الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: مَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى
…
الآية: أهل القرى في هذه الآية: هم أهل الصفراء والينبوع ووادي القرى وما هنالك من قرى العرب، وذلك أَنَّها فُتِحَتْ في ذلك الوقت من غير إيجاف، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعَ ذلك للمهاجرين، ولم يحبس منها لنفسه شيئاً، ولم يعط الأنصار شيئاً لغناهم، والقُرْبَى في الآية: قرابته صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا الصدقةَ فَعُوِّضُوا من الفيء.
وقوله سبحانه: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ: مخاطبة للأنصار لأَنَّهُ لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غَنِيٌّ، والمعنى: كي لا يتداول ذلك المالَ الأغنياءُ بتصرفاتهم، ويبقى المساكينُ بلا شيءٍ، وقد مضى القولُ في الغنائم في سورة الأنفال، ورُوِيَ أَنَّ قوماً من الأنصار تكلّموا في هذه القرى المفتحة، وقالوا: لنا منها سَهْمُنَا، فنزل قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
…
الآية: فَرَضُوا بذلك، ثم اطَّرَدَ بعد معنى الآية في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ونواهيه، حَتَّى قال قوم: إنَّ الخمر مُحَرَّمَةٌ في كتاب اللَّه بهذه الآية، وانتزع منها ابن مسعود لعنة الواشمة، الحديث «1» .
ت: وبهذا المعنى يحصل التعميم للأشياء في قوله تعالى: مَّا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38] .
[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 9]
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
وقوله تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ: بيان لقوله: وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وكرر لام الجر، لما كانت الجملة الأولى مجرورةً باللام ليبيِّنَ أَنَّ البدل إنَّما هو منها، ثم/ وصفهم تعالى بالصفة التي تقتضي فقرهم، وتُوجِبُ الشفقة عليهم، وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً: يريد به الآخرة والجنة: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي: في الأقوال والأفعال والنِّيَّاتِ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ: هم الأنصار- رضي اللَّه عن جميعهم-، والضمير في مِنْ قَبْلِهِمْ للمهاجرين، والدار هي المدينة، والمعنى:
تبوؤوا الدار مع الإيمان، وبهذا الاقتران يتضح معنى قوله تعالى: مِنْ قَبْلِهِمْ فتأمله، قال- ص-: وَالْإِيمانَ منصوب بفعل مُقَدَّرٍ، أي: واعتقدوا الإيمان، فهو من عطف
(1) تقدم تخريجه.
الجمل كقوله: [من الرجز]
عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً
…
......
انتهى، وقيل غير هذا، وأثنى اللَّه تعالى في هذه الآية على الأنصار بِأَنَّهُمْ يحبون المهاجرين، وبأَنَّهم يؤثرون على أنفسهم، وبأَنَّهم قد وُقُوا شُحَّ أنفسهم.
ت: وروى الترمذيُّ عن أنس قال: «لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْماً أَبْذَلَ لِكَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاساةً في قلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أظهرهم لقد كفونا المئونة، وَأَشْرَكُونَا في الْمِهْنَةِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يذهبوا بالأجر كلّه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لَا، مَا دَعَوتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ» «1» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، انتهى، والحاجة: الحسد في هذا الموضع قاله الحسن «2» ، ثم يَعُمُّ بعدُ وُجُوهاً، وقال الثعلبيُّ: حاجَةً أي: حَزَازَةً، وقيل: حسداً مِمَّا أُوتُوا أي: مما أعطي المهاجرون من أموال بَنِي النضير والقرى، انتهى.
وقوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ: صفة للأنصار، وجاء الحديث الصحيح من غير ما طريق، أَنَّها نزلت/ بسبب رجل من الأنصار وصنيعه مع ضيفِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذْ نَوَّمَ صبيانه، وَقَدَّمَ للضيف طعامَه، وأطفأتْ أهلُه السراجَ، وأوهما الضيفَ أَنَّهُمَا يأكلان معه، وباتا طاويين فلمَّا غدا الأنصاريُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ فِعْلِكُمَا الْبَارِحَةَ» «3» ونزلت الآية في ذلك، قال صاحب «سلاح المؤمن» : الرجل الأنصاريّ
(1) أخرجه أبو داود (2/ 671)، كتاب «الأدب» باب: في شكر المعروف (4812) ، والترمذي (4/ 653)، كتاب «صفة القيامة» باب:(44)(2487) ، والحاكم في «المستدرك» (2/ 63) ، والبيهقي (6/ 183)، كتاب «الهبات» باب: شكر المعروف.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه الطبري (12/ 41)، برقم:(33875) ، وذكره ابن عطية (5/ 287) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 337) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 288) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(3)
أخرجه البخاري (8/ 500)، كتاب «التفسير» باب:«والذين تبوؤوا الدار والإيمان» (4889) ، والحاكم (4/ 130) ، والبيهقي (4/ 185)، كتاب «الزكاة» باب: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وابن الشجري في «أماليه» (1/ 283) .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قلت: وهو وهم من الحاكم فقد أخرجه البخاري كما بينا.