الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: «وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم فِى الفلك» الآية، ذكرَ الذريةَ لِضَعْفِهم عن السفر، فالنعمةُ فيهم أمْكَنُ، والضمير المتصل بالذريات، هو ضميرُ الجنس، كأنه قال:
ذرياتُ جنسِهم أو نوعِهم هذا أصح ما يتجه في هذا.
وأما معنى الآية فقال ابن عباس وجماعةٌ: يريد بالذرياتِ المحمولينَ: أصحابَ نوحٍ في السفينةِ، ويريد بقوله: مِنْ مِثْلِهِ السفن الموجودةَ في جنسِ بني آدم إلى يوم القيامة، وإيَّاها أرَادَ بقوله: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ «1» ، وقال مجاهد وغيره: المراد بقوله: «أنا حملنا ذرياتهم فِي الفلك المشحون» : السفنُ الموجودةُ في بني آدم إلى يوم القيامة، ويريد بقوله:
وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ الإبلَ وسائرَ ما يُرْكَبُ فتكون المماثلة في أنه مركوبٌ مُبَلِّغٌ إلى الأقطار فقط، ويعودُ قولهُ: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ على السفنِ الموجودةِ في الناس «2» ، والصريخُ هنا بمعنى المُصْرِخِ المُغِيثِ.
وقوله تعالى: إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا قال الكسائيُّ: نصبَ رَحْمَةً على الاسْتِثْنَاءِ، كأنه قال: إلَاّ أَنْ نَرْحَمَهُمْ.
وقوله: إِلى حِينٍ يريدُ إلى آجالِهم المضروبةِ لهم، ثم ابْتَدَأَ الإخبارَ عَنْ عُتُوِّ قريشٍ بقوله: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ قال قتادة ومقاتل: ما بين أيديهم: هو عذابُ الأمم الذي قد سَبَقَهُمْ في الزمن «3» وهذا هو النظرُ الجيدُ: وقال الحسنُ: خُوِّفُوا بما مضَى من ذنوبِهم وبما يأتي منها «4» ، قال ع: وهذا نحوُ الأولِ في المعنى.
[سورة يس (36) : الآيات 47 الى 50]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) ما يَنْظُرُونَ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
…
الآية، الضمير في قوله
(1) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 455) .
(2)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 455) .
(3)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 447) برقم: (29168) عن قتادة، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 14) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 455) كلاهما عن قتادة ومقاتل، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 498) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(4)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 455) .
لَهُمْ لقريشٍ وسبب الآيةِ أن الكفارَ لمَّا أسلمَ حواشِيهم مِنَ الموالي وغيرِهِمْ، والمستضعفين، قطعوا عنهم نَفَقَاتِهم وصِلَاتِهم، وكان الأمرُ بمكةَ أوَّلاً فيه بعض الاتِّصَال في وقت نزول آيات المُوَادَعَةِ، فَنَدَبَ أولئك المؤمنونَ قَرَابَاتِهم من الكفارِ، إلى أَنْ يَصِلُوهُمْ ويُنْفِقُوا عليهم، مِمَّا رَزَقَهُم اللَّه فقالوا عند ذلك: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ.
وقالتْ فرقة: سبب الآيةِ أنَّ قريشاً شَحَّتْ بِسَبَبِ أزمةٍ على المساكينِ جميعا مؤمن وغير مؤمن، فندبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى النَّفَقَةِ على المساكينَ، وقولهُم يَحْتَمِلُ معنيين:
أحدهما: يخرَّج على اختيارٍ لجُهَّالِ العَرَبِ، فَقَد رُوِيَ أن أعْرَابِيًّا كان يرعى إبله فيجعلُ السّمان في الخضب، والمَهَازِيلَ في المَكَانِ الجَدْبِ، فقيل له في ذلك فقال: أكْرِمُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ وأهين ما أهانَ اللَّهُ، فيخرَّج قولُ قريشٍ على هذا المعنى، ومن أمثالهم:«كُنْ مَعَ اللَّهِ عَلَى المدبِرِ» .
والتأويل الثاني: أن يكونَ كلامُهم بمعنى الاستهزاء بقول محمّد ع: إنَّ ثَمَّ إلها هو الرزَّاقُ، فكأنهم قالوا: لِمَ لَا يَرْزُقُهم إلهك الذي تزعم، أي: نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمْتَ، لأطْعَمَهُ.
وقوله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ من قول الكَفَرَةِ للمؤمنين، أي: في أمركم لنا بالنفقةِ وفي غير ذلكَ من دينكم، ويحتملُ أن يكون من قولِ اللَّهِ تعالى للكفرةِ. وقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ أي: متى يوم القيامة.
وقيل: أرادوا: متى هذا العذاب الذي تتهدّدنا به، وما يَنْظُرُونَ أي: يَنْتَظِرُونَ، و «ما» نافيةٌ، وهذه الصيحةُ هي صيحةُ القيامةِ وهي النَّفْخَةُ الأولَى، وفي حديثِ أبي هريرةَ «1» أن بَعْدَهَا نَفْخَةَ الصَّعْقِ، ثم نَفْخَةَ الحَشْرِ، وهي التي تَدُومُ فَمَا لها مِنْ فَوَاقٍ، وأصل يَخِصِّمُونَ: يَخْتَصِمُونَ، والمعنى: وهم يَتَحَاوَرُونَ ويتراجعونَ الأَقْوَالَ بَيْنَهُمْ، وفي مُصْحَف أُبَيِّ بن كَعْبٍ «يختصمون» «2» ، وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ لإعجالِ الأمْرِ، بلْ تَفِيضُ أنفُسهم حيث ما أخذتهم الصيحة.
(1) أخرجه البخاري (8/ 116) كتاب «التفسير» باب: قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ برقم: (4604)، ومسلم (4/ 1843) كتاب «الفضائل» باب: من فضائل موسى عليه السلام (159/ 2373) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 457) ، و «البحر المحيط» (7/ 325) ، و «الدر المصون» (5/ 487) .