الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّه تعالى [على عباده]«1» بأدبه في استعمال الاستثناء في كل فعل.
ت: قال ثعلب: استثنى اللَّه تعالى فيما يعلم ليستثنيَ الخَلْقُ فيما لا يعلمون، وقيل غير هذا، ولما نزلت هذه الآية عَلِمَ المسلمون أَنَّ تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمان، فكان كذلك، فخرج صلى الله عليه وسلم في العام المُقْبِلِ واعتمر.
وقوله سبحانه: فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا يريد ما قَدَّرَهُ من ظهور الإسلام في تلك المدة ودخول الناس فيه.
وقوله: مِنْ دُونِ ذلِكَ أي: من قبل ذلك، وفيما يدنو إليكم، واختلف في الفتح القريب، فقال كثير من العلماء: هو بيعة الرضوان وصُلْحُ الحديبية، وقال ابن زيد «2» : هو فتح خيبر.
[سورة الفتح (48) : آية 29]
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)
وقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قال جمهور الناس: هو ابتداء وخبر، استوفى فيه تعظيمَ منزلة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: وَالَّذِينَ مَعَهُ ابتداء، وخبره: أَشِدَّاءُ ورُحَماءُ خبر ثانٍ، وهذا هو الراجح لأَنَّهُ خبر مضاد لقول الكفار:«لا تكتب مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، وَالَّذِينَ مَعَهُ إشارة إلى جميع الصحابة عند الجمهور، وحكى الثعلبيُّ عن ابن عباس أَنَّ الإشارة إلى مَنْ شَهِدَ الحديبية «3» .
ت: ووصف تعالى الصحابة بأَنَّهُمْ رحماء بينهم، وقد جاءت أحاديثُ صحيحةٌ في تراحم المؤمنين حدثنا الشيخ وليُّ الدين العراقيُّ بسنده عن عبد اللَّه بن عمرو بن/ العاصي أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرحمن ارْحَمُوا مَنْ في الأرض
(1) سقط في: د. [.....]
(2)
أخرجه الطبري (11/ 368) برقم: (31610) ، وذكره ابن عطية (5/ 140) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 79) ، وعزاه لابن جرير.
(3)
ذكره ابن عطية (5/ 147) .
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» «1» وأخرج الترمذيُّ من طريق أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلَاّ مِنْ [قَلْبٍ] شَقِيٍّ» «2» وخَرَّجَ عن جرير بن عَبْدِ اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ، لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ» «3» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهذا الحديث خَرَّجه مسلم عن جرير، وخَرَّجَ مسلم أيضاً من طريق أبي هريرةَ:
«مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» «4» انتهى، وبالجملة: فأسباب الألفة والتراحم بين المؤمنين كثيرةٌ، ولو بأَنْ تَلْقَى أخاك بوجه طَلْقٍ، وكذلك بَذْلُ السلام وَطيِّبُ الكلام، فالمُوَفَّقُ لا يحتقر من المعروف شيئاً، وقد روى الترمذي الحكيم في كتاب «ختم الأولياء» له بسنده عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ كَان أَحَبَّهُمَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَحْسَنُهُمَا بِشْراً بِصَاحِبِهِ» أوْ قَالَ: «أكثرهما [بشرا] بصاحبه، فإذا
(1) أخرجه أبو داود (2/ 703) كتاب «الأدب» باب: في الرحمة (4941)، والترمذي (4/ 323- 324) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في رحمة المسلمين (1924) ، وأحمد (2/ 160) ، والحاكم في «المستدرك» (4/ 159)، والبيهقي (9/ 41) كتاب «السير» باب: ما على الوالي من أمر الجيش، والحميدي (2/ 269)(591) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
أخرجه أبو داود (2/ 703) كتاب «الأدب» باب: في الرحمة (4942)، والترمذي (4/ 323) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في رحمة المسلمين (1923) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
(3)
أخرجه البخاري (10/ 452) كتاب «الأدب» باب: رحمة الناس والبهائم (6013)، ومسلم (4/ 1809) كتاب «الفضائل» باب: رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك (66، 66/ 2319) ، والطبراني (2/ 354- 355)(2491- 2492- 2493- 2495)، والبيهقي (8/ 161) كتاب «قتال أهل البغي» باب: ما على السلطان من القيام فيما ولي بالقسط والنصح للرعية، والرحمة بهم، والشفقة عليهم والعفو عنهم ما لم يكن حدا، والحميدي (2/ 351)(802) ، وأحمد (4/ 358، 360، 361، 362، 365، 366) .
