الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة والثلاثون: تقديم الخبر وجوباً
"وهي الحالة الثالثة له"
يتقدم الخبر وجوباً فى مواضع؛ أهمها:
1-
أن يكون المبتدأ نكرة محضة1، ولا مسوغ للابتداء به إلا تقدم الخبر المختص؛ ظرفاً كان، أوحارًّا مع مجروره؛ أوجملة؛ فمثال شبه الجملة: عندك كتابُ - على المكتب قلم
…
فإن كان للمبتدا مسوغ آخر جاز تقديم الخبر وتأخيره؛ نحو: عندك كتاب جميل - على المكتب قلم نفيس؛ ويجوز: كتاب جميل عندك، وقلم نفيس على المكتب. ومثال الجملة: قَصَدَك ولدُه محتاج. فلا يجوز تقديم المبتدأ؛ وهو: "محتاج"؛ لأنه نكرة محضة، ولأن المبتدأ النكرة إذا تأخر عنه خبره الجملة أوشبه الجملة فقد يتوهم السامع أن المتأخر صفة، لا خبر2.
3-
أن يكون المبتدأ مشتملاً على ضمير يعود على جزء3 من الخبر؛ نحو: فى الحديقة صاحبها. فكلمة: "صاحب" مبتدأ، خبره الجار مع المجرور السابقَين؛ "فى الحديقة". وفى المبتدأ ضمير يعود على الحديقة التى هى جزء من الخبر. ولهذا وجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: صاحبها فى الحديقة؛ لكيلا يعود الضمير على
"1 و1" سبق الكلام على النكرة المحضة في رقم 3 من هامش 213 وعلى الظرف المختص، وكذا الجار مع مجروره في ص 477 وفي رقم 1 من هامش 487. وكذا الرأي في المبتدأ النكرة في ص 489.
2 كل هذا كلام القائلين بأن المبتدأ لا يكون نكرة إلا بمسوغ. وسردوا عشرات من المسوغات لا تترك نكرة بغير أن تصلح للابتداء، كما أوضحنا فيما سلف "ص 485 وما بعدها"، وانتهينا منه إلى أنه لا قيمة لهذا التوهم، ولا داعي لبقاء تلك القاعدة، وعندئذ يكون الموضع الأول من مواضع تقديم الخبر هو:"أن يكون المبتدأ نكرة محضة، ويراد تخصيصه، بتقديم خبره الظرف أو الجار مع المجرور المختصين، أو: الجملة". أما دعوى التوهم فخيالية لا مجال لها ما دامت الجملة الاسمية قد أدت الفائدة الأساسية المطلوبة.
3 عبارة النحاة: "يعود على الخبر". ولكن الصحيح أنه يعود على جزء من الخبر كما في المثال-، إذ الضمير عائد على المجرور وحده، وهو جزء من الخبر، لأن الخبر الجار مع مجروره.
متأخر لظفاً ورتبة؛ وهوممنوع هنا. ومثل ذلك: "فى القطار رُكَّابُه" فكلمة: "ركاب" مبتدأ خبره الجار مع المجرور السابقين. وفى المبتدا ضمير يعود على: "القطار" وهوجزء من الخبر. ويجب تقديم الخبر؛ فلا يصح: رُكَّابُه فى القطار؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ وهوممنوع هنا كما قلنا. وهكذا
…
3-
أن يكون للخبر الصدارة فى جملته؛ فلا يصح تأخيره. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام؛ نحو: أين العصفورُ؟ فكلمة: "أين" اسم استفهام، مبنى على الفتح فى محل رفع، خبر مقدم، و"العصفور" مبتدا مؤخر. ونحو: متى السفرُ؟ فكلمة: "متى" اسم استفهام مبنى على السكون فى محل رفع خبر مقدم، و"السفر" مبتدأ مؤخر. ومثل هذا: كيف الحال؟ من القادم؟
…
وكذلك الخبر الذى ليس اسم استفهام بنفسه ولكنه مضاف إلى اسم استفهام؛ نحو؛ مِلْكُ مَن السيارةُ؟؛ وصاحبُ أيِّ اختارع أنت؟
ومما له الصدارة "مُذْ ومُنْذُ" عند إعرابهما ظرفين خبرين متقدمين فى مثل: ما رأيت زميلى مُذْ أومنذُ يومان. ولوأعربناهما مبتدأين لوجب تقديمهما أيضاً1.
