الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم يسلمون دونَ حرب، قال ابن العربي «1» : والذين تَعَيَّنَ قتالُهم حتى يسلموا مِنْ غير قبول جزية، هم العرب في أَصَحِّ الأقوال، أوِ المرتدون، فأَمَّا فارس والروم فلا يُقَاتَلونَ إلى أَنْ يسلموا بل إنْ بذلوا الجزية قُبِلَتْ منهم، وهذه الآية إخبار بمغيب فهي من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى من «الأحكام» .
وقوله: فَإِنْ تُطِيعُوا أي: فيما تُدعون إليه، وباقي الآية بَيِّنٌ.
ثم ذكر تعالى أهل/ الأعذار، ورَفَعَ الحرج عنهم، وهو حكم ثابت لهم إلى يوم القيامة، ومع ارتفاع الحَرَج فجائز لهم الغزوُ، وأجرهم فيه مُضَاعَفٌ، وقد غزا ابن أُمِّ مكتوم [وكان يُمْسِكُ الرَايةَ في بعض حروب القادسية، وقد خَرَّجَ النسائِيُّ هذا المعنى، وذكر ابنَ أمّ مكتوم]«2» رحمه الله.
[سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 20]
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20)
وقوله عز وجل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
…
الآية، تشريف لهم- رضي الله عنهم وقد تَقَدَّمَ القولُ في المبالغة ومعناها، وكان سببَ هذه المبايعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أَنْ يبعث إلى مَكَّةَ رجلاً يُبَيِّنُ لهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد حرباً وإنَّما جاء مُعْتَمِراً، فبعث إليهم خداش بن أميّة الخزاعيّ، وحمله صلى الله عليه وسلم على جَمَلٍ له يقال له: الثعلب، فلما كَلَّمَهُمْ عَقَرُوا الجمل، وأرادوا قتل خداش فمنعته الأحابيش، وبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فأراد بَعْثَ عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول اللَّه، إنِّي أخاف قريشاً على نفسي، وليس بِمَكَّةَ من بني عَدِيٍّ أَحَدٌ يحميني، ولكنِ ابعث عثمان فهو أَعُزُّ بمكّة منّي، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب، فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي فنزل عن دَابَّتِهِ فحمله عليها، وأجاره حتى بلغ
- ومثله قول امرئ القيس [الطويل] :
فقلت له لا تبك عينك إنما
…
تحاول ملكا أو تموت فتعذرا
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 132) ، و «البحر المحيط» (8/ 94) ، وزاد نسبتها إلى زيد بن علي، وهي في «الدر المصون» (6/ 162) .
(1)
ينظر: «أحكام القرآن» (4/ 1705) . [.....]
(2)
سقط في: د.
الرسالة، فقالوا له: إنْ شِئْتَ يا عثمانَ أَنْ تطوف بالبيت فَطُفْ به، فقال: ما كنت لأطوف حتى يطوف به النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنَّ بَنِي سعيد بن العاصي حَبَسُوا عثمانَ على جهة المبرة، فأبطأ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكانتِ الحُدَيْبِيَّةُ من مَكَّةَ على نحو عَشَرَةِ أميال، فصرخ صارخ من عسكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قتل عثمان، فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم/ والمؤمنون، وقالوا: لا نبرحُ- إنْ كان هذا- حتى نُنَاجِزَ القوم، ثم دعا الناسَ إلى البيعة فبايعوه صلى الله عليه وسلم ولم يَتَخَلَّفْ عنها إلَاّ الجد بن قيس المنافق، وجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ على يَدِهِ، وقال: هذه يَدٌ لعثمانَ «1» ، وهي خير، ثم جاءَ عثمانُ سالماً والشجرة سمرة كانت هنالك ذهبت بعد سنين.
وقوله سبحانه: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ قال الطبريُّ «2» ، ومنذر بن سعيد: معناه: من الإيمان وصِحَّتِهِ، والحبِّ في الدين والحِرْصِ فيه، وقرأ الناس:«وَأَثَابَهُمْ» «3» قال هارون:
وقد قرأت: «وَآتَاهُمْ» بالتاء بنقطتين «4» ، والفتح القريب: خيبر، والمغانم الكثيرة: فتح خيبرَ.
وقوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ
…
الآية، مخاطبة للمؤمنين، ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة قاله مجاهد وغيره «5» .
وقولهُ: فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يريد خيبَر، وقال زيد بن أسلم وابنه: المغانم الكثيرة:
خيبر «6» ، وهذه إشارة إلى البيعة والتَّخَلُّصِ من أمر قريش، وقاله ابن عبّاس «7» .
(1) ورد ذكر البيعة في حديث ابن عمر، أخرجه البخاري (6/ 271) كتاب «فرض الخمس» باب: إذا بعث الإمام رسولا في حاجة أو أمره بالمقام هل يسهم له؟ (3130) وأطرافه في (3698، 3704، 4066، 4513، 4514، 4650، 7095) ، والترمذي (5/ 629)، كتاب «المناقب» باب: في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه (3706) ، وأحمد (2/ 120) ، وأبو يعلى في «مسنده» (9/ 450)(185/ 5599) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
ينظر: «تفسير الطبري» (11/ 350) .
(3)
ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 134) ، و «البحر المحيط» (8/ 96) .
(4)
قرأ بها الحسن ونوح القارئ.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (142) ، و «البحر المحيط» (8/ 96) .
(5)
أخرجه الطبري (11/ 351) برقم: (31533) ، وذكره ابن عطية (5/ 134) ، وابن كثير (4/ 191) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 70) .
(6)
أخرجه الطبري (11/ 351) برقم: (31534) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية (5/ 135) .
(7)
أخرجه الطبري (11/ 351) برقم (31537) وذكره ابن عطية (5/ 135) ، وابن كثير (4/ 191) .