الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي ذاتُ انْفِطارٍ، والانفطارُ التَّصَدُّعُ والانْشِقَاقُ، والضميرُ في بِهِ قال منذر وغيره: عائِدُ على اليومِ وكذا قَال- ص-: إن ضمير بِهِ يعودُ على اليومِ والباء سببيةٌ/ أو ظرفيةٌ، انتهى، وفي «صحيح مسلم» من رواية عبد الله بن عمرو: وذكر صلى الله عليه وسلم: بَعْثُ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إلَى النَّارِ وَوَاحِدٌ إلَى الجَنَّةِ، قَالَ: فَذَلِكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيباً، وذلك يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: 42] الحديث «1» ، انتهى، وقيل: عائدٌ على اللَّه، أي مُنْفَطِرٌ بأمْرِه وقُدْرَتهِ، والضميرُ في قوله: وَعْدُهُ الظاهر أنَّه يعود على اللَّه تعالى.
وقوله تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ
…
الآية، الإشَارَةُ ب «هذه» تحتملُ: إلى ما ذُكِرَ من الأَنْكَالِ والجحيمِ، والأَخْذِ الوبيل، وتحتملُ: أنْ تَكُونَ إلى السورةِ بجُمْلَتِها، وتحتملُ: أنْ تَكُونَ إلى آياتِ القرآن بجُمْلَتِها.
وقوله سبحانه: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا لَيْسَ معناه إبَاحَةُ الأمْرِ وضِدِّه، بل الكلامُ يتضمَّنُ الوَعْدَ والوعيدَ، والسبيلُ هنا سبيلُ الخيرِ والطاعة.
[سورة المزمل (73) : آية 20]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
وقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ
…
الآية، المعنى أنَّ اللَّهَ تعالى يعلمُ أنَّكَ تَقُومُ أنْتَ وغيرك من أُمَّتِك قياماً مختلفاً مَرَّةً يكْثُرُ ومرَّةً يَقلّ، ومرة أدْنَى من الثلثين،
(1) أخرجه البخاري (6/ 440)، كتاب «أحاديث الأنبياء» باب: قصة يأجوج ومأجوج (3348) ، (8/ 295)، كتاب «التفسير» باب: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى (4741) ، (11/ 396)، كتاب «الرقاق» باب:
قول الله عز وجل: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (6530) ، (13/ 462)، كتاب «التوحيد» باب: قول الله تعالى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا. الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (7483) ، ومسلم (2/ 642- 463) - الأبي، كتاب «الإيمان» باب: يقول الله لآدم: أخرج بَعْثُ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وتسعين (379) ، والنسائي (6/ 409) - «الكبرى» ، كتاب «التفسير» باب: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى، وَما هُمْ بِسُكارى
(11339/ 1) .
وفي الباب من حديث أبي هريرة في «الصحيح» :
أخرجه البخاري (11/ 385) ، كتاب «الرقاق» باب الحشر (2529) . [.....]
ومرة أدنى من النصفِ، ومرة أدْنَى من الثلث، وذلك لِعَدَمِ تَحْصِيل البَشَرِ لِمَقَادِيرِ الزمان، مع عُذْرِ النَّوْمِ، وتقديرُ الزمان حقيقةٌ إنما هو للَّهِ تعالى، وأما البشَرُ فلا يُحْصِي ذلك، فتابَ اللَّه عليهمْ، أي: رَجَعَ بهم من الثِّقَلِ إلى الخِفَّةِ وأمرهم بقراءةِ ما تيسَّر، ونحوَ هذَا تُعْطِي عِبَارةُ الفراء، ومنذر فإنهما قالا: تُحْصُوه تَحْفَظُوه، وهذا التأويلُ هو على قراءة الخفضِ عَطْفاً على الثلثين وهي قراءة أبي عمرٍو ونافعٍ وابن عامر، وأمَّا مَنْ قَرأَ:«ونصفَه وثلثَه» بالنَّصْبِ عَطْفاً على أدْنَى وهي قراءة باقي السبعةِ «1» ، فالمعنى عندَهم أنَّ اللَّه تعالى قَدْ عَلِمَ أنهم يَقْدِرُونَ الزمانَ على نحو مَا أَمَرَ بهِ تعالى، في قوله: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: 3- 4] فلم يبقَ إلا قوله: أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فمعناه لَنْ يُطِيقُوا قيامَه/ لِكَثْرَتِهِ وشدتهِ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عنهم فَضْلاً منه لا لِعِلَّةِ جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقاتِ، ونَحوَ هذا تُعْطي عبارةُ الحسن وابن جبير فإنهما قالا: تحصُوه: تُطِيقُوه «2» ، وعبارةُ الثعلبيِّ: ومَنْ قَرَأَ بالنَّصْبِ فالمعنى: وتَقُومُ نصْفَه وثلثَه، قال الفراء: وهو الأشْبَه بالصَّوَابِ لأنه قَالَ أَقَلَّ مِنَ الثلثينِ، ثم ذكر تفسيرَ القلةِ لا تَفْسِيرَ أَقَلِّ مِنَ القلةِ، انتهى، ولو عَبَّر الفَرَّاءُ بالأَرْجَحِ، لكانَ أحْسَنَ أدَباً، وعَنْ عُبَادَةَ بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لا إله لا اللَّه وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحانه اللَّهِ وَلَا إله إلَاّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَاّ بِاللَّهِ» «3» ثم قال: «اللَّهُمَّ، اغفر لي، أوْ دَعَا، استجيب لَهُ، فإنْ تَوَضَّأَ، ثمَّ صلى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» ، رواه الجماعة إلا مسلماً، وَتَعَارَّ- بتشديدِ الرَّاءِ- مَعْنَاه: اسْتَيْقَظَ، انتهى من «السلاح» .
وقوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قال الثعلبيُّ أي: مَا خَفَّ وَسَهُلَ بغير مِقْدَارٍ مِنَ القِرَاءَةِ، والمُدَّةِ، وقيل: المعنى فَصَلُّوا ما تيسَّر فَعَبَّر بالقراءةِ عنها. ت:
وهذا هو الأصَحُّ عند ابن العربي، انتهى، قال ع «4» : قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
(1) ينظر: «الحجة» (6/ 336) ، و «إعراب القراآت» (2/ 407) ، و «معاني القراآت» (2/ 100) ، و «شرح الطيبة» (6/ 77) ، و «العنوان» (199) ، و «حجة القراآت» (731) ، و «شرح شعلة» (612) ، و «إتحاف» (2/ 569) .
(2)
أخرجه الطبري (12/ 293- 294)، رقم:(35292- 35293) ، عن الحسن، ورقم (35294) عن سعيد، وذكره البغوي (4/ 411) ، وابن عطية (5/ 390) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 448) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.
(3)
في د: بالله العلي العظيم.
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 390) .
هو أمْرُ نَدْبٍ في قولِ الجمهور، وقال جماعة: هو فَرْضٌ لَا بُدَّ منه ولو خَمْسِينَ آيةً، وقال الحسنُ وابن سيرين: قيامُ الليل فَرْضٌ «1» وَلَوْ قَدْرُ حَلْبِ شَاةٍ، إلا أنَّ الحسنَ قال: مَنْ قَرأَ مِائَة آيةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ القرآن «2» واسْتَحْسَنَ هذا جماعةٌ من العلماء قال بعضهم:
والركعتانِ بَعْدَ العشاءِ مَعَ الوِتْرِ دَاخِلَتَانِ في امتثالِ هذا الأَمْرِ ومن زَادَ زَادَهُ اللَّه ثواباً، ت: ينبغي للعاقِل المبَادَرَةُ إلى تَحْصِيلِ الخَيْرَاتِ قَبْلَ هُجُومِ صَوْلَةِ المَمَاتِ، قَالَ البَاجِيُّ في «سنن الصالحين» له: قَالَتْ بنت الربيعِ بْنِ خُثَيْمٍ لأبيها: يا أبَتِ/ ما لِي أَرَى النَّاسَ يَنَامُونَ وأنْتَ لَا تَنَامُ، قال: إنَّ أَبَاكِ يَخَافُ البَيَاتَ، قال الباجيُّ- رحمه اللَّه تعالى-:
ولي في هذا المعنى: [من الرجز]
قَدْ أَفْلَحَ القَانِتُ في جُنْحِ الدجى
…
يَتْلُو الْكِتَابَ العَرَبِيَّ النَّيِّرَا
[فَقَائِماً وَرَاكِعاً وَسَاجِدا
…
مُبْتَهِلاً مُسْتَعْبِراً مُسْتَغْفِرَا] «3»
لَهُ حَنِينٌ وَشَهِيقٌ وَبُكَا
…
يَبُلُّ مِنْ أَدْمُعِهِ تُرْبَ الثرى
إنَّا لَسَفْرٌ نَبْتَغِي نَيْلَ الهدى
…
فَفِي السرى بُغْيَتُنَا لَا في الْكَرَا
مَنْ يَنْصَبِ اللَّيْلَ يَنَلْ رَاحَتَهُ
…
عِنْد الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السرى
انتهى، والضربُ في الأرضِ هو السَّفَرُ للتجارةِ ابتغاءَ فضلِ اللَّهِ سبحانه، فذكرَ اللَّه سبحانه أعْذَارَ بني آدمَ التي هي حائلةٌ بينَهم وبيْنَ قيامِ الليل، ثم كرَّر سبحانَه الأَمْرَ بقراءةِ ما تَيَسَّر منه تأكِيداً، والصلاةُ والزكاة هنا هما المفروضَتَانِ، فمن قال: إن القِيَامَ من الليلِ غَيْرُ واجبٍ قال: معنى الآية خُذُوا من هذا النَّفْلِ بما تَيَسَّر وحَافِظُوا على فَرَائِضِكم، ومَنْ قال:
