الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاضتْ نفسه، وفارق الدنيا رحمة اللَّه عليه، فإنْ ظَنَّ ظانٌّ جاهل أَنَّ الاستكثار من الدنيا ليس به بأس، أو غلب عليه الجهل فَظَنَّ أَنَّ ذلك أفضل من طلب الكفاف منها، وشُبِّهَ عليه بقول اللَّه تعالى: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى [الضحى: 8] فيما عَدَّده سبحانه على نبيّه صلى الله عليه وسلم من نعمه عنده- فَإنَّ ذلك ليس كما ظَنَّ بل ذلك غنى القلب، دَلَّتْ على ذلك الآثارُ الكثيرة كقوله عليه السلام:«لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَإنَّما الغِنَى غِنَى النّفس» «1» انتهى.
[سورة الحديد (57) : الآيات 21 الى 23]
سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23)
وقوله سبحانه: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
…
الآية: لما ذكر تعالى المغفرة التي في الآخرة، ندب في هذه الآية إلى المسارعة إليها والمسابقة، وهذه الآية حُجَّةٌ عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات، وقدِ استدلَّ بها بعضُهم على أَنَّ أَوَّلَ أوقات الصلوات أَفضلُ لأَنَّهُ يقتضي المسارعةَ والمسابقةَ، وذكر سبحانه العَرْضَ من الجنة إذِ المعهودُ أَنَّهُ أَقَلُّ من الطول، وقد ورد في الحديث:«أَنَّ سَقْفَ الجَنَّةِ الْعَرْشُ» وورد في الحديث: «أَنَّ السموات السَّبْعَ في الكُرْسِيِّ كَالدِّرْهَمِ في الْفَلَاةِ، وَأَنَّ الْكُرْسِيَّ في الْعَرْشِ كَالدِّرْهَمِ في الْفَلَاةِ» «2» .
ت: أيها الأخ، أَمَرَكَ المولى سبحانه بالمسابقة والمسارعة رحمةً منه وفضلاً، فلا تغفلْ عن امتثال أمره وإجابة دعوته:[الخفيف]
السِّبَاقَ السِّبَاقَ قَوْلاً وَفِعْلاً
…
حَذَرَ النَّفْسِ حَسْرَةَ/ الْمَسْبُوقِ
ذكر صاحبُ «معالم الإيمان، وروضات الرضوان» في مناقب صلحاء القيروان، قال:
ومنهم أبو خالد عبد الخالق المتعبد، كان كثيرَ الخوف والحزن، وبالخوف مات رأى يوماً خَيْلاً يسابق بها، فتقدمها فرسان، ثم تقدم أَحَدُهُمَا على الآخر، ثم جَدَّ التالي حتى سَبَقَ الأول، فتخلَّلَ عبد الخالق الناسَ حَتَّى وصلَ إلى الفرس السابق، فجعل يُقَبِّلُهُ ويقول: بارك اللَّه فيك، صَبَرْتَ فظفرت، ثم سقط مغشيّا عليه، انتهى.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
وقوله سبحانه: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ
…
الآية: قال ابن زيد وغيره «1» : المعنى: ما حدث من حادث، خيرٍ وشَرٍّ، فهذا على معنى لفظ أصاب، لا على عُرْفِ المصيبة فإنَّ عُرْفَهَا في الشر، وقال ابن عباس «2» ما معناه: أَنَّه أراد عرف المصيبة، فقوله: فِي الْأَرْضِ يعني: بالقحوط، والزلازل، وغير ذلك وفِي أَنْفُسِكُمْ: بالموت، والأمراض، وغير ذلك.
وقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ معناه: إلَاّ والمصيبة في كتاب ونَبْرَأَها معناه: نخلقها يقال: برأ اللَّهُ الخلق، أي: خلقهم، والضميرُ عائد على المصيبة، وقيل: على الأرض، وقيل: على الأنفس قاله ابن عباس وجماعة «3» ، وذكر المهدويُّ جوازَ عود الضمير على جميع ما ذُكِر، وهي كُلُّها معانٍ صِحَاحٌ.
إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ: يريد تحصيلَ الأشياءِ كلها في كتاب، وقال الثعلبي:
وقيل المعنى: إنَّ خَلْقَ ذلك وحِفْظَ جميعه، على اللَّه يسير، انتهى.
وقوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا معناه: فَعَلَ اللَّهُ هذا كُلَّه، وأَعلمكم به ليكونَ سَبَبَ تسليتكم وقِلَّةَ اكتراثكم بأمور الدنيا، فلا تحزنوا على فائت، ولا تفرحوا الفَرَحَ المبطر بما آتاكم/ منها، قال ابن عباس «4» : ليس أحد إلَاّ يحزنُ أو يفرحُ، ولكن مَنْ أصابته مصيبةٌ فليجعلها صبراً، ومَنْ أصابه خير فليجعله شكراً وفي «صحيح مسلم» عن أبي سعيد وأبي هريرةَ، أَنَّهُمَا سَمِعَا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:«مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ، حَتَّى الهَمِّ يَهُمُّهُ- إلَاّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» «5» ، وفي «صحيح مسلم» عن
(1) أخرجه الطبري (11/ 686)، برقم:(33662) ، وذكره ابن عطية (5/ 268) . [.....]
(2)
ذكره ابن عطية (5/ 268) .
(3)
أخرجه الطبري (11/ 685)، برقم:(33657) ، وذكره ابن عطية (5/ 268) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 257) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس.
(4)
أخرجه الطبري (11/ 687)، برقم:(33666) ، وذكره ابن عطية (5/ 268) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 257) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان» .
(5)
أخرجه البخاري (10/ 107)، كتاب «المرضى» باب: ما جاء في كفارة المريض وقوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (5641- 5642) ، ومسلم (4/ 1992، 1993)، كتاب «البر والصلة والآداب» باب: ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها (52/ 2573) ، وأحمد (2/ 303، 335) ، (3/ 18- 19، 48) عن أبي هريرة، (2/ 303، 335) ، (3/ 18- 19، 48) عن أبي سعيد، والبيهقي (3/ 373)، كتاب «الجنائز» باب: ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من