4-
أن يكون الخبر محصوراً2 فى المبتدأ بإلا أوإنما؛ نحو: ما فى البيت إلا الأهل، إنما فى البيت الأهل؛ فلا يجوز تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، لكيلا يختل الحصر المطلوب، ويختلف المراد 3.
1 سبقت الإشارة لهذا في "أ" من ص 489 وفي رقم 5 من ص 497 وسيجيء البيان عنهما في جـ2 بابي: الظرف وحروف الجر.
2 وقد أشرنا باختصار إلى "الحصر" وطريقته في رقم 4 من هامش ص 495.
3 وقد أشار ابن مالك إلى المواضع الأربعة السابقة بقوله
ونحو: عندي درهم ولي وطر
…
ملتزم فيه تقدم الخبر
يشير بهذا البيت إلى الموضع الأول: "والوطر هو: الغرض والحاجة"، ثم قال:
كذا إذا عاد عليه مضمر
…
مما به عنه مبينا يخبر
يشير إلى الموضع الثاني، وهو: تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر "أي: ضمير" من المبتدأ الذي يخبر عنه بخبر، وهذا الخبر يبين ويفسر الضمير العائد إليه.
و"مما" أي: من المبتدأ الذي.... و "به" بالخبر - حالة كون الخبر مبنيا - وعنه "عن المبتدأ...." وفي البيت كثير من التعقيد، والضمائر الملتوية في مراجعها." ثم أشار إلى الموضع الثالث فالرابع بقوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كذا إذا يستوجب التصديرا
…
كأين من علمته نصيرا؟
وخبر المحصور قدم أبدا
…
كما لنا إلا اتباع أحمدا
يريد: أن يقول: كذلك يجب تقديمم الخبر إذا كان من الألفاظ التي تستوجب التصدير، أي: تستحقه وجوبا، نحو: أين من علمته نصيرا؟ "فأين" اسم استفهام د خبر مقدم.... إلخ.
"من" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر.....
وكذلك يجب تقديم خبر المحصور فيه، أي: خبر المبتدأ الذي وقع فيه الحصر "فالخبر محصور، والمبتدأ محصور فيه" مثل: ما لنا إلا اتباع أحمد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
"أ" من المواضع التى يجب فيها تقديم الخبر:
1-
أن يكون لفظة "كم" الخبرية1؛ نحو: كم يومٍ غيابُك!! أوأن يكون مضافا إليها، نحو: صاحب كم كتابٍ أنت!!
2-
أن يكون قد ورد عن العرب متقدماً في مثَل من أمثالهم؛ نحو: فى لك واد بنوسعد؛ لأن الأمثال الواردة لا يصح أن يدخلها تغيير مطلقاً، "لا فى حروفها، ولا فى ضبطها، ولا فى ترتيب كلماتها"2.
3-
أن يكون المبتدأ مقروناً بفاء الجزاء؛ نحو: أمَّا عندك فالخير.
4-
أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً للمكان؛ نحو: هنا3 وثَمَّ فى مثل: هنا النبوغ؛ وثَمَّ العلم والأدب.
5-
أن يكون تأخير الخبر مؤدياً إلى خفاء المراد من الجملة، أومؤدياً إلى الوقوع فى لبس؛ فمثال الأول: لله درك4، عالما، فالمراد منها: التعجب. ولوتأخر الخبر وقلنا: درك لله - لم يتضح التعجب المقصود.
ومثال الثانى: عندى أنك بارع، من كل مبتدأ يكون مصدراً مسبوكاً من "أنَّ" "مفتوحة الهمزة مشدودة النون" ومعموليها: وهى "أنّ" التى تفيد التوكيد. فلوقلنا: أنك بارع عندى - لكان التأخير سبباً فى احتمال اللبس فى الخلط بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة النون و"إنّ" المكسورة الهمزة المشددة النون، وسبباً فى احتمال لَبْس آخر أقْوَى، بين "أنّ" المفتوحة الهمزة المشددة التى معناها التوكيد، والتى تسبك مع معموليها بمصدر مفرد - و"أن" التى بمعنى
1 أما الاستفهامية فلها الصدارة أصالة كأسماء الاستفهام السابقة. فكم بنوعيها واجبة الصدارة.
