الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية، رُوِيَ أَنَّها نزلت بسبب أَنَّ عديَّ بن حاتم قال: يا رسول اللَّه، إنَّ حَاتِماً كَانَتْ لَهُ أَفْعَالُ بِرٍّ فَمَا حَالُهُ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ في النَّارِ فَبَكَى عَدِيُّ، وَوَلَّى فَدَعَاهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:«أَبي وَأَبُوكَ وَأَبُو إبْراهِيمَ خَلِيلِ الرحمن في النَّارِ» ونزلت هذه الآية في ذلك «1» ، وظاهر الآية العموم في كُلِّ ما تناوَلته الصفة.
وقوله سبحانه: فَلا تَهِنُوا معناه: لا تَضْعُفُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ أي: إلى المسالمة، وقال قتادة: معنى الآية: لا تكونوا أُولَى الطائفتين ضَرَعَتْ للأخرَى «2» : قال ع «3» وهذا حَسَنٌ مُلْتئِمٌ مع قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال:
61] .
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: في موضع الحال، المعنى: فلا تَهِنُوا وأنتم في هذه الحال، ويحتمل أنْ يكون إخباراً بمغيب أبرزه الوجودُ بعد ذلك، والأعلون: معناه الغالبون والظاهرون من العُلُوِّ.
وقوله: وَاللَّهُ مَعَكُمْ معناه: / بنصره ومَعُونَتِهِ وَيتِرُ معناهُ: يُنْقِصُ ويُذْهِبُ، والمعنى: لن يتركم ثواب أعمالكم.
[سورة محمد (47) : الآيات 36 الى 38]
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)
وقوله سبحانه: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ تحقير لأمر الدنيا.
وقوله: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ معناه: هذا هو المطلوب منكم، لا غيره لا تُسْأَلُون أموالكم، ثم قال سبحانهُ مُنَبِّهاً على خُلق ابن آدم: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا والإحفاء هو أشدُّ السؤال، وهو الذي يستخرج ما عند المسئول كرها.
(1) أخرجه أحمد (4/ 258) بلفظ: قلت: يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم ويفعل كذا وكذا، قال:
«إن أباك أراد أمرا فأدركه» . [.....]
(2)
أخرجه الطبري (11/ 326، 327) برقم: (31426، 31428) ، وذكره ابن عطية (5/ 122) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 122) .
ت: وقال الثعلبيُّ: فَيُحْفِكُمْ أي: يجهدكم ويلحف عليكم.
وقوله: تَبْخَلُوا جزماً على جواب الشرط وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ أي: يخرج اللَّه أضغانكم، وقرأ يعقوب:«وَنُخْرِجْ» بالنون، والأضغان: مُعْتَقَدَاتُ السوء «1» ، وهو الذي كان يخاف أنْ يعترِيَ المسلمين، ثم وقف اللَّه تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم بقوله: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ وكرر «هاء» التنبيه تأكيداً.
وقوله تعالى: وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ أي: بالثواب وَاللَّهُ الْغَنِيُّ أي:
عن صدقاتكم وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ إلى ثوابها.
ت: هذا لفظ الثعلبيِّ، قال ع: يقال: بَخِلْتُ عليك بكذا، وبخلت عنك بمعنى أمسكت عنك، وروى التِّرْمِذِيُّ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ، قَرِيبٌ مِنَ الجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ» ، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. غريبٌ، انتهى «2» .
وقوله سبحانه: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ قالت فرقة: هذا الخطاب لجميعِ المسلمين والمشركين والعرب حينئذٍ، والقوم الغير هم فارس، وروى أبو هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هذا وَكَانَ سَلْمَانُ إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَقَالَ: «قَوْمُ هَذَا
(1) وقرأ بها ابن عبّاس.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (142) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 123) ، و «البحر المحيط» (8/ 85) ، و «الدر المصون» (6/ 158) .
(2)
أخرجه الترمذي (4/ 302) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في السخاء، حديث (1961) ، والعقيلي في «الضعفاء» (2/ 117) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 429)(10852) ، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 180) - بتحقيقنا، كلهم من طريق سعيد بن محمّد الوراق عن يحيى بن سعيد عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة إلا من حديث سعيد بن محمّد، وقد خولف سعيد بن محمّد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إنما يروى عن يحيى بن سعيد عن عائشة شيء مرسل. اهـ.
وقال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى ولا غيره وقال ابن الجوزي: لا يصح، المتهم به سعيد بن محمّد الوراق، قال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البيهقي: تفرد به سعيد بن محمّد وهو ضعيف. -
_________
- وقال السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (2/ 91)(قلت) أخرجه الترمذي، وابن حبان في «روضة العقلاء» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» ، والخطيب في كتاب «البخلاء» من طريق عن سعيد الوراق به، وقال ابن حبان: غريب، وقال البيهقي: تفرد به سعيد بن محمّد الوراق وهو ضعيف، والله أعلم.
اهـ. وللحديث شواهد من حديث عائشة، وأنس، وجابر.
حديث عائشة:
أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «اللآلئ» (2/ 92) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 428- 429)(10850) ، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 181) - بتحقيقنا، من طريق سعيد بن مسلمة، حدثنا يحيى بن سعيد عن محمّد بن إبراهيم التيمي عن عائشة مرفوعا بلفظ:«السخي قريب من الله قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس قريب من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله من العاقل البخيل» . قال ابن الجوزي: سعيد بن مسلمة، قال يحيى: ليس بشيء، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا فاحش الخطأ، وقال ابن عدي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى بن سعيد ولا غيره، وقال الدارقطني: لهذا الحديث طرق لا يثبت منها شيء بوجه اهـ.
