الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية، وقال السُّدِّيُّ: أرادوا أنه/ أحيَاهم في الدنيا، ثم أماتهم، ثم أحْياهم في القبر وقتَ السُّؤال، ثم أماتَهم فيه، ثم أحياهم في الحَشْر «1» ، قال ع «2» : هذا فيه الإحياءُ ثلاثَ مِرَارٍ، والأول أثْبَتُ، وهذه الآية متَّصلةُ المعنى بالتي قَبْلَهَا، وبَعْدَ قولهم: فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ محذوفٌ يَدُلُّ عليه الظاهِرُ، تقديرهُ: لا إسْعَافَ لِطَلبَتِكُمْ، أو نَحْوَ هذا من الردّ.
[سورة غافر (40) : الآيات 12 الى 14]
ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَاّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14)
وقوله تعالى: ذلِكُمْ يحتملُ أنْ يكونَ إشارةً إلى العذابِ الذي هُمْ فيه، أو إلى مَقْتِهِمْ أنْفُسَهُمْ أو إلى المَنْعِ والزَّجْرِ والإهانةِ.
وقوله تعالى: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ معناه بحَالَةِ تَوْحِيدٍ ونَفْيٍ لِمَا سِوَاهُ، كَفَرْتُمْ، وإنْ يُشْرَكْ به اللَاّتَ والعزى وغَيْرَهُمَا، صَدَّقْتُمْ، فالحُكْمُ اليومَ بعذابِكم وتخليدِكم في النارِ للَّهِ لا لتلكَ التي كنتم تُشْركُونَها معه في الألوهيَّةَ.
وقوله سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
…
الآية مخاطَبَةٌ للمؤمنِينَ أصْحَابِ نبيِّنا محمّد صلى الله عليه وسلم و «ادعوا» معناه: اعبدوا.
[سورة غافر (40) : الآيات 15 الى 18]
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18)
وقوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ يحتمل أن يريد بالدرجات صفاته العلى، وعبَّر بما يَقْرُبُ من أفهامِ السامعينَ، ويحتمل أنْ يريدَ: رفيعُ الدرجاتِ التي يُعْطِيها للمؤمنينَ، ويتفضَّلُ بها على عبادِهِ المُخْلِصِينَ في جَنَّتِهِ، والْعَرْشِ هو الجِسْمُ المخلوقُ الأعْظَمُ الذي السموات السَّبْعُ والكرسيُّ والأَرَضُونَ فيه كالدنانيرِ في الفَلَاةِ من الأرض.
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 45) برقم: (30296) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 93) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 549) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 73) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 549) .
وقوله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال الضَّحَّاك: الرُّوحُ هنا هُو: الوَحْيُ القُرْآنُ وغيره مما لَمْ يُتْلَ «1» وقال قَتَادَةُ والسُّدِّيُّ: الرُّوحُ: النُّبُوَّة «2» ومكانتُها كما قال تعالى: رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] وسمى هذا رُوحَاً لأنه تَحْيَا به/ الأمَم والأزمانُ كما يَحْيَا الجَسَدُ برُوحِهِ، ويحتملُ أَن يكونَ إلقاءُ الرُّوحِ عامًّا لِكُلِّ ما يُنْعِمُ اللَّهُ بِهِ على عبادِهِ المهتَدِينَ في تفهيمه الإيمانَ والمعقولاتِ الشريفةَ، والمُنْذِرُ بيومِ التَّلاقِ على هذا التأويلِ هو اللَّهُ تعالى، قال الزَّجَّاج: الرُّوحُ كُلُّ ما فيهِ حَيَاةُ النَّاسِ، وكُلُّ مُهْتَدٍ حَيٌّ، وكلُّ ضَالٍّ كالمَيتِ.
وقوله: مِنْ أَمْرِهِ إنْ جعلته جِنْساً للأمورِ ف «مِنْ» للتَّبعيضِ أو لابتداءِ الغَايَةِ، وإنْ جَعَلْتَ الأمْرَ مِنْ معنى الكلامِ ف «مِنْ» إما لابتداءِ الغايةِ، وإمَّا بمعنى الباءِ، ولا تكونُ للتبعيضِ بَتَّةً، وقرأ الجمهور:«لتنذر» بالتاء على مخاطبةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقرأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وجماعةٌ:«لينذر» «3» بالياء، ويَوْمَ التَّلاقِ معناه: تلاقِي جميعِ العالمِ بعضِهم بعضاً، وذلك أمرٌ لَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ.
وقوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ معناه في براز من الأرض يسمعهم الدّاعي وينفذهم البَصَرُ.
وقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ رُوِيَ أَنَّ اللَّه تعالى يُقَرِّرُ هذا التقريرَ، ويَسْكُتُ العالم هيبة وجزعا، فيجيب- هو نفسُهُ بقوله: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، ثم يُعْلِمُ اللَّهُ تعالى أَهْلَ المَوْقِفِ بأنَّ اليَوْمَ تجزى كُلُّ نفسٍ بما كسبتْ، وَبَاقِي الآيةِ تَكَرَّر مَعْنَاهُ، فانْظُرْهُ في مواضِعه.
ثم أمر الله تعالى نبيّه ع بإنْذارِ العَالَمِ وتحذيرِهِمْ مِنْ يومِ القيامةِ وأهوالِه، و «الآزِفَة» : القريبةُ مِنْ أَزِفَ الشيءُ إذا قرب، والْآزِفَةِ في الآية: صِفَةٌ لمحذوفٍ قَدْ عُلِمَ واسْتَقَرَّ في النفوس هولُه، والتقديرُ يَوم الساعة الآزفة، أو الطّامة:
الآزفة، ونحو هذا.
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 46) برقم: (30301) عن الضحاك، وبرقم:(30300) عن قتادة، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 550) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 650) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 47) برقم: (30303) عن السدي، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 550) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 551) ، و «البحر المحيط» (7/ 437) ، و «الدر المصون» (6/ 33) .