الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله سبحانه: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ
…
الآية، قبله محذوفٌ، تقديره: أَسُكَّانُ هذه، أو تقديره: أهؤلاءِ المتقون كَمَنْ هو خالد في النار.
[سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 21]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20)
طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21)
وقوله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ يعني بذلك: المنافقين حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً عَلَى جِهَةِ الاسْتِخْفَاف، ومنهم مَنْ يقوله جهالةً ونسيانا، وآنِفاً معناه: مبتدئاً، كأَنَّه قال: ما القولُ الذي ائتنفه الآنَ قَبْلَ انفصالنا عَنْهُ، والمفسِّرون يقولون: آنِفاً معناه: الساعةَ الماضيةَ، وهذا تفسيرٌ بالمعنى.
ت: وقال الثعلبيّ: آنِفاً أي: الآنَ، وأصله الابتداء، قال أبو حَيَّان «1» :
آنِفاً بالمدِّ والقَصْرِ: اسمُ فاعِل، والمُسْتَعْمَلُ من فعله: ائتنفت، ومعنى: آنِفاً مبتدئاً، فهو منصوبٌ على الحال، وأعربه الزَّمْخَشْرِيُّ ظَرْفاً، أي: الساعةَ، قال أبو حَيَّان «2» : ولا أعلم أحداً من النحاة عَدَّه مِنَ الظُّرُوفِ، انتهى، وقال العراقيّ: آنِفاً أي: الساعة.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً أي: زادهم اللَّه هدى، ويحتمل:
زادهم استهزاءُ المنافقين هُدًى، قال الثعلبيُّ: وقيل: زَادَهُمْ ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم هُدًى قال ع «3» : الفاعل في وَآتاهُمْ يتصرَّفُ القولُ فيه بحسب التأويلاتِ المذكورةِ، وأقواها أنَّ الفاعِلَ اللَّهُ تعالى، وَآتاهُمْ معناه: أعطَاهُمْ، أي: جعلهم مُتَّقِينَ.
وقوله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ يريد: المنافقين، والمعنى: فهل ينتظرون؟ وبَغْتَةً معناه/ فجأة.
وقوله: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها أي: فينبغي الاستعدادُ والخوفُ منها، والذي جاء من
(1) ينظر: «البحر المحيط» (8/ 79) .
(2)
ينظر: المصدر السابق.
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 115) .
أشراط الساعة: محمّد صلى الله عليه وسلم لأنّه آخر الأنبياء، وقال ع:«بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» «1» والأحاديثُ كثيرةٌ في هذا الباب.
وقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ
…
الآية: إضرابٌ عن أمْرِ هؤلاء المنافقين، وذكر الأَهَمِّ من الأمر، والمعنى: دُمْ على عِلْمِكَ، وهذا هو القانُونُ في كُلَّ مَنْ أُمِرَ بشيْء هو مُتَلَبِّسٌ به، وكُلُّ واحدٍ مِنَ الأُمَّةِ داخلٌ في هذا الخِطابِ، وعن أبي هُرَيْرة قال: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا قَالَ عَبْدُ: لَا إله إلَاّ اللَّهُ مُخْلِصاً، إلَاّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، حتى تُفْضِيَ إلَى الْعَرْشِ مَا اجتنبت الكَبَائِرُ» «2» ، رواه الترمذي والنسائيّ، وقال
(1) يروى هذا الحديث عن جمع من الصحابة، منهم: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وسهل بن سعد.
فأما حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري (11/ 355) كتاب «الرقائق» باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«بعثت أنا والساعة كهاتين» (6504) ، ومسلم (4/ 2268)، كتاب «الفتن وأشراط الساعة» باب: قرب الساعة (133- 134/ 2951)، والترمذي (4/ 496) كتاب «الفتن» باب: ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ- يعني السبابة والوسطى-» (2214) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (6/ 281) ، وأحمد (3/ 123، 124، 130، 131، 193، 218، 222، 237، 274)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
أما طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أخرجه مسلم (3/ 418) - النووي كتاب «الجمعة» باب:
تخفيف الصلاة والخطبة (43/ 867)، والنسائي (3/ 188) كتاب «الخطبة» باب: كيف الخطبة (1578)، وابن ماجه (1/ 17) «المقدمة» باب:(7)(45)، وابن حبان (1/ 186) المقدمة: باب:
الاعتصام بالسنة (10) ، وأبو يعلى (4/ 85)(346/ 2111)، وابن خزيمة (3/ 143) كتاب «جماع أبواب الآذان والخطبة في الجمعة» باب: صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وبدؤه فيها بحمد الله والثناء عليه (1785) ، والبيهقي (3/ 206)، كتاب «الجمعة» باب: رفع الصوت في الخطبة (9/ 213)، كتاب «الجمعة» باب: كيف يستحب أن تكون الجمعة، وأحمد (3/ 310- 311) .