وللحديث طريق آخر عن عائشة:
أخرجه الخطيب في كتاب «البخلاء» كما في «اللآلئ» (2/ 92) ، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 181) من طريق خالد بن يحيى القاضي عن غريب بن عبد الواحد القرشي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عائشة مرفوعا.
وقال ابن الجوزي: خالد وغريب مجهولان.
وقال السيوطي: أقره صاحب «الميزان» على أن اسمه غريب، والذي في كتاب «البخلاء» للخطيب:
عنبسة بن عبد الواحد. اهـ.
وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 428)(10847) من طريق تليد بن سليمان، وسعيد بن مسلمة عن يحيى بن سعيد عن محمّد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عائشة مرفوعا.
وقال البيهقي: تليد وسعيد ضعيفان.
وأقره صاحب «اللآلئ» (2/ 92) .
حديث أنس:
أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 180) - بتحقيقنا، من طريق محمّد بن تميم، حدثنا قبيصة بن محمّد عن موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا: «لما خلق الله الإيمان قال:
قال ابن الجوزي: المتهم به محمّد بن تميم قال ابن حبان: كان يضع الحديث.
وقال السيوطي في «اللآلئ» (2/ 92) محمّد بن تميم يضع.
حديث جابر:
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 428)(10848) من طريق سعيد بن مسلمة، عن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جابر مرفوعا.
لَوْ كَانَ الدِّينُ في الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ من أهل فارس» «1» .
- وقد تقدم ضعف سعيد: وللحديث شاهد أيضا من حديث ابن عبّاس: أخرجه تمام في فوائده كما في «اللآلئ» (2/ 93) ، وفيه محمّد بن زكريا الغلابي.
قال الدارقطني: يضع الحديث.
ينظر: «تنزيه الشريعة» (1/ 105) .
والحديث: ذكره السيوطي في «الجامع الصغير» (4/ 138) - فيض، برقم:(4804) ، من حديث أبي هريرة، وجابر، وعائشة، ورمز له بالضعف، ووافقه المناوي في «شرحه» وقال المناوي في «الفيض» (4/ 138- 139) :(السخي قريب من الله) أي: من رحمته وثوابه، فليس المراد قرب المسافة، تعالى الله عنه، إذ لا يحل الجهات، ولا ينزل الأماكن، ولا تكتنفه الأقطار، (قريب من الناس) أي: من محبتهم فالمراد: قرب المودة، (قريب من الجنة) لسعيه فيما يدنيه منها، وسلوكه طريقها، فالمراد هنا قرب المسافة، وذلك جائز عليها لأنها مخلوقة، وقربه منها: برفع الحجاب بينه وبينها، وبعده عنها:
كثرة الحجب، فإذا قلّت الحجب بينك وبين الشيء. قلت مسافته، أنشد بعضهم:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت
…
وأنت كئيب إن ذا لعجيب
فقلت وما تغني ديار قريبة
…
إذا لم يكن بين القلوب قريب
والجنة والنار محجوبتان عن الخلق بما حفتا به من المكاره والشهوات، وطريق هتك هذه الحجب مبينة في مثل:«الإحياء» ، و «القوت» من كتب القوم، (بعيد من النار والبخيل بعيد من الله) أي: من رحمته، (بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار)، وقال الغزالي: والبخل ثمرة الرغبة في الدنيا، والسخاء ثمرة الزهد والثناء على الثمرة ثناء على المثمر لا محالة، والسخاء: ينشأ من حقيقة التوحيد والتوكل والثقة بوعد الله وضمانه للرزق، وهذه أغصان شجرة التوحيد التي أشار إليها الحديث، والبخل: ينشأ من الشرك وهو الوقوف مع الأسباب والشك في الوعد، قال الطيبي: التعريف في السخي والبخيل للعهد الذهني وهو ما عرف شرعا أن السخي من هو والبخيل من هو، وذلك أن من أدى الزكاة فقد امتثل أمر الله، وعظمه، وأظهر الشفقة على خلقه، وواساهم بماله، فهو قريب من الله وقريب من الناس، فلا تكون منزلته إلا الجنة، ومن لم يكن كذلك فبالعكس ولذلك كان جاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل، كما قال:(ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل) فخولف ليفيد أن الجاهل غير العابد السخي أحب إلى الله من العابد العالم البخيل، فيالها من حسنة غطت على عيبين عظيمين، ويا لها من سيئة حطت حسنتين خطيرتين، على أن الجاهل السخي سريع الانقياد بما يؤمر به من نحو تعلم، وإلى ما ينهى عنه بخلاف العالم البخيل، (تنبيه) قال الراغب: من شرف السخاء والجود، أن الله قرن اسمه بالإيمان، ووصف أهله بالفلاح، والفلاح أجمع لسعادة الدارين، وحق للجود أن يقترن بالإيمان، فلا شيء أخص منه به ولا أشد مجانسة له فمن صفة المؤمن: انشراح الصدر فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً، وهما من صفة الجواد والبخيل لأن الجواد يوصف بسعة الصدر والبخيل بضيقه اهـ.
(1)
أخرجه البخاري (8/ 510) كتاب «التفسير» باب: قوله: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (4897) ، ومسلم (4/ 1972)، كتاب «فضائل الصحابة» باب: فضل فارس (230- 231/ 2546) ، وأحمد (2/ 309) .
وقوله سبحانه: ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ معناه: في الخلاف والتوَلى والبُخْلِ بالأموال ونحوِ هذا، وحكى الثعلبيُّ قولاً أَنَّ القوم الغير هم الملائكة.
ت: وليس لأحد مع الحديث: إذا صَحَّ نظر، ولولا الحديثُ لاحتمل أن يكون الغير ما يأتي من الخَلَفِ بعد ذهاب السَّلَفِ، على ما ذكر في غير هذا الموضع.