الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله سبحانه: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ معناه: مضمناً الحق، أي: بالحق في أحكامه، وأوامره، ونواهيه، وأخباره، وَالْمِيزانَ هنا: العدل قاله ابن عباس ومجاهد «1» ، والناس، وحكى الثعلبيُّ عن مجاهد أَنَّهُ قال: هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس «2» ، قال ع «3» : ولا شَكَّ أَنَّه داخل في العدل وجزء منه.
وقوله تعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ وعيدٌ للمشركين، وجاء لفظ قَرِيبٌ مُذَكَّراً من حيثُ تأنيثُ السَّاعَةِ- غيرُ حقيقيٍّ-، وإذْ هي بمعنى الوقت.
ت: ينبغي للمؤمن العاقل أنْ يتدبَّر هذه الآيةَ ونظائرها، ويقدِّر في نفسه أَنَّه المقصود بها:[البسيط]
لَاهٍ بِدُنْيَاهُ وَالأَيَّامُ تَنْعَاهُ
…
وَالْقَبْرُ غَايَتُهُ وَاللَّحْدُ مَأْوَاهُ
يَلْهُو فَلَوْ كَانَ يَدْرِي مَا أُعِدَّ لَه
…
إذَنْ لأَحْزَنَهُ مَا كَانَ أَلْهَاهُ
قال الغَزَّاليُّ في «الإحياء» قال أبو زكريَّا التَّيْمِيُّ: بينما سليمانُ بنُ عبد الملك في المسجد الحرام إذ أُوتِيَ بحَجَرٍ منقوشٍ، فَطَلَبَ مَنْ يَقْرَؤُهُ، فأوتي بِوهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فإذا فيه: ابنَ آدمَ، إنك لو رأيْتَ قُرْبَ ما بَقِيَ من أَجْلِك، لَزَهِدْتَ في طول أملك وَلَرَغِبْتَ في الزيادَةِ مِنْ عَمَلِك، وَلَقَصَّرْتَ مِنْ حِرْصِكَ وحِيَلِكَ، وإنما يلقاك غَداً نَدَمُك لو قد زَلَّتْ بك قَدَمُك، وأسلمك أَهلُكَ وَحْشَمُك، فَفَارَقَكَ الوَلَدُ والقَرِيب وَرَفَضَكَ الوَالِدُ والنَّسِيب، فلا أَنْتَ إلى دُنْيَاك عائد ولا في حَسَنَاتِك زَائِد، فاعمل ليومِ القيامهْ، قبل الحسرة والندامهْ.
فبكى سليمان بكاءً شديداً، انتهى،، وباقي الآية بيِّن.
ثم رَجَّى تبارك وتعالى عباده بقوله: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ ولَطِيفٌ هنا بمعنى رفيق مُتَحَفٍّ، والعباد هنا المؤمنون.
[سورة الشورى (42) : الآيات 20 الى 22]
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
(1) أخرجه الطبري (11/ 139) برقم: (30655) عن مجاهد، وذكره البغوي (4/ 123) عن قتادة، ومجاهد، ومقاتل، وابن عطية (5/ 31) ، وابن كثير (4/ 111) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 697) ، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(2)
ذكره ابن عطية (5/ 31) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 31) .
وقوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ معناه: إرادة مُسْتَعِدٍّ عاملٍ، لا إرادةُ مُتَمَنٍّ مُسَوِّفٍ، والحَرْثُ في هذه الآية: عبارةٌ عن السَّعْيِ والتكسُّبِ والإعْدَاد.
وقوله تعالى: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَعْدٌ مُتَنَجَّزٌ قال الفَخْرُ «1» : وفي تفسير قوله:
نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قولان:
الأوَّلُ: نزد له في توفيقه وإعانته، وتسهيلِ سبيل الخيرات والطاعات عليه، وقال مقاتل: نزد له في حَرْثِهِ بتضعيفِ الثواب قال تعالى: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر: 30] انتهى، وقوله: وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها معناه: ما شئنا منها ولمن شئنا، فَرُبَّ مُمْتَحَنٍ مُضَيَّقٌ عليه حريصٌ على حَرْثِ الدنيا، مريدٌ له، لا يَحُسُّ بغيره، نعوذُ بالله من ذلك! وهذا الذي لا يعقل غيرَ الدنيا هو الذي نفى أنْ يكون له نصيبٌ في الآخرة.
وقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ «أم» هذه منقطعةٌ لا معادلةٌ، وهي بتقدير «بل» ، وألف الاستفهام، والشركاء في هذه الآية يحتمل أنْ يكونَ المراد بهم الشياطين والمُغْوِينَ من أسلافهم، ويكون الضمير في لَهُمْ للكفار المعاصرين لمحمّد ع فالاشتراك هاهنا هو في الكفر والغواية، وليس بشركة الإشراك باللَّه- ويحتمل أنْ يكون المراد بالشركاء: الأصنام والأوثان على معنى: أم لهم أصنام جعلوها شركاءَ للَّه في أُلُوهِيَّتِهِ، ويكون الضمير في شَرَعُوا لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم، والضمير في لَهُمْ للأصنام الشركاء، وشَرَعُوا معناه: أثبتوا، ونهجوا، ورسموا والدِّينِ هنا: العوائدُ والأحكامُ والسِّيرَةُ، ويَدْخُلُ في ذلك أيضاً المُعْتَقَدَاتُ السُّوء لأَنَّهُم في جمِيع ذلك وضعوا ذلك أوضاعاً فاسدة وكلمة الفصل هي ما سبق من قضاء اللَّه تعالى بأَنَّهُ يُؤخِّرُ عقابهم للدار الآخرة، والقضاء بينهم هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم.
وقوله تعالى: تَرَى الظَّالِمِينَ هي رؤية بصر، ومُشْفِقِينَ حال، وليس لهم في هذا الإشفاق مدح لأنَّهم إنَّما أشفقوا حين نزل بهم، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مُشْفِقُون من أمر الساعة، كما تقدم، وهو واقع بهم.
(1) ينظر: «الفخر الرازي» (14/ 140) .