنوية تأتيها من غيرها، بل تعتمد على نفسها فى إبراز تلك الدلالة.
أما كلمات القسم الثاني فتدل الواحدة منها على معنى معين، ولكنه معنى غير مقصور على فرد واحد ينحصر فيه؛ وإنما ينطبق على أفراد كثيرة مشتركة معه فى النوع، فهوصالح لكل منها، لا يختص بواحد دون آخر، أى: أنه شائع بينها، كما
1 اسم النهر الذي يخترق "دمشق"، بسورية.
2 اسم نهر العراق.
3 أي: من غير حاجة إلى زيادة لفظية أو معنوية.
سبق أن قلنا فى النكرة1. فكلمة: رجل أوشجرة
…
أوغيرهما من سائر النكرات تدل على مدلول واحد، لفرد واحد، ولكن هذا الفرد شائع، له نظائر وأشباه كثيرة قد تبلغ الآلاف
…
، ويصلح كل منها أن يكون هو المقصود، وليس بعضها أولى من بعض في ذلك، فإذا أرَدنا لهذه الكلمة أن تدل على مدلول واحد معين لا ينطبق على غيره وجب أن نَضم إليها زيادة لفظية أو معنوية تجعل مدلولها مركزًا فيه وحده بغير شيوع، كأن تقول: رأيت رجلا في النادي، فصافحت الرجل. أو هذا رجل، أو: أعجبني هذا. مشيرًا إلى شيء حسي أو معنوي معروف مُتَمَيّز، أو: أكرمت الذي زارك. فوجود "أل" في كلمة "الرجل" بالطريقة السالفة جعلتها تدل على مُعَين. ووجود الإشارة الحسية أو المعنوية جعلت كلمة: "هذا" تدل على معين. ووجود صلة الموصول -وهي لفظية- جعلت كلمة: "الذي" تدل على معين. ووجود قرينة التكلم أو الخطاب جعلت ضميرهما يدل على معين. وهكذا؛ فلولا الزيادة التى انضمت إلى كل واحدة ما حصل التعيين والتخصيص
…
ومن هنا يتضح الفرق بين كلمات القسم الأول التى هي نوع من المعرفة يسمى: "العَلَم الشخصي" أو "علم الشخص"2 وكلمات القسم الثاني التي هي نكرة قبل وجود الزيادة التي انضمت إليها. ثم صارت بعدها نوعًا من أنواع المعرفة. فكلمات القسم الأول تستمد من ذاتها وحدها التعيين والتحديد، بخلاف الثانية. وهذا معنى قولهم في تعريف العلم:
"إنه اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينًا مطلقًا"، أي: غير مقيَّد بقرينة تكلم، أوخطاب، أوغَيبة، أوإشارة حسية، أومعنوية، أوزيادة لفظية؛ كالصلة
…
أو غير ذلك من القرائن اللفظية أو المعنوية التي توضح مدلوله، وتحدد المراد منه. فهو غني بنفسه عن القرينة؛ لأنه عَلَم3 مقصور على مسماه، وشارة خاصة
1 ص 206.
2 لأن مدلوله في الغالب شيء مشخص، "أي: مجسم، محسوس، متميز من غيره". وقد يكون شيئا ذهنيا، كالعلم الذي يسمى به الجنين المنتظر ولادته، وكالعلم الدال على قبيلة معينة، بحيث يراد مجموع من وجد فيهما ومن سيوجد، فإن هذا المجموع لا وجود له إلا في الذهن فقط، ولا وجود له في خارج الذهن، إذ لا يقع تحت الحس. وهذا النوع يسمى: "العلم الذهني"، أي: الموضوع المعين في الذهن فقط، متخيل وجوده في خارجه.
3 علامة.
به وافية فى الدلالة عليه. وكل كلمة من كلمات القسم الثانى وأشباهها تسمى نكرة1.
1 وقد سبق تعريفها وإيضاحها "في أول باب: "النكرة والمعرفة " ص 206" والنكرة تسمى أيضا: "اسم جنس" عند جمهرة كبيرة من النحاة لا ترى فرقا بينها وبين اسم الجنس، فإن كان لمعين فهي: النكرة المقصودة"، وإن كانت لغير معين فهي: "النكرة غير المقصودة" - كما سيجيء في باب "النداء" جـ 4 وفي هذا الرأي تخفيف وتيسير من غير ضرر، فيحسن الأخذ به، أما غير هؤلاء فيرى فرقا بين الاثنين، يوضحه بقوله الذي سبق أن لخصناه "في الباب الأول" في ص 23، عند الكلام على اسم الجنس، وفي هذا الباب عند الكلام على النكرة، هامش ص 306" ومضمونه.
