الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعودَ على الأَرْضِ، أو على الظُّلْمَةِ، وإنْ كان لم يَجْرِ لذلك ذِكْرٌ، فالمعنَى يقتضيه قاله الزجاج، و «جَلَّى» معناه كَشَفَ وضَوَى والفاعل ب «جَلَّى» على هذه التأويلاتِ النهارُ، ويحتمل أن يكونَ الفاعلَ اللَّهُ تعالى، كأنّه قال: والنهارِ، إذ جَلَّى اللَّهُ الشمسَ، فأقْسمَ بالنهار في أكملِ حالاتِه، و «يغْشَى» معناه: يُغَطِّي، والضميرُ للشمسِ على تجوُّزٍ في المعْنَى أو للأَرض.
وقوله تعالى: وَما بَناها وكلُّ ما بعدَه من نظائرِه في السورةِ يحتملُ أَن تَكُوْنَ «ما» فيه بمعنى الذي قاله أبو عبيدة، أي: ومَنْ بَناهَا، وهو قولُ الحسن ومجاهد، فيجيءُ القسمُ باللَّه تعالى «1» ، ويحتملُ أَنْ تَكُونَ مَا في جميعِ ذلك مصدرية قاله قتادةُ والمبردُ والزجاجُ، كأنَّه قالَ: والسماءِ وبنائِها «2» ، و «طحا» بمعنى: دَحَا، ت: قال الهروي:
قوله تعالى: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها أي بَسَطَها فأوسَعَها، ويقال طَحَا بِه الأمْرُ أي اتَّسَعَ به في المَذْهَبِ، انتهى، والنفسُ التي أقْسَمَ بِها سبحانه اسْمُ جنسٍ، وتسويتُها إكمالُ عقلها ونظرها.
الثعلبيّ: وسَوَّاها أي: عدّل خلقها، انتهى.
[سورة الشمس (91) : الآيات 8 الى 15]
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12)
فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14) وَلا يَخافُ عُقْباها (15)
وقوله سبحانه: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها أي: عرَّفَها طرق «3» ذلكَ، وجَعَلَ لها قوةً يصحُّ معها اكتسابُ الفُجُور أو اكتسابُ التقوى، وجوابُ القَسَمِ في قوله: قَدْ أَفْلَحَ والتقديرُ: لَقَدْ أفْلَحَ، زاد- ص-: وحُذِفَتْ اللامُ للطُولِ انتهى، والفاعلُ ب «زكى» يحتملُ أَن يكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قاله ابن عباس وغيره «4» ، ويحتمل أن يكون الإنسان قاله
(1) أخرجه الطبري (12/ 601) عن مجاهد، برقم:(37368) ، وذكره ابن عطية (5/ 488) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 515) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 599) ، وعزاه للحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عبّاس بنحوه. [.....]
(2)
أخرجه الطبري (12/ 601) ، (37367) عن قتادة، وذكره البغوي (4/ 992) ، وابن عطية (5/ 488) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 515) عن قتادة.
(3)
في د: طريق.
(4)
أخرجه الطبري (12/ 603) ، (37383) ، وذكره ابن عطية (5/ 488) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 602) ، وعزاه لحسين في «الاستقامة» ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.
