الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق بن بِشْرٍ: نزلَتْ هذه الآيةُ في الأَنبياء «1» ، ثم عَمَّتْ ف يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعني:
لوطا ع، ويَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ يعني إبراهيم ع، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً يعني: نِبِيَّنَا محمَّداً ع، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً يعني: يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاء- عليهما السلام.
وقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا
…
الآية، نزلَتْ بسبب خَوْضٍ كان للكفار في معنى تكليم اللَّه موسى ونحو ذلك، ذهَبَ قريشٌ واليهودُ في ذلك إلى تجسيم ونحوه، فنزلت الآية مُبَيِّنَةً صورةَ تكليم اللَّه عبادَهُ، كيف هو، فَبَيَّنَ اللَّه تعالى أَنَّهُ لا يكُونُ لأَحَدٍ مِنَ الأنبياءِ، ولا ينبغِي له، ولا يمكنُ فيه أنْ يُكَلِّمه اللَّه إلَاّ بأَنْ يوحي إليه أحَدَ وجوه الوَحْيِ من الإلهام قال مجاهد: أوِ النَّفْثِ في القَلْبِ «2» ، أو وَحْيٍ في منام، قال النَّخَعِيّ: وكانَ من الأنبياء مَنْ يُخَطَّ له في الأرض ونحو هذا، أو بأنْ يُسْمِعَهُ كلامه دون أن يعرف هو للمتكلِّم جهةً ولا حَيِّزاً كموسى- عليه السلام، وهذا معنى مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي: من خفاء عن المُكَلَّم لا يحدُّه ولا يتسوَّر بذهنه عليه، وليس كالحجابِ في الشاهد، أو بأنْ يرسِلَ إليه مَلَكاً يُشَافِهُهُ بوحي الله/ عز وجل، قال الفخر «3» : قوله: فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ أي: فيوحى ذلك المَلَكُ بإذن اللَّه ما يشاءُ اللَّه انتهى، وقرأ جمهور القُرَّاءِ والناس:«أَوْ يُرْسِلَ» بالنصب «فَيُوحَى» بالنصب أيضاً، وقرأ نافع، وابن عامر، وابن عباس، وأهل المدينة:«أَوْ يُرْسِلُ» بالرفع فيوحي- بسكون الياء «4» -، وقوله: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «مِنْ» متعلِّقةٌ بفعْلٍ يَدُلُّ ظاهر الكلام عليه، تقديره: أو يكلِّمه من وراء حجاب، وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أَنَّ الرسالة من أنواع التكليم، وأَنَّ مَنْ حَلَفَ: لا يُكَلِّم فلاناً، وهو لم ينو المشافهة، ثم أرسل رسولا حنث.
[سورة الشورى (42) : الآيات 52 الى 53]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
وقوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا
…
الآية، المعنى: وبهذه الطرق، ومن هذا الجنس أوحينا إليك، أي: بالرسول، و «الرُّوحُ» في هذه الآية: القرآن
(1) ذكره ابن عطية (5/ 43) .
(2)
ذكره ابن عطية (5/ 43) .
(3)
ينظر: «مفاتيح الغيب» (27/ 163) .
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 43) ، و «البحر المحيط» (7/ 504) ، و «الدر المصون» (6/ 88) .
آن وهدى الشريعة، سَمَّاه رُوحاً من حيث يُحْيي به البَشَرَ والعَالَم كَما يُحْيِي الجسدَ بالروح، فهذا على جهة التشبيه.
وقوله تعالى: مِنْ أَمْرِنا أي: واحد من أُمورنا، ويحتمل أَنْ يكون الأمر بمعنى الكلام، ومِنْ لابتداء الغاية.
وقوله تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ توقيفٌ على مِقْدَارِ النعمةِ، والضمير في جَعَلْناهُ عائد على الكتاب، ونَهْدِي بمعنى: نُرْشِدُ، وقرأ جمهور الناس:«وإنَّكَ لَتَهْدِي» - بفتح التاء وكسر الدال-، وقرأ حَوْشَبٌ:«لتهدى» - بضم التاء وفتح الدال-، وقرأ عاصم:«لَتُهْدِي» - بضم التاء وكسر الدال-.
وقوله: صِراطِ اللَّهِ يعني: صراط شرع اللَّه، ثم استفتح سبحانه القَوْلَ في الإخبار بصيرورة الأمور إليه سبحانه مبالغةً وتحقيقاً وتثبيتاً، فقال: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ قال الشيخُ/ العارفُ باللَّه أبو الحسن الشاذليُّ رحمه الله: إنْ أردتَ أَنْ تغلب الشَّرَّ كُلَّه، وتلحق الخيرَ كُلَّه، ولا يَسْبِقَكَ سَابِق، وإنْ عمل ما عمل- فقل: يا مَنْ له الخَيْرُ كُلُّهُ، أسألك الخيرَ كُلَّه، وأعوذ بك من الشَّرِّ كُلِّه، فإنَّك أنت اللَّه الغَنِيُّ الغفُورُ الرَّحِيم، أَسْأَلُكَ بالهادِي محمّد صلى الله عليه وسلم إلى صراطٍ مستقيمٍ، صراطِ اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السموات وَمَا في الأرض، أَلَا إلى اللَّه تصيرُ الأمور، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مَغْفِرَةً تَشْرَحُ بها صَدْرِي، وتَضَعُ بها وِزْرِي، وترفعُ بها ذِكْرِي، وتُيَسِّرَ بها أمري، وتُنَزِّهَ بها فكري، وتُقَدِّسَ بها سِرِّي، وتكشفَ بها ضُرِّي، وترفَعَ بها قَدْرِي إنَّك على كُلِّ شَيْءٍ قدير، اهـ.
- قلت-: قوله تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ: هذا بَيِّنٌ، وقوله: وَلَا الْإِيمانُ: فيه تأويلات: قيل معناه: ولا شرائع الإيمان ومعالمَه قال أبو العالية: يعني:
الدعوةَ إلى الإيمان، وقال الحسين بن الفَضْل: يعني أهل الإيمان، مَنْ يؤمن ومَنْ لا يؤمن، وقال ابن خُزَيْمَةَ: الإيمان هنا الصلاة دليله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: 143] قال ابن أبي الجَعْدِ وغيره: احترق مُصْحَفٌ فلم يبقَ منه إلَاّ: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ وغَرِقَ مصحفٌ فامحى كُلُّه إلَاّ قولَه: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ نقله الثعلبيُّ وغيره «1» ، انتهى.
قال العبد الفقير إلى الله تعالى، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي لطف الله به في الدارين: قد يَسَّر اللَّهُ عز وجل في تحرير هذا المختصر، وقد أودعته بحمد الله
(1) ذكره ابن عطية (5/ 44) . [.....]