إن شَيْئاً من القيامِ واجبٌ قال: قَدْ قَرَنَه اللَّهُ بالفرائِضِ لأنه فَرْضٌ وإقْراضُ اللَّه تعالى هو إسْلَافُ العملِ الصالحِ عنده، وقرأ جمهورُ الناس «4» «هو خيراً» على أن يكونَ «هو» فَصْلاً، قال بعضُ العلماءِ: الاستِغفارُ بَعْدَ الصلاة مُسْتَنْبَطٌ من هذه الآيةِ، ومن قوله تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: 17- 18] قال
(1) ذكره ابن عطية (5/ 390) .
(2)
أخرجه الطبري (12/ 294)، رقم:(35301) ، وذكره ابن عطية (5/ 390- 391) .
(3)
سقط في: د.
(4)
وقرأ محمّد بن السميفع، وأبو السمال:«هو خير» بالرفع.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (164) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 391) ، و «البحر المحيط» (8/ 359) ، و «الدر المصون» (6/ 410) .
ع «1» : وَعَهَدْتُ أبي- رحمه الله يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ إثْرَ كل مكتُوبةٍ ثَلَاثَاً بِعَقِبِ السلام، ويأثر في ذلك حديثاً، فكان هذا الاستغفارُ من التقصيرِ وتَقَلُّبِ الفِكْرِ أثْنَاء الصلاة، وكان السلفُ الصالحُ يُصَلُّونَ إلى طلوع الفجر ثم يجلسُون للاسْتِغْفَارِ. ت: وما ذكره ع: رحمه الله عَنْ أبيه رَوَاهُ مسلم وأبو داودَ والترمذيُّ والنسائي وابنُ ماجَه عن ثوبان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف/ مِنْ صَلَاتِهِ، استغفر ثَلَاثاً وقَالَ: «اللهمّ، أنت السّلام ومنك السّلام تباركت ذَا الجَلَالِ والاكرام» «2» ، قال الوليدُ: فقلتُ للأوزاعيِّ: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قال: تَقُولُ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وفي روايةٍ لمسلم من حديثِ عائشةَ:«يَا ذَا الجَلَالِ والإكْرَامِ» ، انتهى من «سلاح المؤمن» .
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 391) .
(2)
أخرجه مسلم (5/ 26/ 135- 136) ، وأبو داود (1/ 474)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقول الرجل إذا سلّم (1512) ، والترمذي (2/ 95- 96)، كتاب «الصلاة» باب: ما جاء إذا سلّم من الصلاة (298- 299) ، وابن ماجه (1/ 298)، كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب: ما يقال بعد التسليم (924) ، وابن حبان (5/ 340- 341)، كتاب «الصلاة» باب: فصل في القنوط (2000- 2001) ، وأحمد (6/ 184) ، والنسائي (3/ 69)، كتاب «السهو» باب: الذكر بعد الاستغفار (1338) ، وفي «الكبرى» (1/ 397)، كتاب «صفة الصلاة» باب: الاستغفار بعد السلام (1261) .
قال الترمذي: حديث عائشة، حديث حسن.
وفي الباب من حديث ثوبان: أخرجه أبو داود (1/ 475)، كتاب «الصلاة» باب: ما يقول الرجل إذا سلم (1513) ، والنسائي (3/ 69)، كتاب «السهو» باب: الاستغفار بعد السلام (1337) ، وفي «الكبرى» (1/ 397)، كتاب «صفة الصلاة» باب: الاستغفار بعد السلام (1261) ، والطيالسي (1/ 105)، كتاب «الصلاة» باب: أذكار متنوعة تقال بعد الخروج من الصلاة (476) ، وابن حبان (5/ 343- 344)، كتاب «الصلاة» باب: فصل في القنوت.