(4)
أخرجه البخاري (10/ 440) كتاب «الأدب» باب: من ترك صبية غيره حتى تلعب به، أو قبلها أو مازحها (5997)، ومسلم (4/ 1808- 1809) كتاب «الفضائل» باب: رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (65، 65/ 2318)، وأبو داود (2/ 777) كتاب «الأدب» باب: في قبلة الرجل ولده (5218)، والترمذي (4/ 318) كتاب «البر والصلة» باب: ما جاء في رحمة الولد (1911) ، والبخاري في «الأدب المفرد» (35)(91)، وابن حبان (2/ 202) كتاب «البر والإحسان» باب: الرحمة (457، 463)، (12/ 406- 407) كتاب «الحظر والإباحة» باب: ذكر الإباحة أن يقبل الرجل ولده، وولد ولده وما بعده (5594، 5596)، (15/ 431) كتاب «إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة» باب: ذكر ملاعبة المصطفى صلى الله عليه وسلم للحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (6975) ، وأحمد (2/ 228، 241، 269، 514) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
تَصَافَحَا، أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيهِمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، تِسْعُونَ مِنْهَا لِلَّذِي بَدَأَ، وَعَشَرَةٌ لِلَّذِي صُوفِحَ» «1» ، انتهى.
وقوله: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً أي: ترى هاتين الحالتين كثيرا فيهم ويَبْتَغُونَ:
معناه: يطلبون.
وقوله سبحانه: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قال مالك بن أنس: كانت جِبَاهُهُم مَتْرِبَةً من كثرة السجود في التراب وقاله عِكْرِمَةُ، ونحوه لأبي العالية «2» ، وقال ابن عباس وخالد الحنفي/ وعطية: هو وعد بحالهم يومَ القيامة من اللَّه تعالى، يجعل لهم نوراً من أَثر السجود «3» ، قال ع «4» : كما يجعل غُرَّةً من أثر الوضوء، حسبما هو في الحديث، ويؤيد هذا التأويلَ اتصالُ القولِ بقوله:«فَضْلاً مِنَ اللَّهِ» وقال ابن عباس:
السَّمْتُ الحَسَنُ هو السيما، وهو خشوع يبدو على الوجه «5» ، قال ع «6» : وهذه حالةُ مُكْثِرِي الصلاةَ لأَنَّها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وقال الحسن بن أبي الحسن، وشِمْرُ بن عَطِيَّةَ:«السيما» : بَيَاضٌ وصُفْرَةٌ وتَبْهِيجٌ يعتري الوجوهَ من السَّهَرِ»
، وقال عطاء بن أبي رباح، والربيع بن أنس:«السّيما» : حسن يعتري وجوه المصلّين «8» ، قال- عليه السلام «9» -: ومن هذا الحديثُ الذي في «الشِّهاب» : «مَنْ كثرت صلاته باللّيل حسن وجهه
(1) ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (9/ 114)(25245) ، وعزاه لأبي الشيخ، والحكيم الترمذي عن عمر.
(2)
أخرجه الطبري (11/ 371) عن عكرمة برقم: (31632) ، وذكره البغوي (4/ 206) عن عكرمة، وأبي العالية، وابن عطية (5/ 141) .
(3)
أخرجه الطبري (11/ 370) عن ابن عبّاس برقم: (31613)، وعن خالد الحنفي برقم:(31614) ، وذكره البغوي (4/ 206) عن ابن عبّاس، وابن عطية (5/ 141) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 82) ، وعزاه للبخاري في «تاريخه» ، وابن نصر عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 141) .
(5)
أخرجه الطبري (11/ 370) برقم: (31621) ، وذكره البغوي (4/ 206) ، وابن عطية (5/ 141) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 204) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 81) ، وعزاه لمحمّد بن نصر في كتاب «الصلاة» ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «سننه» .
(6)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 141) .
(7)
أخرجه الطبري (11/ 371) عن الحسن برقم: (31628)، وعن شمر بن عطية برقم:(31630) ، وذكره ابن عطية (5/ 141) .