وفي الباب من حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (11/ 355)، كتاب «الرقاق» باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«بعثت أنا والساعة كهاتين» (6505) ، وابن ماجه (2/ 134)، كتاب «الفتن» باب: أشراط الساعة (4040) ، وابن حبان (15/ 13- 14)، كتاب «التاريخ» باب: إخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث (6641) .
أما من طريق سهل بن سعد الساعدي: أخرجه البخاري (11/ 355) كتاب «الرقاق» باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» (6503) ، (9/ 348)، كتاب «الطلاق» باب: اللعان (5302) ، وأحمد (4/ 330، 331، 335، 338، 309) .
(2)
أخرجه الترمذي (5/ 575)، كتاب «الدعوات» باب: دعاء أم سلمة (3590) ، والنسائي (6/ 208) - «الكبرى» ، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: أفضل الذكر وأفضل الدعاء (10669/ 3)، والمنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 392) (2255) كلهم قال: «
…
أبواب السماء
…
» ، وليس أبواب الجنة.
وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (11/ 394)(6271) نحوه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. [.....]
الترمذيُّ واللفظ له: حديث حسن غريب، انتهى من «السلاح» .
وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أي: لِتَسْتَنَّ أُمَّتُكَ بِسُنَّتِكَ.
ت: هذا لفظ الثعلبيِّ، وهو حَسَنٌ، وقال عِيَاضٌ: قال مَكِّيٌّ: مخاطبةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم هاهنا هي مخاطبةٌ لأُمَّتِهِ، انتهى.
قال ع «1» : وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَليَسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ» «2» وبَوَّبَ البخاريُّ- رحمه الله العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ.
وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
…
الآية: وواجبٌ على كل مؤمن أنْ يستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنَّها صَدَقَةٌ، وقال الطبريُّ وغيره «3» : مُتَقَلَّبَكُمْ: مُتَصَرَّفَكُمْ في يقظتكم وَمَثْواكُمْ منامكم، وقال ابن عباس: مُتَقَلَّبَكُمْ تَصَرُّفُكُمْ في حياتكم الدنيا وَمَثْواكُمْ: إقامتكم في قبوركم، وفي آخرتكم «4» .
وقوله عز وجل: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ
…
الآية: هذا ابتداءُ وَصْفِ حالِ المؤمنينَ على جهة المَدْحِ لهم، ووصفِ حالِ المنافقين على جهة الذَّمِّ وذلك أَنَّ المؤمنين كان حرصهم على الدين يبعثهم على تَمَنِّي ظهور الإسلامِ وتمنِّي قتال العدوِّ، وكانوا يأنسونَ بالوحي، ويستوحشون/ إذا أبطأ، وكان المنافقون على العكس من ذلك.
وقوله: مُحْكَمَةٌ معناه: لا يقعُ فيها نسخ، وأَمَّا الإحكام الذي هو الإتقان، فالقرآن كلُّه سواءٌ فيه، والمرض الذي في قلوب المنافقين هو فَسَادُ مُعْتَقَدِهِمْ، ونظر الخائف المولَّه قريبٌ من نظر المَغْشِيِّ عليه، وَخَسَّسَهُمْ هذا الوصف والتشبيه.
وقوله تعالى: فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ «أولى» : وزنها أَفْعَلُ، من وَلِيَكَ الشَّيْءُ يَلِيكَ، والمشهورُ من استعمال أولى أَنَّك تقول: هذا أولى بك من هذا، أي: أَحَقُّ، وقد تَسْتَعْمِلُ العرب «أولى لكِ» فقطْ على جهة الاختصار، لما معها من القول على جهة الزّجر والتّوعّد،
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 116) .
(2)
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 213) كتاب «التوبة» باب: الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات.
قال الهيثمي: رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه من لم أعرفهم.
(3)
ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 318) .
(4)
ذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 183) برقم: (19) ، وابن عطية (5/ 116) .