أن النكرة هي نفس الفرد الشائع بين أشباهه، وهي المدلول الحقيقي المراد من اللفظ، وليست معناه الخيالي المجرد، القائم في الذهن وأما اسم الجنس فهو الاسم الموضوع لذلك المعنى الذهني المجرد، ليدل عليه من غير تذكر في الغالب بين اللفظ ومدلوله الحقيقي، فكلمة:"رجل" مثلا، إن أريد منها الجسم الحقيقي المعروف، المكون من الرأس، والجذع، والأطراف..ز" فهي:"النكرة" وتنطبق على كل جسم حقيقي به تلك الأجزاء الثلاثة بفروعها، أما إن أريد منها المعنى القائم في الذهن لكلمة:"رجل" وهو المعنى الخيالي الذي يخلقه العقل، ويتصوره بعيدا عن صورة صاحبه وعن استحضار هيئة فرد من الأفراد التي تنطبق عليها تلك الصورة فهي:"اسم الجنس" ومدلوله هو: المعنى المجرد، أو: الحقيقة الذهنية المجردة، أو: المعنى الخيالي العام، ويوضحون ذلك بأن المعنى المجرد، أو: الحقيقة الذهنية المجردة، أو المعنى الخيالي العام - متعدد الأصناف في داخل الذهن، فلا بد أن يكون لكل صنف اسم يميزه من الآخر، فتلك الأصناف الذهنية التي هي المعاني المجردة.... تسمى: الأجناس، ويسمى الذي يميز كل واحد، "اسما للجنس" أو:"اسم الجنس"، أي: الاسم الموضوع لهذا الجنس، ليفرق بينه وبين جنس آخر، كما وضع "رجل" اسما للصنف المعروف من المخلوقات، ليتميز من صنف آخر كالشجر، والطيور.
ولكن كيف ينشأ في الذهن هذا المعنى المجرد؟ وكيف تتكون تلك الحقيقة الذهنية فيه فتنطبق على أفراد كثيرة؟ كيف يدرك العقل معنى: شجرة مثلا إدراكا مجردا، ومن أين يصل إلى هذا؟ وكيف؟
يقولون - كما أشرنا في صفحتي 23 و 206 إن أصناف النبات الكبير متعددة كأشجار النحل، والبرتقال والليمون وقد رأي المرء النخلة مرات وفي كل مرة يحس ويدرك شيئا من أوصافها. ثم رأي البرتال كذلك، ثم الليمون، ثم
…
ثم. وبعد تعدد المرات في أزمنة متباينة - كشف العقل في تلك الأشياء المتعددة صفات مشتركة، وانتزع من مجموع تلك الصفات المشتركة صورة واحدة عقلية، خيالية، أي: معنى مجردا واحدا، ينطبق في خارج الذهن على كل فرد من الأفراد السابقة، وعلى مئات وآلاف غيرها تشبهها في تلك الأوصاف التي عرفها. فماذا نسمى المعنى العقلي الخالص؟ أو: ما اسم الحقيقة الذهنية المحضة التي ولدتها تلك المشاهدات، كي نميزها من المعاني الذهنية الأخرى الكثيرة؟ سميناها:"شجرة" فكلمة: "شجرة" هي اسم لشيء أدركه الذهن بعد أن صوره من صفات مشتركة بين أفراد خارجة عنه، لا وجود لها في داخله، وإنما هي في خارجه، فليس في الذهن شجرة حقيقية لنوع من أنواع النبا، وإنما هي كما شرحنا - بارزة في خارجة. فكلمة:"شجرة " اسم يدل على جنس يدرك العقل معناه تخيلا. أما حقيقته الواقعية المجسمة، المنطبقة على أفراده - فهي في خارج الذهن. ومتى انتزع العقل المعنى المجرد أمكنه بعد ذلك أن يدرك مدلوله من غير حاجة في الغالب إلى استرجاع صورة حقيقية لفرد من أفراده. وما يقال عن شجرة" يقال عن كل معنى عام عقل آخر، أي: أن العقل يدرك المراد منه من غير حاجة إلى استحضار صورة من صور أفراده.
