الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في غير هذا، وأَنَّهم ذكروا المُتَّفَقَ عليه، انتهى.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وهي التوراة والإنجيل، وداعي الله هو محمّد صلى الله عليه وسلم وَآمِنُوا بِهِ أي: باللَّه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ
…
الآية.
ت: وذكر الثعلبيُّ خلافاً في مُؤمني الجِنِّ، هل يُثَابُونَ على الطاعةِ ويدخُلُونَ الجَنَّة، أو يُجَارُونَ من النار فقطْ؟ اللَّه أعلم بذلك، قال الفخر: والصحيحُ أَنَّهم في حُكْمِ بني آدم يستحِقُّون الثوابَ على الطاعة، والعقابَ على المعصية، وهو قول مالك، وابن أبي ليلى قال الضَّحَّاكُ: يدخلون الجنة، ويأكلون ويشربون «1» ، انتهى، وقد تَقَدَّمَ ما نقلناه عن البخاريِّ في سورة الأنعام أَنَّهُمْ يُثَابُونَ.
وقوله سبحانه: وَمَنْ لَاّ يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ
…
الآية: يحتملُ أَنْ يكون مِنْ تمامِ كلام المُنْذِرِين، ويحتمل أَنْ يكونَ من كلام اللَّه عز وجل، و «المُعْجِزُ» :
الذاهبُ في الأَرض الذي يُعْجَزُ طالِبَهُ فلا يَقْدِرُ عليه.
وقوله سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا الضمير لقريش وذلك أَنَّهم أنكروا البعث وعَوْدَ الأجساد، وهُمْ مع ذلك معترِفُونَ بأَنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ السموات والأَرْضَ، فَأُقِيمَتْ عليهم الحُجَّةُ مِنْ أقوالهم- ص-: قال أبو حَيَّان «2» : والباء في قوله: بِقادِرٍ زائدة، انتهى.
[سورة الأحقاف (46) : الآيات 34 الى 35]
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَاّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)
وقوله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ المعنى: واذكرْ يومَ، وهذا وعيدٌ لكفَّار قريشٍ وغيرهم، / وهذا عَرْضُ مباشرةٍ.
وقوله: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ أي: يقال لهم: أليس هذا بالحق؟ قالُوا بَلى وَرَبِّنا فصدَّقوا بذلك حيث لا ينفعهم التصديقُ، فَرُوِيَ عن الحَسَنِ أنه قال: إنَّهم لَيُعَذَّبُونَ في النارِ، وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون أَنَّهُ العَدْل «3» .
واخْتُلِفَ في تعيين أُولى الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، ولا محالةَ أنّ لكل نبيّ ورسول عزما وصبرا.
(1) ينظر: «تفسير البغوي» (4/ 175) .
(2)
ينظر: «البحر المحيط» (8/ 66) .
(3)
ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (5/ 107) .
وقوله: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ معناه: ولا تستعجلْ لهم عذاباً فإنَّهم إليه صائرون، ولا تَسْتَطِلْ تعميرَهُمْ في هذه النِّعْمَةِ فَإنَّهم يوم يَرَوْنَ العذاب كأنهم لَم يَلْبَثُوا في الدنيا إلَاّ ساعةً لاِحتقارهم ذلك لأَنَّ المنقضيَ من الزمان يصير عَدَماً.
