الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَخَزِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عبدُ اللَّه بن أُبَيٍّ ومَقَتَه الناسُ ولَامه المؤْمِنونَ من قومِه، وقال له بعضهم:
امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعْتَرِفْ بذنبكَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فلوى رَأْسَهُ إنْكَاراً لهذا الرَّأْيِ، وقال لهم: لقد أشَرْتُمْ علي بالإيمان فآمنتُ، وأَشَرْتُمْ علي بأنْ أعطِيَ زَكَاةَ مالِي فَفَعَلتُ، وَلَمْ يَبْقَ لكم إلا أن تأمروني بالسجود لِمحمَّدٍ، فهذا قَصَصُ هذه السورة مُوجَزاً، وقَرأَ نافعٌ والمفضَّل عن عاصم:«لَوَوْا» - بتخفيف الواوِ- وقرأ الباقون بتشديدِها.
وقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ
…
الآية، رويَ أنه لما نزلتْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: 80] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأَزِيدَنَّ على السبعينَ، وفي حديثٍ آخَرَ: لَوْ عَلِمْتُ أنِّي لَوْ زِدْتُ على السبعينَ لَغَفَرَ لَهُمْ لَزِدْتُ، وفي هذا الحديثِ دليلٌ عَلَى رَفْضِ دليلِ الخطابِ، فَلَمَّا فعل ابْنُ أُبَيٍّ وأصحابهُ مَا فَعَلُوا شَدَّدَ اللَّه عليهم في هذه الآيةِ، وأَعْلَم أَنَّه لَنْ يَغْفِرَ لهم دون حدّ في الاستغفار.
[سورة المنافقون (63) : الآيات 7 الى 8]
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)
وقوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ إشارةٌ إلى ابن أُبَيٍّ ومَنْ قَالَ بقوله، ثم سفه تعالى أحلامَهم في أن ظَنُّوا أنَّ إنْفَاقَهم هو سَبَبُ رزقِ المهاجرينَ، ونَسَوا أن جَرَيَانِ الرزقِ بِيَدِ اللَّهِ تعالى إذَا انْسَدَّ بابٌ انْفَتَحَ غَيْرُه ثم أعْلَمَ تعالى أنَّ العزةَ لِلَّهِ ولرسولهِ وللمؤمنِين، وفي ذلكَ وعيدٌ وَرُوِي/ أن عبدَ اللَّه بن عبدِ اللَّه بن أُبَيٍّ وكَانَ رَجُلاً صَالِحاً لَمَّا سَمِعَ الآيةَ، جَاءَ إلى أبيه فَقَالَ له: أنْتَ واللَّهِ يا أبَتِ الذليلُ، ورَسُولُ اللَّهِ العزيزُ، وَوَقَفَ عَلَى بَابِ السِّكَّةِ التي يَسْلُكُها أبوه، وجَرَّدَ السَّيْفَ وَمَنَعَهُ الدُّخُولَ، وقال: واللَّهِ لَا دَخَلْتَ إلى مَنْزِلِكَ إلَاّ أنْ يأْذَنَ في ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ في أذَلِّ حال، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إلَيْهِ أنْ خَلِّهِ يَمْضِي إلى مَنْزِلِهِ، فقال: أمّا الآن، فنعم.
[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11)
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
…
الآية، الإلهاءُ: الاشْتِغَالُ بِمَلَذ وَشَهْوَةٍ، وذكرُ اللَّه هنا عامٌّ في الصلوات، والتوحيدِ،
والدعاء، وغيرِ ذلكَ مِنْ مَفْرُوضٍ، ومنْدُوبٍ، وكذلك قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَّا رَزَقْناكُمْ عامٌّ من المفرُوضِ والمندوبِ قاله جماعة من المفسرينَ، قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب «عيوب النفس» : وَمِنْ عيوبِها تضييعُ أوقاتِها بالاشْتِغَالِ بما لا يَعْنِي مِنْ أُمورِ الدُّنْيا، والخَوْضِ فيها مَعَ أهلِها، ومُدَاوَاتُها أنْ يَعْلَمَ أنَّ وَقْتَه أعزُّ الأشياءِ فَيَشْغَلَه بِأَعَزّ الأَشْيَاءِ، وهو ذِكْرُ اللَّهِ، والمُدَاوَمَةُ على الطاعةِ ومطالبةُ الإخْلَاصِ من نفسهِ فإنَّه رُوِيَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعْنِيهِ» «1» وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ: عَلَيْكَ بنفسِكَ فَإنْ لَمْ تَشْغَلْها شَغَلَتْكَ، انتهى.
وقولهُ: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ طَلَبٌ لِلْكَرَّةِ والإمهَالِ، وسَمَّاه قَرِيباً لأنّه آتٍ، وأيْضاً فإنَّما يتمنى ذلك لِيقْضِيَ فيه العملَ الصالحَ فَقَطْ/ وليس يتّسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونظرته. وقوله: وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ظاهرَه العمُومُ، وقال ابن عباس: هو الحج «2» وَرَوَى الترمذيُّ عنه أنَّه قال: مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَلَا يَحُجُّ إلَاّ طَلَبَ الْكَرَّةَ عِنْدَ مَوْتِهِ «3» ، قَال الثعلبيُّ: قَال ابن عباس: إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ يريدُ مِثْلَ آجالِنَا في الدنيا «4» ، انتهى، وقرأ أبو عمرو «5» :«وَأَكُونَ» ، وفي قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها حَضٌّ عَلَى المُبَادَرَةِ ومُسَابَقَةِ الأَجَلِ بالعملِ الصالح.
(1) تقدم تخريجه. [.....]
(2)
أخرجه الطبري (12/ 110- 111) ، بأرقام (34181- 34182، 34185) ، وذكره ابن عطية (5/ 315) ، والبغوي (4/ 351) ، وابن كثير (4/ 373) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 341) ، وعزاه لابن المنذر.
(3)
أخرجه الترمذي (5/ 418)، كتاب «التفسير» باب: ومن سورة المنافقون (3316) ، وابن جرير (12/ 110)(34182) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 340) ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني.
(4)
ذكره الفخر الرازي (10/ 17) .
(5)
ينظر: «السبعة» (637) ، و «إعراب القراءات» (2/ 369) ، و «حجة القراءات» (710) ، و «العنوان» (191) ، و «شرح الطيبة» (6/ 56) ، و «شرح شعلة» (603) ، و «إتحاف» (2/ 540) ، و «معاني القراءات» (3/ 71) .