وإليك كلمة: "إنسان" أيضا فقد رأى المرء محمودا، وحاتما، وأمينا، وفريدة ومية. و
…
وتكررت مشاهدته لهذه الأفراد. واستخدام حواسه فيها، حتى استطاع العقل بعد ذلك أن ينتزع من الصفات =
أما أمثلة القسم الثالث فهي لنوع آخر يختلف فى دلالته عن النوعين السابقين؛
= المشتركة بينها صورة خيالية، أي: معنى واحد ذهنيا للإنسان له أفراده ومدلولاته الحقيقية الكثيرة، وليست في داخل الذهن، وإنما هي في العالم الخارجي الحسي البعيد عن النطاق الداخلي للذهن. فهو معنى واحد عام يدل على جنس. "أي: صنف" له أفراده الحسية المتعددة البعيدة عن داخل اعقل، وعن منطقة الذهن التي لا تحتوي في داخلها شيئا حسيا، وصار العقل بعد ذلك لا يحتاج - غالبا - في إدراك المراد من ذلك المعنى إلى استرجاع صورة حسية لفرد من أفرادهظ فما اسم المعنى المجرد الذي انتزعه العقل، ليمثل هبذا الجنس، ويدل عليه، ويميزه من الأجناس المعنوية الأخرى اسمه: "إنسان" كذلك أدرك العقل مجموع الصفات المشتركة بين على، وأسد، وعصفور، وحصان
…
و
…
وكون منها صورة خيالية، أي: معنى ذهنيا واحدا ولكنه عام يمثل جنسا "أي: صنفا" له في خارج العقل أفراد حقيقية كثيرة، وهذا المعنى العقلي العام يسمى:"حيوانا".
وكذلك أدرك العقل من مجموع الصفات المشتركة بين حديد وذهب وفضة
…
و
…
صورة خيالية، أي: معنى ذهنيا عاما لجنس اسمه: "معدن"
…
و.... وهكذا.
فالمعاني الذهنية العامة كثيرة، وهي معان مجردة، إذ لا يكون معها في داخل الذهن مدلولاتها الحسية الحقيقية التي في خارجه. فإذا كان الذهن يدرك معنى "رجل" و "إنسان" و "معدن" فهل يضم في داخله نماذج حقيقية لكل واحد من هذه؟. .
لا ولما كانت المعاني الذهنية المحضة التي تمثل الأجناس متراكمة، متتزاحمة في داخله وجب أن يكون لكل جنس اسم خاص به، يميزه من غيره، فلهذا اسم:"شجرة" ولذلك اسم: "إنسان"، ولثالث "اسم:"حيوان" ولرابع اسم: "معدن" ولخامس اسم: "جماد".... وهكذا.... فكلمة "شجرة" اسم لجنس معين، أي: لمعنى ذهني متميز وكذا البواقي، فاسم الجنس اسم موضوع ليد على معنى ذهني واحد، ولكنه معنى عام، له أفراد حقيقية، كثيرة في خارج الذهن. وهذا معنى تعريفهم "أنه يدل على الماهية بغير نظر إلى أفرادها - غالبا". يريدون بالماهية، "الحقيقة الذهنية المجردة أو: المعنى العقلي الخالص"، وبذلك الاسم تتميز المعاني الذهنية بعضها من بعض، أي: يتميز جنس من باقي الأجناس الأخرى.
من كان ما تقدم نعلم أن اسم الجنس عندهم هو اسم للمعنى الذهني المجرد، وأن النكرة هي مدلوة الخارجي الذي ينبطق عليه ذلك المعنى فلا، أي: هي نفس الفرد الشائع. إلخ. هذا هو الفرق بينهما عند من يراه، وهو فرق فلسفى متعب في تصوره، ليس وراءه فائدة عملية.
واسم الجنس ثلاثة أقسام سبق الكلام عليهما في الباب الأول "ص 23 وما بعدها".
ويسوقنا الكلام عن النكرة وعن اسم الجنس إلى شيء ثالث لا مناص من إيضاحه هنا، وهو:"علم الجنس" فما المراد منه؟ وما مدلوله؟ وما أحكامه؟.