ت: وإذا علمتَ- أَيُّها الأخُ- أَنَّ الدنيا أضغاثُ أحْلَام، كان من الحزم اشتغالُكَ الآنَ بتَحْصِيلِ الزادِ لِلْمَعَاد، وحِفْظِ الحَواسِّ، ومراعاةِ الأنفاس، ومراقبة مَوْلَاك، فَآتَّخِذْهُ صاحباً، وذَرِ الناس جانباً قال أبو حامد الغَزَّالِيُّ- رحمه الله: اعلم أَنَّ صاحبك الذي لا تفارقُهُ في حَضَرِكَ وسَفَرِكَ، ونَوْمِكَ ويَقَظَتِكَ، بل في حياتك، وموتك- هو رَبُّك، ومولاك، وسَيِّدُك، وخالقك، ومهما ذكرتَهُ فهو جَلِيسُكَ إذ قال تعالى:«أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي» ، ومهما انكسر قلبُكَ حُزْناً على تَقْصِيرِكَ في حق دِينِكَ، فهو صَاحِبُكَ ومُلَازِمُكَ إذْ قال:«أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبهمْ مِنْ أَجْلِي» «1» فلو عرفته يا أخي حَقَّ معرفتِهِ لَاتَّخذْتَهُ صَاحِباً، وتركْتَ الناَّسَ جانباً، فإنْ لم تَقْدِرْ/ على ذلك في جميع أوقاتك، فَإيَّاكَ أنْ تُخْلِيَ ليلَكَ ونهارَكَ عَنْ وَقْتٍ تخلُو فيه بموْلَاكَ، وتَلذَّذُ بمناجاتِهِ، وعند ذلك فعليكَ بآدَابِ الصُّحْبَةِ مع اللَّه تعالى، وآدابُهَا: إطراقُ الطَّرْفِ، وجَمْعُ الهَمِّ، ودَوَامُ الصَّمْتِ، وسُكُونُ الجَوَارِحِ، ومُبَادَرَةُ الأَمْرِ، واجتنابُ النَّهْي، وقِلَّةُ الاِعتراضِ عَلَى الْقَدَرِ، ودَوَامُ الذِّكْرِ باللسان، ومُلَازَمَةُ الفِكْر، وإيثارُ الحَقِّ، واليَأْسُ من الخَلْقِ، والخضوعُ تحْتَ الهيبَةِ والانْكِسَارُ تحت الحياء، والسُّكُونُ عن حِيَلِ الكَسْب ثِقَةً بالضَّمَان، والتَوَكُّلُ على فَضْل اللَّه معرفةً بحسن اختياره وهذا كله ينبغي أنْ يكون شعارَكَ، في جميع لَيْلِكَ ونَهَارِك، فإنَّهُ آداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك، والخلق كُلُّهم يفارقُونَكَ في بَعْضِ أوقاتك، انتهى من «بداية الهداية» .
وقوله: بَلاغٌ يحتمل معانيَ:
أحدُهَا: أَنْ يكون خبر مبتدإ محذوفٍ، أي: هذا إنذارٌ وتبليغٌ.
ويحتمل أنْ يريد: كأنْ لم يلبثوا إلَاّ ساعةً كانَتْ بلاغَهُمْ، وهذا كما تَقُولُ: متاعٌ قليلٌ، وقيل غَيْرُ هذا، وقرأ أبو مجلز وغيره «2» : بَلاغٌ على الأمر، وقرأ الحسن بن أبي
(1) ينظر: «إتحاف السادة المتقين» للزبيدي (63) .
(2)
وقرأ بها أبو سراج الهذلي.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (140) ، و «المحتسب» (2/ 268) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 108) ، و «البحر المحيط» (8/ 68) ، و «الدر المصون» (6/ 145) .
الحَسَنِ: بَلاغٌ بالخفْضِ نعتاً ل نَهارٍ «1» .
وقوله سبحانه: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ وقُرِىءَ شَاذاً «2» : فَهَلْ يُهْلَكُ ببناء الفعل للفاعل، وفي هذه الآية وعيدٌ مَحْضٌ، وإنذارٌ بَيِّنٌ وذلك أنّ الله عز وجل جعل الحسنة بعشر أمثالها والسيئةَ بمثلها، وغفر الصغائر باجتنابِ الكبائرِ، ووعد الغفرانَ على التوبة، فلن يهلك على اللَّه إلَاّ هالَكَ كما قال صلى الله عليه وسلم، قال الثعلبيُّ: يقال: إن قوله تعالى:
فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ أرجى آية في كتاب الله/ عز وجل للمؤمنين.
(1) وقرأ بها عيسى.
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 108) ، و «البحر المحيط» (8/ 68) ، و «الدر المصون» (6/ 145) .
(2)
قرأ بها ابن محيصن، وروي عنه كسر اللام. قال أبو الفتح: وأما «يهلك» بفتح الياء واللام جميعا فشاذة، ومرغوب عنها، لأن الماضي هلك، فعل مفتوحة العين، ولا يأتي يفعل، بفتح العين فيهما جميعا إلا الشاذ.
ينظر: «المحتسب» (2/ 268)، و «مختصر الشواذ» ص:(141) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 108) ، و «البحر المحيط» (8/ 68) ، و «الدر المصون» (6/ 145) . [.....]