2 كما سيجيء في ص 518.
3 هذا ما صرح به فريقض من النحاة، كصاحب "الهمع" - جـ1 ص 102 - ولكن السماع الكثير يخالفه في الظرف:"هنا" كما أوضحنا هذا بإفاضة في رقم 1 من هامش ص 328.
4 الدر: اللبن. والمقصود من هذه الجملة المدح والتعجب معا، بسبب ما يدعيه المتكلم من أن اللبن الذي ارتضعه المخاطب ونشأ عليه هو لبن خاص من عند الله هيأه وحده لإعداد هذا المخاطب إعدادا ممتازا ينفرد به "راجع جـ 2 رقم 2 من هامش ص 21 م 60". وهذا الأسلوب قد التزم فيه العرب تقديم الخبر، فلا يصح تأخيره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"لعل"، وهذه مع معموليها جملة فلا تسبك معهما بمصدر مفرد، وفرق كبير فى الإعراب بين المفرد والجملة، وفى المعنى بين التوكيد، والترجى أوالظن
…
فقد صار اللبس محتملا لفظاً وكتابة ومعنى بسبب تأخير الخبر، ولوتقدم لامتنع اللبس، إذ الحكم الثابت "لإن" المكسورة الهمزة المؤكِّدة، و"أنَّ" المفتوحة الهمزة التى بمعنى "لعل" أن كلا منهما مع معموليه جملة، وأن كلا منهما لا يجوز تقديم معمول خبره عليه؛ سواء أكان المعملوظرفياً أم غير ظرف1. ولهذا يسهل الاهتداء إلى إعراب الظرف فى المثال السابق، وأشباهه، وأنه خبر وليس معمولا للخبر متقدماً عليه؛ إذ لولم نعربه خبرا واعتبرنا الحرف: "أنّ" للتوكيد "وهى المفتوحة الهمزة، المشددة النون" لكان المصدر المؤول منها ومن معموليها مبتدأ، ولا نجد له خبراً؛ وهذا لا يصح. ولواعتبرناها بصورتها هذه بمعنى: "لعل" لم يصح تعليق الظرف المتقدم بخبرها إذ لا يجوز تقديم شىء من معمولات خبرها عليها - كما قلنا -. وكذلك لواعتبرناها "إن" المكسورة الهمزة، المشددة النون، للتوكيد. فلم يبق بدّ من إعراب ذلك الظرف خبراً متقدماً. فتقدمه - أوغيره من المعمولات - يختم أمرين:
"أ" تعيين نوع "أنّ" التى بعده؛ فتكون للتوكيد، مفتوحة الهمزة مشددة النون.
"ب" أنه خبر متقدم وليس معمولا لخبرها.
كما أن تأخيره يوجب أمرين:
"أ" اعتبار "أن""مفتوحة الهمزة، مشددة النون" بمعنى "لعل" أوكسر همزتها مع تشديد نونها لتكون للتوكيد.
"ب" إعرابه فى الصورتين معمولا للخبر وليس خبراً.
ولا شك أن كل اعتبار من الاعتبارات السالفة يؤدى إلى معنى يخالف الآخر.
هذا وإنما يكون تقديم خبر "أنَّ" واجباً على الوجه الذى شرحناه بشرط عدم وجود "أما" الشرطية. فإن وجدت جاز تأخير الخبر2. إذ المشددة المكسورة الهمزة.
1 كما هو مبين في رقم 3 من هامش ص 635 - وفي "و" من ص 646.
2 تقول: أما عندي فأنك بارع. أو: أما أنك بارع فعندي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذا التى بمعنى: "لعل" لا يقعان بعدها1....
وغاية القول: أنه يجب تقديم الخبر فى كل موضع يؤدى فيه تأخيره إلى لبس، أوخفاء فى المعنى أوفساد فيه.
1 لأنه لا يجوز الفصل بينها وبين "الفاء" التي بعدها بجملة اسمية مصدرة بكلمة: "إن" مكسورة الهمزة، ولا "أن" مفتوحة الهمزة، التي بمعنى:"لعل" - كما سيجيء في رقمم 3 من هامش ص 635 - وسيجيء في جـ 4 ص 4700 و 476 م 161 تفصيل الكلام على: "أما" وأحكامها.