أطلنا الكلام في اسم الجنسن وكرركنا له الأمثلة، وانتهينا من كل ذلك إلى أنه الاسم الموضوع للصورة العقلية الخيالية، أي: للمعنى العقلي العام المجرد، أي الحقيقة الذهنية المحضة
…
وأننا حين نسمع أو نقرأ - كلمة "شجرة" أو: "إنسان" أو: معدن
…
نفهم المراد منها سريعا من غير أن يستحضر العقل في الغالب - صورة معينة للشجرة، كالنخلة، أو صورة معينة للإنسان كحسين، أو صور ة معينة للمعدن، كذهب فقد استغنى العقل عن تلك الصورة الفردية بعد مشاهداته الأولى الكثيرة وصار يدرك المراد حين يسمع اسم الجنس إدراكا مجردا، أي: خاليا من استحضار صورة فرد من أفراد ذلك الجنس ومن غير حاجة في الغالب إلى استرجاع شكله وهيئته كما شرحنا.
لكن هناك بعض الصورة العقلية أي: الصورة الذهنية" لأجناس لا يمكن بحال. أن يدركها العقل وحدها من غير أن يتخيل صورة فرد، أي: فرد من ذلك الجنس ولا يمكن - مطلقا =
يسمى: "علم الجنس"1.
ولتوضيحه نقول؛ إذا دخلت حديقة الحيوان فرأيت الأسد، ومنظره الرائع المَهِيب، وشاهدت ما يغطى عنقه، وينسدل على كتفيه؛ من شعر غزير، كثيف، يسمى: اللِّبد، وما ينبت فوق فمه من شعر طويل؛ كأنه الشارب؛ فسميت الأسد بعد ذلك:"صاحب اللِّبد" أو"أبو الشوارب"، فهذه التسمية تحمل الذهن عند إطلاقها وعند سماعها على تخيل صورة
= أن يفهم المراد منها من غير أن يستحضر صورة لواحد_ أي واحد- تنطبق عليه مثال ذلك كلمة. "أسامة" فإن معناها" "أسد" لكن لا يدرك العقل معنى أسامة إلا مصحوبة بصورة "أسد"، فالحقيقة الذهنية هنا ليست مجردة من صورة فرد، وإنما يلازمها حتما صورة تنطبق عليه. وكذلك كلمة. "ثعالة" فإن معناها: "ثعلب" ولكن العقل لا يفهم هذا المعنى منعزلا ولا منفصلا عن مصاحبة صورة "لثعلب". وذلك على خلاف كلمة: "أسد" وثعلب" وأشباههما.... وبعبارة أخرى، كلمة:"أسد" و "ثعلب" وأشباهها تدل في عالم الحس والواقع على مئات وآلاف من ذلك الحيوان المتوحش. فإذا تخيلنا صورة ذهنية لواحد من فصيلة: الأسد - مثلا - وقد رسم العقل تلك الصورة في دائرته، بحيث جعلها رمزا يدل على تلك الفصيلة ووضعنا للرمز علما خاصا به "أي: اسما مقصورا عليه "ليدل عليه، وينطبق على كل فرد من أفراد تلك الفصيلة، فإن هذا العلم يمسى: "علم الجنس" أي: علما يدل على ذلك الجنس، ويرشد لكل فرد من أفراده زمما يوضح هذا المعهى ويقر به إلى الفهم "وإن كان ليس علم جنس" ما نعرفه في عصرنا الحالي من تمثال: "الجندي المجهول"، فإننا حين نسمع: "الجندي المجهول" يتجه عقلنا مباشرة إلى صورة ذلك الجندي ويستحضر الذهن تمثاله المعين الذي يرمز له، وهو تمثال واحد، ورمز مفرد. ولكنه ينطبق في عالم الحس والواقع على الآلاف من الجنود المجهولين. ويجب أن نتنبه إلى أن ذلك الفرد القتيل غير معين، وأنه شائع بين أفرد جنسه، فهو في المعنى كالنكرة، وفي هذا يقول بعض النحاة:
إن علم الشخص واقع على الأشخاص، كمحمد، وعلى، فالعلم فيه يحض شيئا بعينه، لا يشاركه فيه غيره. وعلم الجنس يخص كل شخص من ذلك الجنس يقع عليه ذلك الاسم، نحو، أسامة، وثعالة، فإن هذين الاسمين يقعان على كل ما يقال له:"أسد" و "ثعلب" وإنما كان العلم هنا للجنس ولم يكن كالأناسي لأن لكل واحد من الأناسي حالة مع غيره، من بيع، وشراء أو زراعة، أو غير ذلك فاحتاج إلى اسم يخصه دون غيره، ليكون الاسم دليلا على صاحبه ومميزا له من غيره