الحسن وغيره «1» ، وزَكَّاها أي طهّرها ونمّاها بالخيرات ودَسَّاها معناه: أخْفَاهَا وحَقَّرَها وصَغَّرَ قدْرَها بالمعاصِي والبخلِ بما يَجِبُ وأَصلُ «دَسَّى» : دَسَّسَ ومنه قول الشاعر: [الطويل]
وَدَسَّسْتَ عَمْراً في التُّرَابِ فَأَصْبَحَت
…
حَلائِلُهُ مِنْهُ أَرامِلَ ضُيَّعَا «2»
ت: قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: ومن عيوبِ النفس الشفقةُ عليها، والقيامُ بتَعَهُّدِها وتحصيلِ مآربِها، ومداواتُها الإعراضُ عَنْها وقلةُ الاشْتِغَالِ بها، كذلك سمعتُ جَدِّي يقول: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسهُ هَانَ عليه دينُه، انتهى من تأليفه في عيوب النفس، وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآيةَ قال: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا» «3» ، قال «صاحبُ الكَلِمُ الفَارِقِيَّةِ والْحِكَمِ الحقيقيَّةِ» : النفسُ الزكيَّةُ زِينَتُها نَزَاهَتُها، وعافيتُها عِفَّتُها، وطَهَارَتُها وَرَعُها، وغِنَاها ثِقَتُها بمولاها وعلمُها بأنَّه لا ينساها، انتهى، ولما ذَكَر تعالى خَيْبَة مَنْ دسَّى نفسَه ذكرَ فرقةً فَعَلَتْ ذلكَ ليعتبرَ بهم، وينتهى/ عن مثلِ فعلِهم، والطَّغْوَى: مصدرٌ وقال ابن عباس:
الطغوى هنا العذابُ. كذَّبُوا به حتَّى نَزلَ بهِم ويؤيدُه قولُه تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ»
[الحاقة: 5] وقال جمهورُ من المتأولين: الباءُ سببيةٌ والمعنى: كذّبت ثمود نبيّها بسبب طغيانها، وأَشْقاها: هو قدار بن سالف، وقد تقدم قصصُهم، ت:
وناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها قيل: نَصْبٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ تقديرُه احْفَظُوا أو ذَرُوا، وقال- ص-:
ناقَةَ اللَّهِ الجمهورُ: بنصبِ ناقَةَ على التحذيرِ أي احذرُوا ناقةَ اللَّهِ، وهو مما يجبُ إضمارُ عامِله، انتهى، وفَدَمْدَمَ معناه أنْزَلَ العذابَ مُقَلْقِلاً لهمْ مكرَّراً ذلك، وهي الدَّمْدَمَةُ، الثعلبيُّ: قال مؤرج: الدمدمةُ أهلاكٌ باستئصالٍ، انتهى، وكذلكَ قال أبو حيانٍ «5» ، وقال الهروي: قال الأزهريُّ: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ أي: أطبق عليهم العذاب، وقيل
(1) أخرجه الطبري (12/ 603) عن قتادة، برقم:(37386) ، وذكره ابن عطية (5/ 488) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 516) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 601) ، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن.
(2)
البيت لرجل من طي.
ينظر: «اللسان» (دسا) ، «البحر المحيط» (8/ 472) ، و «الدر المصون» (6/ 531) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 488) .
(3)
تقدّم تخريجه.
(4)
أخرجه الطبري (12/ 605) ، (37398) ، وذكره ابن عطية (5/ 488) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 602) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس.
(5)
ينظر: «البحر المحيط» (8/ 476) .
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ أي: غَضِبَ عليهم، انتهى.
وقوله تعالى: فَسَوَّاها أي فَسَوَّى القبيلةَ في الهَلَاكِ لَم يَنْجُ مِنْهم أَحَدٌ، وقرأ نافع وابن عامر «1» :«فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا» والمعنى: فَلَا دَرَكَ عَلَى اللَّهِ تعالى في فعلهِ بهم وهذا قول ابن عباس والحسن «2» ، ويحتملُ أنْ يكونَ الفاعل ب يَخافُ صالحا ع أي: لا يخاف عُقْبَى هذه الفعلةِ بهم إذ كَانَ قَدْ أنذَرهم، وقرأ الباقون:«ولَا يَخَافُ» بالواوِ فَتَحْتَمِلُ الوجهينِ، وتحتملُ هذه القراءةُ وجْهاً ثالثاً: أنْ يكونَ الفاعلُ ب يَخافُ المنبعثَ قاله الزجاجُ والضحاكُ والسدي، وغيرُهم، وتكون الواوُ واوَ الحالِ، كأنّه قال: انْبَعَثَ لِعَقْرِهَا وهو لا يخاف عقبى فعله «3» .
(1) ينظر: «السبعة» (689) ، و «الحجة» (6/ 420) ، و «إعراب القراءات» (2/ 491) ، و «معاني القراءات» (3/ 150) ، و «شرح الطيبة» (6/ 116) ، و «العنوان» (21) ، و «حجة القراءات» (766) ، و «شرح شعلة» (625) ، و «إتحاف» (2/ 612) .
(2)
أخرجه الطبري (12/ 606) عن ابن عبّاس برقم: (37409)، وعن الحسن برقم:(37410) ، وذكره البغوي (4/ 494) ، وابن عطية (5/ 489) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 517) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 602) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.
(3)
أخرجه الطبري (12/ 606) عن السدي برقم: (37417) ، وذكره البغوي (4/ 494) ، وابن عطية (5/ 489) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 517) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 602) ، وعزاه لابن جرير عن الضحاك.