(8)
ذكره البغوي (4/ 206) ، وذكره ابن عطية (5/ 141) . [.....]
(9)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 141) .
بِالنَّهَارِ» «1» قال ع «2» : وهذا حديث غَلِطَ فيه ثابت بن موسى الزاهد، سَمِعَ شَرِيكَ بنَ عبد اللَّه يقول: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عن أبي سفيانِ، عن جابر، ثم نزع شريك لما رأى ثابتاً الزاهد فقال يعنيه: مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ، حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ، فَظَنَّ ثابت أَنَّ هذا الكلام حديث متركِّب على السند المذكور، فَحَدَّثَ به عن شريك.
ت: واعلم أَنَّ اللَّه سبحانه جعل حُسْنَ الثناء علامةً على حسن عُقْبَى الدار، والكون في الجنة مع الأبرار، جاء بذلك صحيح الآثار عن النبي المختار ففي «صحيح البخاريّ» و «مسلم» عن أنس قالَ: «مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خيرا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
وَجَبَتْ، ثُمَّ مَرُّوا بأخرى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: / وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا وَجَبَتْ؟ فَقَالَ:
هَذا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأَرْضِ» «3» ، انتهى، ونقل صاحب «الكوكب الدُّرِّيِّ» من مسند البَزَّارِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: «يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بم؟ قال:
بالثّناء الحسن والثّناء السّيّئ» «4» ، انتهى، ونقله صاحب كتاب «التشوُّف إلى رجال التصوُّف» وهو الشيخ الصالح أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي، عن ابن أبي شيبة، ولفظه: وخرّج
(1) أخرجه ابن ماجه (1/ 422) كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب: ما جاء في قيام الليل (1333) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (1/ 341)(257) ، (13/ 38)(6995) ، وابن الشجري في «أماليه» (1/ 205، 208) .
قال العجلوني في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس» (2/ 338)(2587) : لا أصل له، وإن روي من طرق عند ابن ماجه بعضها عن جابر، وأورد الكثير منها عن القضاعي وغيره، قال: ولكن قرأت بخط شيخنا في بعض أجوبته أنه ضعيف، بل قواه بعضهم والمعتمد الأول، وأطنب ابن عدي في رده، قال ابن طاهر: ظن القضاعي أن الحديث صحيح لكثرة طرقه، وهو معذور لأنه لم يكن حافظا انتهى.
واتفق أئمة الحديث: ابن عدي، والدارقطني، والعقيلي، وابن حبان، والحاكم على أنه من قول شريك لثابت، وقال ابن عدي: سرقه جماعة من ثابت، كعبد الله بن شبرمة الشريكي، وعبد الحميد بن بحر، وغيرهما، وقال ابن حجر المكي في «الفتاوى» : أطبقوا على أنه موضوع، مع أنه في «سنن ابن ماجه» .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 141) .
(3)
أخرجه البخاري (3/ 270) كتاب «الجنائز» باب: ثناء الناس على الميت (1367)(5/ 299) كتاب «الشهادات» باب: تعديل كم يجوز؟ (2642)، ومسلم (2/ 655) كتاب «الجنائز» باب: فيمن يتسنى عليه خير أو شر (60، 60/ 949)، وابن ماجه (1/ 478) كتاب «الجنائز» باب: ما جاء في الثناء على الميت (1491) .