…
وأما هذه السباع التي لا تثبت ولا تستقر بين الناس فلا تحتاج إلى أسماء أو ألقاب لتميز أفراد الجنس الواحد بعضها من بعض. فإذا لحها اسم، أو لقب لم يكن ذلك خاصا بفرد دون آخر، وإنما كان متجها لكل واحد من أشخاص ذلك الجنس، فإذا قلت، أسامة أو ثعالة
…
فكأنك قلت هذا الضرب، أو:هذا الجنس الذي رأيته أو سمعت به من السباع وتخيلت صورة فرد منه وقت الكلام
…
فهذه الألفاظ معارف، إلا أن تعريفها أمر لفظي، وهي من جهة المعنى نكرات، لشيوعها في كل واحد من الجنس وعدم انحصارها في شخص بعينه دون غيره. فكأن اللفظ موضوع لكل شخص من هذا الجنس، فوضع اللفظ للفرد الشائع جعله بمنزلة العلم، بالرغم من هذا الشيوع
…
ومراعاة الواقع الصريح في أن الفرد شائع غير معين جعله بمنزلة النكرة ومن هنا كان لعلم الجنس اعتباران أحدهما: لفظي" يدخله في عداد العلم "والعلم هو نوع من المعارف"، والآخر "معنوي" يدخله في عداد النكرة. ولكل منهما آثاره التي ستعرفها. وسيجيء إيضاح آخر في ص 296 عند الكلام على القسم الثالث الذي في رأس هذه الصفحة. "راجع الفصل جـ 1 ص 34 وما بعدها".
1 تكلمنا عليه بإفاضة، وبمعالجة أخرى في الهامس الذي قبل هذه مباشرة.. أما الكلام على قياسيته ففي رقم 1 من 299.
عامة للأسد حتمًا، وعلى تذكر مثال له، من غير أن تكون تلك الصورة أو المثال مقصورة على الأسد الذي كان في الحديقة؛ بل تنطبق عليه وعلى غيره من أمثاله. فهذا الاسم الذي وضعته للصورة هو علم يدل عليها؛ وعلى كل صورة مثلها من أفراد صنفها. أي: أنه شارة ورمز لتلك الصورة التي لا تمثل فردًا بعينه، وإنما تُمثل الصنف كله، أي: تُمثل ما يسمونه: "الجنس" كله؛ فتنطبق على كل فرد من أفراد ذلك الجنس؛ وهذا معنى قولهم: "إنه علم للجنس"، أو:"علم الجنس".
ومثل هذا يقال عن كلمة: "أسامة". فقد أطلقت أول مرة على أسد معين لداعٍ دعا إلى هذه التسمية. فإذا قيلت بعد ذلك لم يفهم العقل معناها فهمًا مجردًا من غير تخيل صورة فردٍ -أيّ فرد- من ذلك الحيوان المفترس، بل لا بد أن يحصل مع الفهم تخيل صورة تمثل أسدًا غير معين، أي: لا بد مع الإدراك من ذلك التخيل الذي يعيد إلى الذهن صورة تمثل المراد، وينطبق عليها الاسم، فهذا الاسم هو الذي يسمى: علمًا للجنس كله، أو:"علم الجنس".
ومثل هذا أن ترى الفيل وخُرطومه فتسميه: "أبو الخرطوم" فهذا علم للفيل ينطبق على الفرد الذى أمامك، وعلى كل نظير له، فهو علم لواحد غير معين من الأفيال. فإذا كان اسم الجنس هو اسم يدل على الحقيقة الذهنية المجردة أي: الخالية من استرجاع الخيال لصورة فرد منها -كما سبق1- فإن علم الجنس يدل على تلك الحقيقة، مركزة في صورة كاملة ويقترن بها، ويستعيدها الخيال لفرد غير معين من أفراد ذلك الجنس فهي تصدق على كل فرد. فكأن هذا العلم موضوع لكل فرد من أفراد تلك الحقيقة الذهنية العقلية. ولذا قالوا في تعريف علم الجنس، إنه: اسم موضوع للصورة التى يتخيلها العقل في داخله لفرد شائع من أفراد الحقيقة الذهنية. ومن أمثلته أيضًا -غير ما سبق2- فى "ج": "ابن دَأيَة"؛ للغراب و"بنت الأرض": للحصاة، "وابنة اليم"؛ للسفينة3
…
1 في هامش ص 288 وما بعدها.
2 هنا وفي "ج" ص 286.
3 وكذلك جميع ألفاظ التوكيد المعنوي" الملحقة" بألفاظ التوكيد المعنوي الأصلية، كما سيجيء عند الكلام على حكمه في رقم 4 من ص 297.