الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة «الفجر»
وهي مكّيّة عند الجمهور، وقيل: مدنيّة، والأوّل أصحّ وأشهر
[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4)
الفَجْرُ هنا عند الجمهور: هو المشهورُ المعروفُ الطالِعُ كلَّ يومٍ، وقال ابن عباس وغيره: الفجرُ الذي أقسَم اللَّه به صلاةُ الصبحِ، وقيل غيرُ هذا. [واخْتُلِفَ في الليالي العشرِ فقيلَ: العشرُ الأُوَلُ مِنْ رمضانَ، وقيلَ: العشرُ الأواخِر منه، وقيل: عَشْرُ ذي الحجةِ، وقيل: غيرُ هذا] «1» واللَّه أعلم بما أراد، فإن صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ في هذا صِيْرَ إليْهِ، واخْتُلِفَ في «الشَّفْعِ وَالْوتر» ما هما؟ على أقوالٍ كثيرةٍ، وروى عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«هي الصلواتُ منها الشَّفْعُ ومنها الوَتْرُ» «2» ، وسري الليل: هو ذهابُه وانقراضُه هذا قولُ الجمهورِ، وقيل: المعنى: إذا يسرى فيه.
[سورة الفجر (89) : الآيات 5 الى 14]
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (6) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (9)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14)
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي: هل في هذه الأقسامِ مُقْنِعٌ لذي عقل؟ ثم وقَفَ تعالى عَلى مصارِعِ الأُمَمَ الخاليةِ «وعاد» : قبيلة بِلَا خلافٍ، واختلفَ في:«إرَمِ» فقال
(1) سقط في: د.
(2)
أخرجه الترمذي (5/ 440)، كتاب «تفسير القرآن» باب: ومن سورة الفجر (2342) ، وأحمد (4/ 438) ، (4/ 442) ، والطبراني (18/ 232) ، والحاكم (2/ 522) .
قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث قتادة. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
مجاهدٌ: هي القبيلةُ بعَيْنِها «1» ، وقال ابن إسحاق: إرم: هو أبو عادٍ كلِّها «2» ، وقال الجمهور: إرم: مدينةٌ لهم عظيمةٌ كانَتْ عَلَى وجهِ الدَّهْرِ باليَمَنِ، واخْتُلِفَ في قوله تعالى:
ذاتِ الْعِمادِ فمن قال: إرم مدينةٌ قال: العمادُ أَعْمِدَة الحجارةِ التي بُنِيَتْ بها، وقيلَ القُصورُ العالية، والأبراجُ يقال لها عِمَادٌ، ومَنْ قَال إرم قبيلةٌ قال: العماد إما أَعْمِدَةُ بنيانهم، وإما أَعْمِدَةُ بيوتِهم التي يَرْحَلُونَ بها قاله جماعةٌ والضميرُ في مِثْلُها يعودُ إما على المدينة وإما على القبيلة.
وجابُوا الصَّخْرَ معناه: خَرَقُوه ونَحَتُوه، وكَانُوا في وادِيهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة، وفِرْعَوْنَ هو فِرْعَونُ مُوسىَ، واختلِفَ في أوتادهِ فقيل: أبنيتُه العاليةُ، وقيلَ جنودُه الذينَ بهم يُثَبِّتُ ملكَه، وقيل/ المرادُ أوتادُ أخبيةِ عساكرهِ، وذُكِرَتْ لكثرتِها قاله ابن عباس «3» ، وقال مجاهد: كان يُوتِدُ الناس بأوتادِ حديدٍ، يَقْتلُهُم بذلك: يَضْرِبُها في أَبْدَانِهمْ حَتَّى تنْفُذَ إلى الأرضِ «4» ، وقيلَ: غيرُ هذا، والصَّبُّ مستعملٌ في السوطِ وإنما خُصَّ السوطُ بأنْ يُسْتَعَارَ للعذابِ لأنه يقتضِي من التَّكْرارِ والتَّرْداد ما لا يقتضيه السيفُ، ولَا غيرُه وقال بعض اللَّغويينَ: السَّوْطُ هنا مصدرٌ من سَاطَ يَسُوطُ إذَا خَلَطَ فكأَنه قال خَلْطُ عَذَابٍ.
- ص-: قال ابن الأنباري: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ هُو جوابُ القَسَمِ، وقيل:
محذوف، وقيل: الجواب، هَلْ فِي ذلِكَ وهَلْ بمعنى «إنّ» وليس بشيء، انتهى، والمرصاد والمَرْصَدُ: مَوْضِعُ الرَّصْدِ، قاله بعض اللغويين، أي: أَنَّه تعالى عنْدَ لسانِ كل قائلٍ ومَرْصَدٍ لكلِّ فاعلٍ، وإذا عَلِمَ العبدُ أَنَّ مولاه له بالمرصادِ ودَامَتْ مراقبتُه في الفؤادِ، حَضَره الخوفُ والحذُر لا محالةَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:
235] قال أبو حامد في «الإحياء» : وبحسبِ معرفةِ العبد بِعيوبِ نفسهِ، ومعرفتهِ بجلالِ ربه وتعالِيه واستغنائِه، وأنه لا يُسْأَلُ عما يفعلُ تَكُونُ قوةُ خوفِه، فأخوفُ الناسِ لربه أعرفُهم بنفسِهِ وبربهِ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:«أنا أخوفُكم للَّه» ، ولذلكَ قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: 28] ثم إذا كَمُلَتِ المعرفةُ أورثتِ الخوفَ واحْتراقَ القلبِ، ثم
(1) ذكره ابن عطية (5/ 477) .
(2)
أخرجه الطبري (12/ 567) ، (37130) ، وذكره البغوي (4/ 482) ، وابن عطية (5/ 477) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 507) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 583) ، وعزاه لابن المنذر عن السدي.
(3)
ذكره ابن عطية (5/ 478) .
(4)
أخرجه الطبري (12/ 570) ، (37150) ، وذكره ابن عطية (5/ 478) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 508) بنحوه.