(4)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1411) كتاب «الزهد» باب: الثناء الحسن (4221)، والبيهقي (10/ 123) كتاب «آداب القاضي» باب: اعتماد القاضي على تزكية المشركين وجرحهم، والحاكم (1/ 120) .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
أبو بكر بن أبي شيبةَ أَنَّهُ قال صلى الله عليه وسلم في خُطْبَتِهِ: «تُوشِكُوا أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ قَالَ: خِيَارَكُمْ مِنْ شِرَارِكُمْ، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بالثّناء الحسن، وبالثّناء السّيّئ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» «1» . ومن كتاب «التشوُّف» قال: وخَرَّجَ البزَّارُ عن أنس قال: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَهْل الجَنَّةِ؟ قال: مَنْ لَا يَمُوتُ حتى تُمْلأَ مَسَامِعُهُ مِمَّا يُحِبُّهُ، قِيلَ: فَمَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ قال: مَنْ لَا يَمُوتُ حتى تملأ مسامعه مِمَّا يَكْرَهُ» قال:
وخَرَّج البَزَّارُ عن أبي هريرةَ «أَنَّ رجلاً قال: يا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، وَأَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: متى أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: إذَا قَالَ جِيرَانُكَ: إنَّكَ مُحْسِنٌ، فَإنَّكَ مُحْسِنٌ، وَإذَا قَالُوا: إنَّكَ مُسِيءٌ، فَإنَّكَ مُسِيءٌ» «2» انتهى، ونقل القرطبي في «تذكرته» عن عبد اللَّه بن السائب قال: مَرَّتْ جنازةٌ بابن مسعود فقال لرجُلٍ: قُمْ فانظرْ أمن أهل الجنة هو أم من أهل النَّارِ، فقال الرجل: ما يُدْرِينِي أمِنْ أهل الجنة هو أَمْ مِنْ أهل النار؟ قال: انظر ما ثَنَاءُ الناسِ عليه، فأنتم شهداءُ اللَّه في الأرض، / انتهى وباللَّه التوفيق، وإياه نستعين.
وقوله سبحانه: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ
…
الآية: قال مجاهد وجماعة من المتأولين: المعنى: ذلك الوصف هو مَثَلُهُمْ في التوراة ومثلهم في الإنجيل «3» ، وتم القول، وكَزَرْعٍ ابتداءُ تمثيل، وقال الطبريُّ وحكاه عن الضَّحَّاك «4» : المعنى: ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة، وتَمَّ القولُ، ثم ابتدأ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ «5» .
ت: وقيل غير هذا، وأبينها الأَوَّلُ، وما عداه يفتقر إلى سند يقطع الشكِ.
وقوله تعالى: كَزَرْعٍ على كل قول هو مثل للنبيّ ع وأصحابه في أنّ النبي ع بُعِثَ وَحْدَهُ فكان كالزرع حَبَّةً واحدة، ثم كَثُرَ المسلمون فهم كالشطء، وهو فراخ السُّنْبُلَةِ التي تنبت حول الأصل يقال: أشطأتِ الشجرةُ إذا أخرجت غُصُونَها، وأشطأ الزرع: إذا أخرج شطأه، وحكى النقاش عن ابن عباس أَنَّهُ قال: الزّرع: النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَآزَرَهُ: عليُّ بن أبي طالب، فَاسْتَغْلَظَ بأبي بكر، فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ بعمر بن الخطاب.
(1) أخرجه أحمد (6/ 466)، والبيهقي (10/ 123) كتاب «آداب القاضي» باب: اعتماد القاضي على تزكية المشركين وجرحهم.
(2)
تقدم تخريجه شاهدا لحديث: «لا تغضب» .
(3)
أخرجه الطبري (11/ 373) برقم: (31641) ، وذكره ابن عطية (5/ 142) .
(4)
ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 372) .
(5)
أخرجه الطبري (11/ 372) برقم: (31635) ، وذكره ابن عطية (5/ 142) .
ت: وهذا لَيِّنُ الإسناد والمتن، كما ترى، واللَّه أعلم بِصِحَّتِهِ «1» .
وقوله تعالى: فَآزَرَهُ له معنيان:
أحدهما: ساواه طولاً.
والثَّاني: أنَّ: «آزره» و «وَازَرَهُ» بِمعنى: أعانه وَقَوَّاهُ مأخوذٌ من الأَزَرِ، وفَاعِلُ «آزر» يحتملُ أنْ يكون الشَّطْءَ، ويحتمل أَنْ يكون الزَّرْعَ.
وقوله تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ابتداء كلام قبله محذوف، تقديره: جعلهم اللَّه بهذه الصفة ليغيظ بهم الكفار، قال/ الحسن: مِنْ غَيْظِ الكُفَّارِ قولُ عُمَرَ بِمَكَّةَ: لَا يُعْبَدُ اللَّهُ سِرّاً بَعْدَ الْيَوْمِ «2» .
وقوله تعالى: مِنْهُمْ هي لبيان الجنس، وليست للتبعيض لأنّه وعد مرج للجميع.
(1) ذكره ابن عطية (5/ 142) .
(2)
ذكره البغوي (4/ 206) ، وابن عطية (5/ 143) .