الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوبيخ لهم، أي: إنَّكم لا تجدونه، ثم أعلم تعالى أَنَّهُ يضرب بينهم في هذه الحال بسورٍ حاجز، فيبقى المنافقون في ظُلْمَةٍ وعذاب.
وقوله تعالى: باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ أي: جهة المؤمنين وَظاهِرُهُ: جهة المنافقين، والظاهر هنا: البادي ومنه قول الكُتَّابِ: من ظاهر مدينة كذا، وعبارة الثعلبيِّ: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ: وهو حاجز بين الجنة والنار، قال أبو أمامة الباهليُّ «1» : فيرجعون إلى المكان الذي قُسِّمَ فيه النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم، وقد ضُرِبَ بينهم/ بسور، قال قتادة «2» : حائط بين الجنة والنار، له باب باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، يعني: الجنة، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يعني النار، انتهى، قال- ص-: قال أبو البقاء: الباء في بِسُورٍ زائدة، وقيل: ليست بزائدة، قال أبو حيان «3» : والضمير في باطِنُهُ عائدٌ على الباب، وهو الأظهر لأَنَّهُ الأقرب، وقيل: على سور، أبو البقاء: والجملة صفة ل «باب» أو ل «سور» ، انتهى.
[سورة الحديد (57) : الآيات 14 الى 15]
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
وقوله تعالى: يُنادُونَهُمْ معناه: ينادي المنافقون المؤمنين: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ: في الدنيا، فيردّ المؤمنون عليهم: بَلى: كنتم معنا، ولكن عَرَّضْتُمْ أنفسكم للفتنة، وهي حُبُّ العاجل والقتال عليه، قال مجاهد «4» : فتنتم أنفسكم بالنفاق وتَرَبَّصْتُمْ معناه هنا:
بإيمانكم فأبطأتم به، حَتَّى مُتُّم، وقال قتادة «5» : معناه: تربصتم بنا وبمحمّد صلى الله عليه وسلم الدوائرَ، وشككتم، والارتياب: التشكك، والأماني التي غرتهم هي قولهم: سَيَهْلَكُ محمد هذا العام، سَتَهْزِمُهُ قريش، ستأخذه الأحزاب
…
إلى غير ذلك من أمانيهم، وطول الأمل:
(1) ذكره ابن كثير في «تفسيره» (4/ 308) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 250) ، وعزاه لابن المبارك، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن أبي إمامة الباهلي.
(2)
أخرجه الطبري (11/ 678)، برقم:(33621) ، وذكره ابن عطية (5/ 262) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 252) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(3)
ينظر: «البحر المحيط» (8/ 221) .
(4)
أخرجه الطبري (11/ 679)، برقم:(33629) ، وذكره ابن عطية (5/ 263) .
(5)
أخرجه الطبري (11/ 679)، برقم:(33631) ، وذكره ابن عطية (5/ 263) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 309) .
غرار لكل أحد، وأمر اللَّه الذي جاء هو: الفتح وظهور الإسلام، وقيل: هو موتهم على النفاق الموجب للعذاب، والْغَرُورُ: الشيطان بإجماع المتأولين، وينبغي لكل مؤمن أَنْ يعتبر هذه الآيةَ في نفسه، وتسويفَه في توبته، واعلم أيها الأخ أَنَّ الدنيا غَرَّارة للمقبلين عليها، فإنْ أردت الخلاص والفوز بالنجاة، فازهدْ فيها، وأقبلْ على ما يعنيك من إصلاح دينك والتزود لآخرتك، وقد روى ابن المبارك في «رقائقه» عن أبي الدرداء أَنَّهُ قال- يعني لأصحابه-: لَئِنْ حَلَفْتُم لي على رجل منكم/ أَنَّه أزهدكم، لأحلفنَّ لكم أنَّه خيركم «1» ، وروى ابن المبارك بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال:«يَبْعَثُ اللَّهُ تبارك وتعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِهِ كَانَا عَلَى سِيرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَحَدُهُمَا مَقْتُورٌ عَلَيْهِ، وَالآخَرُ مَوَسَّعٌ عَلَيْهِ [فَيُقْبِلُ المَقْتُورُ عَلَيْهِ] «2» إلَى الجَنَّةِ، وَلَا يَنْثَنِي عَنْهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَبْوَابِهَا، فَيَقُولُ حَجَبَتُهَا: إلَيْكَ إلَيْكَ! فَيَقُولُ: إذَنْ لَا أَرْجِعَ، قال: وَسَيْفُهُ في عُنُقِهِ فَيَقُولُ: أُعْطِيتُ هذا السَّيْفَ في الدُّنْيَا أُجَاهِدُ بِهِ، فَلَمْ أَزَلْ مُجَاهِداً بِهِ حتى قُبِضْتُ وَأَنَا على ذَلِكَ، فَيَرْمِي بِسَيْفِهِ إلَى الخَزَنَةِ، وَيَنْطَلِقُ، لَا يُثْنُونَهُ وَلَا يَحْبِسُونَهُ عَنِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا، فَيَمْكُثُ فِيهَا دَهْراً، ثُمَّ يَمُرُّ بِهِ أَخُوهُ المُوَسَّعُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ: يَا فُلَانُ، مَا حَبَسَكَ؟! فَيَقُولُ: مَا خُلِّيَ سَبِيلِي إلَاّ الآن، وَلَقَدْ حُبِسْتُ مَا لَوْ أَنَّ ثَلَاثَمِائَةِ بِعِيرٍ أَكَلَتْ خَمْطاً، لَا يَرِدْنَ إلَاّ خِمْساً وَرَدْنَ على عِرْقِي لَصَدَرْنَ مِنْهُ رِيًّا «3» » انتهى.
وقوله تعالى: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ
…
الآية: استمرارٌ في مخاطبة المنافقين قاله قتادة وغيره «4» .
وقوله تعالى: هِيَ مَوْلاكُمْ قال المفسرون: معناه: هي أولى بكم، وهذا تفسير بالمعنى، وإنَّما هي استعارة لأَنَّها من حيثُ تَضُمُّهم وتباشِرُهم هي تواليهم وتكون لهم مكانَ المولى، وهذا نحو قول الشاعر:[الوافر]
..............
…
تحيّة بينهم ضرب وجيع «5»
(1) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (193)، برقم:(550) .
(2)
سقط في: د.
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (195)، برقم:(556) .
(4)
أخرجه الطبري (11/ 680)، برقم:(33638) ، وذكره ابن عطية (5/ 263) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 253) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(5)
عجز بيت وصدره:
وخيل قد دلفت لها بخيل
…
........
وهو لعمر بن معد يكرب في «ديوانه» ص: (149) ، و «خزانة الأدب» (9/ 252، 257، 258، 261، -